الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

الإنتاج الزراعي.. رايح.. جاي.. مصر من سلة غلال إلى الاستيراد.. والأمل في مشروع 1.5 مليون فدان الزحف العمراني وتبوير الأراضي وراء تآكل الأراضي الزراعية.. وتراجع مساحات القطن

الإنتاج الزراعى..
الإنتاج الزراعى.. رايح.. جاى
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
من الاكتفاء الذاتى فى السينيات إلى الاستيراد، حال الزراعة المصرية التى شهدت تدهورًا كبيرًا خلال السنوات الماضية، نتيجة الزحف العمرانى على الأراضى الزراعية، وانخفاض جودة الأراضى الزراعية نتيجة لإهمال الزراعة، بدءًا من اتباع سياسة التصنيع تحت شعار «من الإبرة إلى الصاروخ » مروراً بقرارات اتباع اقتصاد السوق وإلغاء الدورة الزراعية، ورغم محاولات استصلاح الأراضى خلال السنوات الماضية غير أنها لم تفلح فى وقف نزيف استيراد المواد الغذائية نتيجة النمو السكانى الرهيب خلال السنوات الأربعين الماضية، ووصل عدد سكان مصر إلى نحو 100 مليون نسمة، غير أن مشروع المليون ونصف المليون فدان الذى أطلقه الرئيس عبدالفتاح السيسى يفتح أبواب الأمل نحو خفض الاستيراد، شريطة الاهتمام بالفلاح، وتوفير الإرشاد الزراعى والتقاوي، وتطبيق قانون الزراعة التعاقدية... «البوابة » ترصد حال الزراعة فى مصر.

ارتفاع فاتورة استيراد القمح 
كانت مصر تحقق اكتفاءً ذاتيًا من القمح قديمًا، والآن يتم استيراد كميات كبيرة من الخارج، رغم زيادة المساحة المنزرعة من ١.٥ مليون عام ١٩٦٠، إلى ٣ ملايين فدان الآن، بسبب الزيادة السكانية. ويشير الدكتور على إبراهيم، أستاذ بمركز البحوث الزراعية، إلى عدم إمكانية التوسع فى زراعة القمح لمحدودية الأراضى، خاصة بعد تآكل الأراضى الزراعية نتيجة الزحف العمرانى. بالإضافة إلى ردم الكثير من الترع والمصاريف، ولم تهتم الحكومات بالزراعة والمزارع أو تطوير هذا المجال الحيوي.

القطن.. يا قلبى لا تحزن
وبحسب الإحصائيات، كان حجم المساحة المزروعة فى عام ١٩٦٩ من القطن نحو ٣ ملايين فدان، أنتجت ١٠.٨ مليون قنطار، أما فى عام ٢٠١٧ تراجعت زراعة القطن إلى ٢٢٠ ألف فدان لم تنتج سوى ٦٠٠ ألف قنطار.
وكان القطن المصرى طويل التيلة له شهرة عالمية، إلا أنه الآن تغير الحال كثيرًا، بعد تراجع المساحات المزروعة، والاتجاه لاستخدام الأقطان قصيرة التيلة فى المصانع بالاعتماد على الاستيراد من الخارج. وسيطرة مافيا تجارة القطن وبيعه فى السوق السوداء.

