الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

سينثيا فرحات تكتب: "أفغنة الأمة العربية".. حلم الإخوان والملالي

سينثيا فرحات
سينثيا فرحات
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

أى إنسان سوى عقليًا ومتزن نفسيًا يطمح فى التعايش السلمى بين السنة والشيعة، وبين كل الفرق والمذاهب الدينية. فالطائفية سم قاتل لأى أمة تطمح فى الاستقرار الأمنى والاقتصادي. وبالفعل كان بين السنة والشيعة علاقة سلمية وراقية خالية من التعصب والتكفير ومبنية على الاحترام المتبادل والوئام فى النصف الأول من القرن العشرين.

وأحد مظاهر هذا الرقى نراه عندما تزوجت الأميرة فوزية فؤاد من شاه إيران محمد رضا بهلوى عام ١٩٣٩ وهى سنية وهو شيعي، وأصبحت ملكة إيران فى ظل حفاوة الشعب المصرى والشعب الإيرانى وفى احتفاليات تاريخية تناقلتها كل وسائل الأعلام العالمية، وظلت الملكة فوزية تحكم مع زوجها إلى أن انتهى زواجهما بالطلاق عام ١٩٤٨.

 

وهذه لوحة كاشفة للعلاقة الراقية السامية التى كانت بين الشعوب السنية والشيعية، والتى استغلها قلة من الإرهابيين من أصحاب مشروع الصحوة الإسلامية الثوري. تمثلت تلك القلة المنبوذة فى مصر فى تنظيم الإخوان المسلمين، وتمثلت فى إيران فى تنظيم فدائيى الإسلام بقيادة نواب الصفوي. وتحالف الشقان تحت ما يطلق عليه مشروع «التقريب بين المذاهب» واسم هذا المشروع ملغم بالخداع، لأن السنة والشيعة كانوا متقاربين بالفعل عندما بدأ ذلك المشروع. فالتقريب الذى يقصدونه هنا، هو التحالف العسكرى ضد شعوبهم التى يكفرونها لأجل قمعها والتسلط عليها باسم الدين، فهو حلف إرهابى هدفه تدمير دولهم بالكامل، لإعادة صياغتها وفقا لتصورهم المشوه، والذى نراه اليوم فى النموذج الأفغانى والسوداني، تلك الدولتان دمرهما الإخوان بالكامل، حيث يتم حكمهما وفقا للمنهج الإخواني. ولله الحمد فشل المشروع الإخوانى فى تدمير مصر، ولكن نجح مشروع الصحوة الإرهابى فى إيران عام ١٩٧٩، والذى تسبب فى قمع شعب عريق مثل الشعب الفارسى، والذى تسبب فى موجات إلحاد تجتاح إيران ووصفها الكاتب الإيرانى الألماني، على صدرزاده، بأنها ظاهرة «تسونامى الإلحاد» تجتاح إيران. وهذا ما قدمه المشروع الإرهابى للصحوة والتقريب إلى الإيرانيين، حيث أخرجهم من ديارهم ودينهم.

ولنفهم عمق علاقة الإخوان المسلمين بالفرق الإرهابية الإيرانية يجب أن نرجع إلى عام ١٧٣٤. فى ذلك العام قام شاه إيران نادر شاه أفشار- والملقب بـ«نابليون إيران»- بأول مؤتمر رسمى من أجل التقريب.

بعد أن فشل نادر شاه فى احتلال مدن عراقية ثلاث مرات، عام ١٧٣٣، وعام ١٧٣٤ وعام ١٧٤٣، اتجه نادر شاه للحل العقائدى وأقام مؤتمر النجف واقترح فيه تلك النقاط، والتى لخصها المؤرخ يحيى أرماجانى فى كتابه بعنوان «إيران» كالآتي:

١- أن يكف الفارسيون عن سب الخلفاء الراشدين، والتوقف عن جرح أنفسهم فى احتفالات عاشوراء. وأن يقبل الفارسيون بالشعائر الدينية السنية، ويتخذون الإمام جعفر الصادق كرمز لطائفتهم، على أن يتقبل أهل السنة الجعفرية على أنها المذهب الخامس بعد المذاهب الأربعة لأهل السنة والجماعة.

٢- أن يسمح للفارسيين بإقامة شعائر الحج على المذهب الجعفري.

٣- أن يسمح للفارسيين بأن يصاحبوا بممثل عن الدولة الفارسية فى شعائر الحج.

٤- أن يتبادل العثمانيون والفارسيون أسرى الحرب.

٥- أن يتبادل العثمانيون والفارسيون السفراء.

