رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

اقتصاد

بالأرقام.. حياة المصريين في 10 سنوات.. إصلاح اقتصادي للأفضل

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
شرفات زجاجية تزينها صور لبعض أشهر الوجوه السينمائية قديمًا وحديثًا، تستقر فى مدخل إحدى العمارات العتيقة بوسط البلد، يمكث فى آخرها شخص ذو لحية بيضاء صغيرة، وقامة قصيرة منحنية نسبيًا، ووجه تملك منه الزمن. 
«أشرف محيى الدين»، صاحب أقدم استوديو تصوير فى مصر «بيلا»، 77 سنة، تمتلئ جعبته بحكايات آلاف الوجوه التى مرت عليه بطول تاريخه فى المهنة، الذى يبلغ نصف القرن، تبدلت أحوال المصريين فى أثناء تلك الفترة، بينما يؤكد أنه لم ير تغييرًا فى الملامح والروح مثل العشر سنوات الأخيرة، التى أعلنت خلالها الحكومة بدء منظومة إلغاء الدعم عن الوقود والمرافق الأساسية تدريجيًا حتى 2019.
شهدت سنة ميلاد «أشرف» بعد اندلاع الحرب العالمية الثانية، بداية تفكير الحكومة المصرية فى تقليل الدعم تدريجيًا، ولكن اختفى هذا التوجه لارتفاع معدلات الفقر كثيرًا حينها، وعاود للظهور مرة أخرى عام 1977، فهب الشعب منتفضًا رافضًا، ولكن فى سنة 2014، أعلنت الحكومة توقيعها اتفاقًا مع صندوق النقد الدولي، يلزمها بالتخلى عن الدعم تدريجيًا على مدار 5 سنوات.
لدى الرجل السبعينى ابن وحيد و4 أحفاد، يخشى عليهم مرارة الأيام وغموض المستقبل، لكنه لا يزال يحتفظ بابتسامة عريضة راضية كملايين المصريين، الذين نفتح دفتر أحوالهم فى سنوات الغلاء من 2008 إلى 2018 فى التقرير التالي.
«وحيد» سائق تاكسي، ذو خمسين عامًا، ينخرط فى حديث يومى مع زملائه عن أسعار الوقود، وتأثيرها عليهم، حيث زاد سعر البنزين حوالى ٥ أضعاف خلال ١٠ سنوات. بمجرد إعلان الحكومة عن إلغاء الدعم تدريجيًا على الوقود بدءًا من ٢٠١٤، عقد «وحيد» العزم على استبدال البنزين بالغاز المخصص للسيارات، يقول: «قبل الزيادات، كنت بحط ١١ لـ ٢٠ لترا بحوالى ٤٠ جنيها كل يومين، دلوقتى يكلفنى ١٤٠ جنيها، أوفرها أحسن لأولادي».
يعانى «وحيد» كبقية الشعب المصرى من ارتفاع سعر الوقود، بينما يشكل سعر بيع الوقود الحالى للمستهلكين نحو ٧٣٪ من تكلفته الفعلية. 
سامي، شاب فى مقتبل الأربعينات، نجح منذ سنوات قليلة فى امتلاك سيارة ترحمهم من زحمة المواصلات، لكن فاتورة البنزين الشهرية، تجعله يفكر كثيرًا قبل استخدامها. وبحسب تقرير الدخل والإنفاق الصادر عن الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء عام ٢٠١٥، ينتزع النقل حوالى ٦.٣٪ فى المتوسط من دخل الأسرة المصرية، بينما يؤكد «سامي» أن ٣٠٪ من راتبه وزوجته يذهب على الانتقالات. 
فى يوم صيفى حار، يستظل عم «أحمد» بشجرة بموقف الجيزة، يحتسى الشاى منتظرًا امتلاء الميكروباص الخاص به بالركاب، روتين لم يتغير منذ سنوات، لكنه أصبح أكثر مرارة، كلما حدثت زيادة جديدة فى أسعار الوقود بنسب لا تقل عن ٥٠٪.
