الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

ذكرى وذكريات معركة المنصورة الجوية 14 أكتوبر 73

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
من دواعى الفخر أن يرتبط اسم مدينتى بحرب أكتوبر. من دواعي العزة أن يرتبط بمعركة الطيران المتفردة التى تُعد أطول معركة جوية على مستوى العالم، منذ الحرب العالمية الثانية. ولعل المجد الأكبر هو أن تتخذ القوات الجوية تاريخها فى 14 أكتوبر عيدًا لها، تخليدًا لما حققته من نصر ضد مقاتلات العدو الإسرائيلى فى المنصورة شمال قاعدة شاوة الجوية. حينما شنت أكثر من مائة طائرة إسرائيلية هجومًا مكثفًا على القواعد الجوية بالدلتا لتشل حركتها لأنها مركز انطلاق الطائرات المشتركة فى الحرب، وهى الأقرب إلى سيناء ومدن القناة. تلك المعركة التى زادت عن الخمسين دقيقة وضربت الرقم القياسى فى زمن المعارك الجوية التى لا تزيد عن عدة دقائق، وهو ما جعلها أيقونة تدرس فى الكليات العسكرية بالعالم كله. تلك المعركة غير المتكافئة، التى تفوقت فيها قواتنا الجوية بقوة الإيمان والعقيدة القتالية على الفارق الكبير بين طائراتنا وطائرات العدو. منذ يومين حكى لى صديق والدى الأستاذ سمير الشيخ، كواحد من أفراد قواتنا الجوية وشاهد عيان للمعركة، ومشاركا فيها، فقد كان يعمل وقتها بإحدى القواعد القريبة جدًا من قريتنا. قال إن الرادارات - مجال عملي - كانت قد رصدت تحركًا لطائرات العدو، وأن التنسيق بين القواعد الجوية فى الدلتا كلها، والجاهزية القتالية والنفسية، لدينا كانت على أعلى مستوى، فقد كنا نتمنى الأخذ بالثأر ورد الكرامة بأى ثمن. كانت طائرات العدو الإسرائيلى الفانتوم كانت أكثر تطورًا من طائر الميج 21 المصرية، وهو ما أعطى لانتصارنا بعدًا أكبر. قال إن ثلاث موجات من طائرات العدو مثلت هذا الهجوم، أهمها الموجة التى تناور لتجر طائراتنا بعيدًا عن المطار بغرض مطاردتها وتترك المجال فوق المطار خاليًا. وتطير باقى الطائرات الإسرائيلية على مستوى منخفض وتضرب المطار لكننا فوتنا عليهم الفرصة. قال إن المعركة قاربت على الساعة، وكانت من أعنف الاشتباكات التى حدثت فى الحروب. وحينما سألت أمى عن ذكرياتها، قالت إنهم بعد الظهر كانوا يرون الطائرات بوضوح فى المطارات كانت الطائرة فى ذيل الطائرة، وكان جميع من بالقرية يدعون الله أن يحفظ الطيارين فى هذا الوقت ويبتهلون إلى الله أن يمن علينا بالنصر. قالت إن قريتنا تحديدا دفعت فى بناء هذه القاعدة الجوية الكثير من دماء أبنائها فى حرب الاستنزاف. فوجئت أن أمى تعرف الكثير من طرازات الطائرات مثل: الميج والسوخوى والاسكاى هوك والميراج، ولم يكن ذلك غريبًا لأن أخوالى قضوا فى الجيش أكثر من سبع سنوات هذا غير أخيها الأكبر المهندس الذى شارك فى حرب اليمن، وأن كل أسرة كان بها مجند أو أكثر وأن كل أسرة كانت تعتبر على الجبهة لأن هناك من يمثلها فى الجيش منذ النكسة. كانت مفردة شهداء - قريتى شها - فى حرب الاستنزاف مثيرة بالنسبة لى فقد كنت أعتقد أننا جغرافيًا بعيدون جدًا عن ساحات الحرب التى عرفناها منذ صغرنا، وهى سيناء ومدن القناة وبالطبع بحر البقر وأغنيتها الشهيرة «الدرس انتهى لموا الكراريس». لم أكن أعلم أن قريتى دفعت من الدم ما يجب أن يعرفه أبناؤها من الشباب والصغار وما يجب أن يحكى ولو للتذكرة وهم يدرسون حرب أكتوبر فى كتاب التاريخ. وهو ما دفعنى للذهاب إلى صديق والدى الحاج محمد الدرس لأننى أعرف جيدا أنه مرآة أبى ولا يقل وطنية عنه ولا شهامة قال لي: كان يومًا حزينًا يا ابنتى كانت قريتنا متشحة بالسواد. والحزن يخيم على الجميع، وظللنا ندفن شهداءنا طوال الليل. هؤلاء الشهداء رجالًا ونساءً، كانوا يعملون فى بناء القاعدة الجوية فى القرية المجاورة وضربتهم الطائرات الإسرائيلية عام 68 أو 69 لا أتذكر جيدًا حتى أنهم أطلقوا عليها قاعدة شها وليس قاعدة ميت مزاح. حيث استشهد أكثر من ستة عشر رجلًا وسيدة، ناهيك عن أعداد كبيرة من المصابين بإصابات جسيمة، منهم من فقد ذراعة ومنهم من فقد ساقه أو رجليه الإثنين ومنهم من أُصيب بالشظايا فى أنحاء جسمه. كانت كل البيوت حزينة مذبوحة من الغدر الذى أدى لاستشهاد أحد أفرادها أو قريب لهم أو نسيب وكانت هناك سيدة فقدت أربعة من أبنائها معًا، أربعة نعوش خرجت من بيت واحد. والحمد لله أننا أخذنا بثأرنا وانتصرنا فى أكتوبر 73، وكان لهذه القاعدة الجوية دور كبير فى النصر، ومعركة الطائرات بالتحديد التى دمرنا فيها 17 طائرة للعدو، بسبع طائرات من عندنا.والحمد لله، الزغاريد ملأت بيوتنا وقتها ودموع الفرح غسلت قلوبنا من الأحزان. كنت سعيدة وأنا استمع إليه. سعيدة وأنا أضيف ضوءًا ولو ضعيفًا فى ممر الحكايات وأضع خطًا تحت اسم مدينتى وقريتى وأقرأ الفاتحة لروح أبى الذى علمنا الانتماء وللشهداء الذين لا ينبغى أن ننساهم كى تحيا ذكراهم كما يحيون فى الجنة. تحية إلى دمائهم الطاهرة الذكية التى تحرسنا وترقب خطوات الجيش على سيناء فى معركة التطهير من الإرهاب وتباركها. فيا أيها الجيش الأبى بكل أفراده. يا كل أحبائنا، يا كل إخوتنا، يا كل أبنائنا ويا رئيس الجمهورية فى عيد الكرامة والنصر والفخار نجدد العهود للأرض بالدم والروح ونقدر وقع خطواتكم على الرمال وفى العراء على الحدود وداخل ثكناتكم. نقدر لهفة أبنائكم نقدر دمعة زوجاتكم ولأمهات الشهداء نقبل رءوسكن وأياديكن وخطواتكن فى الحياة، وعيونكن التى تختلط فيها دمعة الوحشة والفقد بدمعة الفخار وشرف الشهادة، ابتسمن فهذا يوم الفرح.