الخميس 16 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

بوابة العرب

«سوريا».. الشريك المقاتل في حرب النصر

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
45 عامًا مرت على نصر أكتوبر العظيم، وفى كل عام تكون الاحتفالات كسابقتها متكررة، خاصة فى مصر دون أن ينسى أحد الطرف الثالث فى تلك الحرب الخالدة، التى سطّر فيها العرب بطولات لا تنسى، وهو القوات المسلحة السورية، التى شاركت فى الحرب، بالاتفاق مع مصر لتحرير أرضها المحتلة والممثلة فى هضبة الجولان؛ حيث جرى التنسيق على أعلى المستويات لفترات وسنوات طويلة فى ظل نظر الشعبين المصرى والسورى للآخر على أنه المكمل له، خاصة منذ الوحدة المصرية السورية. 
والثابت أن حرب أكتوبر لم تكن لتنجح بالجهود المصرية فقط، ولكن بالدعم العربى من كافة الدول العربية، وفى مقدمتها الشريك السورى الذى لعب دورا محوريا فى الحرب، وبدأ التنسيق المصرى والسورى بعد أن تم توقيع القيادتان السورية والمصرية لاتفاقية عسكرية فى يوم ٢٦/١١/١٩٧٠، كانت بمثابة أولى الخطوات العملية على طريق النصر؛ حيث حددت أهداف الصراع المقبل وأعمال التنسيق بين القيادتين.
تلاها الاجتماع التاريخى بين الرئيسين حافظ الأسد وأنور السادات فى ٢٥/٢/١٩٧٣، الذى تم خلاله اتخاذ قرار الحرب بهدف تحرير الأراضى العربية المحتلة.
وعلى أثره شرعت قيادة القوات المشتركة فى التخطيط لها، وتقرر أن تكون ساعة الصفر فى الساعة ١٤ من يوم السبت فى ٦/١٠/١٩٧٣، ومن أجل ضمان نجاح عمليات الهجوم والعبور اتخذت القيادتان مجموعة إجراءات واسعة النطاق لتحقيق المفاجأة الاستراتيجية والعملياتية، ولم تتمكن المخابرات الإسرائيلية من اكتشاف أى استعدادات للهجوم على كلتا الجبهتين إلا فى يوم بدء الحرب.
وارتكزت الخطة السورية على استعادة الجولان فى ٣٠ ساعة من خلال دفع ٣ فرق مشاة سورية ضد خطوط الدفاع الإسرائيلية فى الجولان لفتح ثغرة تندفع بها الفرقتان المدرعتان الأولى والثالثة، وفرق المشاة الثلاث، هى: فرقة المشاة الخامسة والمشاة السابعة والمشاة التاسعة، وتتألف كل فرقة من لواءى مشاة آليين ولواء مدرع ولواء مشاة، وتضم كل فرقة مشاة ١٨٠ دبابة.
وفى يوم ٦ أكتوبر ١٩٧٣، وبأسلوب الحرب الخاطفة نجحت فرق المشاة الميكانيكية فى اجتياز الخندق المضاد للدبابات بمساعدة البلدوزرات وجسور الاقتحام بعد قصف تمهيدى بالمدفعية والطيران دام حوالى ٩٠ دقيقة، وقيام القوات السورية بسحق دفاعات خط «ألون» الممتدة على طول الجبهة الشرقية لهضبة الجولان من مجدل شمس شمالًا وحتى وادى اليرموك جنوبًا. 
فى صباح يوم ٧ أكتوبر، كانت القوات السورية قد اخترقت الجبهة فى أكثر من موقع، واحتلت الجوخدار والخشنية، ودمرت اللواء ٣٧ الإسرائيلى بشكلٍ كامل، كما دمّرت جزءًا من اللواء المدرّع السابع ولواء گولاني.