انخفاض الرقعة الزراعية 
يقول الدكتور جمال صيام، أستاذ الاقتصاد الزراعى بكلية الزراعة جامعة القاهرة، إن الزراعة شهدت تحولات كبيرة خلال الفترة الماضية، وذلك راجع لعدة عوامل، منها محدودية الأراضى الزراعية والمياه بشكل عام، وهما أهم سببين لإنتاج الغذاء فى مصر، مضيفًا أن كمية الحصة المائية من النيل ثابتة، وبالتالى لاتكفى جميع عمليات الزراعة. وأضاف كنا نصدر القمح عندما كان عدد السكان ٣ ملايين، أما الآن العدد ١٠٠ مليون، وكلما زاد عدد السكان يقتطع جزء من المياه فى الاستخدامات، وهذا يأتى على حساب الزراعة، فنحن دولة فقيرة مائيًا، ونصيب الفرد فيها محدود للغاية. وبالنسبة للقطن فتراجعت زراعته أيضا بصورة كبيرة، ولعل السبب الرئيسى فى ذلك قيام بعض تجار القطن بإفساد منظومة القطن بسبب خلطهم الأصناف، مما تسبب فى خفض الإنتاجية وقلة المساحات المزروعة، ومرت زراعة القطن بمنعطفات خطيرة نظرًا لخروجها من السوق العالمية، نتيجة سنوات عديدة من الإهمال والسياسات الخاطئة للتسويق للقطن المصرى خارجيًا مما تسبب فى تراجع زراعته.
وأوضح صيام، أن هناك متغيرات عالمية لم نواكبها داخليًا، فصناعة النسيج تطورت خلال الـ٢٠ عامًا الماضية، وتغير شكل السوق العالمية وظهرت قوى أخرى، فتزايد الطلب على القطن طويل التيلة والأقمشة الناعمة من الخيوط التى يتم تصنيعها فى الصين، ولكن للأسف لم نواكب التغير من حيث الأصناف والمصانع، وهذه التغيرات كانت تصب ضد القطن المصرى مما أدى لتراجعه. وأشار إلى أن الفلاح لا يقدم على زراعة القطن فى الفترة الحالية، بسبب انخفاض سعره، فلم يعد مربحًا له وأصبحت هناك منتجات أخرى أكثر ربحًا له من القطن.
بينما أرجع الخبير الزراعى، الدكتور نادر نور الدين، استيراد القمح خلال الأعوام الأخيرة بكميات كبيرة إلى الزيادة السكانية وانخفاض الرقعة الزراعية والزحف العمرانى الذى جعل المساحة المخصصة للزراعة.

الدورة الزراعية
وأكد محمدى البدري، الخبير الزراعى ومقرر لجنة تطوير وحماية المهنة بنقابة الزراعيين، أن الدورة الزراعية كانت الضامن الوحيد للزراعة خلال الفترات الماضية، لكن الآن لا يمكن تطبيقها إلا من خلال تطبيق قانون الزراعة التعاقدية، الذى سيضمن للفلاح تسويق محصوله وبسعر مناسب، ويمكن للدولة من خلال وضع خريطة محصولية وصنفية جديدة تخدم الدولة وتخدم الفلاح. وسيعمل تطبيق القانون على إلغاء سلسلة الوسطاء بين المنتج وهو (الفلاح) وبين المستهلك (المواطن)، وسيلغى الفارق الكبير بين السعر (المزرعى) والسعر (السوقى)، وإلغاء الوسطاء سيعمل على زيادة ربح الفلاح من محصوله، وخفض الأسعار بالأسواق وهو ما تهتم به القيادة السياسية. وطالب الحكومة بالاهتمام بالفلاح، فرغم التزام معظم الفلاحين بعدم زراعة الأرز ترشيدًا للمياه إلا أن البديل كان صادمًا لهم، كونهم رضوا بهامش ربح هزيل من القطن أو الذرة بالمقارنة بأرباحهم الكبيرة فى حالة زراعة الأرز الذى يضمنون تسويقه، وهم الآن يتسولون بيع القطن والذرة رغم أن المادة ٢٩ من الدستور تلزم الدولة بشراء المحاصيل الأساسية بهامش ربح.

الفلاح.. مظلوم
قال الدكتور على محمد إبراهيم، الاستشارى وخبير التنمية الزراعية والأستاذ بمركز البحوث الزراعية، إن الفلاح مهمش لا توجد له احتفالات ولا إرشاد زراعي، من سنة ٨٠ إلى الآن الرقعة الزراعية زادت أكثر من مليون فدان، لكن معظمها فى الأراضى الجديدة التى تزرع بها الفاكهة، قديمًا كنا نزرع ما يقرب من ٣ إلى ٤ ملايين فدان قطن، وكان هو المحصول الأساسى، تبادلت الرقعة الزراعية وتبادل المساحة بعد ذلك من مساحة القمح والذرة فى دورة زراعية، مطالبًا برؤية واضحة لتطوير الزراعة.
فيما أضاف نادر نور الدين أن الفلاح بصفة عامة وزارع الذرة بصفة خاصة مظلومًا، بمعنى أنه يزرع المحصول، وعند الحصاد لا يجد من يسوقه أو يجد أسعاره باخسة لا تتناسب مع تكلفة الزراعة أو هامش ربح، فهنا الفلاح مضطر أن يزرع الذرة لأنه من المحاصيل الصيفية، والحكومة حددت مساحات زراعة الأرز، وبالتالى ليس هناك بديل سوى الذرة فى الأشهر الصيفية، على الرغم من أن الدولة تستورد زيوتًا وذرة وأعلافًا بمئات الملايين من الجنيهات، إلا أنها لا تشترى المحصول ولا تحدد سعرًا له، الأمر الذى يجعل المزارع يدور فى دائرة مفرغة لا تعود عليه إلا بالسلب.

