الخميس 18 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

بوابة العرب

«البوابة نيوز» تحاور أول سيدة تعلن ترشحها لـ«رئاسة تونس»: قادرة على الفوز.. ترشحي ثورة علي المعتقدات.. برنامجي الانتخابي شامل.. والمال المشبوه بالحياة السياسية أبرز العقبات أمامي

ليلى الهمامى
ليلى الهمامى
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
أعلنت ليلى الهمامى خوض سباق انتخابات الرئاسة المقبلة فى تونس 2019 لتكون أول امرأة تعتزم الترشح فى الانتخابات التى يترقبها الجميع، ولتؤكد أن المرأة التونسية لها دور كبير فى الحياة السياسية، وتسهم بفاعلية فى الحراك المجتمعى الذى يشهده المجتمع التونسى.
وأكدت الهمامى أن ترشحها يعلى من سقف طموحات المرأة وأن الأمر لا يقتصر على انتخابات مجلس النواب وأوضحت فى حوارها لـ«البوابة» أنها لم تسعَ إلى تأسيس أى من الأحزاب السياسية أو تنضم إليها لأنها تعتبرها شركات مبنية على هيمنة المال السياسى ويحكمها المصالح الشخصية. وحذرت الهمامى من حزب النهضة التابع لجماعة الإخوان مشيرة إلى أن جماعة الإخوان المسلمين سوف تتواجد فى العملية الانتخابية المقبلة مؤكدة أن جماعات الإسلام السياسى انتهت، وأن استقرار تونس قائم على انتخابات دستورية يحكمها الدستور والقانون، وإلى نص الحوار:
■ نود التعرف فى البداية على دوافع لخوض سباق الترشح للانتخابات الرئاسية؟
- أنا من النساء العربيات اللاتى يؤمنَّ بأن الثورة الحقيقية تتم فى الأذهان والعقول وأنّ الديمقراطية ليست مجرّد مساحيق وقوانين وتشريعات، بقدر ما هى تحوّلٌ نوعى فى الأفكار والقيم التى تقود المجتمعات نحو التقدّم والتحرر ضمن مثلّث الحرية والعدالة والمساواة. فترشّحى هو إعلان ثورة ثقافية شاملة لكل الطبقات وليس فقط داخل الطبقة السياسية، فالموضوع يتخطى عندى الجانب الشخصى إلى مفهوم أشمل وأدقّ لمعانى ودلالات الثورة. فشعار المساواة يُطرح فى سياقات عدة، من أهمّها المساواة بين الرجل والمرأة كمنطلق وأساس لإرساء عدالة فعلية داخل المجتمع من أجل إعلاء قيمة الاقتدار والكفاءة وإلغاء أشكال التميز والحيف، والمواجهة الحقيقية ليست مع المجتمع الذى انفتح على تاريخه المليء بالبطولات النسائية واستوعب قيم الحداثة من خلال تعليم البنات ودفعهنّ نحو مجالات العمل والنشاط المدنى والسياسى، بل إن المواجهة مع طبقة سياسية محافظة تسودها ثقافة رجالية لا تستحضر المرأة إلا كعنصر ديكور (وزيرة المرأة، مستشارة رئاسة، رئيسة محكمة) إخفاء السيطرة الرجالية شبه التامة على إدارة الشأن العام. من هذا المنطلق كان ترشحى إعلان تمرّد على هذه الثقافة الموروثة الفاقدة لكل جدارة ووجاهة والمناقضة بصفة سافرة لمبادئ الحرية والتقدم.
■ هل تم وضع برنامج انتخابى وما أبرز الملفات التى تولينها أهمية؟
- أقوم مع فريقى حاليًا بإعداد البرنامج الانتخابى وأود توضيح مسألة مهمة فى بداية الأمر وإزالة الغموض الذى يدفع بالإعلام العربى والدولى أحيانًا إلى أخطاء فى التعاطى مع وظيفة رئاسة الجمهورية فى تونس وفق أحكام دستور الجمهورية الثانية، حيث حُدّدت صلاحيات رئيس الجمهورية فى مجاليْن: أولا الأمن القومى، ثم العلاقات الخارجية، ففى حين توكّل باقى الاختصاصات إلى رئيس الحكومة باعتباره رئيس الجهاز التنفيذى، وبناء عليه فإن تصوراتى للبرنامج، وإن كانت شاملة، لن تكون نافذة إلا فى حدود ما يسمح به الدستور.
