الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

سينما ما بعد أكتوبر.. هبوط ومقاولات في مواجهة الواقعية والكوميديا

سينما ما بعد أكتوبر
سينما ما بعد أكتوبر
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
كانت نهاية السينما الموّجهة من الدولة فى منتصف عام 1971، عندما تمت تصفية مؤسسة السينما وإنشاء هيئة عامة تضم السينما والمسرح والموسيقى، لتتوقف الهيئة عن الإنتاج السينمائي، مكتفية بتمويل القطاع الخاص، فى ذلك الوقت بدأ انحسار دور الدولة فى السينما حتى انتهى تمامًا من الإنتاج الروائي، وبقيت لدى الدولة شركتان فقط، إحداهما للاستوديوهات والأخرى للتوزيع ودور العرض، غير أن متوسط عدد الأفلام المنتجة ظل 40 فيلمًا حتى عام 1974، ثم ارتفع إلى 50 فيلمًا، وظل عدد دور العرض فى انخفاض حتى وصل إلى 190 دارًا عام 1977. وشهدت السينما المصرية عقب الانتصار فى أكتوبر 1973 حالة من الارتباك، فما بين سينما الستينيات التى تميز الكثير من أفلامها بأنه مأخوذ من أعمال أدبية، أو تدعو إلى قيم ومفاهيم تتناسب مع التوجه الاشتراكي للدولة فى ذلك الوقت، جاءت الفترات التى أعقبتها كمرآة تعكس التحول الذى صار إليه المجتمع، فساهمت بشكل كبير فى مزيد من الانحدار الذى طال كل أوجه الحياة فى مصر.
*أفلام أكتوبر.. الحرب على الهامش
«الطريق إلى إيلات».. أول الأعمال الحربية بعد عشرين عاما من الحرب
لا تزال أفلام السينما حتى يومنا هذا فى تناول الانتصار العظيم، والذى يُضاهى فى ملحمته الأسطورية معارك الحرب العالمية الثانية، لكن للأسف جاء أغلبها بعد الحرب مُتسرعًا مفتقدًا القيمة الحقيقية للحرب التى كان من المفترض أن تظهر، فجاءت أفلام الحرب متوسطة القيمة أو ضعيفة؛ ليضم أرشيف السينما المصرية خمسة أفلام فقط لا غير، هى التى تناولت فى جزء منها معارك حرب أكتوبر، وحتى الآن تظل قنوات السينما والتليفزيون المصرى تعرض هذه الأفلام لأن السينما المصرية لم تحظ بأفلام أخرى عن الحرب.
وشهد العام التالى للحرب ١٩٧٤ ثلاثة أفلام من الخمسة هى «الرصاصة لا تزال فى جيبي»، من إخراج حسام الدين مصطفى، وعن قصة إحسان عبدالقدوس، وسيناريو وحوار رأفت الميهي، و«بدور» من تأليف وإخراج نادر جلال، و«الوفاء العظيم» من تأليف فيصل ندا وإخراج حلمى رفلة؛ وهناك فى العام نفسه فيلم آخر لم يتناول حرب أكتوبر طوال أحداثه، ولكنه عرض فى دقائقه الأخيرة اللحظات الأولى من العبور، وهو فيلم «أبناء الصمت» من تأليف مجيد طوبيا ومن إخراج محمد راضي.
فى العام التالى ١٩٧٥ تم إنتاج فيلم «حتى آخر العمر» من تأليف نينا الرحبانى ويوسف السباعى وإخراج أشرف فهمي، بعدها انتظرت السينما المصرية ثلاث سنوات ليخرج «العمر لحظة» من إنتاج عام ١٩٧٨، ومن تأليف وجيه نجيب وإخراج محمد راضي. هذه الأفلام جميعًا جاءت فيها الحرب كسيرة هامشية على حياة أبطال قصصها دون تناول الحدث نفسه بشكل يستحق. 
