الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

بوابة العرب

وثائق إسرائيلية: «الموساد» فشل في اختبار 1973

نصر أكتوبر
نصر أكتوبر
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
غرور الصهاينة وإهمال التحذيرات والتقليل من الإمكانيات العربية مهدت للانتصار المصرى السورى.
كشف العديد من الوثائق التى رفع جهاز المخابرات الإسرائيلى أو غيره من أجهزة الاحتلال السرية عنها العام الجارى بمناسبة مرور 45 عاما على حرب أكتوبر 1973، عن عنصر المفاجأة الذى ضرب جيش الاحتلال خلال الحرب. ونشرت صحيفة «تايمز أوف إسرائيل» وثائق جديدة رفعت عنها السرية بمناسبة الذكرى ٤٥ لحرب أكتوبر، أشارت إلى أن الموساد الإسرائيلى أرسل خطابًا إلى رئيسة الوزراء آنذاك جولدا مائير، يوم الخامس من أكتوبر عام ١٩٧٣، يحذرها من استعداد الجيش المصرى والجيش السورى لشن هجوم، إلا أنها تجاهلته. وجاء فى الخطاب الذى أرسله جهاز الموساد الإسرائيلي: «نحذركم من استعداد الجيشين المصرى والسورى لشن هجوم عسكرى يوم السادس من أكتوبر». وقالت الوثيقة التى كانت تعتبر «سرية للغاية»، إن رئيس المخابرات العسكرية- آنذاك- اعتبر هذا التهديد منخفض جدا، ما حدث عكسه تماما؛ حيث استطاع الجيشان المصرى والسورى شن الحرب على القوات الإسرائيلية بشكل مفاجئ قضى على أى إمكانية للجيش الإسرائيلى فى العودة، إلا عبر مساعدة دولية من الخارج. فى حين نشرت صحيفة «يديعوت أحرنوت» الإسرائيلية، وثائق جديدة تتحدث عن حالة الدهشة التى أصابت جنرالات جيش الاحتلال الإسرائيلى عقب شن الجيش المصرى الحرب عليهم فى السادس من أكتوبر 1973. 

وقالت الصحيفة، إن إحدى هذه الوثائق تحتوى على محضر لمحادثة القيادة العليا للجيش الإسرائيلى قبل ٢٤ ساعة فقط من شن الحرب فى الشمال والجنوب، وقد اجتمع الجنرالات لوضع الخطط أثناء احتفالات «يوم الغفران» واغتنام هذه الفرصة لاستلام الإحاطات الأمنية.
وأضافت، افتتحت المناقشة بنظرة استخبارية من قبل إيلى زعير، رئيس جهاز المخابرات العسكرية الإسرائيلية، المعروفة بمجموعتها العبرية «AMAN»، وقيّم زعير الضباط العسكريين بحضور عمليات الانتشار والتطورات الخاصة فى المناطق السورية والمصرية.
حيث أعلنت سوريا فى الشمال حالة طوارئ منذ ٥ سبتمبر، وذلك فى الوقت الذى تمارس فيه السلطات الإسرائيلية احتلال مرتفعات الجولان، نقلت السلطات السورية أسرابًا إلى منطقة دمشق.
وفى مصر، قال زعير إنه تم إجراء تدريبات واسعة النطاق من قبل قوات المظلات، كما تم تعزيز منطقة قناة السويس بـ ٣٠٠ مدفع إضافى، وتم نقل العديد من الدبابات باتجاه خط الماء. وبالإضافة إلى ذلك، أكد زعير أن تطورين رئيسيين مهمين حدثا فى الساعات القليلة الماضية. الأول: «أرسل الروس ١١ طائرة شحن تحمل الناس إلى مصر... وليس من الواضح لماذا». والثاني، قال إن «معظم السفن السوفيتية غادرت الإسكندرية. هذا شيء نادر جدًا أيضًا». 
