الخميس 16 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة لايت

حاربوا الصهاينة بالفن.. جلال هاشم صنع تمثالي المقاومة والنصر من الشظايا

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

يقف تمثالا الصمود والنصر شاهدان على تاريخ نضال وكفاح شعب الإسماعيلية ضد المستعمر الإسرائيلى، لتسجيل فترة مهمة من تاريخ مصر امتدت ٦ سنوات بين نكسة عام ١٩٦٧ وانتصار أكتوبر عام ١٩٧٣ لتؤكد أن مقاومة الاستعمار ليست بالوقوف على الجبهة فقط بل إن الإسماعلاوية قاوموا الاحتلال الإسرائيلى بالفن والإبداع، عندما قرر الفنان جلال عبده هاشم صنع تمثال الصمود من بقايا الشظايا الإسرائيلية التى وجهت لضرب مدينة الإسماعيلية وفى خلال شهرين تحت غارات العدو الإسرائيلى عكف على تنفيذه من خلال ٤٥٠٠ شظية مختلفة الأشكال والأحجام ليجسد فى النهاية جسد مقاتل مدنى يرفع بيده اليمنى بندقيته ويحمل فى اليد الأخرى دانة، للتعبير عن الاستمرار فى العمل حتى النصر، ليعود بعد ذلك ويصمم تمثالًا آخر للنصر.

ويقول الفنان جلال عبده هاشم الذى تخطى عامه الـ٧٧: «كان الغرض من تنفيذ هذا التمثال، تحفيز من يراه لمقاومة الاحتلال لذلك نقل التمثال على نفقته الخاصة إلى مقر نقابة الصحفيين بالقاهرة، وحاز إعجاب الجميع، ثم نُقل للعرض داخل معرض القاهرة الدولى للكتاب لمدة ثلاثة أسابيع، وعرض لفترة من الوقت بميدان روكسى أحد الميادين الشهيرة فى القاهرة، كما عُرض فى أماكن التجمعات الطلابية مثل كلية الآداب بجامعة القاهرة وعدد من الجامعات المصرية خاصة ممن انتشر فيها الطلاب المهاجرين من مدن القناة لكى يكون باعثًا لروح الصمود أمام مرارة النكسة».

وتابع: «التمثال عرض لأول مرة على الرصيف فى شارع مصر وفوجئت بتزاحم جنود القوات المسلحة بطول جبهة القطاع الأوسط لرؤيته، وكان ذلك عقب نكسة ١٩٦٧، لدرجة أن معظم الجنود كانوا يطلبون من كامل سعفان أشهر مصور فى مدينة الإسماعيلية فى ذلك الوقت التقاط أكثر من صورة تذكارية لهم مع التمثال، وبعد أن انتشر خبر اهتمام الجنود بالتمثال، طلبت منى إدارة التوجيه المعنوى بالقوات المسلحة أن تُقام حفلات الترفيه عن الجنود فرقة السمسمية وحفل شعراء الإسماعيلية ممن يكتبون الأناشيد الوطنية عند التمثال لرفع الروح المعنوية للجنود، ولأسابيع وشهور طويلة، بل وسنين حتى نصر أكتوبر فى ١٩٧٣ دقت السمسمية عند قاعدة التمثال بصوت جنودنا البواسل أعذب الألحان والكلمات».

وأضاف هاشم: «أتذكر جيدًا فترة نكسة ٦٧ وسنوات الاستنزاف التى عاشها الشعب المصرى، حيث تحمل المصريون المعاناة وتحمل شباب مدن القناة المسئولية الداخلية للجبهة، وتحمل القيادة العسكرية إعادة ترتيب قواتها، ومن هنا جاء بداية الطريق الصحيح والبداية الجديدة للشعب المصرى الذى لا يعرف الاستسلام ولا اليأس، شعب أذهل العالم بصموده وإصراره وحول الهزيمة إلى نصر». 

