الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

بيزنس شق البطون.. 5 مليارات جنيه تكلفة "الولادة القيصرية" سنويا.. (ملف)

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
«الولادة القيصرية».. ظاهرة طبية انتشرت خلال السنوات الماضية فى مصر انتشار النار فى الهشيم، ووصفها البعض بأنها «الوباء القيصرى» وذلك بعد أن احتلت مصر مركزا متقدما للغاية على مستوى العالم فى هذا النوع من جراحات الولادة، وتجاوزت نسبة إجرائها كل المعايير الدولية المتفق عليها.


الأمر هنا لم يتوقف عند انتشارها، ولكن مخاطرها الطبية على صحة النساء لا تتوقف ولا تنتهى، خاصة أن ضحاياها لا تخلو الأخبار يوميا عن نشر قصص مأساتهن سواء بسبب الإهمال الطبى من القائمين على تلك الجراحات، أو بسبب استغلال الأطباء الذين وصفهم البعض بـ«المافيا» لهؤلاء النسوة ماديا، مع اختلاف طريقة الأطباء فى إجراءاتها التى قد تصل فى بعض الحالات لعشرات الآلاف من الجنيهات.
الضحايا لهذا النوع من الجراحات ما أكثرها فهذه شيماء محمود، سيدة من بين مئات الحالات التى وقعت فى أسر العمليات القيصرية دون اختيار، دخلت المستشفى لتلد طبيعيًا وفوجئت بأنها أمام الأمر الواقع فى ولادة قيصرية.
كانت هذه هى المرة الأولى لـ«شيماء» التى تدخل فيها غرفة المخاض، أدخلوها وأغلقوا الباب خلفها، حينها انقطعت علاقتها بكل شيء خارج ذلك الباب.
حكت شيماء: «دخلت عالم هذه الغرفة التى كان فيها صوت الألم يطغى على كل صوت، يسمونها غرفة الانتظار، لكنها ليست أبداً كغرف الانتظار فى عيادات الأطباء، حيث تكون تلك الغرف مزودة بالمجلات وأدوات الترفيه.. وتدور فيها مناقشات وقصص بين الجالسات؛ لأن حوار الألم فى هذه الغرفة هو أقوى من أى حوار، والكلمات فيها تحولت إلى أوجاع، ونقطة النهاية صرخة تنبئ بقدوم طفل إلى الحياة».


وتضيف: «كنت أرى النساء أمامى يغادرن غرفة المخاض ويدخلن غرفة الولادة ثم تتصاعد إلى مسامعى أصوات قوية ممزوجة بأصوات تكبيرات وبسملات الطبيبة والممرضات.
بينما بقيت أنا مدة طويلة فى غرفة المخاض أعانى آلام الطلق، قيل لى إن الولادة الأولى دائماً تستغرق وقتاً طويلاً فانتظرت!.
وتتابع «شيماء»: حل الظلام.. وأنا فى تلك الغرفة، أدخلونى غرفة الولادة مراراً لكن دون جدوى، فجاء قرار الطبيبة بعد ١٧ ساعة من آلام الطلق بأن الولادة لن تكون طبيعية، تمنيت حينها لو أن قرارها أتى مبكراً لارتحت من آلام لا فائدة منها. وتضيف: دخلت غرفة العمليات بعد أن رفضتنى غرفة الولادة أعطونى المخدر ولم أشعر بعدها بشيء.. هكذا حتى استيقظت على ألم شديد فى بطنى، أدركت حينها أن شقاً كبيراً قد تركته القيصرية فى بطنى.

مأساة متكررة

معاناة شيماء كانت نفس معاناة ليلى محمود، وعلياء السيد، جميعهن وقعن في فخ القيصرية وطمع الأطباء، وكانت كلها حالات طبيعية، وكان الاستعداد للوضع والولادة بصورة طبيعة لكنهُن فوجئن بشق بطنهن وولادة قيصرية وفواتير ومصروفات لم تكن في الحسبان.

هنا يقول الدكتور محمد يحيى أخصائي النساء والتوليد، إن مصر تعتبر من أولى الدول في عمليات الولادة القيصرية، لافتا إلى أنها انتشرت في الفترة الأخيرة، لدرجة أن البعض يطلق عليه الوباء القيصري، وتابع العمليات تلك ليست سهلة كما يعتقد البعض وإنما تترك أثرا شديدا في البطن وتتسبب في إضعاف عضلاته بخلاف الولادة الطبيعية.

