الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

حوارات

محمد السيد عيد في حواره لـ"البوابة نيوز" مصر ردت على هزيمة "الأيام الستة" بحرب "الساعات الست".. "رأفت الهجان" و"دموع في عيون وقحة" أصابا الصهاينة بالخيبة.. و"الملاك" محاولة لرد الصفعة

محمد السيد عيد في
محمد السيد عيد في حواره لـالبوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
شارك الكاتب محمد السيد عيد، وهو واحد من أبرز المفكرين والكتاب المصريين، فى حرب أكتوبر عام 1973، وكرمته الهيئة العامة لقصور الثقافة فى رمضان الماضى كواحد من الكتاب والمثقفين، الذين شاركوا فى الحرب. وتقلد عدة مناصب، منها نائب رئيس الهيئة العامة لقصور الثقافة، ونائب رئيس اتحاد الكتاب، وأسهم بالعديد من الأعمال التى كتبها للدرامية والتى لاقت إعجاب الكثيرين منها «قاسم أمين» و«مصطفى مشرفة»، بالإضافة إلى مقالاته ومؤلفاته عن فنون الدراما والإذاعة التليفزيونية، ومنها تحقيق مسرحية «الكلمات المتقاطعة» لنجيب سرور، ومسرحية «عقيلة» لبيرم التونسى وغيرها.
وفى حواره مع «البوابة»، يسرد الكاتب محمد السيد عيد، ذكرياته فى حرب أكتوبر وحال المجندين فترة ما قبل الحرب، ويشرح الفروق بين الجيل الحالى وجيل أكتوبر.

■ متى كانت بداية دخولك الجيش؟
- دخلت الجيش عام ١٩٦٩، وهو العام المرتبط بحرب الاستنزاف، وعندما كنت فى معسكر فى المعادى للتدريب بداية دخولى الجيش، صدرت أوامر مفاجئة بأن نغادر المكان فورًا، لأن العدو صور المكان، وفى هذه الفترة لم يكن لدى مصر صواريخ تتعامل مع الطائرات المنخفضة، وبالتالى كانت تستطيع أن تدخل وتضرب دون أن يعترضها أحد، وإنما كانت لدى مصر صواريخ فقط تواجه الطائرات المرتفعة.
وبعد ذلك تم نقلنا من المعسكرات خلال ٢٤ ساعة فقط من هذه المنطقة، وفى هذا الوقت لم تكن الحياة بسيطة أو سهلة، فمعنا آلاف الجنود معظمهم من المؤهلات العليا نظرًا للتنقلات الكثيرة، ولم يكن لدينا الوقت لتغيير الملابس ولا توجد مياه ولا دورات مياه، إلى جانب أننا لا بد أن نتأقلم على هذه الحياة رغم قسوتها فى حرب الاستنزاف.
■ ما البطولات التى شهدتها فى حرب الاستنزاف ومن بعدها حرب أكتوبر؟
- كانت هناك بطولات كبيرة وعجيبة، أذكر منها أن كتيبة كاملة بكل معداتها عبرت من الضفة الغربية إلى سيناء، وهذه التجربة كانت مهمة جدا من حيث إنها ترفع من معنويات الجنود، وفى الجانب الآخر تحبط من معنويات جيش العدو الإسرائيلى.
وأيضًا تدمير المدمرة إيلات فى البحر المتوسط، واسرائيل اعتقدت أن مصر هُزمت، ولن تستطيع أن تفعل شيئًا، فبدأت تدخل إلى مياهنا الإقليمية، وهذا كان بعد الحرب بأيام قليلة، لكن الجنود المصريين تصدوا لذلك، ولم تخرج المدمرة إيلات.
وكل هذه التراكمات تفاعلت مع بعضها، وعندما حانت لحظة العبور كنا ننتظرها بفارغ الصبر والمعنويات عالية ومرتفعة عندنا، ولم نتخيل ما حدث وقت العبور، فالجندى المصرى كان يذهب إلى خط بارليف حاملًا على ظهره ٧٠ كيلوجرامًا من المعدات، ويصعد ما يُعادل ٧ أدوار، وهذا يظهر قوة العسكرى والجندى المصرى، ولك أن تتخيل خط بارليف الذى يبلغ ارتفاعه ١٥ مترًا، وأمامه عسكرى يضخ المياه بقوة شديدة على الساتر، حتى يفتح ثغرة تسمح بمرور الدبابات، كل هذا تحت قصف جوى، وروح الحرب لا يتخيلها إلا من عاشها وفرحتها لا تقدر، وعندما أتذكر أيام الحرب أشعر بأننا نسينا الملاحم العظيمة التى فعلها الجنود المصريون.