وفقا لزعير، «يمكن أن يكون ذلك بسبب خوف روسيا من أن القوات الإسرائيلية على وشك الهجوم؛ حيث قد يكون الخوف الروسى من أنهم سيهاجمون، ولعل سببًا آخر هو العلاقات الداخلية بين الاتحاد السوفييتى ومصر وسوريا». وأضاف زعير فى تقريره، أنه على الرغم من هذه الوقائع، التى كشف عنها، فإنه لا يزال إمكانية شن الجيشين المصرى والسورى حربًا شاملة على الجيش الإسرائيلى منخفضة جدًّا، الأمر الذى قضى عليه الجيش المصرى بشن حرب شاملة فى السادس من أكتوبر عام ١٩٧٣، ليعيد الأراضى التى احتلتها القوات الإسرائيلية. وفى وثائق أخرى، كشفت عنها إسرائيل عن الحرب، بينت أن رئيسة الوزراء الإسرائيلية- آنذاك- جولدا مائير، رفضت إعلان التعبئة العامة داخل الجيش الإسرائيلي، عقب التحذيرات التى وجهها مدير المخابرات العسكرية الإسرائيلى، حول احتمالية شن الجيش المصرى هجومًا على القوات الإسرائيلية، وفسرت هذا القرار بأنه بسبب منع تدهور الوضع الداخلى وخشیة غضب الولایات المتحدة من ضربة استباقیة لمصر وسوریا، بالإضافة إلى حجم الإنفاق الاقتصادى الضخم على التعبئة. 
واعترفت مائیر بخطأ عدم إعلان التعبئة، نافیة- فى تحقیقات لجنة «أجرانات» أن تكون امتنعت عن إعلان التعبئة العامة بسبب حرصها على فرصها خلال الانتخابات التى كان مقررًا إجراؤها قبل نهایة عام ١٩٧٣.
وقالت مائیر، إنه رغم رصد وجود تحركات على الجبهتین المصریة والسوریة؛ فإنها لم تتوقع اندلاع الحرب، لأنها كانت مؤمنة بأن تصرفات مصر وسوریا ترجع إلى تزاید مخاوفهما من إسرائیل.
وفى عام ٢٠١٤، أفرجت السلطات الإسرائيلية عن وثائق كشفت عن محاضر جلسات لجنة تقصى الحقائق، التى شكلتها الحكومة الإسرائيلية لبحث أسباب الهزيمة فى حرب السادس من أكتوبر عام ١٩٧٣، وعرفت باسم «لجنة أجرانات»، وتتضمن تلك الوثائق شهادات لضباط من جيش الاحتلال.
احتوت هذه الوثائق على شهادة المقدم يونى بلدمان، رئيس قسم مصر فى شعبة الأبحاث بجهاز المخابرات العسكرية الإسرائيلية (أمان)، قال فيها، إن التقديرات كانت لدى الحكومة الإسرائيلية، أن السادات يجيد الكلام لا الأفعال، وأن صورة السادات كانت لدى الإسرائيليين لا تختلف عن صورته لدى صحفيين مصريين ولبنانيين، وهو أنه زعيم غير قادر على اتخاذ القرارات، فقد ثقته بنفسه وفى قدراته وقدرة جيشه على الحرب.
وأضاف، أن العامل الآخر وراء استبعاده شن القوات المصرية لهجوم على القوات الإسرائيلية، هو الوضع الداخلى السيئ وغير المستقر فى مصر، ثم الفهم السائد لدى الإسرائيليين أن هناك توافقًا بين المصريين على أن القوات المصرية أقل كفاءة من نظيرتها الإسرائيلية، وأخيرا الجبهة العربية، فقد كان السادات يشعر أنه لا يحظى بدعم من العالم العربى، فلا أحد فى العالم العربى مستعد للمضى مع مصر فى اتجاه الحرب، وكانت هناك شواهد كثيرة من تصريحات السادات فى شهرى أبريل ومايو ١٩٧٣، تفيد بأنه لا يوجد شىء اسمه «جبهة عربية»، وهو ما حدث عكسه تماما عقب شن القوات المصرية الهجوم الشامل. أما العامل الأخير وفق شهادته، فكانت أجواء التقارب بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتى، وهو التقارب الذى نظر إليه المصريون على أنه يحد من استعدادات الاتحاد السوفيتى لمساعدة العرب بسبب مصالح السوفيتيين مع الأمريكيين.