هكذا انتظرت الأعمال الحربية عشرين عامًا حتى يخرج فيلم «الطريق إلى إيلات» فى عام ١٩٩٣ من تأليف محفوظ عبدالرحمن وإخراج إنعام محمد علي، ثم أحد عشر عامًا أخرى ليأتى فيلم «يوم الكرامة» عام ٢٠٠٤ من تأليف جمال الدين حسين وإخراج على عبد الخالق. وهناك فيلم آخر هو «حائط البطولات»، والذى انتظر عشرة أعوام ليراه الجمهور فى عام ٢٠١٤، وهو من تأليف مصطفى بدر وإبراهيم رشاد وإخراج محمد راضي، يتبقى فيلم آخر خرج من أعمال الأديب الراحل جمال الغيطانى هو «حكايات الغريب» الذى عُرض فى عام ١٩٩٢، سيناريو وحوار محمد حلمى هلال وإخراج إنعام محمد علي، والذى تناول الحرب من منظور إنسانى.

* السبعينيات.. الموجة الأكثر هبوطًا
وسيلة لغسيل الأموال.. وسيادة الجنس والعرى 
وصف المخرج، محمد كامل القليوبي، سينما السبعينيات بأنها «شكّلت الموجة الأكثر هبوطًا فى تاريخ السينما المصرية»، حيث لم يعد الإنتاج السينمائى مجرد استثمار لأموال تم الحصول عليها عن طريق التجارة فى السوق السوداء، التى باع من قاموا بها القوت الضرورى للشعب المصرى لمعسكرات الاحتلال البريطانى على خط القناة، كما كان يحدث فى الثلاثينيات والأربعينيات، وإنما أصبح هناك إنتاج غزير دون الاهتمام بجودة العمل نتيجة الأموال المتدفقة مجهولة المصدر، والتى استخدم جزء كبير منها فى عمليات غسيل أموال كنتيجة لثلاثة مصادر للثروة غير المشروعة فى مصر، هى حسب ما حددها مركز البحوث الاجتماعية، تجارة الآثار وتجارة السلاح وتجارة المخدرات.
وسواء قبل أو فى أعقاب الحرب، اشتهر الكثير من الأفلام التى يصفها البعض بـ«الخفيفة»، والتى ساد الجنس والعرى أغلبها؛ كان أشهر هذه الأفلام على الإطلاق «سيدة الأقمار السوداء» من إنتاج عام ١٩٧١ وإخراج سمير خوري، وكانت بطلته ناهد يسرى التى تخلت حتى عن ملابسها الداخلية، وهو نفسه مخرج «ذئاب لا تأكل اللحم» من إنتاج عام ١٩٧٣، والذى صدمت بطلته ناهد شريف الكثير من جمهورها بظهورها عارية الصدر.
فى الفترة نفسها كانت السندريلا الراحلة سعاد حسنى تجمع ما بين الدلع والإثارة والجمال، فتربعت على عرش السينما المصرية دون منازع.
شهدت السبعينيات كذلك منافسة منقطعة النظير بين نجمتين تقاسمتا إيرادات شباك التذاكر طويلًا هما ميرفت أمين ونجلاء فتحي، فقدمتا أدوارًا جريئة اتسمت بالطابع الاجتماعى منها «ثرثرة فوق النيل» من إنتاج عام ١٩٧١ عن قصة وسيناريو نجيب محفوظ وأخرجه حسين كمال، والذى أخرج أيضًا فيلمى «أنف وثلاث عيون» الذى أنتج عام ١٩٧٢ عن قصة للكاتب الكبير إحسان عبد القدوس، وحصل على جائزة الإخراج فى المهرجان القومى للسينما، و«دمى دموعى وابتسامتي» فى عام ١٩٧٣. كان القاسم المشترك فى هذه الأفلام بطلان أبرزا متناقضين للرجل المصرى الآتى من بيئتين، إحداهما فلاحية شعبية وكان يجسدها محمود ياسين، والأخرى الأرستقراطية التى تنتمى إلى المجتمع الوافد إلى مصر وكان يجسدها دومًا الممثل الشاب القادم من الولايات المتحدة فى ذلك الوقت حسين فهمي؛ كانا يعكسان الصراع الطبقى بين المجتمع الخارج من الأحلام الناصرية ومجتمع آخر يسعى السادات إلى بنائه ليندمج مع الغرب فى مواجهة الأصولية والتيارات المتطرفة النابعة من فكر الإخوان الذين حاولوا زعزعة عهده طويلًا.
