الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

وثائق إسرائيلية تعترف بهزيمة حرب أكتوبر

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
«الصهاينة» حجبوا أوراق حرب أكتوبر 40 عامًا لحفظ معنوياتهم من الانهيار 
جيش الاحتلال يضع عقبات فنية عند الدخول على الموقع الإلكترونى لأرشيفه
118 وثيقة رسمية بدأ الإفراج عنها فى 2013.. ورئيس الوزراء الإسرائيلى يقرر استمرار حجب عدد منها
«رغم كل الصعوبات المتعلقة بالحصول على نصوص الوثائق المتعلقة بعدم وضوح حروفها، فلقد صممت على إطلاق هذا المشروع وجمعت له فريقًا من المترجمين المتميزين، لأننى أعتقد أن ترجمة النصوص الكاملة للوثائق السرية الإسرائيلية عن حرب أكتوبر 1973، والتى نشرها أرشيف الدولة وأرشيف الجيش فى إسرائيل باللغة العبرية، تمثل حقًا وطنيًا وتاريخيًا لأجيالنا الجديدة لتدرس وتبحث وتكتشف القوى الكامنة فى شعب مصر وجيشها والقادرة على قهر التحديات والأعداء».
«لقد حجب الإسرائيليون أهم هذه الوثائق لمدة أربعين عامًا ليخفوا حقائق الانتصار المصرى ويحفظوا معنوياتهم من الانهيار، لم يكتفوا بهذا، بل إنه عندما نشر أرشيف الجيش الإسرائيلى الوثائق على موقعه الإلكترونى قام فى الوقت نفسه بوضع عقبات فنية تحول دون الاطلاع عليها بسهولة بالنسبة للباحثين المصريين تحديدًا والداخلين إلى الموقع من مصر».
بهذه المقدمة بدأ الدكتور إبراهيم البحراوى، أستاذ الدراسات العبرية الحديثة، بجامعة عين شمس، كتاب «انتصار أكتوبر فى الوثائق الإسرائيلية» والذى أشرف على ترجمته، وقام بنقله من العبرية إلى العربية كل من: منى ناظم - سعيد العكش - منصور عبدالوهاب - أشرف الشرقاوى - بدوى محمد - مصطفى الهوارى - عادل مصطفى - سعد سنجر - حسين بديع - عبدالله حمدى - يحيى عبد الله - هانى مصطفى - محمد سامي، والصادر مؤخرا عن المركز القومى للترجمة بالقاهرة.
ويحتوى الجزء الأول من الكتاب على الوثائق الإسرائيلية السياسية، وبلغ عدد صفحاته نحو ٧٢٧ صفحة من القطع الكبير، أما الجزء الثانى فيضم وثائق وزير الدفاع وقادة الأسلحة والجبهة السورية ويبلغ عدد صفحاته نحو ٩٣١ صفحة من القطع الكبير.

أهمية الوثائق

ويحدد دكتور إبراهيم البحراوى أهمية دراسة هذه الوثائق بقوله: إن كثيرًا من المعلومات المتداولة حول الهزيمة العسكرية والصدمة الإسرائيلية ونجاح خطة الخداع الاستراتيجى المصرية ترد مستندة إلى وثائق رسمية تجعل المعلومات حقائق نهائية، وتجعل الروايات تاريخا موثقًا أمام الأجيال غير قابل للنفى أو الإنكار من جانب المصادر الإسرائيلية. إن هذه الوثائق تدحض الإدعاء الإسرائيلى حول نتيجة الحرب وتكشف أبعاد الهزيمة الكاملة فى ميدان القتال أمام الجيش المصري.
إنه على الرغم من مرور أكثر من أربعين عامًا على الحرب، فقد قرر رئيس الوزراء الإسرائيلى حجب عدد لم يحدد من الوثائق مستندًا إلى أن القانون يسمح له بمد فترة حظر نشر وثائق الدولة إلى خمسين عامًا، وهو أمر يستوجب الانتباه لما هو مختف.
ويؤكد الدكتور البحراوى أن دراسة هذه الوثائق ستعين الباحثين العسكريين والسياسيين على كشف أسباب التناقض فى الروايات التى قدمها القادة الإسرائيليون فى مذكراتهم المتضاربة عن مسار الحرب وعن مسئولية كل منهم عن الهزيمة.
إن محتوى هذه الوثائق خاصة فيما يتعلق بالدور الأمريكى المباشر فى الحرب يكشف زيف المحاولات الإسرائيلية لانتحال الانتصار، وذلك عندما نتبين من نصوص الوثائق أن طريق القوات المصرية إلى داخل إسرائيل كان مفتوحًا لولا تدخل الولايات المتحدة بالعتاد والرجال والاستطلاع المتقدم.

