الثلاثاء 07 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

عبدالرحيم علي يكتب: 45 عامًا على النصر.. 45 عامًا من الصراع

الدكتور عبدالرحيم
الدكتور عبدالرحيم على
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تساءلنا فى الجزء الأول من هذه الدراسة، كيف كان انتصار السادس من أكتوبر ١٩٧٣ مفاجأة للعالم أجمع؟ كما كان- أيضًا- بداية لوضع المنطقة بين براثن مخطط كبير يسعى إلى تمزيق وتقزيم منطقة الشرق الأوسط، حتى لا يتكرر هذا النصر مرة أخرى. وسعت الولايات المتحدة الأمريكية، عبر جملة من المخططات والمشاريع لصياغة معادلات سياسية وديموجرافية لتنفيذ ذلك، بداية من مشروع برنارد لويس (١٩٨٠)، الهادف لتقسيم المنطقة إلى ١٩ دولة، تتكون من خليط من الأقليات والطوائف المتنافرة.. وصولًا لمشروع «الفوضى الخلاقة» لكونداليزا رايس (٢٠٠٣).. وعلى ضوء الخسائر التى لحقت بالولايات المتحدة وحلفائها جراء تدخلها العسكرى المباشر فى العراق.. قرر الغرب وأمريكا الابتعاد عن القوة الخشنة والاتجاه للقوى الناعمة، بالسعى إلى تغيير الأنظمة، وتفتيت دول المنطقة عبر «وكلاء» من داخل هذه البلدان.. فلماذا تم اختيار «الإسلاميين» لتنفيذ هذا المخطط.. هذا ما سنتناوله بالتفاصيل فى السطور المقبلة.
لمــاذا اختارت الإدارة الأمريكية الإسلاميــين للتنفيذ؟
قبل أكثر من ثلاثين عامًا تقريبًا وفى ذروة الحرب الأفغانية الروسية تسرب تقرير استخباراتى أمريكى يقول إن الولايات المتحدة الأمريكية ترى فى التيارات الإسلامية بديلًا محتملًا للحكومات فى المنطقة العربية، اليوم وبعد أكثر من عقد من الزمن فى محاولة تنفيذ مصطلح الفوضى الخلاقة يجد العرب أنفسهم أمام أزمات فكرية وسياسية وثقافية ساهم فيها الربيع العربى كما يسميه العرب ونظرية الشرق الأوسط الجديد كما يسميه الغرب، ولعل السؤال المهم: كيف استطاع الغرب تمرير هذه الفكرة الاستعمارية مستغلًا جمودًا سياسيًّا وأوضاعًا اقتصادية ساهم هو أساسًا فى صعودها؟ 
فى الحقيقة، فإن الواقع السياسى للعالم العربى مقارنة بالغرب يعتبر محفزًا رئيسيًّا للشعوب للمغامرة، تحت أى نظرية يمكن أن تسهم فى إحداث التغيير فى تلك الدول، ولأن الوعى الفكرى والثقافى عملية شبه مفقودة فى عالمنا العربى فإنه أصبح من السهل إيهام الشعوب العربية بأن شكلًا ديمقراطيًّا يشبه الغرب يمكن أن يقوم فى المنطقة العربية بمجرد إحداث الفوضى وتغيير القيادات السياسية.
ولذلك، فإن نقص الوعى السياسى هو الذى جعل منظمة الإخوان المسلمين تحتل المركز الأول فى الاختيارات التى وضعها الغرب لتنفيذ نظرية الشرق الأوسط، ولعل الأسباب لذلك كثيرة ومنها: أن تعطش تنظيم الإخوان للحكم يجعل منه مستعدًا للموافقة على جميع التنازلات السياسية وهذا ما حدث فعلًا، فعلى سبيل المثال قامت الجماعة وقبل أن تصل للحكم بعشر سنوات تقريبًا ومن خلال مرشدها فى ذلك الوقت مهدى عاكف الذى صرح لوكالة «أسوشيتد برس» بأن الجماعة ملتزمة باتفاقية السلام مع إسرائيل فى حال وصولها للحكم.