فى الفترة نفسها اكتسبت الرأسمالية التى وصفها البعض من أنصار التيار الناصرى بـ«الرأسمالية الطفيلية» ملامح أكثر شراسة انعكست على الإنتاج السينمائى فى تلك الفترة، فاشتهرت إعادة إنتاج الأعمال الميلودرامية القديمة بنفس موضوعاتها ولكن بالألوان هذه المرة. فعلها حسن الإمام فى فيلمه «وبالوالدين إحسانًا» عام ١٩٧٦، عندما أعاد إخراج فيلم «غضب الوالدين» من إنتاج عام ١٩٥٢، ثم أعاد إخراج فيلمه «بائعة الخبز» من إنتاج عام ١٩٥٣ ليخرج هذه المرة باسم «الجنة تحت قدميها» فى عام ١٩٧٩، كذلك فيلمه «الملاك الظالم» عام ١٩٥٤ باسم «القضية المشهورة» عام ١٩٧٨؛ لم يكن الإمام وحده، فالمخرج أحمد ضياء الدين أعاد إخراج فيلم الراحل هنرى بركات «ارحم دموعي» عام ١٩٥٤ تحت عنوان «عاشق الروح» عام ١٩٧٣؛ أما بركات نفسه فأعاد إخراج فيلم عز الدين ذو الفقار «بين الأطلال» عام ١٩٥٩ تحت عنوان «أذكريني» عام ١٩٧٨.
أما عن فكرة الصعود الطبقى التى اشتهرت فى أفلام الأربعينيات، مثل زواج الخادمات وغيرها، فقد عاد مرة أخرى فى أفلام من نوع «رحلة الأيام» عام ١٩٧٦ «وأفواه وأرانب» عام ١٩٧٧ وكلا الفيلمين من إخراج هنرى بركات؛ بينما قدّم حسن الإمام التاريخ المصرى عبر راقصات قيل إنهن لعبن أدوارًا كبيرة فى رعاية الحركة الوطنية المصرية، فظهرت أفلام مثل «بمبة كشر» عام ١٩٧٤ و«بديعة مصابني» عام ١٩٧٥ و«بنت بديعة» عام ١٩٧٢ و«سلطانة الطرب» عام ١٩٧٩. 
أما على الصورة السياسية، فقد استبدل المؤلفون أشرار الأربعينيات ذوى الروب الحريرى على القميص والبنطلون والسيجار الضخم والضحكات الرخيصة بمراكز القوى فى عهد الرئيس عبد الناصر.
وبعد نصر أكتوبر ظهر العديد من الأفلام التى انتقدت عصر الرئيس عبدالناصر مثل «الكرنك» ١٩٧٥ من قصة «نجيب محفوظ وسيناريو ممدوح الليثى وإخراج على بدرخان، وناقش الاعتقال والتعذيب فى السجون الناصرية؛ وكذلك «احنا بتوع الأتوبيس» ١٩٧٩ من إخراج حسين كمال، وهو من نوعية أفلام الكوميديا السوداء، والذى أُخذت أحداثه من قصة حقيقية نشرت بكتاب «حوار خلف الأسوار»؛ هناك أفلام أخرى ناقشت القضية نفسها مثل «طائر الليل الحزين» ١٩٧٧ من إخراج يحيى العلمي، و«امرأة من زجاج» ١٩٧٧ من إخراج نادر جلال، و«أسياد وعبيد» ١٩٧٨ من إخراج على رضا و«وراء الشمس» ١٩٧٨ من إخراج محمد راضي.
على جانب آخر، فإن كل المحاولات الجادة لتقديم سينما مختلفة مُعاصرة بدت وكأنها معزولة، ففى الوقت الذى تمكنت فيه موجة الأفلام الهابطة من الاستفادة من استخدام الجوانب الهابطة فى تراث السينما، حاول البعض البحث عن أشكال متطورة، لكنها لم تتمكن من الوصول إلى الجمهور ما أدى إلى حالة أخرى للمقاومة تمثلت فى الابتعاد عن الجمهور مع صناعة سينما مختلفة؛ فعلى سبيل المثال اتجه يوسف شاهين بعد فيلم «الأرض» إلى جمهور آخر تمامًا، فأخرج أفلام السيرة الذاتية مثل «إسكندرية ليه» عام ١٩٧٩ و«حدوته مصرية» عام ١٩٨٢، مُتخليًا تمامًا عن محاولاته السابقة لتطوير السينما المصرية.

