الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

مزاج المصريين بعد الحرب.. «فهلوة.. انهيار الطبقة الوسطى.. والفن الهابط»..د. إنشاد عز الدين: الهجرة للخليج غيّرت شخصية المجتمع.. د. سامية خضر: ظهور التدين «المظهري»

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
هى الحالة إيه؟.. هذا هو سؤال المرحلة فى مصر، وإذا كانت قناعة المصريين تدفعهم دائمًا إلى الرد: «الحمد لله ماشية»، غير أن الطقس العام للحالة النفسية المصرية يشير إلى أن غيومًا كثيفة تكتنفها.
على أن هذه الغيوم ليست وليدة اللحظة الراهنة، فمنذ العبور فى ٦ أكتوبر عام ١٩٧٣، تغيرت الحالة المزاجية المصرية بشكل حاد، ففى البداية أشاع النصر شعورًا بالفخر والثقة، لكن الانفتاح تسبب فى تغيرات كثيرة فى المجتمع تارة وسلوكيات أو «مزاج» المصريين تارة أخرى، ومن ثم فى المعاملات الإنسانية والاجتماعية والتجارية المتبادلة فيما بينهم، فضلًا عن تأثير الهجرة إلى الدول الخليجية ومنظومة العادات والتقاليد فيها.

طقس هجرة
وقالت الدكتورة إنشاد عز الدين، أستاذ الاجتماع بكلية الآداب جامعة المنوفية، إن المصريون بعد حرب أكتوبر بدأوا فى السفر والهجرة إلى الخارج، خاصة إلى دول الخليج والنفط، موضحة أن هذا الأمر ساعدهم فى التطبع بأسلوب ونهج وعادات وتقاليد هذه الدول، وعادوا إلى مصر يحملون طباعًا جديدة، مؤكدة أن التغير المجتمعى بعد الحرب أمر طبيعى، وهذا التغير سواء كان للأفضل أم للأسوأ فهو شىء نسبى، يختلف من مواطن للآخر وفقًا لمعتقداته وقناعاته الشخصية.

أفكار محافظة
وأضافت الدكتورة حنان أبوسكين، مدرس العلوم السياسية بالمركز القومى للبحوث الاجتماعية، أن المصريون فى مرحلة الثمانينات بدأوا العمل فى دول الخليج بشكل كبير، مؤكدة أن هذا الأمر أثر على المجتمع المصرى، حيث عاد المصريين من هذه الدول بأفكار محافظة فيما يتعلق بالحقوق والحريات وعمل المرأة، مما ساعد تيارات الإسلام السياسى فى استغلالها للسيطرة على عقول المواطنين.
وتابعت أن مصر قبل الحرب كانت تتمتع بنهضة ثقافية وفنية وحضارية بالقياس بالوقت الراهن، قائلة: «فترة الستينيات كانت هى النهضة الحقيقية فى مصر فى تأميم قناة السويس وما بعدها، بالإضافة إلى نهضة التعليم، فأصبح كل الناس من حقها تتعلم وتتعالج وكل الكلام هذا كان جديدًا على مصر، حيث لم يكن موجودًا قبل ثورة ١٩٥٢».
وأشارت إلى أن مصر كانت قبل الحرب دولة منتجة وظلت كذلك إلا أنها تراجعت، وأصبحت دولة مستهلكة، حيث إن حجم الإنتاج لا يتناسب مع عدد المواطنين الذى وصل إلى ١٠٤ ملايين نسمة، وكيفية تأثير عدم تحديد النسل على الزيادة السكانية وتحويل مجتمع زراعى صناعى إلى مجتمع يعتمد على التكنولوجيا.
وأشارت إلى أن المجتمع المصرى شهد تغيرات كثيرة جدًا بعد حرب عام ١٩٧٣، موضحة أن هذا التغير يرجع إلى العديد من العوامل، منها إعلاء روح النصر الناتجة عن الانتصار فى الحرب وزيادة الحس الوطنى بشكل كبير، حيث لم يكن من المتوقع أن تخوض مصر الحرب فى ذلك الوقت، وقد خدعت إسرائيل استراتيجيًا، ولم يصدق العدو ملحمة عبور خط «برليف»، وكذلك واجه العالم أجمع الصدمة ذاتها من انتصار مصر فى الحرب.

