الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

حوارات

القبطان عمر عز الدين في حواره لـ"البوابة نيوز": هاجمنا ميناء إيلات 4 مرات في 6 أشهر.. لم يتبق من أبطال العملية سوى 6 أفراد.. والتسليح المتطور للبحرية المصرية يحمي حقول الغاز والبترول

القبطان عمر عز الدين
القبطان عمر عز الدين
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
في الشدائد تظهر معادن البشر، وفي المحن تنطلق العزيمة نحو عنان السماء لتسجل بطولات خارقة، وعلى مر الأجيال يظل معدن وعزيمة المقاتل المصري عنوانًا أصيلًا لمصر التي دافع أولادها عن أرضها وسطروا أسمائهم في تاريخ الحروب بحروف من ذهب.
اللواء قبطان عمر عز الدين واحدًا من هؤلاء الذين شاركوا في صنع نصر أكتوبر، ومهدوا ببطولاتهم للمواجهة الحتمية مع العدو الاسرائيلي حينما قاموا بالعملية الاصعب في تاريخ البحرية المصرية وهى تفجير المدمرة ايلات، كما شارك عزالدين أيضًا في حرب أكتوبر بالاضافة إلى مهمة تطهير قناة السويس من الالغام التي كلف بها عقب انتهاء الحرب.
عن كواليس العملية "ايلات" وأشياء اخرى كثيرة تحدث اللواء قبطان عمر عزالدين لـ"البوابة" وكشف لأول مرة عن تفاصيل جديدة لم يتناولها الفيلم الشهير "الطريق الي ايلات"، كما لم يتحدث عنها أبطال العملية لأي وسيلة إعلامية من قبل.

في البداية كيف تصف انتصار أكتوبر العظيم؟
أرى أن هذا الانتصار هو أعظم حدث في حياة مصر المعاصرة، ومن الممكن ألا يشعر به من لم يعش تلك اللحظات الفارقة في حياتنا، فقبل الانتصار عشنا أجواء نكسة 67 ثم جاء الانتصار فشعرنا بالفرق الشاسع والنقلة من الذل والظلام إلى الكرامة والنور، ولا يمكن مطلقًا أن أجد كلمات بعينها أصف شعوري وشعور كل من شارك في هذه الحرب، فالموقف أسمى بكثير من كل المعاني اللغوية. 
هل لنا أن نعرف بعض التفاصيل التي لم يتناولها فيلم "الطريق إلى إيلات" والتي لم يسبق أن تحدث بها أبطال هذه العملية لأي وسيلة إعلامية؟ 
أولًا دعني أشكر الدكتور عبدالرحيم علي، النائب البرلماني ورئيس مجلس إدارة وتحرير مؤسسة "البوابة نيوز" لمواقفه الوطنية العديدة، وهذا ما يجعلني أفصح عن بعض الكواليس التي لا يعلمها الكثيرين، فالجميع يعلم أن العملية الأولى التي تم تنفيذها في "إيلات" ونقلها الفيلم كانت يوم 15 نوفمبر، ولكن لمن لا يعلم سبقت هذه العملية عملية أخرى وتحديدًا تم تنفيذها قبلها بأسبوع، ففي ليلة 7 نوفمبر كنا نستعد للعملية فجر يوم 8 نوفمبر وبالفعل دخلنا في الموعد المحدد حتى ميناء إيلات ولكننا لم نجد أي مراكب في هذا الوقت، وكان علينا العودة سريعًا، ولكن حدثت مفاجأة لم نتوقعها، حيث كان هناك "لنش إسرائيلي" هذا اللنش كشفنا وكان حريصًا على ألا يخرج منه أي ضوء، ثم قام فجأة بإضاءة أنواره من خلال كشاف ضخم تم تسليطه علينا، وكان هذا اللنش يحمل مدفعًا نصف بوصة لو ضرب طلقة واحدة علينا كان سيتم تفجيرنا، وخاصة أننا كنا نحمل معنا 6 الغام وبنزين، ولكن قائد العملية "رضا حلمي" الذي جسد شخصيته بالفيلم الفنان "عزت العلايلي" اتجه نحو اللنش بدلًا من اتخاذ قرار الانسحاب والعودة سريعًا للخلف، فاتجه للهجوم على لنش الحراسة الإسرائيلية وفي الوقت الذي فوجئنا بما يفعله فوجئنا أكثر بان الحراسة الإسرائيلية قررت الانسحاب وعادت للخلف، هذه الواقعة منحتنا الثقة الكاملة في أن عزيمتنا وشجاعتنا تفوق بكثير عزيمة الجندي الإسرائيلي الذي كان يملك وقتها إمكانيات أكثر. 