ونصح يحيى، بتوخى الدقة التامة فى إجراء تلك العملية وتكون حلاً أخيرا إذا لم ينجح الطبيب فى الولادة الطبيعية، لأنها قد تتسبب فى نزيف بجدار الرحم والبعض يؤدى إلى تشوه الجنين والبعض الآخر يؤدى إلى استئصال الرحم والتوقف بعدها عن الإنجاب تماما، وهذا كله بسبب خطأ من الطبيب قد يدمر حياة أسرة بأكملها.


الربح هدف العمليات
بينما رأى الدكتور علاء غنام، مسئول وحدة الحق فى الصحة بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية، أن انتشار الولادة القيصرية وشيوع البيزنس الخاص بها يرجع إلى مافيا الأطباء فى ظل غياب الرقابة، لافتا إلى أن الربح هدف العمليات التى يصل سعر الواحدة إلى ٧٠٠٠ آلاف جنيه، كما كشف أن الولادات القيصرية شائع فى محافظات وجه بحرى أكثر من وجه قبلى.
وأكد غنيم أن قيمة الولادة القيصرية فى مصر فى فى آخر إحصاء تخطى الـ ١٥ مليارا و٥٢٥ مليون جنيه فى مقابل الولادات الطبيعية التى بلغت فاتورتها ٤ مليارات و٣٢٥ مليون جنيه، محذرا من مخاطرها قائلا: «معدل الوفيات بها ضعف نظيرتها الطبيعية».
ويقول الدكتور عصام القاضى، عضو لجنة الصحة بمجلس النواب، إن مصر تعتبر الثالثة على مستوى العالم من ناحية ارتفاع معدلات الولادة القيصرية بها، وأرجع ذلك إلى عوامل وأسباب عديدة منها رغبة بعض النساء فى الوضع قيصريا بدلا من الوضع طبيعيا، لأن ذلك أسرع لها، كما أن المفهوم الخاطئ عن الولادة القيصرية لدى السيدات جعلهن يقبلن عليها، فضلا عن أن بعض الأطباء غير الأكفاء يلجأون للفتح القيصرى لتفادى الأخطاء التى من الممكن أن يقع فيها الطبيب المتدرب إذا قام بالتوليد الطبيعى.
وأضاف القاضى، أن الموضوع شائك ومعقد جداً ويجب أن تكون هناك وقفة لخطورة هذا النوع من العمليات.
فيما قالت الدكتورة إليزابيث شكر، عضو لجنة الصحة بالبرلمان، إن من بين أضرار الولادة القيصرية أن المرأة تتعرض للتخدير النصفى الذى يتسبب فى مشاكل لاحقا مع ترك جروح وآثار لا تلتئم إلا بعد فترة من الزمن والبعض يبقى أثره طوال فترة حياتها فى البطن، محذرة من مافيا الأطباء وغياب الرقابة فى بعض المستشفيات الخاصة.

أخطار ومضاعفات الولادة القيصرية
تظهر لهذا النوع من العمليات أخطار كثيرة ومضاعفات صور متعددة، منها النزف من الرحم ومن مكان الجرح، إذا كان هناك تمدد فى الأوعية الدموية فى هذا المكان، أو يكون النزف نتيجة لقطع فى الشريان الرحمى إذا ما امتد الجرح فيه أو من مكان المشيمة بعد رفعها إذا لم ينقبض الرحم بطريقة سليمة، إلى جانب جرح فى المثانة أو الحالب، أو التهابات فى الجرح أو المسالك البولية أو الرئة أو الجهاز التناسلى، أو مضاعفات من التخدير المستخدم فى إجراء العملية. وقد تسبب أيضا صدمة عصبية أو جلطة فى الساقين أو الركبة، إلى جانب مضاعفات فى الطفل بعد الولادة: جرح فى الطفل، ضيق فى التنفس بالإضافة إلى مضاعفات أخرى ومتأخرة منها فتق مفاجئ، أو انفجار مكان الجرح الرحمى، أو التصاقات فى البطن أو الأمعاء.
سلبيات وإيجابيات
أجمع الخبراء فى هذا التخصص على أن من إيجابيات هذا النوع من الجراحة هو معرفة وقت الولادة إذا كانت قيصرية بميقات محدد والمحافظة على صحة الطفل، حيث إنه فى بعض الولادات الطبيعية يتعرض الطفل لنقص الأكسجين نتيجة للضغط أثناء المرور فى المهبل للمحافظة على عضلات الحوض.
ولكن لا بد أن ننبه إلى أن الولادة القيصرية فى بعض الحالات لا تتضمن المحافظة على وظائف الجهاز البولى والهضمى فيما يبقى السؤال الأهم: هل صحيح أن من تلد قيصرياً تكون أكثر عرضة للإجهاض من التى تلد طبيعياً؟
علمياً لا يوجد دليل على أن الأم التى تلد عن طريق عملية قيصرية أكثر عرضة للإجهاض من التى تلد طبيعياً.

