الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

كواليس الانتخابات البرلمانية الأفغانية.. دليل جديد على تواطؤ "ترامب" مع "طالبان"

ترامب
ترامب
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
الإدارة الأمريكية فى سباق مع الزمن للتوصل إلى صفقة مع الحركة
إجهاض محاولات الحكومة الأفغانية إجراء مصالحة داخلية
مقتل 10 مرشحين فى الانتخابات حتى الآن.. وعدم فتح 2000 مركز اقتراع بسبب التهديدات الأمنية

يبدو أن الانتخابات البرلمانية فى أفغانستان، لن تضع حدًا لحمامات الدم المتواصلة فى البلاد، بل إن المؤشرات والوقائع على الأرض، ترجح أن المشهد هناك يتجه إلى الأسوأ، بسبب تزايد شوكة المتشددين من جهة، والمؤامرات الأمريكية، من جهة أخرى.
ولعل ما يرجح صحة ما سبق، أن أفغانستان شهدت منذ ٢٠٠٥ انتخاب برلمانيين، إلا أنه لم يحدث حلحلة فى المشهد المتأزم هناك، بالإضافة إلى أن البرلمان الأخير، انتهت مدته فى ٢٠١٥، وعجزت البلاد عن إجراء انتخابات جديدة طيلة ثلاث سنوات، إلى أن تقرر أخيرًا إجراؤها فى ٢٠ أكتوبر ٢٠١٨، على وقع أعمال عنف واسعة وتهديدات من حركة طالبان بعرقلتها وإفشالها.
وجاءت التحركات الأمريكية المريبة قبل انتخابات ٢٠ أكتوبر لتضيف المزيد من الشكوك حول جدواها، خاصة أن إدارة الرئيس دونالد ترامب بدت فى سباق مع الزمن للتوصل إلى صفقة مع طالبان، غير عابئة بالتداعيات السياسية والعسكرية لمثل هذه التحركات، التى تجهض محاولات الحكومة الأفغانية إجراء مصالحة داخلية، وتشجع المتشددين فى الوقت ذاته على المضى قدمًا فى نهجهم الدموي.
هذا بالإضافة إلى أن تحركات ترامب أعطت انطباعًا أن انتخابات ٢٠ أكتوبر تحصيل حاصل ومجرد ديكور لاستكمال العملية السياسية، التى انطلقت فى أعقاب الغزو الأمريكى فى ٢٠٠١، وبدأت بسن دستور جديد فى ٢٠٠٣، وتواصلت مع اختيار رئيس الحكومة الانتقالية حامد كرزاى رئيسًا للبلاد فى ٢٠٠٤، وإجراء الانتخابات البرلمانية فى ٢٠٠٥، بينما أهداف واشنطن الحقيقية تسير فى اتجاه التفاوض مع المتشددين لضمان مصالحها فى أفغانستان، بعد سيطرتهم على مساحة واسعة من الأراضى وعجز حكومة كابول عن مواجهتهم.
ولعل اللقاء، الذى عقده المبعوث الأمريكى لجهود السلام فى أفغانستان زلماى خليل زاد مع قادة من حركة طالبان فى الدوحة فى ١٢ أكتوبر، بعد أربعة أيام من تهديد الحركة بعرقلة الانتخابات البرلمانية، يكشف بوضوح أبعاد المؤامرة الأمريكية، وأنها غير معنية بإجراء الانتخابات بقدر حرصها على التفاهم مع المتشددين، استباقًا لأى تطورات ميدانية غير متوقعة فى أعقاب هذه الانتخابات.
وكانت طالبان أعلنت فى ١٣ أكتوبر أنها ستواصل الاجتماعات مع المبعوث الأمريكى زلماى خليل زاد، لمناقشة سبل إنهاء الحرب الأفغانية، ونقلت وكالة «رويترز» عن المتحدث باسم طالبان ذبيح الله مجاهد، قوله فى بيان أصدره غداة لقاء جمع خليل زاد مع قياديين فى الحركة بالدوحة: «إن الجانبين تحدثا عن وضع نهاية للاحتلال، واتفقا على مواصلة اللقاءات فى المستقبل». وأضاف مجاهد أن طالبان تعتبر وجود القوات الأجنبية فى أفغانستان عقبة أساسية أمام التوصل إلى السلام فى البلاد، حسب تعبيره.
وجاء لقاء الدوحة بعد أن أصدرت طالبان فى ٨ أكتوبر بيانًا حثت فيه الناخبين الأفغان على مقاطعة انتخابات البرلمان والمجالس المحلية، وطالبت بالانسحاب الكامل للقوات الأجنبية باعتباره الحل الوحيد لإنهاء الحرب الدائرة منذ ١٧ عامًا، فيما صعدت من هجماتها فى أنحاء البلاد. ودعت الحركة، فى البيان الذى نشرته وكالة أنباء (خامة برس) الأفغانية، كل مسلحيها إلى «وضع عراقيل شديدة فى طريق الانتخابات، وتنفيذ هجمات ضد أهداف انتخابية».