وماذا عن يوم تنفيذ العملية وهل فيلم "الطريق إلى إيلات" نقل التفاصيل كاملة ومن قام بدورك في الفيلم؟ 
أرى أن الفيلم كان ممتاز للغاية ونقل بطولة الضفادع البشرية المصرية بكل أمانة وقدمت المخرجة إنعام محمد علي ومعها الفنانين الكبار عزت العلايلي ونبيل الحلفاوي ومادلين طبر وباقي الأبطال فيلمًا سيظل في أذاهن الجميع، وقام بدوري في الفيلم الفنان محمد عبدالجواد، ولكن اختصار مجموعة كبيرة من العمليات في عمل فني مدته قصيرة صعب جدًا، وخاصة أن حرب الاستنزاف شهدت العديد من البطولات الأخرى، أما عن العملية فقد تمت على مراحل ففي 15 نوفمبر 1969 شارك فيها 3 ضباط و3 صف ضابط، لأن مجموعة الضفادع البشرية تتكون من ضابط وصف ضابط، ووصلنا إلى ميناء إيلات، ووضعنا الألغام في السفينتين "هيدروما وداليا" وبعدها بلحظات ارتفع صوت الانفجارات عاليا، ونجحت مجموعتي ومجموعة حسانين في العودة أما مجموعة القبطان نبيل عبدالوهاب فاستشهد معه فوزي البرقوقي، فلم يتركه وسبح به نحو 16 كم حتى خليج العقبة، وسلم نفسه إلى المخابرات الأردنية التي أعادته هو والشهيد البرقوقي إلى مصر.
ثم كانت العملية التالية يوم 8 فبراير 1970 وقام بها مجموعتان من الضفادع البشرية الضباط كل من رامي عبدالعزيز، وعمر البتانوني وصف الضباط هم محمد فتحي، وعلي أبو ريشة، وكانت المهمة تدمير السفينتين "بات يم –وبيت شيفع"، ثم العملية التالية والتي كانت مهمتها استطلاع معلومات، وكانت مكونة من مجموعة واحدة بقيادتي وصف ضابط على أبو ريشة، ثم العملية الاخيرة وكانت يوم 14 مايو 1970 وهي أكبر وأخطر عملية، وكانت مجموعتين أنا والقبطان نبيل عبدالوهاب وصف الضباط على أبو ريشة، وفؤاد رمزي، ودمرنا فيها الرصيف الحربي والميناء العسكري إيلات بالكامل الذي كان مزدحما بالمعدات العسكرية وعشرات الجنود، ورأينا بأعيننا جثث الجيش الإسرائيلي تتطاير فوق الرصيف وتتهاوي في البحر. 

