السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

حوارات

سمير غريب يتحدث لـ"البوابة نيوز": كنت شاهدا على صياغة قانون حماية التراث.. وفوجئت بتزوير بعض حروفه في المطبعة.. التنسيق الحضاري تحول لجهاز "على الورق".. ومصر مهددة بالخروج من قوائم اليونسكو

سمير غريب يتحدث لـ«البوابة
سمير غريب يتحدث لـ«البوابة نيوز»
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
كنت شاهدًا على صياغة قانون حماية التراث.. وفوجئت بتزوير بعض حروفه فى المطبعة
التنسيق الحضارى تحول لجهاز «على الورق».. ومصر مهددة بالخروج من قوائم اليونسكو
الرئيس السابق لجهاز التنسيق الحضارى: 75% من مبانى مصر التاريخية تعرضت للهدم
سمير غريب: حرب 73 نقطة تحول خطيرة فى العمران.. وقانون «144» دمر التراث المعمارى

«كثيرون يرون أن حرب أكتوبر 1973 كانت فاصلًا بين حقب تاريخية شهدتها مصر، مدللًا على ذلك بأن المجتمع بدأ تدهوره بعد حرب ٧٣، معتبرين أن سياسات الرئيس الراحل محمد أنور السادات وتحديدًا سياسة ما عرف بالانفتاح الاقتصادى كانت أبرز تلك الأسباب، وذلك حينما قال السادات: «وداعًا للحرب وأهلًا بالانفتاح»، ومن هنا بدأت رحلات متتالية لهجرة العقول المصرية لدول العالم، مما انعكس على تجريف المجتمع من صفوته الثقافية والعلمية بل عمالته الماهرة التى رحلت إلى دول الخليج، وبمجرد عودتها جرفت الأراضى الزراعية لتبنى بيوتًا ضخمة وأبراجًا مرتفعة على حساب الرقعة الزراعية والتراثية».
أبراج عالية وكتل خرسانية «قبيحة» شوهت تراثنا، وظهرت على حساب مبان أثرية ظلت على مر العصور مصدر فخر وإعجاب للملايين من المصريين، إلا أن تلك المبانى التراثية انتهكت حرمتها بعد أن طالتها أيادى التزوير عبر قانون أعد خصيصًا لحماية التراث المعماري، ليتحول بعد تزويره إلى وسيلة للقضاء على نحو ٧٥% من المبانى التراثية والتاريخية فى القاهرة. بهذه الكلمات عبر الدكتور سمير غريب، الرئيس السابق ومؤسس الجهاز القومى للتنسيق الحضاري، فى حواره لـ«البوابة» عن خسائر مصر الضخمة فيما يتعلق بثروتها المعمارية.. وإلى نص الحوار:

■ بالتزامن مع الذكرى الـ٤٥ لحرب أكتوبر تعرضت مصر لحملة تشويه لتراثها المعماري.. فى رأيك ما السبب وراء ذلك؟
- إذا أردنا الحديث عن تدهور العمران فى مصر سنتحدث عن محورين أساسيين ألا وهم: تراجع الدور التشريعى، ودور الدولة فى تنفيذ القوانين، وتدهور الثقافة العامة لدى المصريين، وانهيار الذوق العام، بالإضافة إلى عوامل أخرى جانبية تتمثل فى البحث عن الثراء، وطغيان الجانب المادى، وتقدير القيم المادية أكثر من القيم المعنوية المهمة مثل الحضارة والتراث والأخلاق والثقافة.
■ بالنسبة للجانب التشريعى ما أوجه القصور التى تقصدها؟
- أوجه القصور التى أقصدها هنا هى وجود بعض القوانين المعيبة التى لا تزال موجودة وتخدم مصالح فئات بعينها، بالإضافة إلى عدم تطبيق القوانين الخاصة بالسيطرة على البناء فى مصر ومنع الزحف العمرانى على الأراضى الزراعية وأملاك الدولة خلال فترات طويلة، خاصة فترات غياب القانون سواء كانت بسبب الحرب ما قبل، وما بعد حرب أكتوبر ١٩٧٣، أو فى الفترة التى تلت ٢٥ يناير والزحف العمرانى الخطير الذى انتهك مساحات شاسعة من الأراضى الزراعية.

