رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

المعهد العالي للنقد الفني.. لماذا؟

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
ما أجمل أيام الدراسة، تلك الأيام التى جمعتنا مع أصدقاء أصبحوا إخوة بمرور الأيام، تقاسمنا معهم الذكريات والمواقف والحكايات، وها أنا أرجع لصفوف الطلبة من جديد، وألتحق بالدراسات العليا بالمعهد العالى للنقد الفنى بأكاديمية الفنون بعد طول توقف عن الدراسة لأبدأ السير فى طريق تأخر مشيه كثيرًا، فوقع الاختيار على أكاديمية الفنون التى تضم بين جنباتها عددًا من المعاهد العليا المتخصصة فى الفنون، والتى شأنها تقديم صورة مضيئة لدارسيها عن حضارة العالم منذ بدء الخليقة وحتى زماننا المعاصر.
تتنوع المجالات الفنية التى تُدرس بالمعاهد، والتى تنشد النهوض بالفن والحفاظ على التراث العربي، ومن بينها المعهد العالى للفنون الشعبية، والذى يهدف لتخريج جيل من الفنانين لإعدادهم كخبراء فى الفنون الشعبية، بهدف المحافظة على التراث الشعبى وتسجيله، والمعهد العالى للفنون المسرحية، والمعهد العالى للسينما، والمعهد العالى للموسيقى القومية «الكونسرفتوار»، ومعهدنا المعهد العالى للنقد الفني، المعنى بتخريج دفعات من النقاد الفنيين للسينما والتليفزيون والأعمال الأدبية والإبداعية، وعلى مستوى من الدراسة الفنية والوعى الحسى، والمعهد العالى للباليه، والملقى على عاتقه إعداد وتأهيل جيل من الشباب يمارس ويُقدم هذا الفن الرفيع على أسس أكاديمية مدروسة، ورغم أهمية هذا النوع من الفنون؛ فإنه يلقى رفضًا كبيرًا من أصحاب الفكر الظلامى الذين أطلقوا عليه مقولة «فن العراة»، ليس الباليه فقط، فهم ضد أى أفكار تُنير الطريق وتقوّم السلوك وتنبذ التطرف والعنف، ما يعنى بوار سلعتهم وتجارتهم لذا منطقيًا أن يكون لديهم رفض لكل ما يدعو للتأمل والخيال وإعمال العقل والتفكير، ولست هنا بصدد تقييم سلوك أشخاص، أو بعض الأفكار التى ترفض الحياة، وإنما مهمتى هى تسليط الضوء على عالم جديد أقبلت عليه راغبًا بمحض إرادتي، لأبرز جماليات ما اكتشفته فى هذا العالم من منذ الوهلة الأولى لدخولى إليه راضيًا، رغم ما عانيته فى البداية من بيروقراطية موظفين وإداريين خلال رحلة التقديم الشاقة، إلى أن تم اعتماد أوراقى طالبًا بالمعهد العالى للنقد الفني، هذا الباب السحرى الذى فتح أفاقى على عالم جديد، فلم أتخيل يومًا وأنا خريج الإعلام اللاهث للالتحاق بالدراسات العليا فى العلوم السياسية، أن أكون يومًا فى صفوف الدارسين للنقد الفنى بمختلف أشكاله وصنوفه، وفى حقيقة الأمر لو أنّى خُيّرت الآن بين العلوم السياسية والنقد الفنى لاخترت الواقع.
لم أشعر بغربة بينى وبين ما أدرسه من فنون نظرًا لتعاملى مع أغلبها صحفيًا، بحكم عملى بالقسم الثقافى بـ«البوابة»، إلا أن الدراسة الأكاديمية لها مذاق مختلف، فالدراسة تمنح القدرة على الكتابة وفق منهج علمى وبناءً على قواعد وأسس سليمة.
الخلاصة أن هذه التجربة تأخذ الدارس إلى مزيد من العمق؛ حيث دراسة جميع الفنون تحت سقف واحد، وهو ما لا يوجد فى معهد أو جامعة مصرية إطلاقًا، فلن تجد قاعة محاضرات فى أى من جامعات مصر تُقدم مختلف أشكال وألون الفنون فى آن، مع التركيز على مادة التخصص الدقيق، وفى تقديرى أن الرسالة التى ينشدها المعهد العالى للنقد الفنى هى تقديم ناقد موسوعى قادر على تذوق مختلف أشكال الفنون بشكل عام، ونقد وتحليل لون فنى وأدبى ما بشكل متخصص، وهذا ما ستبرهن عليه الأيام التى أعتقد أنها تحمل مزيدًا من العلم والمعرفة والاطلاع، وكذا الانفتاح على ثقافات وفنون بلدان العالم القديم، وعلى رأسها تاريخنا المصرى الذى يُعد من أعظم الحضارات على مر العصور.