يستهلك الرجل الستينى السولار لتزويد الميكروباص، الذى قفز سعره خلال العشر سنوات الماضية أكثر من ٥ أضعاف. وبصوت متهدج يشكو عم «أحمد» هذا الأمر قائلًا: «لما السولار بيغلى، كل حاجة بتغلى، قطع الغيار، البطاريات، بقالى شهر مش عارف أغير زيت!». 
يجلس شاب أسمر، على أحد المقاعد المخصصة للانتظار، مصوبًا عينيه نحو المدخل، يترقب وصول أتوبيس الهيئة الذى يقله إلى منزله بالإسكان الاجتماعى فى طريق الفيوم، الذى لجأ إليه حديثًا بعد زيادة أجرة الميكروباص بنسبة ٢٠٪، وفقًا لدكتور مصطفى مدبولي، رئيس الوزراء.
يعمل «عامر» موظفًا بمجمع التحرير منذ ١٠ سنوات، يوميًا يستقل ٣ مواصلات من وإلى عمله، تبدأ من توكتوك صغير من أمام منزله حتى الطريق السريع، ثم أتوبيس إلى ميدان الجيزة، وآخر إلى ميدان عبدالمنعم رياض، حيث يترجل إلى المجمع. تتكلف تلك الرحلة ٢٤ جنيها يوميًا، ما يساوى ٧٠٠ جنيه شهريًا، بخلاف زوجته التى تتكبد تقريبًا نفس المبلغ للذهاب لعملها بجامعة القاهرة. 
بنظرة تائهة تعلو وجهه يقول عامر: «مصاريف المواصلات بس بتاكل نص مرتبنا احنا الاتنين، والعبء بيتضاعف أيام الدراسة، عشان بنضطر ندفع قده للعربية اللى بتودى الأولاد للمدرسة». يشارك د شريف الدمرداش، الخبير الاقتصادي، معاناة «عامر»، فهو يرى أن الحكومة المصرية لا تراعى فروق المرتبات بين المواطن المصرى والأوروبي، عندما تنصاع لأوامر صندوق النقد الدولي، فبالنسبة إليه «الدولة بتحصل موارد فقط». 
يبدأ «كمال»، موظف، يومه فى السادسة صباحًا، يشرب كوبًا من القهوة، بينما يستمع إلى الأخبار فى الراديو.. ليفاجأ برفع جديد لأسعار المياه لتتراوح بين ٦٥ قرشًا للمتر للشريحة الأولى لتصل إلى ٣١٥ قرشًا للمتر فى الشريحة الخامسة، بزيادة ٣٠٠٪ خلال ١٠ سنوات.
قرابة ٦٠ عامًا مرت على الرجل فى الحكومة، لم يزدد فيها راتبه الشهرى على ألفى جنيه، تنتزع فاتورتا الكهرباء والمياه منه نحو الثلث شهريًا، يقول الفواتير بتمص مرتبي، مش عارف الحكومة عايزة مننا إيه تاني؟.. «أنا بقيت بخاف أول الشهر ييجي».
لا تنفك المياه عن الانقطاع عن الحى الثالث بالقاهرة الجديدة، حيث يقطن «كمال»، مما يدفعه إلى شراء المياه فى بعض الأوقات، وبالرغم من ذلك يضطر سكان العمارة إلى دفع حوالى ١٠٠٠ جنيه شهريًا، حيث يجمع استهلاكهم فى فاتورة واحدة – كما هو الحال فى أغلب العمارات – لتضعهم فى الشريحة الأعلى، التى يطبق عليها أكبر نسبة زيادة. 
فى يناير الماضي، كشف المهندس ممدوح رسلان، رئيس مجلس إدارة القابضة لمياه الشرب والصرف الصحي،عن أن الشركة تعانى من عجز حوالى ٢ مليار جنيه، بينما يشكل نفس المبلغ حجم الديون التى تستحقها الشركة لدى «بعض» الوزارات والمصالح الحكومية والجهات السيادية للدولة. 
زيادة أسعار المياه أعقبه ارتفاع فى فاتورة الكهرباء على كاهل «كمال» كباقى المواطنين، أعلنت عنه الحكومة فى يوليو الماضي، لتتراوح الأسعار بين ٢٢ قرشًا إلى ١٤٥ قرشًا للكيلو وات.