وفى حين ادعت الحركة سيطرتها على ٥٠ بالمائة من أراضى البلاد، هددت بأن ما سمتها «الانتخابات الاستعراضية» لن تجرى إلا فى المدن فقط، فى إشارة ضمنية إلى عرقلة إجرائها فى بقية أنحاء البلاد.
ويبدو أن الحركة لم تتأخر فى تنفيذ تهديداتها، ففى ١٣ أكتوبر، وقع تفجير أثناء تجمع عشرات الأشخاص للاستماع إلى خطاب «نظيفة يوسفى بيك»، المرشحة فى الانتخابات البرلمانية، فى إقليم تخار فى شمال شرقى أفغانستان.
وقالت «رويترز»، إن عبوة ناسفة وضعت على دراجة نارية انفجرت قرب تجمع انتخابى للمرشحة «نظيفة يوسفى بيك»، ما أسفر عن سقوط ٢٢ قتيلا على الأقل، وإصابة ٣٦ آخرين.
وفى ١٧ أكتوبر، قتل ٤ أشخاص بينهم مرشح للانتخابات بتفجير قنبلة زرعت داخل مكتبه فى إقليم هلمند فى جنوب أفغانستان، وتبنت «طالبان» التفجير. وأفادت وسائل الإعلام الأفغانية بأن عبدالجبار قاهر أمان، الذى كان يستعد لخوض الانتخابات البرلمانية قتل فى هجوم هلمند، ليكون عاشر مرشح يلقى مصرعه فى الشهرين الأخيرين. 
وفى ٩ أكتوبر، استهدف هجوم انتحارى أيضًا تجمعًا انتخابيًا فى جنوب أفغانستان، ما أدى إلى مقتل ثمانية أشخاص على الأقل وإصابة عشرة آخرين. ووقع الهجوم فى لشكركاه عاصمة إقليم هلمند، وقال عبد الأحد سلطانزوى عضو مجلس الإقليم حنيها إن هجوم لشكركاه وقع فى مكتب مرشح للانتخابات أثناء تجمع عدد من مؤيديه. 
وحسب اللجنة المستقلة للانتخابات فى أفغانستان، فإن أعمال العنف المرتبطة بالانتخابات أدت إلى مقتل وجرح مئات الأشخاص منذ انطلاق عملية تسجيل الناخبين فى أبريل الماضى وبدء الحملات الانتخابية فى ١٨ سبتمبر الماضي، إذ قتل ١٠ مرشحين، فيما عجزت السلطات عن تحقيق هدفها المعلن المتمثل فى توفير ٧٠٠٠ مركز لاقتراع، وتم تكليف ٥٤ ألف عنصر من قوى الأمن الأفغانية بحماية ٥ آلاف مكتب اقتراع فقط، وعدم فتح ٢٠٠٠ آخرين بسبب تهديدات أمنية.
وبجانب أعمال العنف، التى يقوم بها المتشددون، توجد مشكلات أخرى دفعت كثيرًا الناخبين للعزوف عن المشاركة فى الانتخابات، من أبرزها اتهامات مسبقة حول التلاعب فى الأصوات، وخوض حوالى ٩٠ من المستقلين الانتخابات وهم من الأثرياء، الذين تحوم الشبهات حول مصادر ثروتهم، وتوجه لهم اتهامات بالاعتماد على شراء الأصوات، أكثر من تقديم برامج انتخابية حقيقية تعبر عن مشاكل الشعب الأفغاني.
ولم يقف الأمر عند ما سبق، إذ توجد أيضا مشكلات تقنية تتمثل فى صعوبة توفير الميزانية المخصصة لإجراء الانتخابات البرلمانية وأعضاء مجالس الأقاليم التى قدرت بنحو ٢١٠ ملايين دولار، بجانب مساحة أفغانستان الشاسعة وطبيعتها الجبلية الوعرة التى تجعل وصول الانتخابات إلى المناطق النائية أمرًا بالغ الخطورة من الناحية الأمنية وأيضًا باهظ التكلفة، إذ يتم إلقاء صناديق الاقتراع فى بعض الأحيان بالطائرات، أو يتم نقلها عبر وسائل بدائية، ولذا لم يكن مستغربًا أن يسجل نحو ٣.٢ مليون شخص أسماءهم للتصويت، وهو يقل بكثير عن عدد الكتلة التصويتية الحقيقية البالغ ١٤ مليون شخص من أصل عدد السكان، الذى يبلغ حوالى ٣٣ مليونًا.
ويبقى هناك أمر يزيد من عزوف الناخبين، وهو تشكيلة البرلمان الأفغاني، التى يتردد أنها تضم فاسدين، ومن يروجوا لأجندات طائفية ومذهبية وعرقية، وحتى متشددين، بالنظر إلى أن المرشحين المستقلين الأغنياء، هم من يخوضون الانتخابات، بسبب ضعف وتهميش الأحزاب، وعددها حوالى ٧٠ حزبًا.
ويتكون البرلمان الأفغانى من مجلسين هما: «ووليسى جيرغا» (مجلس النواب)، الذى يضم ٢٤٩ نائبًا منتخبًا عبر التصويت الحر المباشر، و«ميشرانو جيرغا» (مجلس الأعيان)، الذى يضم ١٠٢ عضو ممن اختارتهم المجالس المحلية لأقاليم البلاد الأربعة والثلاثين، إضافة إلى بعض المعينين من قبل رئيس البلاد كممثلين للأقليات.