الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

وزارة الثقافة.. بين البنائين والقصاصين

الأدباء جنودٌ فى ساحة المعركة الداخلية يشحذون الهمم ويرفعون الوعى

وزارة الثقافة
وزارة الثقافة
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

أدرك الكاتب يوسف السباعي، وزير الثقافة الأسبق، الدور المهم للمثقفين والكتاب المصريين، فكان حرصه شديدًا على أن يلتقى بهم، ليلة انتصار حرب أكتوبر المجيدة عام ١٩٧٣، فى دار الأدباء، ليناقشوا فيما بينهم الدور المنتظر للأدباء فى هذا الظرف الذى تمر به البلاد، باعتبارهم جنودًا فى ساحة المعركة الداخلية، يشحذون الهمم، ويرفعون من وعى الجماهير التى انتشت لفرحة العبور، ويوجِّهون الطاقات فى الاتجاه الصحيح.


لقاء «السباعي» بالمثقفين، إن دل على شيء؛ فإنما يدل على أن الدولة وقت اندلاع حرب التحرير تعرف جيدًا دور المثقف فى التعبئة العامة وفى التنمية، فهل استمرت رؤية الدولة من نفس المنطلق، أم تغير الأمر بتغير الحقبة الزمنية، واختلف باختلاف المرحلة؟، وكيف كان هذا التغير؟.. هذا ما سنجيب عنه خلال السطور المقبلة، التى نتناول خلالها عمل عدد من الهيئات الثقافية، على امتداد ٤٥ عامًا، منذ لحظة النصر وإلى اليوم، آملين أن نضىء الطريق لصانع القرار.

ورثت وزارة الثقافة تركة ثقيلة من المشاكل المزمنة والأزمات التى تعوق أى مسئول عن القيام بدوره وأداء مهامه المطلوبة منه، وبعد أن كان يتاح لأى وزير من الوزراء البنائين أن ينشئ العديد من القطاعات والهيئات والسلاسل الإبداعية، نرى اليوم، ومنذ عدة سنوات، تحول العديد من وزراء ما بعد الثورة إلى موظفين، لا يملكون الملكة الإبداعية، والقدرة على مواكبة متطلبات العصر، ذلك لأنهم يركزون جهودهم على افتتاح الفعاليات والأنشطة، دون أن يكون لهم رؤية حقيقية لإدارة الوزارة العجوز، أو إعادة هيكلتها، مما دفع البعض ليطلق على بعضهم وزير الشريط والمقص؛ لأنه لا يهتم إلا بافتتاح الفعاليات الثقافية الاستهلاكية، التى ليس لها فى الغالب مردود ثقافى حقيقي.

وإذا استعرضنا سريعًا طريقة إدارة بعض الوزراء الذى حملوا حقيبة الثقافة، سنجد أنه لم يتبقْ منهم إلا ما أنجزوه بشكل حقيقي، وقد كان الكاتب الكبير توفيق الحكيم يطلق على الكاتب يوسف السباعي، وزير الثقافة الأسبق، لقب رائد الأمن الثقافى، ويرجع السبب فى ذلك إلى الدور المؤثر الذى قام به السباعى فى إنشاء المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب والعلوم الاجتماعية، ونادى القصة، وجمعية الأدباء، وغيرها من المؤسسات.

تولى «السباعي»، منصب وزير الثقافة عام ١٩٧٣، وفى نفس العام نال جائزة الدولة التقديرية فى الآداب، ولم يكن أديبًا عاديًا، بل كان من طراز خاص، وسياسيًا على درجة عالية من الحنكة والذكاء، آمن بدور الأدب فى التمهيد للسلام، ولم تكن له «شلة» تتحكم فى قراراته كما كان لغيره من الوزراء.

يشبه الكثير من المتابعين فترة «السباعي» بفترة أحد أهم وزراء الثقافة فى مصر، إن لم يكن أعظمهم على الإطلاق، وهو الدكتور ثروت عكاشة، الذى آمن بدور الثقافة وأهميتها فى تغيير الأوضاع التى تعيشها الشعوب، فاتخذ من الثورة طريقًا وأسلوبًا فى إدارة الوزارة، ونجح فى أن يحدث تغييرًا جذريًا فى المشهد الثقافى فى مصر، أدى إلى نهضة ثقافية حقيقية، خاصة على المستوى الفكري.

