الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

حوارات

ابنة أول مسعف بالحرب تتحدث لـ"البوابة نيوز".. فاطمة سالم القاضي تروي ذكريات النصر: والدي أنقذ المصابين في العدوان الثلاثي وانتصارات أكتوبر

فاطمة سالم القاضي
فاطمة سالم القاضي ابنة اول مسعف بحرب أكتوبر ومحررة البوابة
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
ألهبت المرأة المصرية حماسة الرجال فى كل مواقع وميادين القتال، وكانت سيدة الصمود والمقاومة فى الجبهة الداخلية، فلم يقتصر النضال ضد المستعمر على الجنود فقط، بل كل مصرى فى موقعه كان يناضل للدفاع عن وطنه، والمرأة كانت إحدى رموز المثابرة والثبات والتضحية داعية للاستقرار والسلام على مر العصور، ولم تكتف بدروها فى تربية الأبناء، بل وقفت حائطا منيعا وقت الحروب لمساندة أبيها أو أخيها أو زوجها البطل فى النزول لساحة المعركة، وتخلت عن أنوثتها وتحملت وجاهدت بكل ما تملك من قوة من أجل إعلاء الوطن.

فى إطار الاحتفال بالذكرى ٤٥ لانتصار أكتوبر؛ فتحت «البوابة» صندوق الذكريات مع أبناء الأبطال الذين قدموا أدوارا بطولية أثناء حرب أكتوبر، ومن بين هؤلاء «فاطمة»، ابنة البطل «سالم القاضي»، أول مصرى يتولى إدارة جمعية الإسعاف الأهلية بمدينة الإسماعيلية الباسلة، الذى نقل جثث الشهداء والجرحى أثناء المعركة.
تقول فاطمة: «الإسعاف فى البداية كانت عبارة عن جمعية أهلية لا تتبع وزارة الصحة، لكنها تعتمد على التبرعات الخيرية تحت إشراف الهلال الأحمر؛ ففى سنة ٥٢ وقبل انطلاق الثورة بشهور قليلة، تبرعت الأميرة فريدة بعد أن نزلت الإسماعيلية، بمبلغ ٥٠٠ جنيه لجمعية الإسعاف، وسلمتها إلى سالم القاضى، رئيس لجنة الإغاثة، وقتها».
وأضافت، أن جمعية الإسعاف كان يرأسها طليانى فى بداية الأمر، وكانت تسمى جمعية «فؤاد الأول الملكية» للإسعاف، ورغم أن والدى كان المصرى الوحيد بين المسعفين الأجانب، لكنه تفوق عليهم، رغم عمله فى البداية كمترجم لمدير الجمعية، وأثناء ذلك تعلم المهنة، فأدخل معظم العائلة فى الجمعية كمتطوعين، وذلك فى سنة ١٩٣٦ بعد أن تم اعتقال المدير الأجنبى، ثم تم تعيين والدى بدلا منه واستمر مديرا للإسعاف ٦٠ عاما، وكان لجمعية المسعفين دور مهم فى تاريخ المقاومة المصرية، منذ الحرب العالمية الثانية وحربى ٤٨ و٥٦، وبخاصة فى مقاومة الإنجليز.
وأشارت إلى أن إدارته السليمة لمرفق الإسعاف جعلته يتكامل لتنفيذ عمليات الإنقاذ منذ الحرب العالمية الثانية، مرورا بمذابح الاحتلال فى الإسماعيلية، والتى كانت نواة لثورة يوليو ٥٢، ثم العدوان الثلاثى، ثم النكسة ٦٧ والاستنزاف، حتى نصر أكتوبر ٧٣، ما جعل من جمعية الإسعاف مشروعًا متكاملًا يضم إلى موظفيه متطوعين ليعملوا وقت فراغهم.
وتابعت فاطمة، رغم أننى كنت صغيرة السن وقت الاحتلال البريطانى لمصر، لكنى أتذكر جيدا مشهد الإنجليزى الذى كان يجلس أمام المستشفى الأميرى فى الإسماعيلية، مصوبا سلاحه على المدنيين ليمنعهم من التجول فى بلدهم، وكانت القوات البريطانية تفرض حظر التجول على المصريين وتمنعهم من دخول حى الإفرنج، الذى كانت تسكن به العائلات الإنجليزية ومن يرفض تنفيذ الأوامر كان الضرب فى المليان.

أصعب يوم
تؤكد فاطمة القاضى أن الإسماعيلية، لن تنسى أصعب يوم مر على تاريخها فى ١٥ يوليو، عندما وجه اليهود ضربتهم إلى محطة قطار الإسماعيلية لمنع المدنيين من الهجرة، وهرب بعض الأهالى داخل المسجد الموجود بالمحطة لكن قذائف العدو نالت منهم أيضا، وسقط فى هذه الأحداث مئات المصريين ولم يستطع رجال الإسعاف وقتها الدخول لنقل الجثث، وحاولوا تهريبها من الشبابيك على موتوسيكلات لسرعة إنقاذ ما يمكن إنقاذه.
وبعيون ملأتها الدموع، قالت: «تذكرت أياما صعبة بس عظيمة، لولا التهجير ما كنت تركت والدى ولا تركت الإسماعيلية»، وأضافت دور والدى كان عظيما؛ حيث كانت له خبرة سابقة مع الحروب التى خاضتها مصر من الحرب العالمية الثانية إلى الثورة على الاحتلال الإنجليزى فى الإسماعيلية ١٩٥١، ومعركة الشرطة ثم العدوان الثلاثى على منطقة القناة فى ١٩٥٦، كل ذلك كان أبى يوثقه بالصور، وكان عدد كبير من هذه الصور معلق بمنزلنا فى الإسماعيلية، وفى مكتبه بمركز الإسعاف، وكانت مدرستى الفرنسيسكان أمام الإسعاف فى شارع سعد زغلول، ويوميا أثناء عودتى من المدرسة إلى أبى كنت أرى كل هذه الأحداث أمام عينى فى صور توثق كفاح هؤلاء الرجال وأغلبهم متطوعون.
وما أن مضت الأيام فى بناء مصر وتقوية جيشها وتحقيق العدالة الاجتماعية لشعبها بالقضاء على الإقطاع والاحتكار والرأسمالية المستغلة.. وقوى صوت مصر فى العالم لتحرير كثير من الدول من الاحتلال سواء فى أسيا أو أفريقيا حتى نيلسون مانديلا، كان يكن لمصر هذا الفضل فى تحريرها، حتى بدأت أنظار أمريكا ووليدتها إسرائيل تتحين الفرص للانقضاض على مصر. وفى ميعاد امتحان الثانوية العامة نفسه، فوجئنا بالعدوان الإسرائيلى ٥ يونيو، وتأجيل امتحانات الثانوية العامة، وكانت ضربة قوية للجميع، ثم إصدار قرارات التهجير.
وقالت فاطمة: «طبعا رفضنا هذه الفكرة، كيف نترك أبى ونهجر «إسماعيليتنا»، إلا أنه أصر بعدما اتصلت به الراهبات الفرنسيسكانيات لمساعدتهن فى سرعة الانتقال إلى القاهرة؛ لأنه تم قصف حتى الكنيسة الكاثوليكية، وفعلا أرسل إليهم المتطوعين من الإسعاف للمعاونة فى تسفيرهم بسيارات مجهزة».
واختتمت «كان شعار والدى رحمه الله.. ما استحق أن يولد من عاش لنفسه فقط..».