هذه العمليات المتتالية في تواريخ متقاربة علي ميناء واحد هل تم التخطيط له أم أن نجاح أول عملية جعلكم تستكملون باقي العمليات؟
تم التخطيط لتنفيذ هذه العمليات والتي جاءت في تواريخ متقاربة وخلال 6 شهور وتم التنفيذ على أكمل وجه ليسجل التاريخ أن هذه العملية هى الوحيدة التي يتم خلالها الاغارة علي ميناء واحد في فترة وجيزة وعبر سلسلة من العمليات بالرغم من التحصينات العديدة التي قام بها العدو، وهذا ما جعل الاسرائيلين لا يصدقون ما حدث وينم على شجاعة بالغة من قواتنا البحرية وبراعة الجندي والمقاتل المصري. 
وماذا عن مشاركتك في حرب أكتوبر والمهمة التي قمت بتنفيذها؟ 
قبل أن أتحدث عن حرب أكتوبر هناك عملية مهمة للغاية قامت بتنفيذها وهى تفجير حفار بترول "كنتينج" الذي اشترته إسرائيل لكى تنقب به عن البترول في خليج السويس، وذلك أثناء توقفه في أبيدجان عاصمة ساحل العاج أثناء رحلته من كندا إلى إسرائيل،وأدى هذا التفجير غلى منع الحكومة الإسرائيلية من تنفيذ خطتها الرامية لنهب الثروات البترولية وفرض سيادة أكبر على سيناء المحتلة آنذاك، وقام بتنفيذ هذه العملية مجموعة اخرى من زملائنا من الضفادع البشرية المصرية، أما في حرب أكتوبر فقد شاركت يوم 7 أكتوبر بعملية تدمير بعض المنشآت البترولية البحرية في أبورديس، لأن الإسرائيليين كانوا يستغلون ثرواتنا فقمنا بتدمير هذا المنشآت، وكانت نصرا جديدا لقواتنا المسلحة، وبعد الحرب تم تكليفنا بمهمة تطهير القناة من الألغام لمدة عامين حتى تم افتتاحها في 5 يونيو 1975.
ولماذا فضلت التقاعد مبكرًا؟ 
في عام 1977 وقع الرئيس السادات معاهدة كامب ديفيد في الكنيست الإسرائيلي، وانا من أشد المعجبين بالسادات فهو بحق بطل الحرب والسلام، وكنت مؤيدًا لاتفاقية السلام فقد رأينا عن قرب ويلات الحرب، وحينما قال السادات إن هذه الحرب هى آخر الحروب مع اسرائيل شعرت أنني سأكون بدون وظيفة محددة في البحرية المصرية لان الحرب انتهت، ومن الممكن أن أخدم في شأن آخر يخص البحرية ولكن في الحياة المدنية، وبالفعل قمت بتسوية معاشي. 

