الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

المدينة العربية الفاضلة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
فذلكة
في قصص الخيال العلمي غالبًا ما يتم استكمال ما هو ناقص في الواقع، وهنا تطرح نفسها الفكرة التالية: ما الذي يستطيع كاتب خيال علمي عربي أن يستثمره كقصة تشغل المستقبل، لكي تصور مشاغل الحاضر؛ صاحب الجلالة الحاضر، الكبير المهيمن على كل شيء في محيطنا وحياتنا؟
إذا تأملنا التاريخ جيدًا سيجعلنا الوعي التاريخي بالحاضر نفهم جيدًا سلطة هذا الحاضر، الذي يتراكم بشكل رهيب لكي يشكل تاريخًا نراه استرجاعًا أو استباقًا، لكن شكله الأقوى هو الحاضر دائمًا؛ وهنا يأتينا دور الخيال العلمي الذي يعمل أيضًا على التواريخ البديلة.. تواريخ لم تحدث.. ماذا لو أنها كانت قد حدثت؟
تنويعات
ونحن نحتفل بالذكرى الخامسة والأربعين للانتصارات العربية لأكتوبر 1973، يعنّ لي سيناريو مستقبلي لعالم بديل يستمر فيه انتثار العرب ولا تتراجع أنغام النصر بالشكل الذي نراه اليوم.
في السيناريو الذي أتصوره للتاريخ البديل للفضاء العربي الذي يشغلني سأقف عند حد حرب أكتوبر، سأجعل البلدان العربية ديمقراطية تتمتع بهامش حرية كبير، يحد من تدخل البلدان الأجنبية ومن ارتكاز هذه البلدان العربية على مساعدات هذا وتدخلات ذاك في سياستها.. وسأجعل نتيجة حرب أكتوبر المظفرة أكثر وهجًا، بجعل نتائجها تقوية الجبهة التضامنية للجيوش العربية، سأطيل أعمار الجنرالات المصريين في الجيش، سأستصدر قرارًا يمنع أبطال حرب أكتوبر من التقاعد مدى الحياة، سأصنع للرؤساء الأربعة الكبار أيامها أدوارًا سياسية واجتماعية كبيرة: أنور السادات، أحمد حسن البكر، حافظ الأسد، والهواري بومدين.. سأجعلهم يتكلمون في هيئة الأمم لوصف حال الفلسطينيين أضغاف أضعاف ما فعلوه.. سأقيم تمثالًا للملك فيصل، عليه جملته الشهيرة على أيام أزمة البترول والخناق الكبير على المواد الاستهلاكية، الذي رد به الغرب على قطع التموين بالبترول: "عشنا قرونًا طويلة على التمر واللبن ولن يضيرنا أن نعود إليهما مرة أخرى".
سوف أجعل الجيش العربي المتحد جيشًا قويًّا مزودًا بأحدث العتاد الموجود في نهاية القرن الحادي والعشرين، سوف يصوب أكثر من 2000 مدفع من مواقع عربية متنوعة مستعد لقصف التحصينات الإسرائيلية التي سأسميها آنذاك "زيون" كنوع من التعظيم لرمزية جبل صهيون، كما سأبتكر لأجل سلامة الحرب عدة معاهدات دولية بعد تخليص الدول العربية من التبعية الاقتصادية التي هي نوع من العبودية اخترعه العالم الرأسمالي.. وسيكون منقوشًا على كل هيئة حكومية في عالمي المتخيل: "الويل لكل أمة تلبس ما لا تخيط وتأكل مما لا تُنبت"..
العالم الذي سأصوره لن يكون فيه إلا القليل من الفرجة، والقليل من الدين، والقليل من استهلاك السلع، سينشغل فيه الناس بالصمت والتأمل وبالحوار والنظر بعضهم في وجوه بعض.. كما سيكون الشيء الأكثر قدسية فيه هو حياة العربي..
سيكون عالمًا فيه دول تصارع ضد ما سأسميه عقد الصلح اليهودي pax judeana الذي هو نوع من تطوير العقد القديم للإمبراطورية الرومانية pax romana.. جبهات مقاومة مستقبلية ربما تصل المستوطنات الفضائية التي يحلم بها مخططو العالم الحاليون والباحثون في ميدان غزو الفضاء واستيطان الكواكب القابلة لاستقبال العيش البشري.
في روايتي المستقبلية "أمريكا" ستتحول إلى دولة بلا جهاز عسكري، ديانتها الرئيسة هي الكنيسة المورمونية، وعاصمتها "سولت ليك سيتي".. تمارس عدم الانحياز وتصب كامل جهدها على احتضان أصدقاء الطبيعة الذين سيسمون "الكنيسة الإيكولوجية"....
سيكون العالم الذي أحلم به من خلال روايتي الخيالية العلمية عالمًا فيه عرب أسياد يجمعهم عيد اسمه عيد "أكتوبر العربي الأخضر" الانتصار العربي الكبير الذي رسم الخريطة الكبرى للعالم معيدًا تحديد مواقع القوة ومعيدًا صياغة العلاقات بين الدول القائدة للعالم والدول الضعيفة التي حظها من القوة في العتاد والسلاح وحظها من الاستقلال السياسي قليل..
عيد "أكتوبر العربي الأخضر" سيكون في تاريخي المستقبلي البديل يومًا عالميًّا للحريات.. لكنه يوم للحريات الآتية من الجنوب المستعمر– بالفتح- وليس يومًا للحريات التي يتحكم فيها الكبار فيعطونها كما يشاءون لمن يشاءون..
لن تكون في عالمي المستقبلي للأسواق كل السلطة التي نراها لها اليوم.. ستكون الساحات العمومية هي مراكز الحدث والحديث.. ولن يسمح لأحد أن يتحدث عن ديانة غيره ولا آرائه السياسية مع التهديد بعقوبات في حال الإشارة إلى أشياء كهذه..
في عالم "أكتوبر العربي الأخضر" ستكون أكبر جريمة هي خيانة الأرض، تليها خيانة الإنسان، وثالثتها هي خيانة الوطن.
زبدة القول
في قصص الخيال العلمي تنتشر فكرة أن الذهاب إلى التاريخ وتعديله لأجل تحسين الحاضر الذي يتحرك منه الأبطال هي محاولة فاشلة، والغالب هو أن هؤلاء لا يفشلون في ذلك الأمر فشلًا ذريعًا فحسب، بل إنهم من خلال تغيير أشياء في الماضي يفسدون ما كان حسنًا في ذلك الحاضر من خلال تغييرات يحدثونها تبدو بسيطة لكن آثارها يتبين أنها عظيمة الأثر..
فى روايتي سأحدث تغييرًا بسيطًا أعلم أنه سيخدم التاريخ البديل، ولن يفسد شيئًا: سأذهب بفلسطين إلى المحيط المتجمد الشمالي وأجعل شعبها هم "الفلسكيمو".. لعلهم حينها لن يقعوا تحت كل هذا العنت التاريخي.. وسيكون عيدهم الوطني هو 6 أكتوبر بالتأكيد.