* الثمانينيات.. الواقعية الجديدة تواجه المقاولات
جيل من المخرجين امتلأ بأحلام ممزوجة بالأعباء والانكسارات والانتصارات
كانت موجة الواقعية الجديدة فى الثمانينيات، هى أول موجة تغيير حقيقية تشهدها السينما المصرية، وظهر جيل من المخرجين امتلأ بأحلام ممزوجة بالأعباء والانكسارات والانتصارات على المستويين الاجتماعى والسينمائي؛ لتظهر أقوى أفلام الواقعية المصرية الجديدة- كما اصطلح على تسميتها نُقاد تلك الفترة- على يد مجموعة من أهم مخرجيها وهم داود عبد السيد، محمد خان، عاطف الطيب، خيرى بشارة، ورأفت الميهي؛ والتى استمرت حتى التسعينيات. اتخذ الخمسة طريقهم مُحدثين ثورة ليس فقط على مستوى السرد والموضوعات وكسر التابوهات، ولكن كذلك على مستوى تقنى منهجي.
هكذا يُشاهد المتفرج المصرى عادل إمام فى ثوب تمثيلى بعيدا عن الكوميديا فى فيلم «الحريف» ١٩٨٣ على يد محمد خان، وهو نفسه من كسر قبلها عبر شخصية نوال فى فيلم «موعد على العشاء» ١٩٨١ صورة نمطية لشخصية «دون كيشوتيه»، فى سابقة رأها البعض الأولى من نوعها أن يضطلع مخرج لتمثيل شخصية فارس حالم يحارب الكون عبثًا فيكون مصيره الفشل، لكنه هذه المرة جاء فى صورة امرأة وليس رجل كما رسخته الحكايات فى الذهن؛ ويعود الأدب للامتزاج مع السينما فى فيلم «الطوق والإسورة» ١٩٨٦ المأخوذ عن قصة الكاتب الراحل يحيى الطاهر عبدالله وكتب له السيناريو والحوار الشاعر عبد الرحمن الأبنودي، وقد أخذ به خيرى بشارة المتفرج إلى عالم آخر لم يألفه على الشاشة من قبل؛ ويتألم المتفرج نفسه لمصير منتصر فى فيلم «الهروب» ١٩٨٨، بعدما مزج عاطف الطيب موسيقى مودى الإمام بأداء أحمد زكى وعبد العزيز مخيون وهالة صدقي.
أما سينما الفانتازيا فقد شكّلت مشروع المخرج رأفت الميهى بأكمله.
أحب الجمهور فيلمه الأشهر «الأفوكاتو» ١٩٨٣، وبطله العجيب حسن سبانخ الذى يُنادى دومًا بأهمية الحياة الطبيعية- الجملة الأكثر ترديدًا فى الفيلم- بينما جاء الاستمتاع بما هو مُخالف للطبيعة فى فيلمين أخرجهما فى نهاية العقد نفسه وهما «سمك لبن تمر هندي» ١٩٨٨ و«سيداتى آنساتي» ١٩٨٨، وكلاهما من بطولة الساحر محمود عبدالعزيز، الذى اندمج مع الميهى فى محاولة ترسيخ هذا الشكل من الفنتازيا. لكن، فى الوقت نفسه فإن عقد الثمانينيات شهد منذ بدايته توجها آخر مُحاكيًا للسينما الغربية، تمثل فى محاولات صناعة الأفلام الغرائبية والتطرق إلى عوالم الخوارق والغيبيات فى بعض الأفلام. 
