الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

قوية مستقلة وأنثى

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
انتشرت عبارة فى الآونة الأخيرة، يأخذها البعض على محمل كبير من الجدّ، والبعض الآخر باستخفاف واستهزاء مبالغ فيهما، وذلك لعدم الفهم المحيط بكل جوانب الفكرة، «استرونج اندبندنت وومن»، هنالك من يتعجبها ومن تدافع عنها وتأخذها شعارًا لحياتها، ومن ترفضها وتقول، لا أنا أريد أن أكون «دلوعة». ولكن من أين أتت تلك العبارة، وما هو معناها الحقيقي، وهل تكون المرأة القوية رجلا بالضرورة ليرفض المجتمع تلك العبارة؟
بدأت العبارة بالانتشار فى تسعينيات القرن الماضى فى العالم الغربي، وأمريكا تحديدًا مع تزايد مفهوم التنمية البشرية، وفكرة أن ترديد العبارات على مسامع الذين يحتاجونها من أجل التحفيز يساعد العقل على تنفيذ الرسالة المرسلة له عن طريق اللاوعي. علميًا، عندما يشرع المرء فى ترديد عبارات معيّنة بشكل مكثّف، فذلك يكون لتعويض نقص ما يعرفه بداخله أو لشد أزر نفسه كى يصبح أفضل. ولهذا بدأت العبارة فى الانتشار بين النساء المستضعفات أو اللائى يحتجن لأخذ قرار حاسم بعمل تغيير جذرى فى حياتهن التعيسة.
بطبيعة الحال، فى مجتمعاتنا ضعيفة الفكر، عندما يتم توزيع فكرة جديدة فهى لا تؤخذ أو ترد إلا بكثير من المبالغة وعدم الفهم. كما ذكرنا سابقًا فإن من الطبيعى جدًا تمسك نساء مجتمع يشعرهن بالإقصاء والضعف بتلك العبارة لإثبات أنهن يستطعن استكمال الحياة على الأقل لأنفسهن لا لغيرهن، ومن الطبيعى أيضًا أن يظن الرجال والكثير من نساء نفس المجتمع بأن القوة شىء للرجال فقط، ليرفضوا العبارة ويقولوا «نعم للهشتكة». هذا المجتمع الذى يشبع فتياته فى النشأة على كونهن كائنات ضعيفة تحتاج لرعاية، ثم يكبرن ليجدن أن ما عليهن تحمله من مسئوليات أكبر بكثير من طاقتهن وطاقة الرجال مجتمعين، فيأخذن فى تحفيز أنفسهن بتلك العبارات لتستمر الحياة المجهدة للبشر ولا سيما النساء منهن. 
تخيّل لو هنالك مجتمع ما فى العالم يربّى الرجل ويعلمه ويعامله على كونه كائنا منزوع المشاعر بفعل الخلق وأنّها طبيعته لا محالة. تخيّل أن هنالك من الرجال فى ذلك المجتمع من عرفوا أن تلك أكذوبة وأن جميع الرجال هناك يعانون من كونهم يعيشون بشكل لا يلائم طبيعتهم الحقة. هؤلاء الرجال سيحاولون إفهام مجتمعهم أنهم كذلك يشعرون، لكن لأن المجتمع لا يعرف تلك الفكرة سيظن قطعًا أن الرجال الذين يزعمون أن لديهم مشاعر وأنهم يتألمون أنهم لم يصبحوا من معشر الرجال وأنهم بذلك الادعاء يتشبهون بالنساء، فيبدأون بمعاملتهم على كونهم مختلين خارجين عن طبيعتهم. تخيّل كيف يعيش هؤلاء الرجال الذين أرادوا أن يُعاملوا كما يعامل الرجال بالضبط، لكن مع استيعاب أنهم كائنات بشرية تشعر، لكنهم لا يجدون سوى الاستهزاء أو التجاهل التام. هذا ما يحدث مع إناث مجتمعاتنا تمامًا، إذ يطالب بعضهن بأن يعامل معاملة الإناث، لكن مع وعى كامل بكونها بشرًا مستقّلا يستطيع تحديد أهدافه والسعى وراءها.
أن تكون المرأة قوية فى مجتمع لا يعيش فيه سوى الأقوياء لا يعنى أنها قد تخلت بذلك عن أنوثتها بما تحمله من ضعف، ذلك الضعف الذى تخزنه تلك الأنثى لمن يستحق أن يراه إذا ما قابلته يومًا، ذلك الضعف الذى إذا ظهر لغير مستحقه ستسحق تحت الأقدام قهرًا وكمدًا، ذلك الضعف الذى يعيرها به المجتمع ليقلل من كونها إنسانا كاملاز، أن تكون المرأة مستقلة فى بلاد لا يساعد فيها الأخ أخاه «إلا من رحم ربي» ويسرق فيه مال اليتيم ولا تُقام شرائع الرحمن إلا على رقاب المحتاج والضعيف، فمن الجيّد أن يكون لكل شخص رجل كان أو امرأة شخصية وحياة مادية مستقلة سعيًا وراء الشعور بالأمان. 
المعضلة الحقيقية هى أن الناس «ذكورهم وإناثهم» لا يعون أن القوة والاستقلالية هى صفات جيدة ومطلوبة، سواء للرجال أو النساء، وأن وجودها فى أنثى لا ينقص من ضعفها واحتياجها للأمان فى شىء، بل إنها إذا وجدت ذلك الأمان الحق فى رجل، ستكون قوتها له هو لا عليه. مشكلة مجتمعنا أن الأب لا يعى أنه يحتاج لكى يطمئن حقًا على ابنته أن يعلمها كيف تكون قوية ومستقلة، بدلًا من أن يكون هدفه أن يجد لها ذكرًا يأخذها من بيته وهو لا يعلم كيف سيعاملها وماذا ستواجه تلك الضعيفة بالتربية، مشكلة نسائنا أنهن لا يفهمن أن القوة تنبع من الداخل، لا بالتظاهر والتشبه بالرجال ولا بالصوت العالى والشجار المستمر، مشكلة رجالنا أنهم لا يفهمون، أن المرأة مهما كانت قوية، فهى لا تزال قارورة تحتاج للرفق، وأن هذا لا يتعارض مع ذلك أبدًا.