ولم يتدارك الإسرائيليون الموقف سوى فى صباح ٨ أكتوبر، حيث بدأوا بهجوم معاكس بثلاثة ألوية مع تركيز الجهد الرئيسى على المحورين الأوسط والجنوبي، ودارت فى الفترة من ٨ إلى ١٠ أكتوبر معارك عنيفة قرب القنيطرة، وسنديانة وكفر نفاخ، والخشنية، والجوخدار، وتل الفرس، وتل عكاشة. وتميز السوريون خلال هذه المعارك بتفوق فى المدفعية والمشاة، فى حين كان العدو متفوقًا بعدد الدبابات المستخدمة نظرًا للخسائر التى أصابت الدبابات السورية، وكان الطيران السورى الذى انضمت إليه أسراب من الطيران العراقى، وبدأت تنفيذ واجباتها منذ صباح يوم ١٠ أكتوبر لتقوم بدعم وإسناد القوات البرية. 
وفى صباح يوم ٨ أكتوبر، تحوّل ميزان القوى بالدبابات لصالح العدو؛ لأن القوات السورية لم تعد تملك قطع دبابات سليمة، ولم تشترك فى القتال العنيف من قبل سوى ٣ ألوية، فى حين دفعت القوات الإسرائيلية قواتها الاحتياطية والتى قدرت بـ٦ ألوية مدرعة سليمة لم تشترك فى القتال.
وفى مساء يوم ١٠ أكتوبر، ظهر أمام القيادة الإسرائيلية وضع جديد يتطلب قرارًا سياسيًا على أعلى المستويات، فقد وصلت قواتها فى معظم أجزاء الجبهة السورية، ولم يعد أمامها لاحتلال الجولان، سوى الضغط باتجاه منطقة القنيطرة، لدفع القوات السورية إلى ما وراء خط وقف إطلاق النار.
وكان رد إسرائيل عنيفا على التحركات السورية، إذ اتخذت جولدا مائير، قرارًا باحتلال دمشق، رغم معارضة موشى دايان، وقد كلف أليعازر أمرًا باستئناف الهجوم. وفى صباح يوم ١١ أكتوبر، استؤنف الهجوم والتقدم باتجاه دمشق وتهديدها بشكل يجبر السوريين على طلب وقف القتال.
فى صباح يوم ١١ أكتوبر، كان قادة العدو الإسرائيلى يعتقدون أن نجاح قواتهم فى خرق الخط الدفاعى السورى الأول سيؤدى إلى انهيار الجبهة كاملة، وبالفعل كان من الممكن أن يحدث ذلك ويتسبب فى انقلاب التوازن الاستراتيجى للجيش السورى فى يوم ١٢ أكتوبر لولا عدة عوامل، من بينها: صمود الفرقتين الآليتين السوريتين ٧ و٩، والقوات المدرعة السورية التى دعمتها على محور سعسع، وصمود الفرقة الآلية السورية الخامسة عند الرفيد، على المحور الجنوبي.
فضلا عن وصول اللواء المدرع العراقى ١٢ إلى منطقة الفجوة ليلة ١٠/١٠/٧٣، وانطلاقه مع جزء من اللواء الآلى السورى ٨ لمهاجمة مجموع ألوية لانر فى يوم ١٢ أكتوبر، ورغم عدم تكافؤ القوى، الأمر الذى جعل الإسرائيليين يقدرون القوى العراقية بأكبر من حجمها ويلجأون للدفاع بدلًا من الهجوم عبر الفجوة.
ورغم هذه العوامل فقد بقى الوضع فى يومى ١٣-١٤ أكتوبر حرجًا إلى حدٍ ما، خاصّة بعد أن بدأ العدو إخراج مجموعة ألوية بيليد وزجها فى الجبهة، واستخدام اللواء المدرع ٢٠ فى دعم ألوية لانر التى قامت بعدة محاولات لخرق الدفاع على المحور الشمالى دون جدوى.
وفى يوم ١٤ أكتوبر، وقع تطور مهم على الجبهة المصرية، وقد طلب السوريون من القيادة المصرية بالضغط على العدو من الجنوب لتخفيف الضغط على الجبهة السورية، وبدأت معارك عنيفة بالدبابات على الضفة الشرقية لقناة السويس، الأمر الذى أجبر العدو على نقل مركز ثقل جهده الجوى إلى الجبهة المصرية، وتخفيف الضغط على جبهة الجولان.