■ وماذا عن القوانين غير المفعلة لإحكام السيطرة على الفوضى العمرانية؟
- فى عام ٢٠٠٩ صدر قانون البناء الموحد، وهو نتاج لجمع كل قوانين العمران والبناء والإسكان والتنسيق الحضارى فى قانون واحد، ومن هنا سمى بقانون البناء الموحد، ووقت أن كنت رئيسًا للجهاز القومى للتنسيق الحضاري، أعددنا مشروعًا متكاملًا تمت إضافته فى الباب الثانى للقانون بنفس الاسم «التنسيق الحضاري»، وحتى يومنا هذا قانون البناء الموحد لا يزال مصدر جدل كبير نتيجة عدم تفعيله وكذلك وتعديلاته التى لا تزال معلقة فى مجلس الشعب ولم تقر.
والأخطر من قانون البناء الموحد هو القانون ١٤٤ لسنة ٢٠٠٦، والذى عُرف بقانون حماية الثروة المعمارية المتميزة، إنه على الرغم من أنه قانون معيب، فإنه لم ينفذ إلى وقتنا هذا، وبما أن تدهور العمران فى مصر مرتبط بعاملين رئيسيين وهما: القانون واحترام القانون وتطبيقه وثقافة الشعب، وإذا تحدثنا عن القانون فأول من يحترم القانون هى الحكومة فهى أداة تنفيذ القانون، وليس الشعب ومن ثم فإن احترام القانون مسئولية الحكومة فى الأساس، ولا يبدو من واقع العمران فى مصر أن الحكومة تحترم القانون والشعب الذى وجد الحكومة لا تحترم القانون فبدوره يهين القانون، ومن هنا تغيب قوانين العمران، ومن هنا حذرت بأن مصر قد تخرج من قوائم التراث العالمى التابعة لمنظمة اليونسكو، فالاحتفاظ بالوجود فى هذه القوائم مرهون بعاملين أساسيين لا نملك أى منهما وهما: «تطبيق القانون» و«عمل مشروعات حماية».
وهناك العديد من القوانين المتعلقة بالعمران، أهمها هو قانون ١٤٤ لسنة ٢٠٠٦، الذى لم يطبق حتى الآن، وهذا القانون قانون معيب ورغم عيوبه لم يطبق، ودرسنا القانون فى جهاز التنسيق الحضارى، وكان وقتها يتم إعداده قبل إنشاء الجهاز فعليًا فى ٢٠٠٤، حيث افتتحنا مبنى جهاز التنسيق الحضارى فى أكتوبر ٢٠٠٤، والقانون ظهر للعلن فى عام ٢٠٠٥ مقدم من لجنة الإسكان بالحزب الوطنى وهى من أعدت القانون الذى صدر فى ٢٠٠٦، ودخل حيز التنفيذ بعد إعداد اللائحة التنفيذية فى ٢٠٠٧، ووفقًا للقانون تم عمل لجان للتنسيق الحضارى فى كل محافظة وتم عمل لجنة عليا برئاستى كرئيس لجهاز التنسيق الحضارى للبت فى تظلمات المواطنين ضد قرارات لجان المحافظات، وكان دور لجان المحافظات يرتكز على حصر المبانى المعمارية المتميزة، وإدراجها ضمن قوائم الأبنية المعمارية المتميزة ضمن الحصر الشامل للمبانى حينها، وفى حال تضرر أى مواطن من ملاك هذه المبانى من قرار إدراج مبنى مملوك له، يتقدم بشكوى أو تظلم تفصل فيه اللجنة العليا، وفى حال قبول التظلم يتم حذف المبنى من قائمة المبانى المعمارية.

