السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

"مثقفون وعسكر".. رصد حي لواقع أليم

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
في عام 1988، وبعد سنوات من اغتيال الرئيس الراحل أنور السادات في حادث المنصة الشهير، أصدر الكاتب الراحل صلاح عيسى كتابه "مثقفون وعسكر".
كان الكاتب الراحل، الذي بلغ آنذاك السابعة والأربعين من عمره، يرصد حقيقة الكثير من مثقفي ذلك العصر، عبر عدد من الوقائع التي دونّها في مقالاته أو كان شاهدًا على تفاصيلها، وأغلبها يدور حول نفاق المثقفين للسلطة في عصر الرئيسين الراحلين جمال عبد الناصر وأنور السادات؛ هكذا يقول "عرفنا أنماطًا من المثقفين يفهمون الثقافة والفكر على أنها لسان ذرب، وقلم سيال، وعقل يملك مهارة الاحتيال على الحق ليصبح باطلًا، وعلى الأسود ليجعله أبيض، يلعبون بالأفكار ويضحكون على الذقون، ويسربلون الأغراض الدنيئة بأنبل الشعارات".
استعرض عيسى في كتابه الأشهر المشاهد والتجارب التي عاشها في قاهرة الخمسينيات والستينيات والسبعينيات، وهي الفترة التي كان فيها منتميًا إلى اليسار المصري، لكن هذا لم يمنعه من دخول للسجن عدة مرات، أولها في عام 1966، ثم تم سجنه مرة أخرى في عام 1977 إبان الانتفاضة الشعبية التي أطلق عليها في ذلك الوقت "انتفاضة الخبز"، وكذلك شملته موجة الاعتقالات الشهيرة التي شنها الرئيس السادات على مُعارضيه في سبتمبر عام 1981، وللطرد من عمله مرات أخرى بسبب آرائه السياسية.
انتقد عيسى في الكتاب الكاتب الراحل يوسف السباعي، مُتهمًا إياه بالتضييق على الكتاب اليساريين، وأطلق عليه في الجزء الذي رواه عنه "الكولونيل"، في إشارة صريحة إلى كونه رجل عسكري سابق؛ كذلك فقد انتقد مواقف الكاتب الراحل وتوفيق الحكيم، والأديب العالمي الراحل نجيب محفوظ المؤيدة لاتفاق السلام الذي عقده الرئيس السادات مع إسرائيل في كامب ديفيد، ويرصد أيضًا حوارًا له مع الكاتب محمد حسنين هيكل حول كتابه "خريف الغضب" الذي يتناول عهد الرئيس الراحل بانتقاد شديد؛ في الوقت نفسه وصف عيسى مثقفين ممن عرفهم في تلك الفترة بأنهم "أقوياء فيهم صلابة حقيقية وشجاعة داخلية، تتوزع على مدى العمر، وتنمو مع التجربة، وتؤثر إيجابيًا في بناء الآخرين، وأخرى فيها صلابة هشة تتجمع في موقف، أو تتركز في بضع سنوات، ثم تنكسر مع العمر فتنثني ولا تعتدل"؛ وفي عبارة تحمل من الفلسفة أضعاف ما تحمل من الثقافة أو التأريخ قال "جيلنا من المثقفين العرب، مصريين وغير مصريين، سيدخل التاريخ من باب السيكولوجيا، لا من باب الأدب أو الفن أو الفكر".
لم يتناول عيسى المثقفون من ذوي الأسماء اللامعة فحسب، بل تناول أيضًا طبقات المثقفين الأخرى التي انتشرت أعمالهم خاصة في عهد الرئيس السادات، عندما كانوا بصدد اكتشاف تجربة الثنائي أحمد فؤاد نجم والشیخ إمام، التي كانت تقوم على السخرية من النظام والاحتجاج عليه، في الوقت الذي تحول فيه المزاج الشعبي نحو ما أطلق عليه حينها "ظاھرة عدویة" التي أعقبت انتشار وتألق المطرب الشعبي الشهير، والتي وضعها عيسى في سیاق سیاسي یصعب دائمًا الإفلات منه، فوصفه في الكتاب بأنه "تجل لعصر السادات، مثلما كان عبدالحلیم حافظ جزءًا من النسیج المتكامل للظاھرة الناصریة".