 

ولو أن مطالب نادر شاه لم تتحقق حينئذ، وفشل مؤتمر النجف، حقق تلك المطالب الفارسية جماعة الإخوان المسلمين مع تقى الدين القمي. حسب كتاب ثروت الخرباوي، «أئمة الشر»- إن تقى الدين القمى اتجه لمقابلة حسن البنا فور وصوله إلى مصر عام ١٩٣٧. وطبقا لجريدة «اجتهاد» الإيرانية، لقد تقابل تقى الدين القمى أيضا مع شيخ الأزهر فضيلة الإمام مصطفى المراغى الذى أيد الدعوة وهيأ له فرصة الاتصال بعلماء كالشيخ عبدالمجيد سليم والشيخ مصطفى عبدالرازق وغيرهم، والذى تشكلت منهم نواة دعوة التقريب ودار التقريب فيما بعد، ولكن بعد أن بدأت الحرب العالمية الثانية، عاد تقى الدين إلى إيران لفترة قصيرة، وبعد أن هدأت الحرب عاد إلى مصر مجددا وأسس دار التقريب بين المذاهب الإسلامية فى القاهرة فبراير ١٩٤٧. وبحسب جريدة «اجتهاد» أعضاؤها المؤسسون كانوا: الشيخ عبدالمجيد سليم والشيخ مصطفى عبدالرازق والشيخ محمود شلتوت والشيخ عبدالعزيز عيسى والشيخ محمد الحسين آل كاشف الغطاء، والسيد عبدالحسين شرف الدين الموسوي، ومحمد على علوية باشا، وحسن البنا، وكان تقى الدين القمى هو سكرتيرها العام ومؤسسها الأول. وكان ممن التحق بها لاحقًا الشيخ أحمد حسن الباقوري، والشيخ محمد الغزالي، والشيخ محمد متولى الشعراوي.

دار التقريب لم يكن لها حاجة سياسية غير لدى التيارات المتطرفة. فعندما تأسست الدار، العلاقة بين مصر وإيران كان قوية بحكم أن ملكة إيران كانت سنية ومن العائلة المالكة فى مصر. ولكن كان هناك هدف باق لم يتحققوا من أحلام نادر شاه.

فور أن تأسست دار التقريب بدأ حسن البنا فى العمل على تحقيق أحدها. فى عام ١٩٤٨، قرر حسن البنا أن يصلح مشكلة حدثت بين السنة والشيعة عام ١٩٤٤. حينئذ كانت العلاقات السعودية الإيرانية جيدة، ولكن فى ذلك العام، أعدمت الحكومة السعودية إيرانى يدعى سيد أبو طالب يزدى بتهمة تدنيس المقدسات. حيث قال الإيرانيون إن يزدى تعرض لوعكة صحية وتقيأ فى مراسم الحج، ولكن الرواية السعودية قالت إنه كان سكرانا فى الحج. الله أعلم بحقيقة الموقف، ولكن مراد القصة أنها تسببت فى توتر فى العلاقات السعودية الإيرانية.

بعد تأسيس دار التقريب اقترح حسن البنا حلا طرحه نادر شاه قبلها ب٢٠٠ عام. فبحسب كتاب السيد ثروت الخرباوى «أئمة الشر» وبحث السيد هادى خسروشاهى المستشار السابق لوزير الخارجية الإيرانية بعنوان «نظرة إلى التراث الفكرى والاجتماعى للشيخ حسن البنا»:

«قام دار التقريب بطباعة كتيـب مناسك الحج اعتمادًا على المذاهب الأربعة لأهل السنة ومذهب الشيعة الإمامية ليتضح وجود الإجماع الكلى بين المذاهب الإسلامية فى مسائل الحج كذلك. لكن المؤسف هو أن المسئولين على الحج منعوا نقل هذه المناسك إلى الحجاز، وعندما طرح هذا الموضوع على الشيخ حسن البنا، والذى كان من مؤسسى دار التقريب، طرح حلًا ملفتًا للنظر لنقل مناسك الحج «للمذاهب الخمسة» وهو أمر بطبع كل مسائل الحج وفق آراء فقهاء المذاهب الإسلامية، فى الصحيفة الرسمية الناطقة باسم الإخوان المسلمين، ثم بعث الصحف بواسطة الحجاج المصريين إلى الحجاز وتم توزيعها على الحجاج وترك ذلك أثرًا بالغًا فى إيجاد الوحدة بين المسلمين».

وبالفعل كان حلا ملفتا للنظر، لأن البنا أخذ على عاتقة تحقيق حلم فارسى قديم بإضافة المذهب الجعفرى كمذهب خامس. وحدث ذلك بالفعل عام ١٩٦٠ على يد أحد مؤسسى دار التقريب الشيخ محمد شلتوت، حيث أصدر فتوى رسمية للاعتراف بالمذهب الجعفرى كمذهب خامس.

كما قلنا، التآخى والسلمية بين السنة والشيعة، يدر الخير على مصر والشرق الأوسط فالغرب لم ينهض ويتقدم غير بنبذ الطائفية القبيحة. الحروب والطائفية سرطان قاتل يشرد شعوبًا بأكملها ويفقر ويدمر دولًا، ما يبدأ بتمييز طائفي، يدر بالخراب غير الانتقائى على الجميع. ولكن مشروع التقريب الإخوانى الإيراني، هو مشروع حربى إرهابي، حيث يريد الإخوان احتكار العلاقة مع أمثالهم من الإرهابيين فى الطائفة الشيعية، وفى الوقت نفسه يكفرون الشيعة وأغلب أهل السنة بمنطق فرق تسد البغيض. نعم للأخوة والصداقة بين السنة والشيعة، والبروستانت والأرثوذوكس والكاثوليك، ولا وألف لا، لمشروع التقريب الإخوانى الإرهابى الإمبريالى مع الحكومة الراعية للإرهاب الأولى فى العالم بطهران.