ومن أهم إنجازاته؛ الهيئة المصرية العامة للكتاب، ودار الكتب والوثائق القومية وغيرها، كما أنشأ أكاديمية الفنون عام ١٩٥٩، بمعاهدها الفنية المتخصصة المختلفة، وأسس فرق دار الأوبرا المختلفة؛ مثل: أوركسترا القاهرة السيمفوني، وفرق الموسيقى العربية، والسيرك القومى ومسرح العرائس، كما أنشأ قاعة سيد درويش بالأكاديمية لعمل الحفلات بها، ووجه اهتمامه للآثار المصرية، ووضع الأساس لمجموعة متاحف، هى من أعظم المتاحف المصرية حتى الآن، كما بدأ بتقديم عروض الصوت والضوء، وكان له دور وطنى بارز من خلال إقناع المؤسسات الدولية بالعمل على إنقاذ معبدى فيلة وأبو سمبل والآثار المصرية فى النوبة.


وفى هذا الإطار؛ لا يمكن إغفال دور الدكتور بدر الدين أبو غازي، الذى تولى الوزارة من نوفمبر ١٩٧٠ إلى مايو ١٩٧١، وخلال هذا الفترة القصيرة أشرف على إصدار المسح الاجتماعى الشامل للمجتمع «١٩٥٢ – ١٩٨٠»، والذى أطلق عليه البعض «وصف مصر الثاني»، وكان ذلك آخر الأعمال المهمة التى قام بها أبو غازي، كما خصص فى بداية وزارته مقرًا لمجمع اللغة العربية، فلم يكن له مقر ثابت منذ إنشائه، فقرر أبو غازى منح المجمع مقره الحالي.


أما أكثر وزراء الثقافة جدلا وأطولهم مدة، فى تولى هذا المنصب، فهو الفنان فاروق حسنى، الذى حمل حقيبة الثقافة من أكتوبر ١٩٨٧، وحتى يناير ٢٠١١، وقد حازت أكثر قراراته على ردود فعل متباينة، وكان أكثر الوزراء بلا منازع فى عدد المعارك التى خاضها.

ومن أهم إنجازات فاروق حسني، اهتمامه بالآثار وترميمه للكثير منها، وعلى رأس تلك المواقع يأتى شارع المعز لدين الله الفاطمي، الذى تحول إلى متحف مفتوح أمام السياح والزائرين، كما حمل رؤية فى إدارة الملفات الثقافية المختلفة، حتى لو اختلف البعض حولها، وقدم استقالته من الوزارة فى العام ٢٠٠٥، إثر حادث حريق مسرح «قصر ثقافة بنى سويف»؛ حيث أعلن مسئوليته الأدبية عن الحادث، لكن الرئيس الأسبق محمد حسنى مبارك رفض الاستقالة.

ومن أبرز المعارك التى خاضها فاروق حسني، معركة الحجاب الذى انتقده بشدة، قائلًا: «النساء بشعرهن الجميل كالورود، التى لا يجب تغطيتها وحجبها عن الناس»، إلا أنه أعلن بعد ذلك أنه «ليس ضد حجاب المرأة بوجه عام»، لكنه اعتبر أن حجاب الطفلة الصغيرة مسألة مرفوضة؛ لأنها كما قال «تدمر طفولتها البريئة».


وقد خلف «حسني»، عدد من الوزراء، الذين لم يمهلهم الوقت لتكون لهم بصمة تُذكر، مثل الدكتور عماد أبو غازي، والدكتور شاكر عبدالحميد، والدكتور صابر عرب، والدكتور جابر عصفور، والدكتور عبدالواحد النبوي، والكاتب الصحفى حلمى النمنم، فيما تولت الدكتورة إيناس عبدالدايم وزارة الثقافة خلال فترتى المهندس شريف إسماعيل، والمهندس مصطفى مدبولي.


ويعول المثقفون والشارع المصرى آمالا كبيرةً على ما تقوم به الوزيرة الحالية الدكتورة إيناس عبدالدايم، من جهود فى سبيل الارتقاء بالثقافة المصرية، خاصة أنها أول امرأة تحمل حقيبة الثقافة، ومن هنا يحملها المتخصصون مسئولية أن تتخذ خطوات جادة فى سبيل إعادة هيكلة مؤسسات الوزارة العجوز، لتبدو أكثر رشاقة وقدرة على القفز نحو المستقبل، وليس فقط تقديم الأنشطة التقليدية والاستهلاكية، التى درج عليها الموظفون والتى لن تؤدى إلى مزيد من ترسيخ الوضع على ما هو عليه.