سلوكيات المظهر
وقالت الدكتورة سامية خضر، أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس، إنه بعد حرب أكتوبر بدأ الانفتاح الاقتصادى لمصر، والذى لم يكن يسمح قبل هذا الانفتاح بسفر المصريين للخارج إلا للقادة السياسية فقط، مشيرة إلى أن هذا الانفتاح سمح للمواطنين بالسفر فى أى وقت، مما جعل نسبة كبيرة من المصريين ينطلقون إلى الدول الخليجية، وظلوا بها سنوات عديدة، ونشأت أجيال وتربت وعاشت فى هذه الدول، الأمر الذى نتج عنه تغير ثقافات هؤلاء المواطنين تمامًا، ورجعوا لمصر بأفكار مختلفة، كما تأثروا بالهيئة الخليجية، سواء بالأفكار أو الملابس أو التصرفات والسلوكيات، مثل «منع الاختلاط بين الرجال والسيدات» و«تحريم كثير من الأمور الحياتية» بالإضافة إلى غلاء الأسعار.
وأشارت إلى أن التطبع بطباع وعادات الدولة التى قد تعيش فيها لفترة طويلة، أمر طبيعى، وقد أصبحت هيمنة «الأموال» طاغية، ما ساهم فى خلق وإنشاء جيل يعتمد على المظاهر الخادعة «الأموال والسيارات» وغيرها، عكس الأجيال السابقة التى عانت فى حرب ١٩٦٧، وحرب أيضًا أكتوبر ١٩٧٣.

قيم الفهلوة
وقال الدكتور عمار على حسن، أستاذ علم الاجتماع السياسى، إن تغير المجتمع المصرى بعد حرب أكتوبر كانت له عدة أسباب، حيث إن السبب الأول هو القرار الذى اتخذه الرئيس السادات بالانفتاح الاقتصادى الذى لم يكن مدروسًا بشكل جيد، موضحًا أنه أدى إلى خلل اجتماعى كبير نتيجة أنه أعاد توزيع الثروة بشكل عشوائى داخل المجتمع المصرى، بما يشجع قيم «الفهلوه والصعود السريع» على حسب كل الأمور من إجادة واتقان العمل.
وأشار إلى أنه أثر على التعليم وسفر المصريين للخارج وتأثرهم بالعديد من القيم والأفكار وسبل طرائف العيش ونقلها للمجتمع المصرى، ما أدى إلى المشكلات الذى قد يشهدها المجتمع فى الوقت الراهن، حيث انفتح المجتمع المصرى على العالم مثله مثل أى مجتمع آخر، وبالتالى تأثر بشكل كبير، فضلًا عن الزيادة السكانية التى ساهمت فى تحويل المجتمع من مجتمع الوفرة إلى مجتمع الندرة، حيث إن ثقافة الندرة من حيت التزاحم والتسارع والصراع والبحث عن الحلول الفردية.
وقالت الدكتورة إنشاد عز الدين، خبيرة الاجتماع، إن الطبقية تسببت فى شرخ فى المجتمع، موضحة أن الطبقات المجتمعية تغيرت خلال هذه الفترة.
ومضت، قائلة: كانت مصر تتكون من ثلاث طبقات اجتماعية «فقيرة- متوسطة- عليا، لكنها فى الوقت الراهن بدأت الطبقة المتوسطة فى التقلص والتراجع، رغم أنها كانت رمانة ميزان المجتمع.
وأصبحت هناك منتجات قد لا يستطيع البعض شرائها، حيث زاد حجم الفقراء أو الطبقة الدُنيا، وأصبح الأغنياء يعيشون كصفوة فى المجتمع ويمتلكون زمام الأمور، وغابت العدالة الاجتماعية وتوزيع الدخل.
وأشارت إلى أن زيادة الطبقة الدنيا ساهم فى زيادة الأحقاد وغياب التناغم بين الطبقات والحواجز والكفاح من أجل التنمية والإنتاج مما نتج عنه عدم وجود عدالة اجتماعية، وإحساس بالظلم لدى الفقراء، مؤكدة أن هناك أمثلة كثيرة تشير إلى حدوث تغيير جذرى فى المجتمع مثل زيادة شريحة الأرامل والمطلقات بشكل كبير فى الوقت الحالى، وارتفعت نسب الطلاق، لكن على الصعيد السياسى فإن مصر بعد الحرب استفادت كثيرًا بزيادة الثقة فى النفس وقدرة الجيش المصرى على قهر العدو.
وأضافت عز الدين أنه بعد الانفتاح الاقتصادى حدث تغير قيمى فى المجتمع، فبعد أن كان التعليم هو المعيار الأول لجلب الاحترام وتوفير الحياة الأفضل، أصبح هناك إعلاء للقيم المادية والاستهلاكية فى المجتمع ما أحدث نوعًا فى تغير القيم.
وقالت الدكتورة حنان أبوسكين، خبيرة الاجتماع، إن الأزياء تغيرت كثيرًا عما كانت عليه قبل الحرب وبعدها وصولًا للوقت الحالى، حيث ظهر «المينى جيب» فى عام ١٩٦٨، وكان التركيز فى فترة الستينيات والسبعينيات والثمانينيات على الألوان المبهجة والملابس القصيرة للسيدات، أما الرجال فكان الطاغى ارتداء البنطلونات الواسعة وكذلك للسيدات أيضًا، والقمصان ذات الياقات الطويلة وحمالات للصدر ولبس روابط العنق، أما فى فترة التسعينيات فتميزت بالملابس الواسعة «الفضفاضة»، واتخذ طابع الموضة و«الكاجوال»، وصولًا للملابس «المقطعة» والضيقة للأولاد والبنات حاليًا.
وأشارت إلى أن الأزياء اختلفت على مدار العقود السابقة بدءًا من فترة الستينيات والسبعينيات والثمانينيات، قائلة: «كانت الأزياء تظهر بشكل كبير فى الحفلات والمناسبات المختلفة، مثل حفلات «أم كلثوم»، والتى ظهرت بها العديد من التفصيلات الغربية فى الأزياء والموضة أيضًا، وكان هذا الأمر خاصًا بالطبقات العليا فقط».
وأضافت أنه بعد التحول المجتمعى ودخول التيار المحافظ والإسلام السياسى بدأ التدين الشكلى يطفو على سطح المجتمع، وكان التركيز فقط على جانب الملابس وليس الأفعال والتصرفات بل على الشعارات، كانوا يستغلون من خلالها مخاطبة الأميين ومحدودى الوعى، الأمر الذى استغله التيار الإسلامى سواء «الإخوان أو السلفيون» فيما بعد للسيطرة على المجتمع وإقناع المرأة بأن كل الأمور «عورة»، ويجب الالتزام دينيًا بالحجاب بما يخدم توظيفهم السياسى لتقديم نفسهم للمجتمع كبديل للنظام السياسى، وأن المعترض على أفكارهم يكون معترضًا على حكم الله، قائلة: «الدين مش مظاهر ولكن أخلاق وتصرفات»، فضلًا عن أقاويلهم عن حرمانية تحديد النسل وهذا الأمر من ثوابت الجماعات المتشددة على مستوى دول العالم، لحشد قواتهم الانتخابية وبسط نفوذهم السياسى داخل المجتمعات.
وأكدت الدكتورة سامية خضر، خبيرة الاجتماع، أن العولمة ضاعفت من القلق وزادت من مساحات الضباب.
وقالت إن تأثر مصر بالعولمة ودخول العصر الرقمى والتكنولوجى والاعتماد على الهواتف المحمولة والإنترنت أصبح حاليًا جزءًا أساسيًا من كيان المجتمع يعتمد عليه المصريون فى جميع أمور حياتهم، والتى جعلت العالم أجمع «قرية صغيرة»، وأصبحت المعلومات متاحة للجميع، عكس ما كانت عليه أيام الحرب وما بعدها قبل الانفتاح الاقتصادى، مشيرة إلى أن الثورة الرقمية ستسهم فى تقليص دور العمالة والاعتماد بشكل كلى على الأجهزة والوسائل التكنولوجية الحديثة.