فى هذا السياق سيرتكز برنامجى على منهج واحد فى التعاطى مع ملفى الأمن القومى والعلاقات الخارجية والارتقاء إلى الطموحات التى يصبو إليها الشعب التونسى، مع مراعاة الإمكانات الفعلية التى يتيحها الراهن الاقتصادى فى تونس، حيث أثرت التراجعات الخطيرة على هذه الواجهة على قدرتنا التفاوضية ووضعت الدولة التونسية تحت معصار الجهات الاجنبية المانحة وهو أمر يندرج ضمن المفهوم الشامل للأمن القومى بمعنى أن رئيس الجمهورية مطالب بالانسجام والتعاون مع رئيس الحكومة والجهاز التنفيذى من أجل الارتقاء بمستوى الاقتصاد الوطنى لغاية رفع حظوظ السياسات الدفاعية والخارجية.
من هذا المنطلق أعتبر أن المشروع الفعلى فى الإصلاحات الكبرى على المستويين الاقتصادى والاجتماعى يجب أن تحدث ثورة على هذين المستويين بالتحفيز الحقيقى على الاستثمار وتغيير النظام البيروقراطى للإدارة وإصلاحه ومراجعة منظومة التعليم القديمة والجديدة ونظم التعليم العالمى وتطوير البنية التحتية وتأهيل الشباب للانخراط فى الاقتصاد الرقمى وهذه من أهم المحاور التى من شأنها تحريك دواليب الاقتصاد الذى يحتاج اليوم أكثر من أى وقت مضى إلى عصرنة نُظم الإنتاج فى مختلف المجالات لغاية الارتقاء بمستوى النمو خاصة اكساب الاقتصاد مناعة هى شرط من شروط سيادة الدولة، كما أن رهانى سيكون واضحًا على تنويع الشراكات من أجل تفكيك منظومة التبعية، وسيبقى إيمانى بالوحدة العربية قائمًا على قناعتى بأن العرب يمتلكون كل أسباب القوة وأن البناء الوحدوى لا يمكن أن ينجح من خلال الاسقاطات الفوقية، بل على العكس، عبر التدرّج فى توحيد السياسات القطاعية وتشبيك العلاقات بين مكونات المجتمع المدنى. ولن تكون الوحدة إلا نتيجة طبيعية لانفتاح المجتمعات العربية على بعضها البعض.
■ هل ترين أن المرأة تحتل المكانة التى تستحقها سياسيًا؟
- سجّلت المرأة التونسية منذ سَنّ مجلّة الأحوال الشّخصية مع الراحل الحبيب بورقيبة منذ فجر الاستقلال تقدّمًا ملحوظًا على الصعيدين التعليمى والاجتماعى، ومثّل التعليم فى تونس المصعد الاجتماعى للشرائح الشعبية، لكن تمتّعت المرأة بصفة خاصة بهذه الآلية التى مكّنتها من الارتقاء إلى مراكز القيادة فى المجال المهنى، واخترقت بصفة نسبية ومحدودة المجال السياسى بداية من آخر عهد الرئيس الحبيب بورقيبة. ويُطرح اليوم تكريس مبدأ المناصفة بين الجنسين فى مختلف الوظائف العليا للدولة بما فى ذلك المجال الدبلوماسى، وهذا محور من محاور العمل الذى سأسعى إلى تكريسه إيمانًا منى بكفاءة المرأة التونسية واقتدارها على النجاح فى هذه المسئوليات الدقيقة والصعبة.
■ بعد الانفتاح الذى وصلت إليه تونس كيف ترين فرص فوزك وأهم المعوقات؟
- إيمانى راسخ بأنّ حظوظ نجاحى كاملة ووافرة لسببين أساسيين: الأول أننى امرأة متعلمة وحاملة لشهادات عليا ذات قيمة عالمية وتؤهلنى لأعلى منصب فى الدولة. ثانيا أننى كنت وسأبقى شخصية مستقلة أقف على نفس المسافة من مختلف الأطراف السياسية المتصارعة داخل المشهد السياسى المأزوم حاليًا، ومهما كانت المعوّقات والحواجز التى قد تفتعلها مرة أخرى القوى المحافظة والرجعية أمامى فإن إرادتى قادرة على كسرها ومجاوزتها.
■ تقدّمت بأوراق ترشحك سنة ٢٠١٤ لماذا لم تقبل؟
- مسار انتخابات ٢٠١٤ تحكّمت فيه قوى داخلية وخارجية وجّهت العملية الانتخابية نحو إفراز قطبين، هما النهضة والنداء، ومرشَّحَين المنصف المرزوقى والباجى قايد السبسى. فلوبيات المال السياسى استفحلت فى هذا الاتجاه، ولم تكن هيئة الانتخابات بعيدة عن هذه الأجواء، حيث وقع سحب اسمى من قائمة الناخبين بما يمنع ترشّحى. ولم تقع مراجعة هذا «السهو» إلاّ ليلة إغلاق باب الترشحات؛ ممارسات مفضوحة لا علاقة لها بمنطق دولة القانون بأى شكل من الأشكال. ولم تُثننى هذه المؤامرات عن تجديد ترشّحى وإعلانه تمهيدًا للاستحقاق الانتخابى المقبل سنة ٢٠١٩.