الإخوان.. خيارهم الأنسب
مثلت جماعة الإخوان المسلمين الخيار الأنسب لتحقيق الفوضى الخلاقة بالنسبة للغرب مما كشف عن ضعف فكري ساهمت فيه السياسة العربية، والتى تعتقد أن تديّن الشعوب الجاهلة هو المسار الوحيد للسيطرة عليها، وهذا خطأ استراتيجى يصعب الخلاص منه اليوم، كما أن الإخوان كجماعة، على مستوى التنظيم، تأخذ شكل شبكة، وهى منظمة دولية تطرح نفسها بأنها ذات توجه إسلامى، مما يجعلها أداة مناسبة لتنفيذ ذلك المخطط، وفقًا لارتباطاتها السابقة بالإنجليز وغيرهم فى تجارب عديدة، ووفقًا لاستعدادهم لتقديم أي تنازلات مطروحة فى سبيل ذلك. إن الإخوان المسلمين جماعة تعتمد على هامش كبير من المراوغة والمرونة والتحول، وهى فى تنظيمها تشبه نمط الجمعيات الماسونية السرية، التى أبدت تعاونًا وصنعت وشائج علاقات عميقة بالمخابرات البريطانية والأمريكية منذ عام ١٩٢٨، وحسب ستيفن دوريل، مؤلف كتاب «إم آى ٦: داخل العالم الخفى للاستخبارات السرية لصاحبة الجلالة»، فإن المخابرات البريطانية نجحت فى تأسيس اتصالات وثيقة مع الإخوان المسلمين بعيدًا فى الماضى منذ عشرينيات وثلاثينيات القرن العشرين. وبعد الحرب العالمية الثانية حلّت محلها وكالة المخابرات المركزية الأمريكية CIA دون أن يعنى ذلك بأى شكل تقليص الاتصالات مع البريطانيين، على العكس تمامًا، إذ إن صلات الإخوان مع «سى آى إيه» و«إم آى ٦» تعززت عندما وصل جمال عبدالناصر للسلطة عام ١٩٥٤.
وقد استخدمت أمريكا الإسلاميين والإخوان فى تحقيق أهدافها فى محاربة الاتحاد السوفييتى فى أفغانستان فى الثمانينيات، وحاربوا روسيا المعاصرة فى الشيشان وداغستان، وفى عام ٢٠١١ لعب الإخوان المسلمون دورًا فعالًا فى القفز على الثورة فى مصر وإسقاط معمر القذافى فى ليبيا، ثم تعميق الأزمة السورية.
ولكن لكل ذلك قاعدة قام عليها، فبعد عام ١٩٩١، تراجع الإخوان المسلمون إلى الخلفية، وأتصور أن هناك متغيرًا مهمًّا حدث فى نفس اللحظة فكّ كثيرًا من الإشكاليات التى كانت تطرحها مسألة السماح للإسلاميين المعتدلين بالمشاركة السياسية وما تثيره من احتمال وصولهم للسلطة فى حال حدوث أى انتخابات حرة نزيهة فى العالم العربى، وكان المتغير قد فرضه نجاح تجارب إسلامية كانت معتدلة ومقبولة غربيًّا، وعلى رأسها التجربة التركية، وبدرجة أقل التجربة المغربية.
الربيع العربى
كانت الولايات المتحدة الأمريكية قد وصلت إلى ذروة حلمها بما سمى بـ«ثورات الربيع العربي»، وهى الثورات التى ركبتها جماعة الإخوان المسلمين، كما خططت واشنطن، وحولتها إلى وسيلة لتصل من خلالها إلى السلطة، حيث توصل الأمريكان قبلها بسنوات وبالتحديد فى العام ٢٠٠٧، إلى اتفاق مع جماعة الإخوان يتم بمقتضاه تنفيذ مخطط التقسيم، وهو ما كشف عنه مركز «جلوبال ريسرش» الأمريكى فى ورقة بحثية نشرها فى ٢٨ يونيو ٢٠١٣، أشار فيها إلى أن إدارة أوباما اتبعت سياسة الدعم السرى لجماعة الإخوان المسلمين والحركات المتمردة الأخرى فى الشرق الأوسط منذ عام ٢٠١٠.
