الخميس 13 يونيو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

توازن الضعف

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

التعبير ليس من عندي، بل هو لعالم السياسة الفرنسي المعروف موريس ديفورجيه، وهو أحد علماء السياسة الفرنسيين من الجيل القديم، وأهم خبراء الدستور والقانون الدستوري في فرنسا.
وعندما قدم ديفورجيه هذا التعبير كان يقصد به؛ التوازنات السياسية التي أسفرت عنها الانتخابات الفرنسية التشريعية التي جرت عقب فوز متيران بالرئاسة بعدة سنوات، تلك النتائج التي تلخصت في فوز اليمين الفرنسي التقليدي بأغلبية مقاعد الجمعية الوطنية، وأصبح من حقه تشكيل حكومة يمينية، في ظل الرئيس الاشتراكي مع احتفاظ الرئيس وفقًا للدستور بالدومين الخاص به أي الدفاع والخارجية.
وفي هذه الأثناء ظهر ما يُعرف بالتعايش في ظل الجمهورية الخامسة الفرنسية، أي تعايش حكومة يمينية كان يرأسها الرئيس الفرنسي فيما بعد جاك شيراك، مع رئيس اشتراكي على قمة السلطة.
وبمقدورنا أن نقتبس هذا التعبير في الحالة المصرية الراهنة التي أعقبت ثورة الخامس والعشرين من يناير عام 2011، والانتخابات التي تلتها برلمانية ورئاسية، والمناخ السياسي العام الذي أعقب هذه الانتخابات؛ حيث أصبح لدينا رئيس مدني منتخب، ولأول مرة ينتمي إلى جماعة الإخوان المسلمين وحزب الحرية والعدالة، وحصل في هذه الانتخابات على ما يفوق الخمسين في المئة 51.5% مقابل خصمه المنافس الفريق أحمد شفيق الذي حصل على 48.5% من أصوات الذين أدلوا بأصواتهم، وذلك وفقًا للنتائج المعلنة.
لكن تخلى الرئيس المنتخب عن وعوده في فيرمونت، وقَبْلَها للثوار في الميدان، وانحيازه لجماعته، وعدوانه على الدستور، والإعلانات الدستورية التي سبقت توليه الحكم، أو تولى على ضوئها الحكم، خلقت حالة من الغضب الشعبي والنخبوي في أوساط قطاعات كبيرة من المواطنين والنخبة والمعارضة؛ خاصة في ظل سوء وتدهور الأوضاع الاقتصادية والمعيشية، وتعليق العدالة الاجتماعية التي طالبت بها الثورة.
استمرت هذه الاحتجاجات الشعبية متصاعدة منذ 22 نوفمبر عام 2012؛ تاريخ إصدار الرئيس الإعلان الدستوري وتعيينه لنائب عام جديد، وهي الاحتجاجات التي أثرت في هيبة الدولة وسيادة القانون، وحالت دون تمتع الدولة والرئيس بممارسة صلاحياتهم المنوطة بهم دستوريًّا وقانونيًّا.
في نفس الوقت ورغم اتساع قاعدة المعارضة الشعبية والسياسية لسياسات الرئيس والجماعة التي ينتمي إليها، فإن المعارضة لم تستطع حتى الآن بلورة سياسات وإستراتيجيات كفيلة بالإطاحة بالرئيس بأساليب سلمية وقانونية أو دستورية؛ أنجزت المعارضة الكثير ولكنها بقيت معزولة عن الكتلة الأساسية من الشعب التي في حالة تحركها قادرة على تغيير مجرى الأمور، وهكذا أصبح لدينا رئيس محاطًا بمشكلات كثيرة، أغلبها من صنع يديه، وجزء منها موروث عن الماضي، تَحُول دون حصوله على التراضي العام، الضروري لممارسة صلاحياته وتأكيد هيبته وهيبة الدولة، وفي المقابل لدينا معارضة وإن كانت تنمو وتتطور إلا أنها حتى الآن دون المستوى المطلوب لتغيير معطيات الموقف الراهن.
وأعتقد أن الخروج من حالة “,”توازن الضعف“,” في مصر يرتهن بأحد احتمالين، أولهما: أن يستجيب الرئيس لمطالب المعارضة بتشكيل حكومة تكنوقراطية محايدة، وتعديل قانون الانتخابات، وإزاحة النائب العام الحالي، والامتثال لحكم محكمة الاستئناف، والانفتاح على المعارضة، واعتماد المشاركة لا المغالبة، وتبني سياسات تقترب من أهداف الثورة، أما ثانيهما: أن تقوم المعارضة بتنظيم صفوفها، والانتشار بين القواعد الشعبية تنظيميًّا وسياسيًّا، وتبني أساليب جديدة لمخاطبة المواطنين، وطرح البدائل العملية لسياسات الرئيس الحالية في المجالات الاقتصادية والمعيشية، وإدارة علاقات مصر الدولية، على أن يتم ذلك في ضوء انتهاج السلمية والأساليب التي يكفلها القانون، والتهيؤ لخوض العملية الانتخابية القادمة أيًّا كانت؛ لأن استمرار الأوضاع على ما هي عليه ليس في صالح الرئيس، ولا في صالح المعارضة، وفوق هذا وذاك ليس في صالح مصر وشعبها العظيم.