فى حين نفى العقيد يوئيل بن بورات، الذى كان قائدا للوحدة ٨٤٨، وهى وحدة التجسس الإلكترونى فى المخابرات العسكرية الإسرائيلية، فى شهادته أمام لجنة «أجرانات» الاتهامات الموجهة إلى الوحدة، بأنها لم تحذر القيادة من نشوب الحرب، وألقى باللائمة على اللواء إيلى زير، رئيس المخابرات العسكرية، متهما إياه بأنه لم يأخذ بتحذيراته بأن المناورة المصرية ليست سوى ستار خادع لشن الحرب.
وتابع بقوله، إن حرب أكتوبر كانت الاختبار الأول من نوعه الذى واجهته دولة إسرائيل، والاختبار النهائى لأى جهاز مخابرات هو التحذير قبل أى هجوم مفاجئ على المستوى الاستراتيجي، لكن إسرائيل فشلت فى هذا الاختبار.
وفى عام ٢٠١٢، كشفت إسرائيل عن وثائق جديدة أشارت إلى أن الليفتنانت كولونيل، أفيزير يعارى، رئيس مكتب سوريا ولبنان والعراق فى مخابرات الجيش الإسرائيلى، عام ١٩٧٣، تلقى التوبيخ بعد أن قدم اقتراحًا بأن التدريبات التى يجريها الجيشان المصرى والسورى على الحدود والحركة التى يعملان بها، ربما تكون استعدادات لهجوم مشترك.
وقال نائب رئيس الأركان العامة اللواء «إسرائيل تال»، فى شهادته التى كشفتها هذه الوثائق، إنه لولا ارتكاب سوريا خطأً بدائيًا فى المسرح البرى للحرب، لكانت إسرائيل خسرت مرتفعات الجولان بأكملها، وذلك وفق ما نشرته صحيفة «تايمز أوف إسرائيل». 
وتابعت الصحيفة: «انتهت الحرب فى ٢٤ أكتوبر ١٩٧٣، وكان الجنود الإسرائيليون على بعد ٥٠ ميلًا من القاهرة، و٣٠ ميلًا من دمشق، إلا أن عدد قتلى الجيش الإسرائيلى كان ٢٦٥٦، ولكن عنصر المفاجأة فى الهجوم، إلى جانب عدم قدرة الجيش الإسرائيلى على الانتصار فى الحرب بشكل حاسم، تسببا فى ندبة عميقة فى نفسية الإسرائيلى بشكل عام». 
فى حين كشف كتاب الجنرال إسحق حوفى، قائد اللواء الشمالى السابق فى جيش الاحتلال الإسرائيلي، عن توصل وزير الحرب وقتها موشيه دايان تحت ضغط مفاجأة الضربة العربية إلى خيار الهرب والفرار من هضبة الجولان السورية فى ثانى أيام الحرب، قبل أن يستعيد الزمام ويأمر بضرب دمشق مرة أخرى. ووفقًا للكتاب، فإن دايان كان قد أصيب بالصدمة من قوة الهجوم السورى فى هضبة الجولان، وأنه فى اليوم الثانى للحرب أى فى ٧ أكتوبر عام ١٩٧٣، تصرف بطريقة دلت على شبه يأس وتفكير جدى فى الانسحاب من الجولان وبناء خط دفاعى على حدود خط الهدنة. وقال فى كتابه: «أصدر دايان بالفعل أمرًا فى ٧ أكتوبر بالانسحاب من الجولان، وبإقامة خطوط دفاعية على الحدود القديمة (خط الهدنة) عند مجرى نهر الأردن، والاستعداد لتدمير الجسور حتى لا يجتازها الجيش السورى نحو إسرائيل، وفى الوقت نفسه أمر بإعداد خطة هجوم مضاد». 
كما نشر الصحفى الإسرائيلى، إيلان كفير، كتابًا بعنوان: «إخوتى أبطال المجد» كشف فيه قيام كتيبة دبابات إسرائيلية بفتح النيران على مجموعة من الجنود الإسرائيليين وقتل بعضهم وجرح الآخرين بدم بارد، كما قال أحد الناجين، لمجرد اعتقاد جنود الكتيبة بأن الجنود المقابلين لهم هم جنود فروا من الجيش المصري. ونقل الكتاب عن أحد الناجين، وهو موشيه ليفى، قوله: «إنه لم يشفع للجنود الإسرائيليين كونهم عزل لا يحملون أى سلاح، ويتحدثون العبرية بطلاقة، ويعرفون أسماء قادة الكتائب الإسرائيلية، فقد فتح رفاقهم عليهم النار، فقط لأنهم اعتقدوا بأنهم عرب».