تقسيم الوثائق

لقد بدأت عملية الإفراج عن وثائق الحكومة والجيش الإسرائيلى فى الذكرى الخامسة والثلاثين للحرب، ووصلت إلى ذروتها عام ٢٠١٣ فى الذكرى الأربعين ويبلغ عدد الوثائق الرسمية ١١٨ وثيقة تقريبا، ويمكن تقسيمها إلى مجموعتين:
الأولى: تضم محاضر اجتماعات المجموعة القيادية الوزارية لإدارة الحرب بين يومى ٦ أكتوبر و٩ أكتوبر ١٩٧٣، وعددها ثمانية محاضر، ويتراوح حجمها بين ثلاث صفحات لأصغرها، وثمانى عشرة صفحة لأكبرها حجمًا، وقد نشرها أرشيف الدولة ونقلتها صحيفة «يديعوت أحرونوت».
الثانية: شهادات المسئولين السياسيين والعسكريين والقادة الميدانيين أمام لجنة أجرانات التى تشكلت بعد الحرب للتحقيق فى أسباب التقصير الذى أدى إلى الهزيمة وتحديد المسئولين عنه.
ويشير الدكتور إبراهيم البحراوى إلى خلاصة تجربته فى دراسة العقلية الإسرائيلية عن بعد من خلال المصادر العلنية، وعن قرب من خلال استطلاع مفاهيم الضباط الإسرائيليين الأسرى بالسجن الحربى المصرى فى أكتوبر ١٩٧٣، أعانته على تلخيص المسألة كلها فى (قانون التمدد الطوعى والانكماش الجبرى لأطماع التوسع).
الأمر فى نظره مثل «ياى فرامل السيارة» الذى ينكمش إذا ضغطت عليه بقدمك فيتوقف اندفاع السيارة، وبالمثل يتوقف اندفاع تمدد أطماع التوسع الإسرائيلية، وإذا رفعت الضغط بقدمك تمدد «الياى» طوعيا لتنطلق السيارة من جديد، وبالمثل فإنه فى حاله تغير موقف الولايات المتحدة من مصر، تتمدد أطماع التوسع الكامنة فى قاع العقول الإسرائيلية باعتبارها جزءًا من الأيديولوجية الصهيونية التى عبرت عنها بوضوح عناصر اليمين الإسرائيلى العلمانية والدينية بعد عام ١٩٦٧ عندما اعتبرت سيناء جزءًا عضويًا من أرض إسرائيل.
ويظهر هذا فى عبارة مناحيم بيجين عام ١٩٦٨ «إن سيناء جزء عضوى من أرض إسرائيل وسأتخذ فيها مرقدى الأبدى»، إن هذا التعبير عن التمدد الطوعى للأطماع تعرض على يد الرجل نفسه عندما أصبح رئيسا للوزراء إلى انكماش جبرى بتوقيعه المعاهدة عام ١٩٧٩، بعد أن شاهد المخاطر التى لحقت بإسرائيل فى أثناء زلزال حرب أكتوبر.
ويجيب الدكتور إبراهيم البحراوى عن سؤال ما الذى يريدون إخفاءه بعد ٤٠ سنة بقوله: إن دراسة الوثائق الإسرائيلية التى أفرج عنها أرشيف الدولة وأرشيف الجيش بعيون شابة مصرية من العسكرية والخارجية والمخابرات المصرية تحت إشراف الشيوخ تمثل ضرورة أمن قومى حيوية.
ذلك أن كثيرًا من هذه الوثائق أفرج عنها فى الذكرى الأربعين لحرب أكتوبر فى عام ٢٠١٣، ومع ذلك حرص الجيش الإسرائيلى على حذف مقاطع عديدة من سطور هذه الوثائق تتراوح بين كلمة أو عدة كلمات أو فقرة أو صفحة أو عدة صفحات، إن هذا الأمر ذو دلالة، فهناك أمور لا يزالون يريدون إخفاءها عن عيوننا رغم مرور أربعين سنة، ولا شك أن علة الإخفاء هى أنه لا تزال لهم اعتبارات وحسابات علينا واجب اكتشافها، والراجح أنها تتعلق بمعنويات وأسرار الأمن الوطنى لديهم.
إن دراسة الوثائق تكشف لباحثينا العسكريين والسياسيين والمدنيين عن آليات اتخاذ القرار فى إسرائيل خلال فترة حرب أكتوبر، والأهم أنها ستكشف عن الدروس التى استفادتها والعبر التى استخلصوها والتطوير الذى قاموا به لتلافى العيوب. منها على سبيل المثال قرار إنشاء أكثر من مركز لتقديم وإعداد التقديرات حول احتمالات الحرب بعد أن كان الأمر متروكًا للمخابرات العسكرية (أمان) وحدها حتى حرب أكتوبر والتى أثبتت فشلها وعميت عن إبصار المعانى نتيجة وهج أشعة خطة الخداع الاستراتيجى المصرية.
كما أسسوا وحدة تقديرات عكسية أسموها (هفخا مستبرا) أى العكس هو الصحيح ووظيفتها تلقى التقديرات فى وزارة الخارجية ودراسة البدائل العكسية لها لاستقصاء أى موقف من جميع احتمالاته المتناقضة للاستقرار على التقدير الأقرب للصواب، وكان ذلك فى إطار الاستنتاجات التى توصلت إليها لجنة أجرانات التى تشكلت للتحقيق فى أسباب الهزيمة بعد الحرب.

