رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

آليات ممارسة العنف الرمزي «1» نظام التعليم

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يركز المنظرون الاجتماعيون على أهمية البعد الاجتماعى فى بناء النظرية التربوية. فالتربية- فى هذا المستوى- تتجلى بأبعادها الاجتماعية، فهى قضية اجتماعية فى المقام الأول؛ ويترتب عليها أن تؤدى دورًا جوهريًا فى مجال الحياة الثقافية. والتربية نتاج للتفاعل الاجتماعى القائم، وهى فى النهاية تجسيد لطابع الحياة الاجتماعية. والنظريات التربوية الحديثة ترى أن المبدأ الأساسى للتربية يجب أن يكون فى حل المشكلات الاجتماعية والثقافية والبيئية التى تحيط بالأفراد، فالتربية معنية - بالدرجة الأولى - بإعداد التلاميذ والطلاب لإيجاد حلول للمشكلات التى تواجههم. 
وفى إطار ذلك ظهر ما يسمى بـ«سوسيولوجيا التربية النقدية- منذ الستينيات والسبعينيات من القرن العشرين- قامت بنقد النظام الاجتماعى القائم والكشف عن تناقضاته بحثًا عن نظام اجتماعى تنتفى فيه هذه التناقضات. وتكمن أهمية النظرية النقدية للمجتمع (كما قال د. سعيد إسماعيل على فى كتابه القيم: «فلسفات تربوية معاصرة») «فى أنها تضع بين أيدى مفكرى التربية طرقًا بديلة للتفكير، والأهم أنها تساعد فى إيضاح العلاقة بين البحث العلمى وآلياته، وبين الحياة الاجتماعية وتطورها». وقد تحدث «بورديو» عن النظام التعليمى والتربية، واعتبر أن المدرسة - فى نظمها وقوانينها - آلية من آليات «العنف الرمزي» الذى ينمِّى آليات ممارسة هذا العنف.
حاول «بورديو» من خلال كتابه: «إعادة إنتاج فى سبيل نظرية عامة لنسق التعليم» مع «جان باسرون» أن يصورا لنا النسق التعليمى بوصفه عاملًا أساسيًا لممارسة السلطة وللضغط الرمزي؛ فالمدرسة تقوم على إعداد الأطفال على منوال الفوارق الاجتماعية القائمة بينهم؛ بمعنى أن المدرسة تعد فضاء لإعادة إنتاج اللا مساواة الناتجة عن وجود طبقة مسيطرة وأخرى مسيطر عليها. تعمل المدرسة وفق آليات ذكية وخفية ورمزية على توليد التقسيم الطبقى والتفاوت الاجتماعي، وهى أداة للمجتمع نفسه فى إعادة إنتاجه لذاته على نحو طبقي. والمدرسة بوظائفها وفعاليتها تتخذ مكانها فى دائرة التفاوت الطبقى فى الحياة الاجتماعية. وعلى هذا الأساس، قادت الأبحاث السوسيولوجية إلى استنتاج مهم هو أن الثقافة التى يتلقاها المتعلم من المدرسة ليست ثقافة موضوعية أو نزيهة محايدة، بل هى ثقافة الهيمنة والأخص هيمنة الطبقة الحاكمة. ومن ثم؛ فإن التنشئة الاجتماعية ليست تحريرًا للمتعلم من هذه الهيمنة، بل إدماجًا له فى المجتمع، فى ثقافة التوافُق والتطبُّع والانضباط المجتمعي. وبالتالي، تعيد لنا المدرسة إنتاج الطبقات الاجتماعية نفسها.
وإذا طبقنا هذا المفهوم السابق على نظام التعليم فى «مصر» سنجد أن الأهــداف القوميــة للتعلــيم تحددت فــى التعلــيم المجــاني، والتميُّز للجميع، واقتحام عصر التكنولوجيا، ومواجهـة تحـديات العولمـة.
وقـد عُقِدت سلسلة من المؤتمرات القومية لتطوير التعليم فى مصر، حيث أكـدت - هذه المؤتمرات - ضـرورة الإبقـاء علــى مجانيــة التعلــيم حقًا لكــل مصــري، وتأكيــد مبــدأ التــدرج فــى عمليــة تطــوير التعليم. وعلى الرغم من اهتمام الدولة على المستوى الكمى بمنظومة التعليم؛ فإنَّ الواقع الفعلى والكيفى للتعليم فى مصر يكشف مدى هشاشة ذلك الاهتمام، وهو ما يظهر فى انخفاض التقدير المجتمعى لقيمة التعليم على الرغم من تزايد الطلب الاجتماعى عليه، والمدارس الخاوية من طلابها، وحجم الإنفاق الأسرى على الدروس الخصوصية..... وغيرها من مظاهر أزمة التعليم فى مصر ومشكلاته.
كذلك أيضًا تمرير الأفكار السائدة فى المجتمع - التى هى أفكار الطبقة المسيطرة - من جيل إلى جيل. عن طريق المؤسسات التعليمية التى تربى الطلاب على الطاعة والقبول بالنظام العام، وجعلهم يعتادون على نمط معين من الأفكار، ما يجعل هذه المؤسسات تقوم على التلقين ورفض منطق النقاش. أيضًا أزمة التفاوت فى فرص التعليم داخل المجتمع المصري، وما ينتجه هذا من لا مساواة فى الفرص فى سوق العمل، ونتائج هذه اللا مساواة على الأفراد فى المجتمع. وهذه سمة النظام الرأسمالى بشكل عام، حيث أصبح المستوى التعليمى للأبناء معتمدا على وضعهم الطبقي. 
ولا شك؛ فإن حل هذه الأزمة يكمن كما يقول الثورى الروسى «لينين» «فى تحطيم كل مقاومة الرأسماليين، لا العسكرية والسياسية فحسب، بل أيضًا الفكرية، التى هى أشد أشكالها عمقًا وقوة».