الثقافة الطبية للحامل ضرورة

يقول الدكتور محمد يحيى أخصائي النساء والتوليد، إن: «الإنسان عدو ما يجهل؛ لذلك يجب على المرأة الحامل أن يكون لديها وعى صحى واجتماعى وفكرى وطبى، لتكون قادرة على تحديد حقيقة ما يقال لها. وتابع يحيى: «من الأفضل أن تقرأ خلال فترة حملها العديد من الكتب التى تتناول هذه الفترة وحالتى المخاض والولادة؛ لأن هذا يجعل الحامل على دراية بكل ما قد تتعرض له، وتكون قادرة على استيعاب حالتها، أو ما قد تتعرض له أثناء الولادة من مفاجآت، مما يساعدها على معرفة حقيقة حالتها؛ لذلك من المهم أولا رفع مستوى المريضة صحياً وتحسين ثقافتها الطبية».

سر انتشارها
أصبح من المعتاد عندما تلد سيدة عند السؤال عن طبيعة ولادتها تأتى الإجابة بأنها ولادة قيصرية؛ رغم أن إجراء جراحة للتوليد يفترض أن يكون استثناء وأن يكون الأصل هو الولادة الطبيعية؛ وهو ما تعكسه الأرقام وفقا للمسح الديموجرافى الصحى الذى أعلنت عنه وزارة الصحة فى عام ٢٠١٤، وكشف عن أن ٥٢٪ من حالات الولادة قيصرية.
«يذكر أن مصر هى الدولة الثانية عالميا بعد البرازيل التى تبلغ فيها النسبة ٥٥٪، وفقا لما أعلنته منظمة الصحة العالمية».
فى حين أكد الدكتور مجدى خالد ممثل صندوق الأمم المتحدة للسكان، أن النسب المعتادة للولادة القيصرية يفترض أن تكون من ١٠ إلى ١٥٪ عالميًا، كما أعلنت المنظمة عن أن الولادة القيصرية تمثل ما يقرب من ثلث العمليات الجراحية فى معظم المواقع التى تفتقر إلى الموارد.
كانت منظمة الصحة العالمية طالبت بعدم اللجوء إلى الولادات القيصرية، إلا فى حالة الضرورة فقط، ووصفت المنطمة انتشار إجراء العمليات القيصرية بشكل وبائى فى مناطق مختلفة من العالم.
وذكرت الطبيبة مارلين تيميرمان، مديرة قسم الصحة والأبحاث التناسلية فى منظمة الصحة العالمية، أن الكثير من الدول النامية والمتطورة تنتشر فيها العمليات القيصرية حتى عندما لا تكون هناك ضرورة طبية لذلك. ويضيف الدكتور محمد يحيى، أن القول بأن الولادة قيصرية بناء على رغبة المريضة يعتبر كارثة لأن الطبيب يتحرك لاتخاذ الإجراء الطبى المناسب وليس وفقا لرغبة المريضة.
لفت يحيى إلى أن الدراما ثبتت فكرة أن الولادة الطبيعية مؤلمة جدا، رغم وجود ولادة بدون ألم.
وأرجع يحيى أيضا السبب إلى محاكاة السيدات لبعضهن البعض وتداولهن قصصا سلبية عن الولادة الطبيعية، وأضاف: «فى بعض الأحيان تسير الولادة فى مسارها الطبيعى، ولكن إذا وجد الطبيب أنها متعثرة يلجأ إلى الجراحة القيصرية، وهنا تحكى السيدات عن التعب المضاعف اللاتى تعرضن له بالتالى يقبلن على الولادة القيصرية».