كانت الأفلام، أو بالأحرى التجارب السينمائية التى تظهر من حين إلى آخر، تهتم بتناول الموضوعات التى تتصل بعوالم ما وراء الطبيعة مثل الأرواح والجن من خلال أساليب متباينة وعبر منطلقات مختلفة إلى حد ماـ هكذا ظهرت محاولات مثل فيلم «أنياب» ١٩٨١، وهو فيلم نادر يجمع بين الرعب والموسيقى، من تأليف وإخراج محمد شبل، وبطولة على الحجار، ومنى جبر، وأحمد عدوية، وتدور قصته حول شاب وفتاة عندما تتعطل سيارتهما فى الطريق ليلة رأس السنة، فيضطران للجوء إلى أحدى المنازل المهجورة فيكتشفان أنهما فى منزل «دراكولا» الشخصية الأشهر فى عالم الرعب. ظهرت تجربة أخرى هامة هى فيلم «الإنس والجن» ١٩٨٥، من إخراج محمد راضي، وبطولة عادل إمام، ويسرا، وعزت العلايلي، وأمينة رزق؛ والذى أحدث ضجة إبان عرضه، ويحكى قصة عشق جنى لفتاة تعمل خبيرة فى إحدى المراكز البحثية، ونتيجة لذلك تدخل إحدى المصحات النفسية، وتهرب، وتحاول الانتحار. الحقبة نفسها ظهرت فيها «سينما المقاولات» التى كانت تعنى بشكل واضح وصريح أفلام «الدرجة الثانية» الناتجة عن هجرة الكثيرين من فئات الشعب المصرى إلى دول الخليج العربى للعمل، وهى الفترة التى ظهرت فيها شركات توظيف الأموال والسمسرة، وصعود طبقة أصحاب الحرف الأدنى اجتماعيًا والذين أصبحوا يتقاضون مبالغ كبيرة بعد قلة عددهم لسفر معظمهم إلى الخليج؛ وقد أفرزت هذه الظاهرة منتجين جددا على الساحة يصنعون أفلامًا ليس فيها أى من أبجديات السينما، فقط لديها هدف وحيد هو تمرير الوقت، وربما التهريج والإسفاف كما قال بعض النقاد، وذلك من خلال تقديم ترفيه سينمائى لا يزعج أحدا ولا يقول شيئًا.
الموجة التى يراها البعض أسوأ من سينما العُرى كان لابد أن تسقط سريعًا ولا يتذكرها الجمهور، وقد ظهرت مثيلاتها فى فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية وكذلك بعد هزيمة يونيو ١٩٦٧، لكنها فى الوقت نفسه كانت تُفرز الكثير من الأموال فى دورة رأسمال سريعة من أجل توفير الأموال اللازمة لصناعتها، واعتمد منتجوها على الأسماء المغمورة فى مجال السينما، أو كانوا يقومون بالاستعانة بمن هم خارج المجال أساسًا، مستغلين رغبتهم فى طمع هؤلاء فى الشهرة، وكان مخرجو هذه الأفلام لا يفهمون شيئًا عن الإخراج إلا بما يخدم الخلطة المقدمة؛ كان امتلاك هؤلاء لأغلب أموال الساحة السينمائية دفع بعض الممثلين حقًا للانخراط فيها مثل سعيد صالح ويونس شلبي. فى الفترة نفسها، ومع بداية منتصف الثمانينيات، بدأ المجتمع المصرى يشهد تحوّلًا لدى شرائح واسعة من الطبقة المتوسطة وميلهم إلى ما كان يصرخ به شيوخ شرائط الكاسيت المعروفين فى تلك الفترة من أهمية العودة إلى التقاليد القديمة والالتزام الدينى والاحتشام. 
أحدثت تلك الدعوات حالة من القلق والذعر فى الأوساط الفنية، حيث شهدت تلك الفترة إقبالًا غير مسبوق على الحجاب من فنانات ظللن لفترة طويلة رمزًا للإغراء. كانت أول المستجيبات لتلك الدعوات الفنانة شمس البارودي، التى أعلنت اعتزالها وارتداء الحجاب، وتبعها مجموعة من الفنانات من بينهن سهير رمزي، سهير البابلي، شادية، شهيرة، ما انعكس على حركة السينما التى بدأت تعانى ركودًا مخيفًا، وهو الأمر الذى أجبر المنتجين على الاتجاه نحو الأفلام المسطّحة والخالية من أى مضمون.

* التسعينيات.. موجة السينما النظيفة أفكــــــــــــــــــــــــار مختلفة وصبغة سياسية لم تكن مُعتادة
مع انفراط عقد الثمانينيات وبداية العقد الأخير من الألفية الثانية، ظهرت عدة محاولات جريئة لتحدى موجة الأصولية الكاسحة. مرت السينما المصرية فى تلك الفترة بأزمة تمثلت فى تراجع إنتاج الأفلام، ليصل عدد الأفلام المُنتجة سنويًا إلى عشرين فيلمًا، بعد أن كان الإنتاج يتراوح من ستين إلى سبعين فيلمًا فى العقد السابق، وفى أعقاب ذلك، ظهر جيل جديد من الممثلين الشباب حاولوا إثبات وجودهم على الساحة، وأدى ذلك إلى بحث المنتجين عن تركيبة فنية جديدة تتلاءم مع التغير فى السوق.
