الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

سياسة

حكايات النصر.. العميد المتقاعد فاروق عبدالعزيز يروي قصة أول دانة دمرت دبابة للعدو

العميد فاروق عبدالعزيز
العميد فاروق عبدالعزيز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
«انتظر أيها العالم، ها هو وجهنا يخرج من قاع النيل كحمامة كانت تغرق، ها هى روحنا تعود من الأسر، ترتدى جسدًا من قمح وشمس وتعود».
هكذا أبدعت قريحة شاعرنا الفلسطيني الراحل محمود درويش، فحكايات النصر تعود، أو بالأحرى تُستعاد بذات الشغف، كلما حلت ذكرى معركة العبور.

كانت النكسة خنجرًا حادًا «انغرس فى قلب مصر»، ومعها التحق العميد متقاعد فاروق محمود عبدالعزيز، بالقوات المسلحة فى ١٩٧٠؛ حيث دخل الكلية الجوية وكان الرئيس الأسبق محمد حسنى مبارك، مديرًا لها.
ويشير «عبدالعزيز» إلى أنه قبل التحاقه بالكلية الجوية، كان طالبا بكلية الهندسة، وجاءت نكسة ١٩٦٧ لتغير مسار حياته بعدما رأى أشلاء الأطفال فى مدينة الإسماعيلية التى ينحدر منها تملأ الشوارع، بالإضافة إلى استشهاد أخيه فى تلك الحرب، فتركت تلك المشاهد فى نفسه رغبة كبيرة فى الثأر من العدو، فلم يكن هناك بُد من الالتحاق بالجيش المصري.
ويصف الوضع بعد «النكسة»؛ حيث أجبر أهالى الإسماعيلية على التهجير من مساكنهم جراء الدمار الذى لحق بمدن القناة، فذهب مع أهله إلى حى إمبابة بالجيزة، وبعد التحاقه بالجيش ذهب إلى الاتحاد السوفييتى للتدريب على قيادة الطائرة «سوخوى ٩» وكانت تعد أحدث طائرة آنذاك، وخلال التدريبات أصيب فى قدمه وتم علاجه، وحينما عاد إلى مصر قرر «مبارك» الذى أصبح قائدًا للقوات الجوية نقله للطيران المدني، إلا أنه رفض ترك الجيش فالتحق بسلاح المدرعات. وكشف «عبدالعزيز» أن هناك سربًا من الطائرات لم يتم تدميره فى ١٩٦٧؛ حيث كان من المقرر وصول تلك الطائرات إلى مصر فى ليلة الرابع من يونيو قبل «النكسة» بيوم واحد، ولكن تأخر وصوله أنقذه من التدمير بالكامل، وهبط فى مطار أسوان.

«خطة العبور»
يوضح العميد فاروق عبدالعزيز، أن التدريب على خطة عبور القناة تم فى محافظة الفيوم، بينما كانت أسوان هى المكان التى تدرب فيها الجيش على تدمير الساتر الترابى بخراطيم المياه، وهى الفكرة التى ابتكرها اللواء باقى يوسف، رئيس فرع المركبات بالجيش الثالث الميدانى فى حرب أكتوبر المجيدة.
وعن الأيام القليلة قبل حرب أكتوبر، يقول «كنت أتبع الكتيبة ٢٣٧ وألحقت على كتيبة «٥٢٤» مشاة، وفى ٣ أكتوبر كنت فى إجازة والتقيت زملائى فى نادى الضباط بشيراتون، وحينما ذهبت إلى هناك لم أجد أيًّا من الضباط، وعلمت أن كثيرًا منهم استُدعوا من إجازاتهم فذهبت إلى كتيبة «٥٢٤» مشاة فى الكيلو ٧ بالسويس التى كنت ملحقا عليها، فاكتشف أنهم ذهبوا للتدريب بموقع «حوض الدرس» بقناة السويس، وكان تدريبًا اعتياديًا نفذناه مرتين قبل ذلك».
«استعدوا للحرب»
أما عن يوم العبور يواصل «فاروق» سرده للأحداث؛ فيشير إلى أنه فى تمام التاسعة من صباح ٦ أكتوبر، أخبرهم قائد الكتيبة، بأن هناك احتمالا للعبور اليوم، وأصدر أوامره للمشاة بضخ الهواء داخل القوارب بدءًا من الثانية عشرة ظهرًا، وكانت القوارب مخفاة تحت الرمال لا يظهر منها إلا الجزء الذى يُمكن الجندى من ضخ الهواء من خلاله. وشهدت الجهة المقابلة للنقطة التى كان يتمركز فيها بالضفة الغربية للقناة تصرفات استفزازية كان يمارسها جنود العدو، فيقول: «كانوا كاتبين بالحجارة قدامنا: إلى اللقاء فى القاهرة باللغة العربية».
ويقول: «فى تمام الثانية من ظهر يوم السادس من أكتوبر ١٩٧٣، دوّى أزيز الطائرات فى السماء، وانطلقت لتحرير الأرض، من العدو الغاصب، ولكن بعد دقيقتين فقط من انطلاق الطائرات، حدث ما لم يكن فى الحسبان؛ حيث شاهدت «الاحتياطى القريب للعدو»، ويتكون من ٣ دبابات يتقدمون لاحتلال مصاطب بالقناة فى قطاع المسئولية أمام وحدتى مباشرة، فاضطررت لإعطاء بلاغ قتال سريع وطارئ لقائدى بأنى سأبدأ الضرب قبل احتلال دبابات العدو للمصاطب، وبالفعل أطلقت من دبابتى «تى ٣٤» أول طلقة فى حرب أكتوبر، وكانت فى تمام الثانية وثلاث دقائق، وأصيبت إحدى الدبابات الثلاث وانسحبت الدبابتان الأخريان، وتمكنت فيما بعد من ضرب برج المراقبة، وسقط الجندى المتمركز عليها، وكانت هذه أول طلقة موجهة ضد العدو فى الحرب.