انتشار الجريمة
وقال الدكتور إبراهيم مجدى، أستاذ الطب النفسى بجامعة عين شمس، إن تغيرات كثيرة طرأت فى السلوك على الساحة فى الفترة الأخيرة منها انتشار الجريمة.
وأشار إلى أن من الأمور السلبية التى أصابت المصريين على مدار سنوات طويلة بعد حرب أكتوبر، إقدام المواطنين على الانتحار، والتى انتشرت ما بين الشباب حاليًا بشكل كبير، موضحًا أن معدلات الجريمة ما زالت كما هى بعد الحرب وحتى الوقت الحالى.
وقال الدكتور أحمد هلال، استشارى الطب النفسى، إن حرب أكتوبر كانت ملحمة تاريخية بكل المقاييس تولى مسئوليتها قادة مصريون على أعلى مستوى من التدريب والقوة العسكرية، استطاعوا هزم العدو الإسرائيلى وتحقيق النصر عليه لأول مرة فى التاريخ من قبل العرب.
وأشار إلى أنه بعد الحرب قال الرئيس السادات «الذى لم يغتنِ فى عصرى لن يغتنى بعد ذلك»، وهو ما ساهم بشكل كبير فى حدوث العديد من الأزمات داخل المجتمع مثل السرقة والغش والنهب وظهر «نواب الكيف» المتورطون فى بيع وترويج وانتشار المخدرات بين الشباب.
وقال الدكتور جمال فرويز، الخبير النفسى إن الأفلام والمسلسلات بعد حرب أكتوبر كان فيها المواطن يتعامل برقى وإتيكيت وحسن خلق وتربية، كما كان المتدين متدينًا بدون «منظرة»، وكان التدين سلوكيًا وليس شكليًا كما هو السائد الآن، لافتًا إلى أن استمرار المصريين على ما هم عليه الآن من السلوكيات والعادات السيئة سيجعل الوضع أسوأ مستقبلًا.
وشدد على أن عودة الهوية المصرية مرة أخرى يتطلب تعاون ثلاث جهات حكومية مع بعضهم البعض وهم «وزارة الثقافة- الهيئة الوطنية للإعلام- وزارة الشباب والرياضة»، موضحًا أن الأخيرة ليست للرياضة فقط بل عن الشباب أيضًا.