الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

فن اصطياد المجرمين.. البحث الجنائي المصري.. قصة تفوق يشهد لها العالم

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

اصطياد المجرمين.. أحد الفنون التى تتفوق فيها أجهزة البحث الجنائى فى مصر عن مثيلاتها دوليًا، بل هى الأولى فى فك غموض الجرائم، وهو الأمر الذى يعترف به العالم بأسره، ويرجع ذلك إلى كفاءة البحث الجنائى المصري، وخبرته المتراكمة والعريضة فى التعامل مع القضايا المختلفة.

ويظل البحث الجنائى هو حلقة الوصل الأساسية، ومفتاح الجرائم المختلفة، ويعتبر رجاله جنودًا مجهولين، يبذلون مجهودات شاقة ومضنية، حتى يسقط المجرم بين يدى العدالة.


يقول اللواء محمد نور الدين، مساعد وزير الداخلية الأسبق، إن عمل رجال البحث الجنائي يبدأ ما إن تقع الجريمة، حيث تتحرك القوة الأمنية إلى مسرحها، وتتشكل من ضابط شرطة، ومصور جنائي، وفريق إسعاف تحسبًا لوجود مصابين أو حالات حرجة، بالإضافة إلى خبير البصمات، الذى يمثل ركنًا محوريًا فى أى عملية بحث جنائي.

ويتحرك الفريق بأقصى سرعة ممكنة، حتى لا يعبث الأهالى بمسرح الجريمة فيطمسون الأدلة الجنائية، التى توصل إلى المتهم، وهو أمر يتطلب تثقيفًا وتوعية للناس بمدى الضرر الذى يعود على العدالة جراء تصرفات غير مسئولة.

وفى بعض الحالات، يتضمن الفريق الأمنى خبراء فنيين، وخبراء أسلحة ومتفجرات وطبيب شرعي، وهذا حسب نوعية الجريمة، فالفريق المكلف بمتابعة قضية إرهابية مثلا، ليس هو الفريق الذى يحقق فى جناية.

وبعد دخول الفريق الأمني، يشرع المصور الجنائى فى التقاط الصور، ثم يهرع خبير رفع البصمات لرفعها، ويضاهى ما رفعه ببصمات أهل المنزل، ومن ثم يتحفظ على البصمات المجهولة فى حال وُجدت. ويؤكد الخبير الأمنى أن مسرح الجريمة هو الدليل رقم واحد لكشف المتهمين، وتقع على عاتق فريق البحث الجنائى المسئولية الأكبر فى حل الجرائم الغامضة.

ويُعرّف اللواء نور الدين التحقيق الجنائى قائلًا: «هو السعى والتحرى والتدقيق للكشف عن غموض واقعة معينة، ويمثل مرحلة مهمة من مراحل العمل الشرطي، حيث يستكمل الشروط القانونية للإدانة أو البراءة، بما يشمل ذلك من جمع الأدلة المجردة، من بصمات ومستندات وشهادات إلى آخره».


شهادة دولية

الخبير الأمنى اللواء مجدى البسيونى يقول: «إن الخبرات المكتسبة للأجهزة الأمنية المصرية جعلتها فى صدارة أجهزة البحث الجنائى فى العالم، بل إنها تعد الأولى عالميًا فى كشف غموض الجرائم، وهذا أمر مشهود به دوليًا».

ويضيف «هناك سباق دائم بين رجال البحث الجنائي والمجرمين، فالجرائم الحديثة تستفيد من التطورات العلمية المتسارعة، وكذلك البحث الجنائي، وهذا السباق سيظل قائمًا ما دامت هناك جريمة».

ويقول: مع التوسع فى استخدام شبكة الإنترنت، ظهرت أنماط جديدة من الجرائم، منها التحرش الإلكتروني، والنصب عبر الشبكة العنقودية، وكذلك اختراق شبكات البنوك مثلًا، عبر القراصنة الذين يضيفون أرصدة إلى حساباتهم، وفى البداية وقف البحث الجنائى عالميًا عاجزًا أمام تلك الجرائم، غير أنه سرعان ما أخذ زمام المبادرة، وما زال المجرمون يطورون آليات ارتكاب جرائمهم، فى حين يطور رجال الشرطة آليات ملاحقتهم.

ويعمل الباحث الجنائى فى إطار فريق متكامل، ويسعى لجمع الحقائق عبر استطلاع الشهادات، من الشهود والمجنى عليهم والجناة، وهذه الشهادات ذات دور كبير فى جمع خيوط الجرائم، وتقييم الشهادات المتضاربة كثيرًا ما يصب فى مصلحة التحريات، ويكشف عن أبعاد خفية لم تكن واضحة أمام رجال التحريات، ثم يأتى دور المرشدين، وهم نوعان: مستديمون، وسريون، ويعول على المرشد السرى تعويلًا كبيرًا فى التحريات، وهو رجل شرطة يرتدى الملابس المدنية، ويجمع المعلومات بوسائل متعددة عن الجريمة، ويقتضى عمله الاقتراب عن كثب من مسرح الجريمة، والتواصل مع الجيران والمقربين وإقامة علاقات معهم، حتى يطمئنوا إليه، ومن ثم يستخلص المعلومات منهم.