■ حدثنا عن أبطال الحرب وبطولاتهم التى تأثرت بها؟
- هناك أسماء كثيرة جدًا حُفرت أسماؤها بمعاركها التى خاضتها وانتصرت فيها، منهم الطيار أحمد منصور والذى سجل أطول معركة حربية، لدرجة أنه وهو عائد لم يكن لديه وقود كافٍ ليصل به إلى مطاره وهبط فى منطقة الزعفرانة ناحية السويس.
والإسرائيليون كانوا يطلقون على حرب ١٩٦٧ «حرب الأيام الست»، لكن نحن استطعنا أن نجعل شعار حرب ١٩٧٣ «حرب الساعات الستة»، وأخذنا بالثأر من حرب النكسة، فما فعلوه فى حرب النكسة لم يكن معجزة، إنما المعجزة الحقيقية فعلًا كانت فى انتصار أكتوبر، فهم كانوا يعتقدون أن خط بارليف لا يمكن أن نقهره إلا بمعجزة أو قنبلة نووية، لكن المصريين أثبتوا أنه لا شىء يعوقهم وقهروا خط بارليف بالمياه، وكانت هناك أمور فى الحرب من هذا النوع كثيرة ولا حصر لها، فبعد أن عبر الجيش خط بارليف، وهى ما تسمى بالموجة الأولى التى كانت مهمتها وقف مدرعات العدو، فالجندى وقف أمام الدبابة واستطاع أن يقهرها، والموجة الأولى منعت المدرعات الإسرائيلية من التقدم.
■ هناك مسلسلات وأفلام جسدت حرب أكتوبر.. فما الزاوية التى لم نتناولها؟
- من الممكن أن نقوم بتقديم أعمال جديدة تتناول زوايا جديدة عن حرب أكتوبر لم نتناولها من قبل، منها فيلم تسجيلى مثل الأفلام الوثائقية التى قُدمت عن الحرب العالمية الثانية، لإبراز ما قامت به المدرعة وما قام به المشاة وما قام به الطيارون وغيرهم والعسكريون، وتكون مجموعة أفلام تسجيلية متكاملة تقدم صورة بانورامية لما تم فى الحدث، وعلينا أن نتناول الجانب الإنسانى فى الحرب، فالجمهور يريد أن يعرف الجوانب الإنسانية للجندى الذى شارك فى حرب ١٩٧٣، من ارتباطه بأصدقائه وأمه وإخوته، فإبراز العلاقات الإنسانية مهم جدًا، لأن الجمهور يحب أن يرى أناس مثلها وتعيش معهم جو الحرب وتحس بمشاعرهم.
■ هل هناك أعمال روائية جسدت حرب أكتوبر بطريقة حقيقية؟
- وقتها، وللأسف، الأعمال التى قدمت لا ترقى إلى قيمة ٦ أكتوبر، لكن على الرغم من ذلك كانت هناك اجتهادات طيبة فى مجال الرواية والقصة القصيرة، منها المجموعة القصصية للكاتب الإسكندرانى سعد السعيد، كما أن هناك رواية للكاتب أحمد عمار.

■ أين المسرح الآن من أعمال أكتوبر؟
- بعد حرب أكتوبر مباشرة، قُدمت العديد من الأعمال عن الحرب واستمرت عدة سنوات تُقدم هذه المسرحيات، وكانت غالبًا مسرحيات مناسبات أكثر منها مسرحيات حقيقية، ولذلك نراها اختفت وانتهت حاليًا، ولم يبقَ منها فى ذاكرة المسرح شيئًا، ويبدو أننا نسينا أكتوبر، فلا سينما ولا مسرحًا يسرد أو يتناول حرب أكتوبر، وتراجعنا عن أن نهتم ونسجل هذه الحرب وما فيها من بطولات فنية سواء فى السينما أو المسرح، فالمسألة لا تتعلق بالكتابة لكن تتعلق بالإنتاج، بمعنى أن الجهات المسئولة لا بد أن تشجع وتكلف الكتاب بالكتابة عن حرب أكتوبر، ودون هذا لا أحد بكتب هذا لم نره، فالمسألة متروكة فقط للاجتهاد الشخصى للمؤلفين والكتاب فإن لم يكتبوا فهم أحرار.
■ هل قدمت أعمالًا عن حرب أكتوبر؟
- قدمت عن حرب أكتوبر فى الإذاعة أكثر من عمل، منها «الشمس لما تضحك» و«سباعية الشرق الأوسط»، وغيرها، لكن الحقيقة أنى لم أستطع أن أقدم أعمالًا فى التليفزيون أو السينما، والسبب أن الإذاعة من الممكن أن تقدم أعمالًا بأقل الإمكانات عملًا فنيًا على عكس التليفزيون، إذا كنت تصور مشهدًا صعبًا جدًا والمقابل المادى باهظ جدًا، فكل قطعة لها مقابل مادى، والمطلوب ملايين، وهذا كان فى أواخر التسعينيات، وأرجو أن تقدم هذه الأعمال مجانية وأن تقوم على رعايتها القوات المسلحة ولا بد من دعمها ماديًا.
■ لماذا لا تفكر الجامعات فى عمل فنى يوثق حرب أكتوبر؟
- لا أعتقد أن الجامعات تهتم بأن يقدموا عملًا عن حرب أكتوبر، وكانت مصر تقوم بتقديم أعمال سينمائي أو تليفزيونية تظهر التفوق المخابراتى المصرى على الإسرائيلى، منها «رأفت الهجان» و«دموع فى عيون وقحة»، وهذه الأعمال كانت تشعر الإسرائيليين بالخيبة، وتوقفنا عن إنتاج مثل هذه الأعمال، وعلى العكس الآن بدأ الإسرائيليون يقدمون أعمالًا يحاولون من خلالها إثبات تفوقهم المخابراتى على مصر، وآخرها فيلم «الملاك» الذى يحاول أن يثبت أن أشرف مروان كان عميلًا لهم، فكان صهر الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، وكان سكرتير الرئيس محمد أنور السادات، وكان صديقًا لمحمد حسنى مبارك، فهم يحاولون أن يردوا الصفعة لمصر من خلال هذا الفيلم، وهناك أقاويل إن مصر تعد فيلمًا للرد على «الملاك»، لكن هم أعدوا فيلمًا عالميًا من خلال شركة كبرى، نحن نقدم فيلمًا محليًا، فلا بد أن نستعيد المبادرة بحيث لا يستطيع العدو أن يلاحقنا كما كان من قبل، وبالمناسبة مسلسل «رأفت الهجان» كان يشبه الزلزال فى إسرائيل، فآثاره كانت ثقيلة جدًا على المجتمع الإسرائيلى.
وأتمنى أن نعود مرة أخرى إلى إنتاج مثل هذه المسلسلات والأفلام، وأعتقد أن المصرى جوهره واحد، وعندما يواجه تحديًا يبرز قدرات لا يتخيلها أحد، وأثق فى الجندى والمواطن المصرى ثقة بلا حدود.