■ هل تواجهين معوقات فى خوضك هذه الانتخابات؟
- الصعوبات هى هيمنة المال السياسى المشبوه على الحياة السياسية ووضع اليد من الحكومة على المنظومة الإعلامية وغياب الشفافية فى إدارة النظام البيروقراطى فى الحياة السياسية.
■ لماذا لم تؤسسى حزبًا أو تنضمى إلى أحزاب بعينها؟
- لا شك لديّ أن عصر الأحزاب ولّى وانتهى حيث أكّدت التجربة منذ ٢٠١١ تاريخ سقوط النظام السابق أن الأحزاب هى مجرّد مشاريع شخصية شبيهة بشركات القطاع الخاص وهى مجرّد سلّم يتمكّن من خلاله الأفراد من اعتلاء المناصب واحتلال المواقع. وهو ما أحدَثَ قطيعة مُعْلَنة ومعلومة من الجميع بين الأحزاب السياسية والرأى العام. مقابل اختراق الشخصيات المستقلة للمشهد الانتخابى بشخصى فى رئاسية سنة ٢٠١٤ ثم فى ٢٠١٨ خلال الانتخابات البلدية الأخيرة. ونتائج الانتخابات البلدية الأخيرة التى فاز بأغلبيتها مستقلون هى إثبات تجريبى ومادى لاتجاه المشهد السياسى نحو استيعاب الشخصيات المستقلة والقطع مع تنظيمات سياسية أكّدت عجزها على قيادة الدولة وفشلها الذريع فى إنجاز الإصلاح على مختلف الواجهات وفى مختلف القطاعات. وبناء على هذا الواقع قررت الاستمرار كما بدأت كشخصية مستقلة منذ ٢٠١٤ والنّأْى بنفسى عن تنظيمات عبثية عقيمة فى مستوى الفكر ومؤهلات القيادة.
■ هل ترين أن جماعة الإخوان سوف تكون موجودة فى المشهد السياسى مرة أخرى فى الانتخابات المقبلة؟
- فى نظرى هذا أمر مرتهن ومشروط بتطور وبجدية التحقيق فى موضوع التنظيم السرى للإخوان وبتطور موقف رئيس الحكومة يوسف الشاهد من هذا التنظيم وبمجريات الأحداث الدولية وتصنيف التنظيمات المرتبطة بالإرهاب، لكننى أقدر أنه فى كل الحالات لن يكون حضور الإخوان، أى النهضة، إلا ضعيفًا خلال الانتخابات المقبلة.
■ هل لديك رؤية لإصلاح النظام السياسى الذى اتُّفِقَ على أنه أحد مصادر تأزّم الحياة السياسية الراهنة فى تونس؟
- بكل تأكيد النظام السياسى الذى أفرزته الجمهورية الثانية من خلال دستور هجين متناقض فى موادّه ومبادئه يحتاج مراجعة جذرية فى اتجاه تأسيس لنظام رئاسى يضمن الشفافية والحرية والاستقرار فى ذات الوقت. تمامًا، كما يطرح إدراج فصل خاص يمنع انقلاب النواب داخل البرلمان على التنظيمات أو القائمات التى انتُخِبت على قاعدتها، وذلك حفاظًا على معنى ومضمون العملية الانتخابية. فمن العبث أن نشهد تحوّلَ حزب لم يشارك فى الانتخابات إلى حزب برلمانى تمامًا، كما أنه من غير الطبيعى أن يتحول الحزب الأول المنتصر فى الانتخابات التشريعية إلى حزب أقليّة أو معارض. هذه بدعة ومؤشّر تخلّف سياسى يُنذِرُ بانهيار التجربة الديمقراطية، علمًا بأن المنزَع الانقلابى فى السياسات التونسية قد شهد تطوّرا خطيرا مع حكومة يوسف الشاهد حليف حركة الاخوان فى تونس، الذى حرِصَ على انقلاب الوزراء على أحزابهم، التى قررت الانسحاب من الحكومة؛ اتجاه خطير يؤكد أن الأزمة عامة وشاملة وأن الديمقراطية الناشئة فى تونس تتعرّض لأبشع أشكال التخريب الممنهج والمدروس والذى لا يخدم فى مُحصَّلته إلا الاخوان، مشهد أعرج يؤكد أننا بصدد تغوّل هذا النتظيم الذى عَمِلَ على إضعاف القوى الديمقراطية ودفعها إلى مزيد التفكك والانقسام. وما تَشَبُّثُ حركة النهضة بشخص يوسف الشاهد إلا فصل من فصول التدمير المتواصل والدؤوب للتجربة الديمقراطية الجنينة فى تونس.