دور الخبراء

ويقول البسيوني: «هناك أيضًا الخبراء الذين يمدون البحث الجنائى بالمعلومات الفنية فى صورة تقرير موسع ومقتضب، ومنهم طبعًا خبراء الطب الشرعى الذين يشرحون جثامين الضحايا ويحددون أسباب الوفاة».

ولا يمكن فى هذا الصدد إهمال دور التكنولوجيا الحديثة التى أصبحت من أهم أدوات البحث الجنائى فى العالم، ولعلنا نذكر دورها الكبير فى إزاحة الضباب عن قضية مقتل المطربة سوزان تميم. ويقول اللواء الدكتور أحمد محمد بحيري، كبير خبراء فحوص الأدلة الجنائية، وعضو مجلس إدارة الجمعية المصرية للعلوم والأدلة الجنائية والطب الشرعي: «عقب وقوع جريمة ما، تكون هناك العديد من الدلائل التى تساعد فى كشف ألغازها، ومنها الشهود والتحريات التى يجريها رجال المباحث وكذلك الأدلة الفنية.

ويضيف أن دور فريق الأدلة الجنائية يعتمد أولًا على رفع البصمات من مسرح الجريمة، ثم رفع جميع الآثار الموجودة، مثل السائل المنوى والجلد والشعر، ثم يبحث الفريق الأمنى فى أساليب دخول المجرم إلى مسرح الجريمة، إذا كانت قد وقعت فى منزل، فهل استخدم المفتاح الأصلى أو مزورًا أو كسر الباب إلى آخره؟

ويقول: إن عدم المساس بمسرح الجريمة يعتبر ضرورة حتمية، لكن المؤسف حقًا أن الكثيرين لا يمتلكون هذه الثقافة، وهذا الأمر يتطلب توعية اجتماعية لتلافيه، حتى يستطيع رجال الأمن التوصل سريعًا إلى مقترفى الجرائم.


قواعد قانونية

ويعتمد البحث الجنائى قواعد قانونية صارمة، ليس من الممكن تجاوزها، لأن آليات التوصل إلى المجرم لا يجب أن تؤدى إلى كسر القانون، بل تتم فى إطاره.

ويقول الدكتور فؤاد عبدالنبي، الفقيه الدستوري، وعميد كلية الحقوق بجامعة المنوفية: «عمليات التحرى والبحث يجب أن تلتزم بقانون الإجراءات الجنائية، وهناك نصوص ملزمة للنيابة والمحكمة، ليس ممكنًا القفز عليها، وفى حال لم يحدث ذلك فإن المحامى يستطيع إخراج المتهم من القضية كالشعرة من العجين».

ويضيف: «رجال الشرطة فى مصر على أعلى درجات الكفاءة، ونسبة كشف غموض الجرائم تصل إلى ما نحوه ٩٥٪ وهى الأعلى عالميًا، وذلك لأن آليات التحرى توصل إلى قضايا مكتملة الأركان»، مشيرًا إلى أن مصر دولة ذات نظام عدالة عريق، وجميع إجراءات البحث والتحرى تنضبط بنصوص القانون، حتى إن ضبط المتهمين تحدده المادتان ٥٤ و٥٥ من الدستور، واللتان تؤكدان ضرورة وجود إذن قضائي، مع إبلاغ المتهم بأسباب ضبطه، وضمان حقه فى إبلاغ محامٍ.

كما تنص المادة ٥٨ من الدستور، على عدم تفتيش أى منزل إلا بإذن قضائي، وليس من حق الأمن الدخول إلى مسكن مواطن، إلا فى حالات الخطر أو وجود استغاثة، وفى حال عدم الالتزام بذلك تكون جميع الإجراءات باطلة.


ثغرات قانونية

ويقول: إذا تورطت التحريات فى قصور ما، فإن المحكمة لا تعتد بها على الإطلاق، وهناك ثغرات يمكن أن يحظى المتهم بالبراءة فى حال عدم تحققها، منها مثلًا أن يتناقض تقرير الطب الشرعى مع ما استخلصته التحريات من شهادة الشهود.