فيما طالبت الدكتورة إليزابيث شكر، عضو لجنة الصحة بالبرلمان، برفع وعى السيدات والأطباء بأهمية الولادة الطبيعية فضلا عن التوعية بـ«ولادة بدون ألم»، وهى عبارة عن استخدام نوع من المخدر يتم حقنه فى العمود الفقرى، أشبه بالبنج النصفى، مؤكدة على أنه أسلوب آمن رغم التخوف منه بسبب تداول الشائعات عن تأثيراته السلبية، وهو ما يخالف الحقيقة.
ولفتت الدكتورة «شكر» إلى انتشار ثقافة الاستسهال، لأن الولادة القيصرية تنتهى بعد ساعة، لتخرج السيدة من غرفة العمليات ومعها طفلها فى الموعد الذى حددته وأخبرت به أسرتها وأصدقائها؛ وبالتالى أصبحت القيصرية مطلبا، لأنها تنتهى سريعا بخلاف الولادة الطبيعية التى تستغرق وقتا طويلا، وتتطلب دعما نفسيا كبيرا من الزوج، ليظل يرافق زوجته مدة يمكن أن تصل إلى ١٨ ساعة، وهو أمر ليس موجودا فى ثقافتنا؛ فالزوج يفضل الانتهاء من الولادة فى ساعة ثم الجلوس على «القهوة» برفقة أصدقائه بدلا من بذل الكثير من الوقت حتى تتم الولادة.

المرتبة الثالثة عالميًا
تسيطر مصر على المرتبة الثالثة فى ارتفاع معدلات الولادات القيصرية بها بعد جمهورية الدومينيكان التى تبلغ النسبة فيها ٥٦.٥ ٪ ثم البرازيل فى المرتبة الثانية بواقع ٥٥.٥ ٪ لتأتى مصر بالمرتبة الثالثة بنسبة ٥٢٪ لتكسر القاعدة التى وضعتها منظمة الصحة العالمية بألا تتجاوز نسب الولادات القيصرية فى أى مجتمع عن ١٥٪ ما يشكل خطوة كبيرة على المجتمع مسببا مضاعفات غير محسوبة على الأطفال وأمهاتهم.
وكشف المسح الصحى السكانى الأخير الذى صدر عن وزارة الصحة والسكان عن ارتفاع فاتورة بيزنس الولادات القيصرية فى مصر لـ ١٤ مليارا و٥٢٥ مليون جنيه سنويًا فى مقابل الولادات الطبيعية التى بلغت فاتورتها ٣ مليارات و٦٧٥ مليون جنيه على اعتبار أن تسعيرة الولادات الطبيعية تتراوح بين أطباء النساء والتوليد من ١٠٠٠ إلى ٣٠٠٠ جنيه بينما الولادة القيصرية من ٨ آلاف إلى ١٤ ألف جنيه.
ووفقا للمسح الصحى السكانى فإن عدد الولادات الطبيعية بلغ مليونا و٢٢٥ ألف ولادة، بينما عدد الولادات القيصرية بلغ مليونا و٣٧٥ ألف حالة سنوياً وبلغت نسبة الولادات القيصرية بالقطاع الخاص ٦٥٪ مقابل ٣٥٪ للقطاع الحكومى وأن ٦٠٪ من الولادات الأولى للسيدات تتم قيصرياً والولادة الثانية والثالثة تتم قيصرياً بنسبة ٥٢ ٪ والرابعة والخامسة بنسبة ٣٨.٨٪ والسادسة فأكثر بنسبة ٣٣٪ بمعنى أن أكثر تعرض للولادة بالقيصرية يحدث فى الولادة الأولى للسيدة ما يجعلها تلد قيصريا طوال فترات عمرها الإنجابى.

وعن وجهة نظر نقابة الأطباء فيها، يقول الدكتور طارق كامل، عضو مجلس نقابة الأطباء وأمين صندوق نقابة الأطباء: إن قضية الولادة القيصرية هى مسألة تقديرية وقرار فنى يرجع فى الأساس إلى الطبيب، ولا يوجد قانون يحدد التدخل الجراحى فى الولادة.
وأشار كامل إلى أن مصر تحتل مراتب عالية، وذلك يرجع لأسباب عديدة من أهمها أن الولادة القيصرية تعد أسرع بكثير من الولادة الطبيعية، خاصة أنها توفر وقتا كبيرا، بالنسبة للطبيب لعمل أكثر من عملية بخلاف الولادة الطبيعية، موضحاً أن الولادة القيصيرة لا تأخذ أكثر من ربع ساعة، علاوة على ارتفاع التكلفة والفيزيتا.
وأضاف كامل: هناك أسباب أخرى تتعلق بالأمهات الحوامل تجنباً لمعاناة آلام الولادة الطبيعية، ونوه كامل إلى أن الطبيب الذى يستغل الأم فى الولادة القيصرية بأنه قد خان قسم نقابة الأطباء «قسم أبو قراط» فى أن يكون أميناً مع المريض.
وتابع كامل، وفى حالة ورود شكوى لابد أن نرجع إلى المراجعات والمتابعات للمريضة لمعرفة ما إذا كان القرار صائبًا أم لا، وهى مسألة فى غاية الصعوبة.