■ ما دور المقاومة الشعبية خلال حرب أكتوبر؟
- كانت هناك معارك أخرى خارج سيناء، فإسرائيل قررت أن تحتلها، وأرسلت أفضل قواتها، ومن ضمن القوات كانت قوات المظليين، وفى هذا الوقت العساكر كلها عبرت ولم يبقَ إلا قوات الدفاع المدنى والمدنيون، وهؤلاء لا يمثلون قوة عسكرية، لكن ما حدث أن الأهالى دخلوا بيوتهم وأخلوا الشوارع تمامًا، وتوغلت القوات فى شوارع السويس حتى وصلوا لمنطقة يصعب عليهم الخروج منها، وخرج الأهالى بكل الأسلحة وهجموا على العدو وهزموهم ولقنوهم درسًا قاسيًا، حتى إن مجموعة من قوات العدو هربت إلى قسم شرطة، فكانت هناك معركة أخرى تُسجل بأحرف من نور، حتى إن هناك أبطالًا قاموا بأعمال عظيمة، منهم إبراهيم سليمان الذى كان يضرب الدبابة، ويقول: «يا سلام عليك يا أبوخليل الجن» فأطلق عليه «الواد الجن».
وهناك معركة أخرى فى الإسماعيلية، عندما حاول العدو الدخول هناك، فالمحوران اللذان تقدمت منهما دبابات العدو دُمرا تمامًا، وأصبح متحفًا مفتوحًا موجودًا حتى الآن، فمعركة أكتوبر بطولة لا تُنسى، فعندما نذكر معركة حطين ومعركة عين جالوت سيذكر أجيالنا معركة أكتوبر بنفس الطريقة.
■ ما الذى افتقدناه بعد حرب أكتوبر الآن؟
- نفتقد فى هذه الفترة الروح، فهى أمر مهم جدًا تدفعك أن تضحى بنفسك حتى تنتصر، وحتى يتحقق الهدف المرجو، ولكن الآن نرى أشياء غريبة تحدث فى المجتمع، وروح التحدى لدى المصرى عندما يواجه مشكلة ويقف أمامها لحلها غير موجودة، فنحن الآن تنقصنا روح أكتوبر حتى نتغلب على مشاكلنا فى المجتمع الحالى.
* «المواطن المصرى» لا يعبر عن حرب أكتوبر
أتحفظ على رواية للكاتب يوسف القعيد التى قدمت فى فيلم بعنوان «المواطن مصرى»، لأنها لم تنتبه للبطولات التى حدثت فى الحرب، وإنما انتبهت لأن حرب أكتوبر مات فيها الفقراء بدلًا من الأغنياء، لكن هذا غير صحيح، فهذا الفيلم أو الرواية لا يعبر عن حرب أكتوبر، فقد مات فيه الجميع.
*المقاومة الشعبية سجلت بطولاتها بأحرف من نور
إسرائيل قررت أن تحتل مدن القناة، وأرسلت أفضل قواتها، ومن ضمن القوات كانت قوات المظليين، وفى هذا الوقت العساكر كلها عبرت ولم يبقَ إلا قوات الدفاع المدنى والمدنيون،، لكن ما حدث أن الأهالى دخلوا بيوتهم وأخلوا الشوارع تمامًا، وتوغلت القوات فى شوارع السويس، وخرج الأهالى بكل الأسلحة وهجموا على العدو ولقنوهم درسًا قاسيًا.