الإرشاد الزراعى
وأكد محمدى البدري، أن قطاع الإرشاد الزراعى فقد دوره الأساسى وأصبح قطاعًا بدون هوية لا يفيد الفلاح، وذلك لعدم وجود المرشد الزراعى، ويجب على وزارة الزراعة دمج قطاع الإرشاد مع أحد القطاعات الأخرى لتوفير النفقات، ولا يخفى على أحد أن الفلاح يواجه موجة من غلاء مستلزمات الإنتاج المختلفة من أسمدة وتقاوى وآلات ووقود ومبيدات وغيرها.
وأضاف تتجه الدولة الآن نحو إقامة مشروعات زراعية ضخمة وتنمية مستدامة، فيجب أن نعتبر الفلاح ركنًا أساسيًا من أركان التنمية، وخاصة أن أغلب مشروعات الدولة القومية هى مشروعات زراعية ضخمة فنحتاج إلى عودة دور الجمعية الزراعية فى توفير مستلزمات الإنتاج وبنفس أسعار السوق حتى لا يضطر أن يذهب الفلاح للشراء بعيدا عن الجمعية الزراعية، وعلى الجمعيات تسويق المحاصيل استعادة دورها الأساسى فى تسويق المحاصيل الزراعية المختلفة.
وقال مجدى ملك، الخبير الزراعي، إن وزارة الزراعة تحاول أن تتوسع، ولكن الآلية الخاصة بوزارة الزراعة بالتعاون مع المزارعين آلية منقوصة، وتحدثنا كثيرًا عن موضوع الزراعات التعاقدية التى تحدث عنها رئيس الجمهورية لكن حتى الآن لم يطبق.

مشروع المليون فدان 
وأشار على إبراهيم، إلى أن الجميع يعلم أن المليون ونصف المليون فدان من المفترض أن يكونوا ٤ ملايين فى الفترة الماضية، ولكن نتيجة ظروف المياه التى تمر بها مصر، كل ما عليها عمل منظومة وتخطيط التى سنعمل من خلاله، وفى نفس الوقت تعطى إرشادًا للفلاح لتحقيق التنمية. فلا يوجد لدينا إرشاد زراعى، رغم وجود قطاع إرشاد وليدنا قامات وهامات علمية رهيبة لكننا نحتاج إلى العمل ويكون عملاً منظمًا من خلال منظومة عمل هادفة.
وتابع محمدى البدرى لا ننكر أن الدولة تتجه الآن لإقامة مشروعات زراعية ضخمة كالمليون ونصف المليون فدان، وهى التى ستأتى بالخير وتعوض ما تم خسارته من الأراضى الزراعية، والتى زحفت عليه الكتل الخرسانية من المباني. 
وأشار إلى أن الميزة فى تلك المشروعات هى أنها أراض مجمعة يسهل استخدام الميكنة الزراعية، وكذلك استخدام طرق الرى الحديثة بأنواعها، وكما شاهدنا ذلك بالفرافرة كما أن اختيار أراضى المشروع تقع على أراض بكر يمكن من خلالها إنتاج محاصيل خالية تمامًا من متبقيات المبيدات، وكذلك مشروع ١٠٠٠٠٠ فدان من الصوب الزراعية، والتى ستحدث طفرة فى مجال الزراعات المحمية، وستفتح تلك المشروعات نوافذ تصديرية جديدة وستجنى مصر قريبًا خير تلك المشروعات.