يتعرق الرجل الخمسينى وترتفع نبرة صوته كلما تذكر كيف سينكمش مرتبه خلال أشهر إلى نحو الثلث، بينما زادت أسعار شرائح الكهرباء السبع منذ عام ٢٠٠٨ إلى ٢٠١٨ بين ٣ و٥ أضعاف خلال ١٠ سنوات. 
بملامح سمراء تعكس تأثير الشمس وملابس تتصبب عرقًا، يتنقل «حسن» من منزل لآخر ليحصل فاتورة الغاز الشهري، التى زادت - هذا العام - بنسبة ٧٥٪ فى الشريحة الأولى، مقابل ٣٣٪ فقط فى الشريحة الثالثة، التى تمثل الطبقة الغنية.
تستقبل «حسن» وجوه ساخطة، يرفض أصحابها القبول بزيادة ٣٣٧.٥٪ فى ٤ سنوات، التى تلسع جيوب أغلب الشعب المصري، ساكنى الشريحة الأولى من استهلاك الغاز، لكنها تصبح أكثر رحمة على الطبقات الأغنى فى الشرائح الباقية، بنسب ارتفاع ١٥٠ و١٠٠٪.
يتقاضى «حسن» راتبًا شهريًا لا يتعدى ٩٠٠ جنيه، تتشارك فيه احتياجات أبنائه الأربعة مع فواتير الغاز والكهرباء والمياه، التى تلتهم وحدها ثلثه، بالرغم من أنه كباقى المصريين لا يستهلكون سوى ٦ إلى ٨٪ من إنتاج الغاز، الذى يبلغ ٦.٢ مليار متر مكعب يوميًا، بحسب وزارة البترول. 
ومن الغاز المنزلى إلى البوتاجاز، حيث يوجد طابو طويل يعج بالناس، يقف «علاء»، عامل باليومية، منذ ساعات عدة تحت سياط الشمس الحارة، أمام مستودع بمنطقة ميت عقبة، ليستقبل أنبوبة بوتاجاز، قفز ثمنها من ٥ إلى ٥٠ جنيهًا، بنسبة ٩٠٠٪ فى ١٠ سنوات (من ٢٠٠٨ إلى ٢٠١٨). 
فى منزل صغير ذى طابق واحد بإحدى قرى محافظة الدقهلية، تضيق جدرانه على الأخوين «أحمد ومحمد» وأبنائهما السبعة،، يتشاركون العوز والفقر فى آن واحد، قبل سنتين، كانا يعملان بمحطة للأسفلت، وأدى تردى الأوضاع الاقتصادية إلى الاستغناء عن عدد من العمال بها، كان من بينهما الأخان، ليتحولا إلى عاطلين تحت خط الفقر، الذى حدده الجهاز عند ٤٨٢ جنيها شهريًا للفرد، وفقًا لآخر بحث للدخل والإنفاق عام ٢٠١٥، الذى يصدر كل عامين. 
أيام عجاف مرت على الأسرتين، دفعت «فادية»، زوجة محمد، إلى التفكير فى بدء مشروع بسيط يدر عليهم دخلًا، فهدأ بالها إلى تخصيص مدخل المنزل لبيع حلويات لأطفال القرية، لتسد رمق ١١ فردًا، فى ظل معدلات تضخم مرتفعة، أصابت ١٣.٨٪ فى يونيو ٢٠١٨، بحسب الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء.
تلك العائلة تكاد تختفى وسط آلاف آخرين هرسهم التضخم، الذى سجل أعلى نسبة فى الشرق الأوسط عام ٢٠١٧ (٣٠.٩٪)، التى تعد الأكبر فى عشر سنوات. 
ولا يزال شبح البطالة جاثمًا على «أحمد ومحمد»، ليصطفا بين حوالى ٣ ملايين عاطل فى مصر (١١.٣٪)، بحسب تقرير الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء لعام ٢٠١٧.
مشاهد فى حياة موظف حكومة
المشهد الأول: خريف عام ٢٠٠٨ بحى شبرا، يمتلئ منزل «رمضان»، موظف بمصنع إلكترونيات، بالتهانى فقد رزق أخيرًا بمولودته الثانية «زهرة»، بينما لا يتعدى صافى راتبه ٩٠٠ جنيه، فى حين كان يبلغ متوسط الأجر الأساسى الأسبوعى ٤٠٦ جنيهات، بحسب موقع الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء. 