المركز يكشف وثيقة مهمة صدرت بعنوان «مبادرة الشراكة فى الشرق الأوسط: نظرة عامة»... وهى الوثيقة التى حددت هيكلًا متطورًا من برامج وزارة الخارجية الأمريكية يهدف إلى بناء منظمات المجتمع المدني، ولا سيما المنظمات غير الحكومية، لتغيير السياسة الداخلية للبلدان المستهدفة لصالح السياسة الخارجية الأمريكية وأهداف الأمن القومى الأمريكي، الوثيقة تشير أيضا إلى أن إدارة أوباما قامت بحملة استباقية لتغيير نظم الحكم فى جميع أنحاء منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
وكشفت الوثيقة أن المبادرة تعمل فى المقام الأول مع المجتمع المدني، من خلال منظمات غير حكومية متنفذة مقرها الولايات المتحدة، وفى المنطقة، وتؤكد على أن الأولوية أعطيت فى وقت مبكر لليمن والسعودية وتونس ومصر والبحرين، وخلال سنة من إنشائها أضيفت ليبيا وسوريا على قائمة الدول الأكثر أولوية لتدخل المجتمع المدنى.
أصابع أمريكا لا تزال تلعب فى المنطقة إذن، توقفت قليلا بعد ثورة ٣٠ يونيو التى أنهت مشروع التقسيم من أساسه، وبدأت العمل على إعادة المارد المتأسلم إلى قمقمه، لكن الآن الإدارة الأمريكية تعيد ترتيب أوراقها، وتستأنف تنفيذ المخطط من جديد. إننا أمام مخطط كبير وواسع تشارك فيه أطراف عديدة، وترعاه الولايات المتحدة الأمريكية من أجل عيون إسرائيل، التى تساهم فى المخطط بكل ما أوتيت من قوة ودهاء.
يضاف إلى الولايات المتحدة، الاتحاد الأوروبى الذى يسعى لتدعيم مصالحه العديدة فى المنطقة... والاتحاد الأوروبى يعنى أننا أمام مواجهة مع المخابرات البريطانية والألمانية، ودخل على الخط التنظيم الدولى لجماعة الإخوان الذى يحلم بدولة ولو على شبر ماء فقط، تأتى بعد ذلك تركيا التى تريد أن تدفع مهر انضمامها للاتحاد الأوروبى بأى ثمن، ثم قطر التى تحلم بأن يكون لها دور مؤثر فى المنطقة على حساب الدولة الكبرى مصر، كل هؤلاء يخططون من أجل تفتيت المنطقة وإشاعة الفوضى بها، ولكل منهم دور لا يستطيعون إنكاره.
خلاف أمريكى أمريكى
بعد ثورة ٣٠ يونيو حدث خلاف شديد بين الكونجرس الأمريكى من جهة والأجهزة الاستخباراتية والبيت الأبيض من جهة أخرى على طريقة التعامل مع القاهرة.
كان السؤال الأساسى: هل نستمر فى الخطة المعدة سلفا لتقسيم مصر والتى بدأ العمل عليها منذ حرب أكتوبر ١٩٧٣، وتم دفع الدماء الطازجة فيها بداية من عام ٢٠٠٤ عبر نظرية الفوضى الخلاقة وحرب المجتمعات، أم نقبل بالأمر الواقع، ونبدأ فى التعامل مع ما أفرزته ثورة ٣٠ يونيو ٢٠١٣ وزعيمها عبدالفتاح السيسى، خاصة بعد انتخابه رئيسًا لمصر وتحوله لرجل دولة من الطراز الأول فى المنطقة. تقارير المخابرات الأمريكية وصفت السيسى بأنه قد يكون شبيهًا بعبدالناصر ولكنه فى النهاية واقعى إلى حد كبير، كما أنه تعلم لدينا، فى إشارة إلى أنه يمكن التفاهم معه وتقويته حتى لا تتفسخ المنطقة، فتخرج عن السيطرة تماما، وتحدث حروب جديدة لا تحتاجها أمريكا الآن، خاصة أنها خرجت خروج الأسد الجريح من حربى أفغانستان والعراق.
كان هناك تردد فى الموقف الأمريكى، لكن إسرائيل تحركت فى الوقت المناسب، حيث قابل المسئولون عن أكبر عشرة بنوك أمريكية – وكلهم من اليهود - الرئيس الأمريكى باراك أوباما آنذاك حاملين معهم رسالة من بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلى، شرحوا له الأمر فى منطقة الشرق الأوسط وتحديدًا مصر، وحسموه معه ليسيروا من جديد فى طريق تنفيذ الخطة القديمة.
قالوا له إنهم لا يريدون أن يضيع مجهود أكثر من ٤١ عاما من العمل فى الخطة التى بدأت فى العام ١٩٧٣، قالوا إن هناك تراكمًا لا يمكن تجاهله.