استمرت موجة الواقعية فى البداية داود عبد السيد الذى صنع فيلمين من أروع أفلام تلك الحقبة هما «الكيت كات» ١٩٩١ من بطولة الراحل محمود عبدالعزيز والمأخوذ عن رواية الأديب إبراهيم أصلان «مالك الحزين»، ليتحدث عن أعمى البصر فى مواجهة عميان البصيرة؛ ثم انتظر ثمانية سنوات ليُقدّم «أرض الخوف» ١٩٩٩ من بطولة الراحل أحمد زكي، والذى أثار الكثير من الجدل فى ذلك الوقت، لكنه اتسم بمستويات سرد أعلى فى تفسيراته، كونه أكثر من مجرد فيلم يكسر التابوه الدينى ممثلًا فى هبوط آدم على الأرض بعد عصيان الخالق، ليخوض حياة ضبابية مشوّشة. هذان الفيلمان تحديدًا كانا ضمن ثلاثة أفلام للمخرج نفسه تم اختيارها ضمن قائمة أهم مائة فيلم عربي، والتى أصدرها مهرجان دبى السينمائى الدولى فى دورته العاشرة عام ٢٠١٣؛ إضافة إلى فيلمه «رسائل البحر» ٢٠١٠.
جاءت التسعينيات كذلك حاملة أفكارًا مختلفة أو صبغة سياسية لم تكن مُعتادة؛ برز فى مقدمتها أعمال الثلاثى الفنان عادل إمام والسيناريست وحيد حامد والمخرج شريف عرفة، فخرجت أفلام صارت فيما بعد وكأنها نبوءات للمستقبل، بدأت بفيلم «اللعب مع الكبار» ١٩٩١ الذى أخرجه عرفة مع سعيد حامد، حيث تشابهت حياة بطل الفيلم «حسن بهلول» العبثية حياة كثيرين شاركوا فى الحراك السياسى فى المجتمع المصري، فكان الحلم هو ستار بهلول لفضح ما يحدث فى كواليس المجتمع، فى محاولة لفضح رموز النظام السياسى بطرق غير مباشرة. التعاون الثانى كان فيلم «الإرهاب والكباب» ١٩٩٢ الذى لا نزال نُردد جملته الحوارية الشهيرة التى جاءت على لسان الراحل كمال الشناوى الذى أدى دور وزير الداخلية «الحكومة مالهاش دراع علشان يتلوى». 
الفيلم الذى اتخذ من مجمع التحرير المُطل على الميدان مسرحًا لأحداثه يبدو الآن وكأنه نبوءة من وحيد حامد لتجسيد الثورة التى قامت بعد ذلك بتسعة عشر عامًا، ليصبح الزمان هو الفارق الوحيد فى تحقيق تلك النبوءة. جاءت رمزية الكباب من كونه طعام الأغنياء، والذى جعل المواطن البسيط يتحد مع المتدين والعامل وربة المنزل وفتاة الليل والعسكرى المقهور والبدين غير المرغوب فيه من مجتمعه، لتتوحد مطالبهم ويتجاهلوا خلافاتهم رغم أنه فى البداية يبدو لهم فى صورة الإرهابى الذى يهابه الجميع حتى تبدأ الفئات الأخرى فى الانجذاب إليه والالتفاف حوله؛ لكنه يُحبَط فيطلب من الجميع الرحيل ليواجه مصيره، بعدما أدرك أنه لم يكن يقصد أن يصل الأمر إلى هذا الحد، لكن الرفقاء لا يتركونه، ويتمكنون من إخراجه خلسةً بينهم، ليترك ما صارع من أجله، وتعود الحياة فى اليوم التالى إلى طبيعتها وكأن شيئًا لم يكن.
