الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

المخدرات.. عدو خفي لازدهار المجتمع.. مؤمن جبر: تقضي على حياة متعاطيها.. مجدي البسيوني: تغليظ العقوبة الحل للقضاء عليها

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تبدلت الأحوال، وطرأ العديد من المتغيرات على المجتمع المصرى منذ حالة الحرب والانتصارات العظيمة فى أكتوبر ٧٣ حتى الآن، لكن أخطر ما حدث فى السنوات الماضية هو انتشار آفة المخدرات، فمن الشدة والحزم واستقامة الشخصية إبان الحرب والانتصارات العظيمة إلى السوس الذى ينخر فى عصب المجتمع، حيث تنتشر المخدرات بكل أنواعها وأشكالها، حتى أصبح من الصعب حصرها أو حتى السيطرة على انتشارها، لا يجدى معها الحلول الفردية، فالمواد المخدرة أصبحت شبيهة بالسرطان الذى ينهش فى أجساد شبابنا، وتجاه هذه الآفة ومدى خطورة انتشار هذه المواد السامة وتداعيات ذلك المرض اللعين تسلط «البوابة نيوز» الضوء على ما حدث من تغيرات، وأسباب وأنواع تلك السموم، وطرق العلاج منها، من خلال آراء خبراء الأمن وعلماء النفس والاجتماع ورؤيتهم للقضاء على هذه الآفة التى تهدد حياتنا.


يقول الدكتور مؤمن جبر، أستاذ علم الاجتماع بأكاديمية «أخبار اليوم»، إن المخدرات أصبحت سلاحًا يستخدم ضد الدول، فلم تعد الصواريخ والقنابل والدبابات حلًا للقضاء على أمة بعينها، ولكن تستخدم بعض الدول المواد المخدرة للقضاء على شباب مجتمع بعينه، ويعتبر القضاء على الشباب هو القضاء على عصب المجتمع، فمقياس أى دولة يكون بشبابها، فيقوم المستهدف بإلقاء وزرع الوهن والضعف بين شباب الأمة المستهدفة، فيسلب منه إرادته وعنفوانه ويستسلم للاضمحلال والتفكك، وهو ما تحققه المخدرات أكثر من أى سلاح آخر، فبنشر تلك السموم بين أبناء المجتمع المستهدف يصبح الشباب فى خواء روحى وعقائدي، ويصبح خائر القوى غير مؤثر فى الحاضر، عديم التأثير فى المستقبل، وبذلك تسلب قوى الأمة وتصبح عديمة القيمة، تابعة لا متبوعة، مقودة لا قائدة، وتكون نهايتها الهلاك المحتوم، فليس الانهيار الاجتماعى فحسب هو المقصود من بيع تلك السموم لأبنائنا، بل الهدف ما يعقب ذلك من انهيار اقتصادى واستسلام الإرادة للدول الخارجية، وهذا هو مُنتهى أى هدف سياسى فى أى مكان فى العالم على مدار التاريخ.
وتابع «جبر»: «المواد المخدرة لم يقتصر ضررها على الفرد فقط، بل تصل إلى المجتمع وتقضى عليه، فالمدمن ينفق جزءا كبيرا من دخل الأسرة، ويمثل بالتالى عبأ اجتماعيًا واقتصاديًا، وتعاطى تلك المواد السامة يعد سببا لوقوع العداوة بين الناس حتى الأصدقاء منهم، لأن المدمن حينما يسكر ويفقد عقله يستولى عليه حب الفخر الكاذب والكبر، ويسرع إليه الغضب بالباطل مما يدفعه إلى ألوان من البغضاء والعداوة وكثير من المشاجرات بين المدمن وعامة الناس، فينشأ القتل والضرب والسلب والنهب وإفشاء الأسرار وهتك الأستار والأعراض، وخيانة الحكومات والأوطان.
وأشار أستاذ علم الاجتماع بأكاديمية أخبار اليوم، إلى أن تعاطى المخدرات يمثل عبأ كبيرا على الدخل القومي، فهناك خسارة مادية اقتصادية تتمثل فيما يتحصل عليه المشتغلون بعلاج ومكافحة المشكلة وفى النفقات الباهظة التى تستهلكها عمليات الوقاية والعلاج والمكافحة والمؤسسات التى تنشأ من أجل ذلك، وكذلك فى عمليات الإنفاق على المتعاطين أنفسهم، والمحكوم عليهم فى جرائم المخدرات داخل السجون والمستشفيات، هذه النفقات كان من الممكن لو لم ينتشر التعاطى أن توجه إلى ما يرفع إنتاجية المجتمع وجهود التنمية الاقتصادية والاجتماعية