ويضيف أن المواد من ٩٤ حتى ١٠٠ من الدستور، تؤكد جميعها أن الدولة تخضع للقانون، وتمنح المتهم حق الدفاع عن نفسه، بالأصالة أو عبر توكيل محامٍ، فيما تنص المادة ١٧ من قانون العقوبات على مراعاة الظروف الإنسانية للمتهم، والأخذ بعين الاعتبار ما إذا كان غير معتاد الإجرام، والعمل على عدم تغليظ العقوبات فى السابقة الأولى، وما إلى ذلك من نصوص تنحاز إلى الإنسان حتى لو كان مخطئًا.

ويقول: «إن مجرى التحقيق والتحريات وآليات الضبط إذا اتبعت الجدية والموضوعية، ولجأت إلى الإجراءات التى يلزم بها الدستور والقانون، سيكون صعبًا على الدفاع تبرئة موكله، وهذا من أهداف العدالة، فمعاقبة المجرم تحقق مآرب القصاص، وتضبط إيقاع المجتمع بضوابط القانون الذى يحكم مختلف العلاقات بين الأفراد».

ويقول شادى طلعت، عضو اتحاد المحامين، إن البحث الجنائى علم يحتاج دراسة تستغرق ٦ أشهر على أقل تقدير، وتقوم الدراسة على تكثيف الجانب العملى وليس الأكاديمي، والمعروف أن طلاب الشرطة المصرية يدرسون المواد المقررة بكلية الحقوق، موضحًا أن ٩٥٪ من القضايا الجنائية فى مصر تعتمد قاعدة: «الاعتراف سيد الأدلة»، لكن هذه القاعدة قد تنهار فى حال لاحظ رجال التحريات تضاربًا بين اعترافات المتهم والقرائن التى جمعوها.

وفيما يتعلق بتمثيل المتهم جريمته يقول: «ذلك إجراء يستهدف التأكد من أنه الفاعل، ويعد تعزيزًا لما جرى جمعه من أدلة، وهو المرحلة الأخيرة من مراحل جمع أدلة الإدانة»، مضيفًا «أن دور رجال التحريات ليس ضبط الجناة فحسب، بل تبرئة غير المتورطين أيضًا، فالأمر يستهدف أولًا وأخيرًا إقرار العدالة».

ويشير إلى أن دراسة البحث الجنائى تتطلب اهتمامًا أكبر فى مصر، وهو الأمر الذى أتواصل بشأنه مع وزير الداخلية، حيث أقترح عقد دورات تدريب موسعة لرجال الشرطة، والأمر لا يزال قيد البحث.


قرائن مختلفة

ويتحدث الدكتور إحسان كميل جورجي، رئيس مصلحة الطب الشرعى الأسبق، عن جمع الأدلة من مسرح الجرائم، قائلًا: تختلف نوعية البصمات الموجودة فى مكان الحادث حسب نوع الجريمة المرتكبة، فمنها آثار بصمات الأصابع، وآثار الأدوات المستخدمة فى الكسر والاقتحام كالعتلة والمفكات وآثارها على النوافذ والمداخل والأبواب، وآثار الأسلحة وفوارغ الطلقات وآثار الأقدام والأنسجة البشرية والدماء، وقطع القماش والملابس الملطخة بالدماء، والأشياء المحطمة، أما فى قضايا الاغتصاب وهتك العرض فيتم فحص بقايا الجلد البشرى فى أظافر المجنى عليه وآثار السائل المنوى وهكذا.

ويمكن من خلال البصمة معرفة سن صاحبها وجنسه، فتمكن معرفة السن، لأن بصمات الإنسان تظل ثابتة كما هى من حيث الشكل، ولكنها تتغير من حيث الحجم طبقا لتغير حجم الجسم، ويستطيع الخبير من خلال البصمة أن يعرف جنس صاحبها إذا كانت ترجع لرجل أو امرأة، كما تمكن معرفة عدد الجناة عندما يتم العثور على بصمات مختلفة فى مسرح الجريمة.

ويطوق فريق المعمل الجنائى مسرح الجريمة سريعًا بشريط أصفر تحذيري، بغرض سرعة السيطرة عليه، وحفظ الآثار، ويفحص المداخل والمخارج، لتنطلق عمليات البحث فيما بعد.

ويعد الحمض النووى DNA من أبرز الوسائل التى تقود إلى معرفة الجاني، ويعتمد عليها الطب الشرعى بعد رفع خلايا الجلد والشعر والأسنان واللعاب على فلتر السجائر والسائل المنوى فى القضايا ذات الطابع الجنسي، وقد نجح البحث الجنائى فى مصر فى الكشف عن الكثير من القضايا عبر البصمة الوراثية، فالحمض النووى قرينة ليس ممكنًا التشكيك فيها.

وإلى جوار ذلك، هناك الآثار المادية، مثل الآلات الحادة، والملابس والمقذوفات النارية وبقع الدم وما إلى ذلك من عناصر يستند البحث الجنائى عليها مجتمعة لتحديد هويات الجناة.