ينطلق صوت زوجته من ردهة البيت: «رمضان.. تعالى.. بيقولوا فى التليفزيون هتاخد علاوة جديدة»، يتهلل وجه الرجل ويهرول باتجاهها، ولكن سرعان ما تنقبض ابتسامته، فتلك الزيادة الاستثنائية، التى لا تتعدى ٣٠٪، أقرتها الحكومة بعد موجة الغلاء الأخيرة.
المشهد الثاني: صيف عام ٢٠١٧،، يجلس رمضان، على أرضية، ينهمك، فى بعض الأوراق التى تتضمن وثيقة صرف صافى راتبه الشهري، الذى ارتفع إلى ١٩٠٠ جنيه، بينما يصل متوسط الأجر الأسبوعى فى مصر حينها إلى ٩٤٢ جنيهًا، بزيادة نحو ١١.٥٪ (١٠٨ جنيهات) عن ٢٠١٦. ممسكًا بالآلة الحاسبة، يحاول الرجل تدبر أمره بعدما انحدرت قيمة الجنيه أمام الدولار، فتضاءل دخله إلى ثلث قيمته.
المشهد الثالث: صيف عام ٢٠١٨، تحتفل الأسرة بمرور ١٠ سنوات على ميلاد «زهرة»، الابنة الوسطى، ووصل راتبه الصافى إلى ٢٠٠٠ جنيه أخيرًا بعد قرابة ٢٠ عامًا من العمل الشاق، جعلته عضوًا بالدرجة الثانية، ليستحق ١٥٠ جنيهًا، علاوة الغلاء الجديدة التى أقرتها الرئاسة، تزيد إلى ١٦٠ جنيهًا للدرجة الرابعة وما دونها، وتقل إلى ١٤٠ جنيهًا لدرجة المدير العام وما فوقها.
يرى الرجل أن الزيادة الطفيفة التى طرأت على راتبه هذه السنة، بخلاف العلاوة، تمثل الارتفاع الذى شهده متوسط الأجر الأسبوعى للمواطن لعام ٢٠١٨، الذى يتنقل بين ١٠ و١٥٪ من ٢٠٠٨ إلى ٢٠١٧. وتعتبر الضرائب كالسيف الحاد الذى يقتطع من رواتب المواطنين، هكذا الحال مع «رمضان» و«أحمد»، بعدما زادت الإيرادات الضريبية للدولة خلال ٩ سنوات فقط حوالى ٣٤٧٪.
بيدين مرتعشتين يمسك «رمضان» بوثيقة صرف راتبه، ويدققها جيدًا لمحاولة استيعاب أن مجموعة ضرائب لا يفهم المقصود بمعظمها تقتنص نصف جهده الشهري.
وفى الوقت الذى تشكل فيه ضريبة الدخل المثقلة لكاهل «رمضان» حوالى ٣٥٪ من الإيرادات الضريبية للدولة، تكون ضريبة القيمة المضافة (المبيعات سابقًا) حوالى ٤٨٪ منها. وعام ٢٠١٦، أعلنت الحكومة عن تطبيق ضريبة القيمة المضافة بنسبة ١٣٪ - تزيد نحو ١٪ سنويًا - وإلغاء ضريبة المبيعات (١٠٪). 
١٠ سنوات هى المدة التى زادت فيها نسبة ضريبة القيمة المضافة من الإيرادات الضريبية نحو ١٣.٤٪، كما هو ظاهر فى الرسم البيانى المواجه، لتصل إلى ١٨٣ مليار جنيه عام ٢٠١٧-٢٠١٨ (بنسبة نمو ٥٣٪)، فى حين فقد «أحمد» ثلثى قيمة دخله، الذى انكمش تلقائيًا بعد خروجه على المعاش، مع عدم إمكانية تقليل استغنائه عن الاحتياجات الأساسية، وهذا ما تؤكده ورقة بحثية صادرة عن معهد التخطيط القومي، حيث تهرس الضريبة الطبقة الأقل دخلًا، التى يقضى الاستهلاك على نفقاتها.