فى العام التالى قدّم وحيد حامد وشريف عرفة فيلم «المنسى» ١٩٩٣ الذى شارك فيه عادل إمام البطولة يسرا والكبير الراحل كرم مطاوع، حيث تتغير حياة المواطن «يوسف المنسى»، عامل التحويلة فى أحد أكشاك السكك الحديدية ليوم واحد عبر استغاثة فتاة لم يرها قبلًا، لكنها وضعته فى نزال مع أحد رجال الأعمال؛ فى نهاية ذلك اليوم غير العادى تركب الفتاة القطار، لكن المنسى يودع حلمه، ويبقى فى موضعه منسيًّا. أمّا النبوءة السينمائية على صراع السلطة كانت «طيور الظلام» ١٩٩٥، والتى شاركت يسرا أيضًا الثلاثى نجاحها مع القدير جميل راتب مع رياض الخولى وأحمد راتب، حيث ثلاثة أصدقاء يصل أولهم إلى السلطة عندما يتخلى عن مبادئه ويصبح انتهازيًّا، والثانى يصل إلى النفوذ عندما يرتدى عباءة الإسلام السياسى داخل جماعة محظورة، بينما الثالث يهاب تلك المعارك ويفضل السعى وراء قوت يومه. بعد مرور ما يقرب من عقدين تحول الخيال إلى واقع، حيث جماعة إرهابية يُزَجُّ بها إلى السجن مع سَجانها من النظام الذى أطاحت به ثورة يناير ٢٠١١، ويجلس الصديق الثالث الذى يُمثّل المواطن مُتخذًا الشيشة صديقًا جديدًا بعد الزج بصديقية إلى السجن، وهو المشهد الأخير الذى لا تنساه مخيلة المتفرج، عندما يرى الصديقَيْن اللذين دبّ بينهما الصراع يتسابقان فى الوصول إلى الكرة ليركلاها بقوة تؤدى إلى تحطم الزجاج خارج أسوار السجن.
التسعينيات كذلك شهدت محاولات جريئة انقسم أمامها الجمهور بين مؤيد ومُهاجم بضراوة، والتى قامت بها المخرجة إيناس الدغيدي، التى انتجت وأخرجت مجموعة من الأفلام الجريئة أثارت موجة عارمة من الانتقادات، نتيجة طرحها قضايا جنسية بشكل مباشر بعيدا عن الأقنعة الاجتماعية المحافظة؛ فبعد عملها فى عدد من الأفلام كمخرجة مساعدة، قدمت الدغيدى أول أفلامها «عفوًا أيها القانون» ١٩٨٥، عن قضية شائكة تخص العلاقة الزوجية، حيث انتقد القانون الذى يفرّق بين الرجل والمرأة فى الحكم، فيعطى الرجل البراءة عند قتل الزوجة الخائنة ولا يمنح المرأة الحكم ذاته إذا قتلت زوجها الخائن.
العمل التالى الأبرز فى مسيرة الدغيدى جاء بعد عشر سنوات من التجربة الأولى وهو «لحم رخيص» ١٩٩٥، عن قضية زواج المصريات من الباحثين عن الجنس فقط من غير المصريين، ككبار السن والشباب المغامر، وهو الفيلم الذى وصفه مدير الأرشيف القومى للفيلم الأسبق عبد الغنى داود فى كتابه «مخرجو السينما المصرية» بأنه يفتقد القدرة على تحليل قضيته وتفسيرها، ووصفه بـ«عمل يحاول بحسن نية أن يتعرض لقضية جادة، ولكن بسطحية وفجاجة»؛ العمل التالى «كلام الليل ١٩٩٩ وصفه داود فى كتابه أيضًا بأنه «يقدم صورة مشبوهة للمرأة بدلًا من الدفاع عنها ومناصرتها»؛ كذلك فيلمها الشهير «مذكرات مراهقة» ٢٠٠١ الذى شاركت فى كتابته أيضًا، واستعانت فيه للمرة الأولى بالوجوه الجديدة صاروا نجومًا أشهرهم أحمد عز وهند صبري، وصفه الكثيرون بأنه «مليء بمشاهد العرى والجنس المجانية دون ضرورة فنية، وذلك بهدف إثارة الشهوات ومغازلة شباك التذاكر.
كل هذا انهار جماهيريًا أمام موجة «المُضحكين الجُدد» كما أطلق عليهم النقاد، كمرحلة أساسية فى تحول السينما المصرية، والتى بدأت بفيلم «إسماعلية رايح جاي» ١٩٩٧، والذى كان انطلاقة لجيل جديد من أبطال حصدوا إيرادات شباك التذاكر، كان أغلبه يظهر فى أدوار هامشية، على رأسهم محمد هنيدى والراحل علاء ولى الدين وأحمد آدم. إلى جوار هؤلاء ظهرت نجمات أخريات، مثل منى زكى وغادة عادل؛ وظهر آخرون اختاروا أعمالا بعيدة عن الكوميديا مثل كريم عبد العزيز وأحمد السقا. بالرغم من نجاح تلك النوعية من الأفلام جماهيريًا، إلا أن جودتها وعمقها السينمائى ظلا محل نقاش، حيث تجنبت تناول أى قضية اجتماعية مثيرة للجدل على الإطلاق. فى تلك الحقبة، انتشر مصطلح «السينما النظيفة» على نطاق واسع مع هؤلاء النجوم الجدد، حيث اعتمدت موجة الأفلام الجديدة صعود التيار الاجتماعى المحافظ، وتناول موضوعات تصلح للعرض على جميع أفراد الأسرة دون المخاطرة بوجود مشاهد صريحة.