وماذا عن الفترة الحالية التي تعيشها مصر ورأيك في التسليح الذي تخصصه الدولة للقوات البحرية؟ 
أرى أنا أيام 1967 وما بعدها حتى انتصار أكتوبر تشبه إلى حد كبير تلك الفترة التي عاشتها مصر أيام مهزلة الإخوان والتي يعاني منها المصريين حاليًا بسبب الظروف الاقتصادية، ولكن في رأيي أنه لا داعي لليأس مطلقًا، فهناك نظرة مستقبلية سليمة وصائبة من جانب الرئيس عبدالفتاح السيسي، وإذا كان هناك بعض الانتقادات لما حدث في أعقاب تحديث أسلحة البحرية المصرية من حاملتين للاسلحة هما "السادات وناصر" وفرقاطات جديدة، فأنا أقول لمن ينتقد هذا التحديث ويصفه بالاسراف في التسليح نحن نمتلك حقول للبترول والغاز تبعد عن السواحل المصرية 80 كيلو، ومنها حقل ظهر وحقول اخرى، فمن سيحمي تلك الثروات المصرية سوى البحرية، في ظل وجود طمع من الاخرين في الحصول على هذه الثروات أو تبديدها، لذا يجب علينا أن نكون أقوياء في نظرنا ونظر الاخرين، وأن يكون لدينا أسطول بحري قوي يحمي تلك الممتلكات، ويحمي أيضًا باب المندب الذي لو تم اغلاقه فسوف نغلق قناة السويس، ومن اجل كل هذا لابد أن نتحمل جميعًا للحفاظ على اقتصادنا الذي أرى أنه سوف ينتعش قريبًا. 
وما هي القصة الانسانية التي عاصرتها أثناء الحرب ومن الصعب أن تنساها؟ 
تظل في ذاكرتي العديد من القصص والنماذج البطولية الكثيرة، ولكن تبقى قصة الملازم أول نبيل عبدالوهاب والشهيد فوزي البرقوقي هى الاقرب لي والتي دائمًا اتذكرها وأرويها للجميع، فمجموعة الضفادع البشرية تتكون من فردين "ضابط وصف ضابط"، والاثنان "نبيل وفوزي" كانا يمثلان المجموعة الثانية التي قامت بتنفيذ مهمة ايلات، حيث قاما بعمل بطولي قبل ان احكيه لابد أن أفسر لكم ما يسمى بـ"تسمم الاكسجين"، هذا المصطلح البحري معناه أن الغطاس يغطس على عمق حوالي 10 أمتار ولا يتجاوز هذا العمق حتى لا يتعرض لحادث "تسمم اكسجين"، وخاصة أن الضفادع البشرية تستخدم نوعية من الاكسجين غير تلك التي يستخدمها الغطاس العادي حتى لا يتم كشف أمره أثناء الغطس، وهذه الاجهزة التي يستخدمها الضفدع البشري ممنوع ان تغطس على عمق أكثر من 10 أمتار، وحينما تبدأ أعراض تسمم الأكسجين ومنها فقدان التركيز على الضفدع البشري أن يسرع ويصعد أعلى الماء ليلتقط أنفاسه بشكل طبيعي لمدة 5 دقائق، ثم يعاود الغطس مرة اخرى، وأعود هنا لحكاية "نبيل عبدالوهاب وفوزي البرقوقي" اللذان كانا يغطسان على عمق يصل إلى 15 مترا وبدأ البرقوقي يصاب بأعراض تسمم الاكسجين ولو استمر في الغطس علي هذا العمق سوف يموت حتمًا، ووقتها طلب منه "نبيل" الصعود فوق الماء ولكن البرقوقي رفض، حيث كان أمام خيارين أن يصعد فوق الماء لينجو بحياته أو يكمل الغطس ويستشهد وهو يقوم بتدمير الهدف، وخاصة انه اعتقد أن صعوده فوق الماء من الممكن أن يلحظه العدو ويتم احباط العملية، فقرر الاستمرار في الغطس وبمجرد أن وضع اللغم في "المركب" استشهد تحت الماء، هذا الموقف لا يمكن أن ننساه جميعًا، وأيضًا البطولة الأخرى كانت من خلال الملازم أول نبيل عبدالوهاب الذي كان من الممكن أن يترك جثمان الشهيد البرقوقي، وخاصة أنه في ميناء العدو ولكنه أصر أن يعود بجثمانه وقام بسحبه حوالي 15 كيلو مترا من ميناء إيلات الإسرائيلي حتى ميناء العقبة الأردني. 
وهل هذه المجموعة تحرص على اللقاء باستمرار؟ 
كنا 18 ضابطا وصف ضابط الذين شاركوا في هذه العمليات ويتبقى منهم على قيد الحياة 6 ودائمًا ما نجتمع سواء في مناسبات عامة أو لقاءات خاصة.

أخيرًا كيف تصف تكريمكم من قبل مؤسسة "البوابة نيوز"؟
بالطبع أشكر القائمين على هذه المؤسسة وعلى رأسهم الوطني المحترم الدكتور عبدالرحيم الذي حرص على التواصل معي وتهنئتي على مرور 45 عامًا على انتصار أكتوبر المجيد، وأصف تكريمه لي بأنه تكريم يستحق الشكر وأتمنى أن تروى بطولات القوات البحرية وكل قواتنا المسلحة لكل الأجيال.