فيما أكد مدير المخابرات العسكرية الإسرائيلية أثناء الحرب «إيلى زعير»، فى كتابه الذى حمل اسم «حرب أكتوبر الأسطورة أمام الواقع»، أن المخابرات المصرية دست معلومات مضللة على جولدا مائير، رئيسة الوزراء الإسرائيلية آنذاك، مشيرا إلى أن السبب الرئيسى فى الهزيمة هو وصول معلومات تم نقلها مباشرة إلى رئيسة الوزراء ومن دون تحليل من الموساد على أساس أنها موثوق بها، وكانت هذه المعلومات هى السبب الأساسى وراء التقديرات الخاطئة التى اتخذتها الحكومة الإسرائيلية.
وأضاف زعير أيضا فى كتابه، أن تلك المعلومات المضللة هى من تخطيط المخابرات المصرية، وأنها كانت جزءا من خطة الخداع والتمويه المصرية التى تم تنفيذها استعدادًا للمعركة.
كما تعد الشهادة التى أعلنتها رئيسة الوزراء الإسرائيلية آنذاك «جولدا مائير»، فى كتاب حمل سيرتها الذاتية تحت اسم «حياتي»، قالت فيها: «إن المصريين عبروا القناة وضربوا بشدة قواتنا فى سيناء، وتوغل السوريون فى العمق على مرتفعات الجولان، وتكبدنا خسائر جسيمة على الجبهتين، وكان السؤال المؤلم فى ذلك الوقت هو: ما إذا كنا نطلع الأمة على حقيقة الموقف السيئ أم لا؟ الكتابة عن حرب يوم الغفران لا يجب أن تكون كتقرير عسكرى، بل ككارثة قريبة أو كابوس مروع قاسيت منه أنا نفسى، وسوف يلازمنى مدى الحياة». 
كما ظهرت بعض الوثائق منذ سنوات، نقلت شهادة الجنرال بينى بيليد، قائد سلاح الطيران الإسرائيلى فى شهادته أمام لجنة «أجرانات» لتقصى الحقائق، حول أسباب الفشل الإسرائيلى خلال حرب أكتوبر ١٩٧٣، بأن الطائرات المصرية والسورية كانت قادرة على قصف تل أبيب بعشرات القنابل خلال الحرب، وأن المصادفة لعبت دورًا فى تجنب تل أبيب مثل هذا القصف.
كما رفض الجنرال أفراهام أدان، قائد سلاح المدرعات، فى شهادته وصف الإحساس الذى كان سائدًا فى صفوف الجيش الإسرائيلى قبل الحرب بعدم الاكتراث واللامبالاة، ولكن كان هناك- على حد قوله- استخفاف واستهتار بالعدو. وفيما يخص الساعات الأخيرة قبل الحرب، كشف موقع «ويكيليكس» المتخصص فى التسريبات فى عام ٢٠١٣، عن وثائق جديدة حول المراسلات التى تلقاها وزير الخارجية الأمريكى- آنذاك- هينرى كسينجر؛ حيث كشفت إحدى هذه المراسلات عن حالة الاستنفار داخل الجيش المصري، الأمر الذى أرجعته السفارة الأمريكية فى القاهرة إلى عدم الاستقرار المقلق داخل الجيش ما دفع السادات إلى رفع مستوى الاستنفار داخله وتكثيف التدريبات حتى يبقى مشتبكًا مع الوضع، مشيرة إلى أن ذلك سبب معقول لرفع استعدادات الجيش المصرى. كما نقلت الوثائق التى تم إرسالها فيما بعد فى السادس من أكتوبر عن شن الجيش المصرى لحرب شاملة على القوات الإسرائيلية، التى كانت تحتل جزءًا كبيرًا من الأراضى السورية، بالإضافة إلى سيناء، واستطاعت القوات المصرية إعادة الأراضى المحتلة.