ويذكر العميد المتقاعد أن المهمة الرئيسية التى كان مكلفا بها فى الحرب هى تأمين قوات مشاة السرية ٣ التابعة لكتيبة ٥٢٤ من الضفة الغربية قبل العبور، وإسكات نيران النقطة القوية «الجباسات»، وهى إحدى النقاط الحصينة بخط بارليف وفتح ثغرات بها لصعود المشاة فوقها.
وكانت تلك النقطة تحتل موقعا استراتيجيا يمكنها من إصابة أى مجموعة تحاول اقتحامها بكل سهولة، وهو ما حدث بالفعل مع المجموعة المكلفة باقتحامها؛ حيث فوجئ «عبدالعزيز» بقائد السرية يهرول نحوه ليخبره باستشهاد معظم أفراد قوة الاقتحام. نتيجة لما سبق كان عليه قيادة دبابة لاقتحام نقطة الجباسات ليتمكن بقية أفراد سرية ٣ من الدخول، وأطلق عليها مسمى «الدبابة الشهيدة» نظرًا لوقوعها فى مرمى نيران كثيفة من العدو خلف حصون وموانع صعب اختراقها، بالإضافة إلى استهداف طيران العدو للدبابة، ولكنه تمكن من مراوغتهم والهروب من نيرانهم، مستعينا بخبرته السابقة فى الطيران. واقتحمت الموقع وأضرمت النيران فى مخزنى الذخيرة والوقود، فتوالت الانفجارات وتصاعدات ألسنة النيران، وهكذا تم إنجاز المهمة بنجاح بقيادة العميد عبدالعزيز، وتحررت «الجباسات» فى الحادية عشرة من صباح يوم الاثنين ٩ أكتوبر ١٩٧٣، وأسر ١٨ جنديا وضابطا إسرائيليا، ونزع علم العدو ورفع علم مصر. بعد استعادة نقطة الجباسات تصاعدت الأدخنة فى كل مكان، ولم ينقذه من الاختناق إلا قناع جندى استطلاع إسرائيلى تبادل ارتداءه مع جندى اسمه «زكي»، حتى تمكنا من الخروج سالمين، وظل محتفظا بذلك القناع حتى اليوم بحوزته.
تدمير الثغرة «التليفزيونية«
فيما يتصل بثغرة الدفرسوار، أكد العميد عبدالعزيز، أن الجيش المصرى كان يستعد للإجهاز على قوات العدو فى الثغرة، التى وصفها بـ«التليفزيونية» تأكيدًا لما قاله الرئيس الراحل محمد أنور السادات، ولكن لم ينقذهم من تلك الخطة إلا مفاوضات فض الاشتباك فى الكيلو ١٠١، والتى قادها المشير عبدالغنى الجمسي، رئيس هيئة عمليات القوات المسلحة.
وقالت افتتاحية صحيفة «ها آرتس» العبرية فى ٨ نوفمبر ١٩٧٣ بعد نحو شهر من اندلاع الحرب: «إننا حتى يوم وقف إطلاق النار على جبهة سيناء لم نكن قد استطعنا إلحاق الضرر بالجيش المصري، وأنه من المؤكد حتى من دون التوصل إلى وقف القتال لم نكن سننجح فى وقف أو تدمير الجيش المصري».
ويشير العميد متقاعد إلى أن أفراد القوات المسلحة، كانت لديهم رغبة فى الاستمرار ومواصلة الأعمال القتالية، إلا أن قرار الموافقة على وقف إطلاق النار كان صائبًا؛ حيث دخلت الولايات المتحدة الحرب بأحدث الدبابات والطائرات، فى الوقت الذى نحارب فيه بأسلحة تعود للحرب العالمية الثانية- على حد تعبيره.