السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

في الأوقات الصعبة.. لماذا يسافر الرئيس؟

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
بعد كساد تجارة ميليشيات «البنا» لم تعد بضاعتهم الفاسدة تحظى باهتمام الأسواق العالمية، وفقدت الأصوات التى أدمنت السخرية والغوغائية – حتى فى اللحظات التى لا تحتمل إلا الجد– جاذبيتها أملا فى خلق نجومية زائفة على مواقع التواصل الاجتماعى.. ما زالت أصواتًا بعضها ينتمى للأسف إلى مهن تفرض قدرا من المنطق تنزلق إلى الخوض فى قضايا بديهية.. بل محسومة وفق كل المراجع السياسية منذ صدور كتاب «الأمير» لميكيافيللى حتى الآن. طُرحت تساؤلات حول جدوى التسليح المصرى، واعتماد سياسة التنوع فى مصادره، ثم سرعان ما كشفت التغييرات التى تحمل يوميا تطورات خطيرة على صعيد المنطقة العربية، وضرورة دعم مواقف مصر ومواردها الطبيعية بقوة موازية تحديدا حين اختارت مصر منذ عام 2013 نهج سياسة خارجية هى الأكثر اتساقا مع الاتجاه الدولى العام.
إثر كل زيارة للرئيس السيسى يتجدد النقاش وتُعقَد المقارنات حول جدوى هذه الرحلات على المستوى الرئاسى. مصر واكبت التغيير الذى طرأ على طبيعة إدارة العلاقات الخارجية، خلافا للعقود الماضية، وفق نهج وطنى براجماتى يضمن مصالحها ويعمل على تهدئة أزمات المنطقة العربية، بمهارة دبلوماسية فى تقدير التوازنات السياسية والمساحات المتاحة على المسرح الدولى. نقلت رحلات الرئيس السيسى للعالم صورة صادقة عن الواقع السياسى والاقتصادى والأمنى، لا تزال آثار البقع السوداء التى سارعت دول وأطراف- اعتمادا على أكاذيب مرسلة نشطت جماعة الإخوان فى ترويجها- فى إلقائها لتشويه مشهد رائع تجلت فيه إرادة شعب. عبر التاريخ المعاصر ظلت إشكالية مصر فى تحقيق توازن دقيق بين علاقتها بالقوتين الأكبر، أمريكا- روسيا، كان توجه العلاقات نحو طرف غالبًا ما يلقى بآثاره السلبية على الصلات مع الطرف الآخر. لقاءات الرئيس السيسى مع القيادتين أرست هذا التوازن الذى يكتسب أهميته فى أجواء توترات إقليمية وصراعات قابلة للانفجار فى المنطقة العربية، وهيمنة أجواء الصفقات والابتزاز على السياسة الخارجية الأمريكية ما يُرجِح أن الأصعب ما زال لم يأتِ بعد. أمام ملامح مشهد سياسى مضطرب، الحقيقة المؤكدة هى انقضاء عصور الاعتماد كليا على طرف أو وضع 99% من أوراق القرار فى يد طرف آخر، تحديدا مع ظهور قوى سياسية واقتصادية استقبلت بترحيب المسار المصرى، استنادا على أسس استقلال القرار الوطنى وبناء جسور تواصل قائمة على القاعدة التى تلخص علاقات الدول «المصالح المشتركة». مصر عاشت عقود من «الترهل الدبلوماسى» أفقدها التواصل مع أطراف هامة مثل أفريقيا، دول آسيا، أمريكا اللاتينية. اهتمام القيادة السياسية بإعادة بناء هذه الجسور يتجاوز نشاط الحراك الدبلوماسى الذى نجحت وزارة الخارجية فى تحقيقه إلى مستوى أعلى من التواصل المباشر والمباحثات مع قادة مختلف الدول. عودة حضور مصر إقليميا ودوليا وترسيخ روابط المصالح الاقتصادية والأمنية لم تعد قضايا ترف فى مشهد دولى عاصف، تحاك فيه الصفقات المشبوهة وتُنصب فخاخ، علما أن مصر تملك مزايا ثمينة تستحق أن يتم التسويق لها بين الدول الصناعية الكبرى.. أبرزها أنها بوابة العالم إلى أفريقيا، كما تحظى بمناخ آمن، بالإضافة إلى قطع خطوات كبيرة فى نسف العقبات التى كانت تعيق الاستثمار.
على صعيد المشهد العربى الراهن، أجواء الفتور التى ألقت بظلالها عبر العقود الماضية – مقارنة بما تحقق خلال الخمسة أعوام الماضية- ساهم فى تعطيل مساعى إخماد الحرائق المشتعلة التى طالت بعض دول المنطقة. لا يغيب عن الرئيس السيسى أن التدخلات العسكرية الأمريكية والغربية منذ 2003 لم تتوقف نتائجها الكارثية على خلق أرض خصبة لنمو مختلف التنظيمات الإرهابية، لكنها منحت مساحة أكبر للصوت الإسرائيلى.. أتاحت له الانفراد بالساحة الدولية، أجواء الأزمات العربية مكنت إسرائيل من اقتناص مكاسب جديدة. الدبلوماسية المصرية بقيادة الرئيس السيسى نجحت فى إدارة التوازن الصعب بين الرفض الشعبى للتطبيع مع الكيان الإسرائيلى وبين الالتزام المصرى تاريخيا تجاه القضية الفلسطينية. سياسيا، عن طريق تفنيد الأكاذيب الإسرائيلية حول عدم وجود شريك مفاوض لهم، حيث نشطت المبادرات المصرية لتوحيد الأطراف الفلسطينية المختلفة.. أمنيا، أحبطت المخطط الشيطانى الذى رحبت «ميليشيا الإخوان» بتنفيذه خلال سرقتها لمصر تمهيدا لسلخ الشعب الفلسطينى عن أرضه وتوطينه فى سيناء.
القراءة الواقعية لأهمية الدور المصرى، مع الإقرار بأن حجم التحديات يصعب على قدرة أى دولة الحسم فيها بمفردها، يفرض الاعتراف أن الدبلوماسية الرصينة حققت لمصر مكاسب وجنبتها الكثير من الخسائر التى كانت ستتكبدها نتيجة الضغوط والاستفزاز الذى حاولت أطراف ممارسته على مصر.
هذا النهج بالتأكيد سيدعم نجاح مصر مستقبلا كطرف أساسى فى حدثين سياسيين، الأول: مقترح ورد ضمن خطاب الرئيس ترامب أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة لبناء تحالف إقليمى استراتيجى بهدف التعامل مع أزمات منطقة الشرق الأوسط، الثانى: توقيع اتفاقية الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين مصر وروسيا.
أخيرا.. إلى مدمنى السطحية، هذا جزء مما حققته رحلات الرئيس السيسى وسط مشهد سياسى عالمى يعجز أعتى محللى السياسة عن توقع بؤر أزماته الجديدة.