تدليل القادة

وتحتوى الوثائق على أسماء تدليل إلى بعض القادة مثل (دادو) والمقصود رئيس الأركان دافيد إليعازر، ومثل (جورديش) والمقصود شموئيل حونين قائد الجبهة المصرية المسماة الجبهة الجنوبية، ومثل (حكاه) أى الجنرال حوفى قائد الجبهة السورية المسماة الجبهة الشمالية، ومثل (تسيفيكا) أى تسيفى زامير، رئيس الموساد، ومثل (إريك) أى آرييل شارون.
ويتابع الدكتور إبراهيم البحراوى دراسته لمحتوى الوثائق الإسرائيلية، عن خطأ الإنذار الذى أرسله مصدر مصرى (تقول الصحف الإسرائيلية إنه أشرف مروان) فى أبريل ١٩٧٣ بأن مصر ستهاجم فى مايو، حيث أعلنت القيادة السياسية التعبئة العامة على عكس تقدير المخابرات العسكرية التى استبعدت جدية الإنذار.
لقد أدت هذه التجربة إلى زيادة الثقة فى تقديرات المخابرات العسكرية عندما أفتت خلال شهرى سبتمبر والأيام الخمسة الأولى من أكتوبر ١٩٧٣ أنها تستبعد حصول هجوم رغم توالى الإنذارات والشواهد الميدانية.
تفسير المخابرات العسكرية للحشود السورية المتزايدة منذ منتصف سبتمبر ١٩٧٣ على أنها نتيجة لتخوف السوريين من احتمال وقوع هجوم إسرائيلى بعد إسقاط الطيران الإسرائيلى ١٣ طائرة سورية يوم ١٣ سبتمبر.
لقد تحول هذا التفسير الذى قبلته الحكومة إلى مثار للسخرية من قبل الجنرال يادين عضو لجنة أجرانات الذى سأل رئيسة الوزراء كيف هضمت هذا التقدير من المخابرات؟ وأضاف: «أننى أفهم أن الطرف المتضرر هو الذى يلجأ إلى الانتقام ويقوم برد فعل ولقد أسقطنا لهم ١٣ طائرة، فلماذا يتوقعون أن ننتقم؟ ولماذا لا يكون المنطقى أن حشودهم هدفها الرد والانتقام».
تفسير الحشود المتزايدة على أنها مناورة الخريف، وعلى أنها تعبير عن خوف المصريين من أن يكون إسقاط إسرائيل للطائرات السورية مقدمة لعمل قد تقوم به ضد مصر وسوريا. مع تفسير آخر هو أن المصريين يريدون إيهام العالم أن هناك خطر وقوع حرب فى المنطقة ليتحرك لكسر الجمود وتحريك التسوية السياسية، كما ورد فى شهادة وزير الخارجية آبا إيبان أمام لجنة أجرانات. تفسير البلاغ الذى جاء مساء الخامس من أكتوبر عن الرحيل المفاجئ والمتعجل لعائلات الخبراء الروس تفسيرًا مستهينًا بدلالته.