«نيويورك تايمز» تنشر الخطة
تأكيدا للقرار الجديد الذى يقضى بالمضى قدما فى خطة التقسيم قامت جريدة الـ«نيويورك تايمز» الأمريكية فى ديسمبر ٢٠١٣، بإعادة نشر خريطة تقسيم المنطقة ولكن باختلافات مهمة هذه المرة ربما فرضتها المعادلات السياسية الجديدة على الأرض:
بالنسبة للعراق سوف ينضم أكراد الشمال إلى أكراد سوريا، وسوف ينضم الكثير من المناطق الوسطى التى يسيطر عليها السنة بالمناطق السنية فى سوريا، ويتحول الجنوب إلى شيعستان، بالطبع احتمالات العنف والدم المصاحبين لهذه الأعمال مؤكدة وواسعة.
وعن اليمن تقول الخريطة إنه من الممكن أن تنقسم الدولة العربية الأكثر فقرًا ولمرة ثانية إلى إقليمين عقب الاستفتاء المحتمل الذى سينفذ فى اليمن الجنوبى حول الاستقلال، وفى انعطاف أكثر قوة يمكن أن تصبح اليمن كلها أو جزء منها من ضمن أراضى المملكة العربية السعودية فى مجملها إن لم تكن كلها تمتد من البحر، ومن ثم فالوصول المباشر إلى بحر العرب سوف يقلل الاعتماد على الخليج العربى، وكذلك يقلل من قدرة إيران على غلق مضيق هرمز.
نأتى إلى سوريا حيث نقطة الانطلاق التى يمكن أن يؤدى التنافس الطائفى والقبلى فيها إلى تقسيم سوريا إلى ثلاثة أجزاء على الأقل.
الأول: العلويون وهم أقلية تحكم سوريا منذ عقود وتسيطر على الشريط الساحلي.
الثانى: كردستان السورية يمكن أن تنفصل وتندمج فى النهاية مع أكراد العراق.
الثالث: منطقة الوسط السنية سوف تتبع هذا التقسيم ويحتمل أن تنضم إلى مناطق فى العراق لكى تشكل ما يسمى دولة سنستان. ليبيا المفككة، الأمر فيها واضح للغاية، فنتيجة للتنافس القبلى والإقليمى القوي، يمكن أن تنقسم ليبيا إلى جزأين تاريخيين، دولة طرابلس ودولة برقا، مع احتمالية وجود دولة فزان الثالثة فى جنوب غرب ليبيا.
وفى النهاية يأتى الدور على المملكة العربية السعودية، والمعلومات هنا واضحة، فعلى المدى الطويل تواجه المملكة العربية السعودية انقسامات داخلية، كما تذكر الصحيفة هو (الآن تحت السيطرة) وهو ما يمكن أن يظهر على السطح (بانتقال السلطة لأمراء الجيل القادم) لاحظ أن السلطة بدأت تنتقل بالفعل، ويزيد من التهديدات التى تواجه وحدة المملكة الخلافات القبلية، والانقسام السنى الشيعى، والتحديات الاقتصادية، وبناء عليه يمكن أن تنقسم المملكة العربية السعودية إلى خمس مناطق قبل ظهور الدولة الحديثة.
مصر مؤجلة
فى هذه الخريطة ظلت مصر دون تقسيم، لأن المخطط الغربى كان ولا يزال يتعامل مع مصر على أنها الجائزة الكبرى، الدولة الغنيمة التى سيكون الفوز بها هو الفوز الأكبر، رغم أن ما يراد بمصر واضح للغاية، فهم يبحثون عن إمارة إسلامية تضم صحراء سيناء والدلتا، ودولة مسيحية فى الصعيد، ثم دولة نوبية.
هذا المخطط تعمل عليه ٦ جهات، كل جهة منها لها أهدافها الواضحة، الأمريكان رعاة الخطة، وإسرائيل التى ستكون الدولة المحورية والأهم فى المنطقة، والمتحكمة فى دول ضعيفة ومفتتة وبلا جيوش، والاتحاد الأوروبى بمخابراته الكبرى الإنجليزية والألمانية، وتركيا التى تحلم بدخول الاتحاد الأوروبى بأى طريقة وتعتبر اشتراكها فى الخطة ثمن حصولها على هذه العضوية، وقطر التى تريد أن تتحول إلى دولة زعيمة مع صغر حجمها، ثم التنظيم الدولى لجماعة الإخوان المسلمين الذى يحلم بدولة، على أى شبر من أرض العرب... ولكل جهة من هذه الجهات دور محدد، سنتعرض له بالتفصيل فيما بعد.