وأوضح أنه بعد العدوان الإسرائيلى على الإسماعيلية بعدة أشهر وتحديدًا فى أبريل ٦٨، نشرت فى جريدة «الجمهورية» نداء إلى كبار الفنانين التشكيليين بالقاهرة، لتخليد صمود وكفاح شعب الإسماعيلية فى مواجهه العدوان الإسرائيلى ليكون رمزًا لهذه المدينة الباسلة وشعبها الصامد، وطلبت من أهل الإسماعيلية أن يمدونى بشظايا القنابل والصواريخ التى ضربت بها الإسماعيلية والتى يحتفظ ببعض منها أهل المدينة وكل منزل بها ليقدموا مساهمة للفنان لإقامة عمل فنى، لكن للأسف لم يصلنى شىء وفقدت الأمل لكن فى أحد الأيام، وجدت يدًا تربت على كتفى، وإذ بها حسين الأسود أحد أبناء المدينة، يعطينى شظية صغيرة جدًا من شظايا القنابل الإسرائيلية، قائلًا: «وجدتها محشورة فى باب البلكونة الخشبى بمنزلى واستخرجتها وحفظتها لأقدمها لك لتنفيذ تمثال الصمود، وتحول اليأس بداخلى إلى حماس وأخذت قطعة الشظية وحفظتها وجمعت باقى الشظايا

وأشار إلى أن هناك شظايا فى التمثال لها قصص مثل تلك التى أتت له من مكان استشهاد أول مصرية فى الإسماعيلية بعد نكسة ١٩٦٧، وكان اسمها الآنسة حُسنة على سمرة، وكانت ممرضة ومتطوعة بمستشفى السبع بنات فى شارع محمد على بالإسماعيلية، واستشهدت هى ووالدها ومجموعة من المواطنين من مختلف الأعمار بعد أن سقطت فوق رءوسهم قذيفة هاون إسرائيلية، كما أن هناك القذيفة التى أطلقت على كوبرى الجلاء، ولم تنفجر وحاول أحد الأطفال إبعادها عن الكوبرى لإنقاذ أهالى الإسماعيلية إلا أنها انفجرت به ليستشهد سيد الطفل البرىء

وبعد اندلاع الحرب فى السادس من أكتوبر قرر الفنان جلال فى ثالث أيام الحرب أن يكون قريبًا من موقع الأحداث فاتجه نحو مستشفى هيئة قناة السويس، ووقف خلف الأسلاك الشائكة المطلة على القناة، وقال: شاهدت أجمل وأحلى منظر فى حياتى وقفت ولا أصدق ما أشاهده حقيقة أم خيالًا فعلًا كنت فى واقع ملموس، ولم أتمالك نفسى من البكاء دموع الفرح لأول مرة تذرف من عينى هذا الموقع منذ أيام كان لا يجرؤ أحد أن يقترب منه أصبح الآن تحت السيادة المصرية

وبعد انتهاء الحرب قرر الفنان جلال عبده هاشم تخليد ذكرى الانتصار بتمثال آخر ولكن هذه المرة من شظايا الجيش المصرى التى هزم بها العدو الإسرائيلى.. ويقول عن ذلك: «جاءتنى الفكرة عندما مر على أحد الجنود وكان حذاؤه مقطوعًا، فأخذته لجزمجى أصلح له الحذاء، وأراد أن يشكرنى بإعطائى طبنجة إسرائيلية، لكنى وجدتها فرصة أن أطلب منه أكبر عدد ممكن من شظايا الإسرائيلية، وبالفعل كنت أنتظر هذا المجند كل شهر ليحضر لى شظايا تمثال النصر من سيناء، وطلبت من مجموعة أبوغزالة قاعدة طائرة إسرائيلية محطمة تحمل نجمة داود ليضع هيكل الجندى المصرى قدمه عليها دليلًا على هزيمة العدو الإسرائيلى».

يقول الفنان جلال عبده هاشم صنعت التمثال على هيئة جندى مصرى يقف بقدمه على حطام طائرة إسرائيلية «فانتوم» المرسوم عليها نجمة إسرائيل أسقطتها المدفعية المصرية، رافعًا يده اليمنى بعلامة النصر.

وبعد مرور ٤٥ عامًا على نصر أكتوبر المجيد يحمل الفنان جلال عبده هاشم أمنية تنفيذ هرم السلام الذى قام بتصميمه، لينفذ من مخلفات الحروب التى خاضتها كل الدول العربية بارتفاع ٥٠٠ قدم بحجم الهرم الأكبر خوفو ليضعه على الجانب الشرقى لقناة السويس.