الرؤية الأمنية
من جهته أوضح اللواء مجدى الشاهد الخبير الأمنى، أن أقدم أنواع المخدرات معرفة هى الكحوليات، ويأتى بعد الكحوليات المخدر الأشهر فى العالم وهو الحشيش والأفيون، وجاءت بعد ذلك «الأمفيتامينات» وهى المنشطات التى كان يستخدمها الجنود والمحاربون فى الحرب كى يقاوموا التعب والمشقة، وتمت إساءة استخدامها، ثم الكوكايين حتى وصل بنا الحال إلى أن دخل مجتمعنا مخدرات «الشبو والإستروكس»، ومن الواضح أنه تزداد خطورة المواد المخدرة كلما تقدم العصر، فـ«الإستروكس» هو الأشد خطورة وفتكا بالإنسان، فيصل بالإنسان لمرحلة أنه منعزل بنسبة ١٠٠ ٪ عن العالم الخارجى ويسبب العديد من الجرائم، وهو خليط من مخدر «الفودو».

وفى السياق ذاته، أكد اللواء مجدى البسيونى الخبير الأمنى مساعد وزير الداخلية الأسبق، أن الأجهزة الأمنية بوزارة الداخلية تتصدى بكل قوة لكافة صور الخروج على القانون، من خلال الحملات الأمنية المكبرة التى تستهدف تجار «الكيف» وحائزى ومروجى المخدرات، مشيرًا إلى أنه خلال أحداث يناير عام ٢٠١١ استغل بعض تجار المواد المخدرة حالة الانفلات الأمنى وقاموا بجلب كميات كبيرة من جميع أنواع المخدرات، بهدف تخزينها وبيعها على فترات متلاحقة.
وأضاف الخبير الأمنى، أن الإدارة العامة لمكافحة المخدرات أحبطت تهريب كميات كبيرة عبر المنافذ والدروب الصحراوية والأنفاق عن طريق غزة، مستطردا: «الدولة تُحارب من جميع الجوانب، وهناك أجهزة مخابرات عالمية تحاول تدمير الشباب المصري، عن طريق ترويج المخدرات التى تم الترويج لها فى الفترة الماضية، مثل مخدر «الفودو والإستروكس» التى غزت الشارع المصرى فى فترة قصيرة.
وأضاف البسيوني، أن أنواع المخدرات اختلفت من عصر إلى عصر بعد أن كان «الأفيون» هو الأشهر نوعا فى المخدرات حتى أتى «الحشيش» ليتسيد العالم لأكبر فترة ممكنة، ولكن زاحمه التأثير والشهرة فى الفترة الأخيرة مخدر «الإستروكس»، وأوضح البسيونى أن طرق الحصول على المخدرات اختلفت، فقديما كانت تأتى مهربة ويتعاطاها المدمنون فى سرية تامة خوفا من افتضاح أمرهم، أما حاليا فقد تحول توصيل المخدرات إلى طلب «دليفرى» وتلك هى أحدث الصيحات فى مجال توصيل الحشيش، حيث يعتبر هو أحدث وأسرع وسيلة لتوصيل الكيف للمدمنين، وهو ما يحرص عليه تاجر المخدرات كى يحافظ على زبونه ولا يذهب إلى تاجر آخر، فطبيعة هذا النوع تعتبر أفضل للمستهلك وأكثر أمانا له، حيث المستهلك يكون بمنأى عن المساءلة القانونية إذا تم القبض على التاجر، وأوضح «نور الدين» أن الإيقاع بهؤلاء التجار يكون عن عمل تحريات دقيقة من قبل رجال المباحث حول هؤلاء التجار للكشف عن ممارساتهم بجانب تتبعهم ومراقبتهم، وأيضا اعترافات المتهمين الذين تم القبض عليهم وبحوزتهم مواد مخدرة تساعد كثيرا فى الوصول إلى تجار آخرين.
وأضاف الخبير الأمنى أن إدارات مكافحة المخدرات بوزارة الداخلية، لا تكل ولا تمل من توجيه ضرباتها الاستباقية للإيقاع بتجار المخدرات ومروجيها، فدائما الإدارة العامة لمكافحة المخدرات تجرى تحديثات معلوماتية باستمرار على كافة الأنواع الجديدة للمخدرات حتى التى لم تأت مصر، وتؤهل رجالها للتعرف عليها، ودائما ما تشدد الأجهزة الأمنية من إحكام السيطرة على الموانئ والمطارات والمنافذ المختلفة للدولة، لمنع دخول أية أنواع من المخدرات إلى الدولة المصرية.
وأضاف البسيونى، أن تهريب المواد المخدرة لا يأتى من المناطق الشرعية فقط، وإنما يأتى عن طريق الثغرات البرية على الحدود مع السودان وليبيا.
وأشار البسيونى إلى أن وزارة الداخلية دائما ما تقوم بوضع خطط لمكافحة المخدرات، وأوضح أن على هيئات المجتمع دور كبير فالمؤسسات الدينية والتعليمية والإعلام المرئى والمكتوب له دور كبير فى نشر الوعى عن خطورة المخدرات، ويجب على جميع هيئات ومؤسسات المجتمع أن تتكاتف لمحاربة المخدرات وسمومها.