* الألفية الثالثة.. صعود السينما المستقلة
«الكتيبة 418» أول فيلم مستقل عن حرب أكتوبر
شهدت الألفية الجديدة عودة أخرى لما يُشبه أفلام المقاولات على يد مجموعة من المنتجين، أشهرهم عائلة السبكي، حيث الأخوين أحمد ومحمد السبكى اللذين قدما أولى تجاربهما الإنتاجية «عيون الصقر» ١٩٩٢، ثم تلا ذلك أفلام «مستر كاراتيه» ١٩٩٣، «سواق الهانم» ١٩٩٤، «امرأة هزت عرش مصر» ١٩٩٥، «الرجل الثالث» ١٩٩٥، «حلق حوش» ١٩٩٧، «شجيع السيما» ٢٠٠٠، «الرغبة» ٢٠٠١؛ لكن عام ٢٠٠٢ شهد بداية تحول فى علاقة الأخوين حين قاما بإنتاج فيلم «اللمبى» الذى تكلف مليونين ونصف المليون لكنه جاء بإيرادات تجاوزت ٢٥ مليون جنيه ليشكل علامة استثنائية فى إيرادات السينما وقتها، لتتبلور لديهما نظرية «الجمهور عايز كده» التى أفرزت أفلامًا مثل «كلم ماما» و«بحبك وأنا كمان» ٢٠٠٣؛ ثم تطور الأمر فى أفلام «آخر كلام» و«بلطية العايمة» و«بوشكاش» و«حلم العمر» ٢٠٠٨، وكلها أفلام كان للأخوين فيها الكلمة العليا، بداية من اختيار الأبطال وحتى انتهاء التصوير وحركة الكاميرا وجمل الممثلين؛ بينما قرر محمد السبكى الانفصال عن أخيه اتجه الثانى لإنتاج أفلام بعيدة عن تلك الموجة مثل «كباريه» ٢٠٠٨، و«الفرح» ٢٠٠٩، و«واحد صحيح» ٢٠١١، و«ساعة ونص» ٢٠١٢.
لكن الألفية الجديدة كذلك شهدت صعودًا قويًا للسينما المستقلة، والتى تحدث عنها الكاتب محمد ممدوح فى كتابه «صعود السينما المستقلة فى مصر»، والتى كان أولها فيلم «حبة سكر» للمخرج أكرم فريد ١٩٨٩، واعتبره البعض البداية الحقيقية للسينما المستقلة فى مصر. هى السينما التى ينتجها الأفراد على حسابهم الخاص أو عبر مؤسسات معنية للتعبير عن رؤية شخصية أو رأى خاص عبر تجربة إبداعية حرة تمامًا ومستقلة لا ينال من حريتها أو استقلاليتها أى عامل خارج التجربة الإبداعية ذاتها. وشهدت السينما المستقلة عملًا لم يتحقق طيلة السنوات السابقة عن حرب أكتوبر، فقد شهد عام ٢٠١٥ فيلم «الكتيبة ٤١٨»، وهو أول فيلم عن ملحمة تاريخية خلال حرب أكتوبر ولكن طواها الزمن، فالكتيبة «٤١٨ دفاع جوي»، هى إحدى الوحدات التى شاركت فى حرب أكتوبر ١٩٧٣، وقام جنود وضباط تلك الكتيبة بأمور بطولية فى الحرب؛ لذا عمل فريق المجموعة ٧٣ مؤرخين، وهو فريق متخصص فى الشئون العسكرية، بصناعة الفيلم وتمويله من خلال رجال أعمال مصريين، وأيضًا بالتعاون مع الجيش المصري، خصوصًا قيادة قوات الدفاع الجوي؛ ويعتبر هذا فيلمهم الروائى الأول الذى يحكى أسرارًا وبطولات تخص حرب أكتوبر ١٩٧٣.