الخداع والصدمة

تكشف الوثائق عن إحساس الصدمة فى تقارير القادة العسكريين الإسرائيليين التى قدموها فى محاضر اجتماعات القيادة عن نتائج الهجوم المصرى السوري، كما تكشف بالتفصيل عن اقتراح وزير الدفاع موشيه دايان بالانسحاب أمام الهجوم المصرى وإنشاء خط دفاع ثان فى منطقة الممرات.
إن شهادة القادة الإسرائيليين تفيد بأن الطريق إلى الحدود الإسرائيلية كان مفتوحًا أمام القوات المصرية لدرجة أن دايان كان يخشى من أن الحرب ستصل إلى داخل إسرائيل فى نفس الوقت تشير شهادات القادة الإسرائيليين إلى أنهم كانوا على علم بأن الخطة المصرية لا تتضمن تطوير الهجوم والاندفاع إلى عمق سيناء وهو ما طمأنهم نسبيًا.
إن الدور الأمريكى كان مباشرًا فى تغيير سير المعركة والتمكين لعملية الثغرة من خلال المحاضر الممتلئة بطلبات استعجال الإمدادات الأمريكية بالسلاح والرجال، ومن خلال شهادة وزير الخارجية آبا إيبان الذى كان موجودًا عند اندلاع الحرب فى الولايات المتحدة، وظل يتلقى التعليمات من حكومته وينقلها إلى كيسنجر وزير الخارجية الأمريكية آنذاك. إن دراسة تفاصيل هذا الدور كفيلة بإخراس الألسنة الدعائية الإسرائيلية التى تزعم أن الحرب انتهت بانتصار للجيش الإسرائيلى نتيجة لعملية الثغرة.
تكشف شهادة قائد البحرية عن مدى التخبط الذى عاشه القادة الإسرائيليون فى الأيام السابقة على الهجوم المصرى السورى بين رفع درجة الاستعداد حينا وإعادتها إلى الوضع العادى حينا آخر. لقد حدث هذا نتيجة لنجاح خطة الخداع الاستراتيجى المصرية. إنها تقدم مادة مهمة للباحثين فى شئون المخابرات والقوات البحرية.

فشل الموساد

كما تكشف شهادة قائد الطيران عن أن الفشل المخابراتى الإسرائيلى لم يتوقف عند العجز عن توقع نيات الهجوم العربي، بل امتد إلى العجز عن اكتشاف أن لدى مصر صواريخ جو - أرض موجهة من طراز كيلت أدت إلى خسائر فى الرادارات الإسرائيلية، وهى شهادة كاشفة عن أنواع العتاد التى زودت بها أمريكا سلاح الجو الإسرائيلي، وعن جوانب الفشل المخابراتى.
وتشكل هذه الوثائق فرصة مهمة للباحثين لدراسة عقلية القيادات الإسرائيلية ومناهج تفكيرها فى فترة حرب أكتوبر وما سبقها من خلال شهادة اللواء أهارون ياريف، فلقد شغل ياريف منصب رئيس المخابرات العسكرية الإسرائيلية من يناير ١٩٦٤ أى قبل حرب ١٩٦٧ وحتى الأول من أكتوبر ١٩٧٢ أى بعد حرب الاستنزاف وقبل حرب أكتوبر بعام كامل. لقد جاء تعيينه فى منصب مساعد رئيس الأركان فى بداية حرب أكتوبر، ومن ثم فإن شهادته تمثل مادة خصبة وتوفر أدلة مهمة على التكوين شديد التعقيد والتركيب لخطتى الخداع الاستراتيجى والتكتيكى المصريين.
ويختتم دكتور إبراهيم البحراوى دراسته عن مضمون الوثائق بقوله: لقد حاولت تقديم بعض المؤشرات على محتوى الوثائق ودلالتها وبعض الدروس المستفادة، وإننى على يقين من أن باحثينا فى مجالات المخابرات والتخطيط العسكرى وقيادة العمليات والعلوم السياسية سيجدون فى هذه الوثائق كنوزًا من المعرفة التى قد يحتاجونها إذا ما تحقق ظنى فى قانون الانكماش الجبرى والتمدد الطوعى لأطماع التوسع الإسرائيلى فى سيناء فى المستقبل القريب أو البعيد.