كما نفذت وحدات من القوات الخاصة السورية عملية عسكرية لاحتلال مرصد جبل الشيخ الذى تسيطر عليه إسرائيل، حيث نجحت القوة السورية فى احتلال المرصد وقتلت وأسرت كافة أفراد الجيش الإسرائيلى فى الموقع. وسجلت هذه المعركة التى كانت بالسلاح الأبيض بطولات نادرة للجندى السورى، وسيطرت على المرصد الإسرائيلى فى جبل الشيخ بالرغم من قيام لواء الجولانى بمحاولة إنزال لاسترجاع المرصد إلا أن القوات السورية ألحقت به هزيمة وخسائر كبيرة.
وفى ١٥ أكتوبر، استمرت المعارك الجوية والبرية والبحرية على مختلف الجبهات والقطاع الأوسط والجنوبى من الجولان واستعادة احتلال معظم مناطق الجولان من جديد. 
واعترف موشى دايان للمرة الأولى فى حديث له باللغة العبرية قائلا: «لقد فقد طيران إسرائيل زمام المبادرة، وتم ضربه بعنف، وإن الطيران العربى يسود الآن الأجواء». وتابع قائلًا: «إن عدد القتلى الإسرائيليين كبير، وإن المعركة طويلة.. طويلة وقاسية، وإن خسائر إسرائيل فيها كبيرة ولا أحد يعرف كيف ستنتهي».
وفى ١٦ أكتوبر، أغار الطيران الإسرائيلى على منشآت مدنية فى مناطق «الرستن وتلكلخ وحرستا»، فتصدت له وسائط الدفاع الجوى ولم تمكنه من تحقيق أهدافه ولم تحدث سوى أضرار طفيفة.
وفى الساعة الواحدة من بعد الظهر جرى اشتباك جوى فوق الحدود السورية اللبنانية قرب منطقة الزبدانى، أسقطت فيها طائرة إسرائيلية من طراز (فانتوم) واستمرت الوحدات المدرعة بمهاجمة مواقع إسرائيلية فى (القطاع الشمالي) من الجبهة، فى حين فشلت القوات العراقية والأردنية والسورية من تنظيم هجوم مضاد لإجبار الجيش الإسرائيلى عن التخلى عن المواقع التى أعاد احتلالها.
واستمرت المعارك بالتزامن على الجبهتين المصرية والسورية فى ١٧ أكتوبر، وقصف مطار دمشق واللاذقية ومواقع فى العمق السوري، وفى اليوم التالى شهدت جبهة الجولان معارك عنيفة دون نجاح الإسرائيليين فى إحراز المزيد من التقدم نحو دمشق. 
وفى ١٩ أكتوبر، استمر القصف المدفعى العنيف بين القوات الإسرائيلية والسورية، حيث تحاول إسرائيل التمسك بمواقعها الدفاعية فى النقاط التى كان قد نجح فى الوصول إليها فى القطاع الشمالى من الجبهة. 
كما نجحت القوات السورية فى الهجوم على بعض المراكز المهمة فى الدفاعات الإسرائيلية فى هذا القطاع، كما قامت المدفعية السورية منذ الصباح بقصف مقر القيادة الإسرائيلية فى الجبهة. والرئيس أنور السادات يطلب وقف إطلاق النار من مجلس الأمن الدولى دون تنسيق مع القيادة السورية. وقصفت الطائرات السورية مصفاة حيفا للبترول، بينما قصفت إسرائيل العمق السوري. حيث استطاع لواء غولانى وكتيبة مظليين محمولة بطائرات الهيلوكبتر من الهجوم على جبل الشيخ، ونجحوا فى إعادة احتلاله واسترداد المرصد.
وفى ٢٢ أكتوبر، صدر قرار مجلس الأمن الدولى ٣٣٨ بدعوة جميع الأطراف إلى وقف القتال بصورة كاملة.
وواصلت القوات السورية عملياتها العسكرية فى حرب مفتوحة هى ما عرفت بـ«حرب الاستنزاف» فى الجولان بعد وقف إطلاق النار، واستؤنفت الأعمال القتالية بشكل محدود فى البداية، ثم تطورت تلك الأعمال حتى اتخذت بدءًا من ١٣ مارس ١٩٧٤، شكل «حرب استنزاف» استمرت ثمانين يومًا، فى محاولة لكسر الموقف الأمريكى الإسرائيلى تجاه الوضع فى الجولان، وفى ٣١ مايو ١٩٧٤ توقفت الأعمال القتالية على الجبهة السورية وتم توقيع اتفاقية فصل القوات.