■ ولكن هناك تحايلًا على هذا القانون.. والعديد من المبانى الأثرية هدمت فكيف يتم ذلك ويتكرر يوميًا؟
- فى بعض الحالات كان الملاك يلجأون للقضاء فى حال فشل التظلم، وفى فترة رئاستى للجهاز لم يصدر حكم واحد ضد المالك، فقرار المحكمة الصادر من مجلس الدولة كان يبطل كل القرارات السابقة للجان المحافظة أو اللجنة العليا، وبعض المحامين كانوا يستغلون القانون المعيب لرفع مبانيهم من قائمة التراث الوطني.
■ ولماذا القانون معيب إذا؟
القانون نوقش فى مجلس الشعب، وحضرت مناقشة القانون بنفسى وقرأت مسودة القانون التى أقرت فيما بعد، إلا أن هذا القانون على الرغم من أنه معيب إلا أنه لا يطبق حتى يومنا هذا، بل طالته أيادى التزوير لتغير المادة الخاصة بعملية الهدم.
ووقائع التزوير التى جرت حينها من أصحاب المصالح فى مجلس الشعب أو فى الجهات المتعلقة بالقانون تركزت على تزوير أحرف بسيطة فى القانون مما يخلق ثغرة قانونية يمكن استغلالها فى التحايل على القانون، وهدم التراث المعمارى من خلال تغيير القانون من «أو» إلى «و» لتصبح المادة بعد تزويرها: «يحظر الترخيص بالهدم أو الإضافة للمبانى والمنشآت ذات الطراز المعمارى المتميز المرتبطة بالتاريخ القومى وبشخصية تاريخية والتى تعتبر مزارًا سياحيًا»، وهى شروط تعجيزية من الصعب توافرها فى كثير من المبانى.

■ ومَنْ زور القانون إذًا؟
- أنا أجزم أنه زور بشكل متعمد فى المطبعة، وبعد إقراره فى جلسة مجلس الشعب لأنى كنت أحضر الجلسة، وكان نص القانون على حالته الأولى، ولكن أصحاب المصالح من أعضاء البرلمان أو الحكومة هم من وقفوا وراء تزوير القانون وفتح الثغرات لهدم تراثنا المعمارى لتحقيق مصالح شخصية ومنفعة مادية من وراء ذلك، القانون الذى قرأ ونوقش فى مجلس الشعب وقتها تم تزويره عن عمد، وهناك تواطؤ حدث لضرب هذا القانون، ومن هنا تم تهميش اللجان العليا ولجان المحافظات، ونتيجة لذلك أصبح شغل اللجان ولجنة التظلمات تضييع وقت وحبرًا على ورق.
■ وما موقفكم من هذا التزوير طوال فترة توليكم المسئولية؟
- حاولنا تعديل القانون فترة تولى الدكتور فتحى البرادعى لوزارة الإسكان فأبلغته بضرورة العمل على تعديل هذا القانون المعيب، وتم تشكيل لجنة برئاستى لتعديل القانون، وعملنا على صياغة وإصلاح العوار فى القانون، إلا أن الوزير ترك الوزارة دون تعديل القانون ليأتى بعده الدكتور طارق وفيق فى عهد الإخوان، وأكملنا مهمتنا فى محاولات تعديل القانون، إلا أن الوزير الثانى رحل مع رحيل حكومة الإخوان، وبعدها تركت الجهاز بعد وصولى سن المعاش، ومن وقتها والقانون «محلك سر» ولم يعدل حتى الآن، وكل يوم يسقط مبنى تاريخى مما يُعد مؤشرًا خطيرًا قد يصل إلى حذف اسم مصر من قائمة التراث العالمي.

■ وهل لجهاز التنسيق الحضارى أدوات أخرى لوقف هدم التراث؟
- الجهاز يعانى من مشكلات أزلية وطالبنا مرارًا وتكرارًا منح أعضاء الجهاز الضبطية القضائية لوقف مهازل الهدم المستمر للتراث، إلا أن ذلك قوبل بالرفض، هذا بالإضافة إلى المشكلات التى واجهت جهاز التنسيق العمرانى من ضعف ميزانية المشروعات حتى ٢٠١٤ لم تتجاوز ٥ ملايين جنيه، وهذا مبلغ زهيد جدًا.
■ وهل الزيادة السكانية والزحف من القرى إلى المدن وراء ظهور العشوائيات وتدهور التعليم؟
- هذا المجتمع بدأ تدهوره بعد حرب ٧٣، وكانت الدولة هى المسئولة ورأس الدولة هو المسئول بعدما وقع الرئيس محمد أنور السادات اتفاقية كامب ديفيد على وجه التحديد والعمل بسياسة الانفتاح الاقتصادي، السادات قال «وداعًا للحرب وأهلًا بالانفتاح»، ومن هنا بدأت رحلات متتالية لهجرة العقول المصرية لدول العالم، مما انعكس على تجريف المجتمع من صفوته الثقافية والعلمية بل وعمالته الماهرة التى رحلت إلى دول الخليج وبمجرد عودتها جرفت الأراضى الزراعية لتبنى بيوتًا ضخمة وأبراجًا مرتفعة على حساب الرقعة الزراعية والتراثية».