مصر تقبل التحدى
بعد ٣٠ يونيو بدا لمخابرات الدول الكبرى أن مصر بأجهزتها كشفت المخطط الذى يتم السعى لتنفيذه، ولذلك سربت هذه الأجهزة تقريرًا خطيرًا فى أغسطس ٢٠١٣ يقول للدولة المصرية إن الخطة ماضية فى طريقها وأنه لا تراجع عنها.
نتج هذا التقرير عن اجتماع سرى جرى بين مخابرات خمس دول، هى: المخابرات المركزية الأمريكية والمخابرات الإسرائيلية والمخابرات البريطانية ووزارة الدفاع الفرنسية وغرفة عمليات حلف الناتو، فى الفترة ما بين ١٦ و١٨ أغسطس ٢٠١٣ فى القاعدة الأمريكية فى دارمشدات بألمانيا.
رأى المشاركون فى هذا الاجتماع أن وجود نظام مستقر فى مصر لا يخضع لسيطرة الغرب يعكس مخاطر على نظام الحكم الإسلامى الراهن فى تركيا، ولذلك ينبغى تنفيذ النموذج العراقى والسورى فى مصر من خلال «فرق الموت» لإصابة الحياة هناك بحالة من الشلل السياسى والاقتصادى، وقدر المجتمعون، آنذاك، أنه إذا كان معدل ضحايا فرق الموت فى العراق وسوريا قد وصل إلى حدود ٦٠٠٠ ضحية شهريًا، فإن هذا الرقم ينبغى أن يتضاعف بالنسبة لمصر ليصل إلى ١٢٠٠٠ ضحية شهريا على امتداد سيناء والوجهين القبلى والبحرى، حتى ينعدم تأثير الثورة المصرية على دول المنطقة، هل أدركتم الآن ما الذى كان وما زال يواجهه أبناؤكم فى الجيش المصرى الذين أعاد آباؤهم العظام الكرامة للمصريين فى السادس من أكتوبر ١٩٧٣.
وعندما نُشر هذا التقرير كذّبه الكثيرون، على اعتبار أنه من الصعب تسريب مثل هذه الوثائق الخطيرة، إلا أن المؤكد أن هذه الأجهزة سربت التقارير لتصل الرسالة إلى القاهرة، بأنهم ماضون فى تنفيذ خطتهم، التى يستخدمون فيها أطرافا إقليمية ومحلية عديدة.
المخطط مستمر
إن كل العثرات التى واجهتها الأنظمة المصرية منذ انتصار أكتوبر المجيد وحتى الآن كان مخططا لها جيدا، وهنا لا نعفى من تقلدوا المسئولية من الخطأ فقد كان نظام مبارك على سبيل المثال على علم تام بتلك المخططات ولكنه تحت ضغط ما سمى الجيل الجديد ونظرياتهم حول الاكتفاء الداخلي، تجاهل تلك التحذيرات بدعوى أن الأمريكان لا يمكن أن يتخلوا عن نظامه وإلا ستنهار مصالحهم فى المنطقة.
كانت مصر وما زالت، تواجه، حجما أكبر من أن يحتمل من الأخطار الحقيقية بعد انتصار أكتوبر المجيد بهدف تمزيق وحدتها وتقزيم دورها وإضعاف جيشها، بدأت بخطط برنارد لويس عام ١٩٨١ ولم تنته عند مشروع كونداليزا رايس حول الفوضى الخلاقة، ثم مفهوم حرب المجتمعات عن طريق اختراق مؤسسات المجتمع المدنى وتسييرها وفق مخطط الهدف منه تفتيت تلك الدول وفى مقدمتها مصر، حتى جاءت ثورة يناير وانكشف الملعوب، ليصحح الشعب العظيم المسار فى ٣٠ يونيو، لكن المخطط لا يزال قائما والمخططون ما زالوا يحلمون بإيجاد ثغرة فى الجسد العفي، جسد المصريين تلك الصخرة التى تحطمت عليها كل المخططات. كل عام وأنتم بخير، كل عام وأنتم موحدون فى مواجهة المخططات، كل عام ونحن منتصرون بإذن الله.