الصحة النفسية
أكدت الدكتورة سامية خضر أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس، على الأضرار الصحية والنفسية والاجتماعية على تناول تلك المواد السامة، وقالت إن تعاطى المواد المخدرة يؤثر سلبيًا على الصحة العامة للمتعاطى وعلى جميع أجهزة جسده من قوة ونشاط، ومن حيث المستوى الوظيفى لتلك الأجهزة.
وقالت «خضر» إن المخدرات تؤثر على حكم العقل على الأشياء والأحداث ويكون مغيبًا، وقد يرتكب المدمن الجرائم تحت تأثير تلك المواد السامة وهو لا يدرى ما الذى يفعله؟ وتسلب تلك المواد من ذلك المتعاطى الإحساس فيصبح متبلدا لا يبالى لما يحدث حوله، كما يحدث عنده حالة من النسيان المستمر والذى قد ينتهى بأشياء لا يحسن عقباها، كما يقضى على الجهاز العصبى وتعطل تلك السموم عمل وظائف المخ بصورة سليمة، فتختل وظيفة المخ ويحدث له ضمور وتلف بزيادة الكميات التى يتعاطاها المدمن، وينتج عن ذلك اختلال كل الأجهزة التى يتحكم فيها المخ.
وأكدت «خضر» على خطورة الإدمان الذى يحدث أسوأ الأثر فى المستوى الخلقى والنفسى لضحاياه فيتميز أغلبهم بانهيار العاطفة وعدم الإحساس بالمسئولية الاجتماعية والعائلية وضعف الإرادة والجبن وكراهية العمل، وزيادة الاضطرابات النفسية والسلوكية، فعندما يبدأ الشخص فى تعاطى المخدرات يختلط عنده التفكير ولا يحسن التمييز ويكون سريع الانفعال، ثم تتبلد عواطفه وحواسه بعد ذلك، وبتكرار التعاطى يصبح الشخص كسولًا قليل النشاط، وتظهر عليه الهلاوس السمعية والبصرية والحسية.

التوعية طريق النجاة
من جهته، قال الدكتور جمال فرويز، إن الطريق للنجاة والتخلص من تلك السموم والحد من مخاطرها يكون عن طريق التوعية وبشكل خاص بين الشباب بخطر تلك المواد القاتلة التى تنهى حياة الفرد، وتفكك الأسرة وتقضى على المجتمع، وعدم ترك أوقات فراغ تدفع البعض للتفكير فى أفكار سيئة وتطبيقها، ومحاولة حل أزمات يراها معقدة فيلجأ لتناول ما ينسيه تلك الأزمات، معالجة التفكك الأسرى لأنه يعد السبب الأساسى والأول فى نشأة جيل يبغض المجتمع برمته لما لاقاه فى صغره من تفكك ومشاكل مستمرة بين الأب والأم، وهو ما يدفعه للهروب من تلك الذكريات المخيفة، فيلجأ إلى الإدمان، كما لابد من الاهتمام بالنشء فى المدرسة وترسيخ القيم والأخلاق الحميدة داخله منذ الصغر، وكذلك احتواء المتعاطين وإنشاء مراكز تأهيل لهم، ومحاولة علاجهم فى أماكن مهيأة لهذه الأمور وتحت إشراف متخصصين، وكذلك التوعية الدينية الأمر الذى يقع على عاتق رجال الدين، من خلال تفعيل دور العبادة وبث روح التسامح والبعد عن المهالك، وطالب أيضًا بضرورة تغليظ العقوبة على تجار تلك السموم لتصل إلى أقصى عقوبة، للحد من انتشار تلك المواد التى تقتل شبابنا، وبيان خطر المخدرات فى كافة الوسائل والطرق، كالتلفاز ووسائل التواصل الاجتماعي، والراديو والصحف والمجلات، وشدد «فرويز» على ضرورة الاهتمام بأبنائنا ومحاولة تحقيق طلباتهم ورعايتهم وتربيتهم تربية سليمة.