السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

احذر الوقوع في الأمل

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
الأمل، يعطى دفعة للأمام، يشجعنا على تخطّى الصعاب ومعايشة الآلام حتى تمرّ الأزمات. يتعلم الإنسان منذ طفولته أن الأمل فضيلة يجب التمسك بها طوال الوقت، لأن من يفقد الأمل يفقد الإيمان. لكن هل نظرت إلى الوجه الآخر للأمل من قبل؟ فى الواقع، «الأمل هو الأسوأ من كل الشرور، لأنه يطيل عذاب الإنسان» كما قال الفيلسوف الألمانى نيتشه، لكن كيف؟
هناك أسطورة يونانية قديمة تقول، بعد أن سرق بروميثيوس النار «كناية عن المعرفة والعلم» من الإله زيوس لمساعدة البشرية التى تعيش فى الكهوف، قرر زيوس أن ينتقم من كل الجنس البشرى بأن يعطى باندورا صندوق ويحذرها ألا تفتحه. تملك الفضول منها ففتحته، ومنه خرج كل أشكال الشرور إلى العالم. أغلقته بسرعة ليتبقى فقط الأمل وحده بداخل الصندوق حبيسًا كما كان ينوى زيوس أن يفعل. الأمل هنا من الشرور، لكن بنى البشر لم يعرفوا بذلك قط.
الأمل، أحيانًا كثيرة يكون مجرد نقمة تضع صاحبها داخل الظل فلا يعد يرى أبدًا كيف تبدو ألوان الحياة الحقيقية كما يراها هؤلاء الذين يبصرون الواقع، ويغمضون أعينهم عند رؤية ضوء الشمس، ويعرفون أن الظل الذى يرونه على الحوائط هو مجرد ظل بالفعل ليس هو الشيء فى ذاته.
أن يأمل المرء فى أن تتغير الأشياء، لهو أمر غير عقلانى تمامًا بل وشرير فى نفسه وفيما يتسبب فيه من عواقب. الأمل هو السبب الوحيد فى جعل الإنسان يتحمل أوجاعه لفترات أطول دون حاجة لذلك لأن بإمكانه التوقف عن الألم وإسعاد نفسه بالتخلى عن هذا الشر الذى يسمونه أملًا.
فى تجربة نفسية بسيطة للغاية، طُلب من بعض المتشاركين أن يفكروا فى أهداف وآمال يطمحون إليها وطلب من البعض الآخر أن يقرأوا كتابا عن التنظيم المنزلي، ثم طلب من الجميع وضع أيديهم داخل ماء مثلج، الأمر الذى يعد مؤلمًا جدًا، فوجدوا أن الذين طلب منهم التفكير فى آمالهم استطاعوا إبقاء أيديهم بداخلها لـ ١٥٠ ثانية بينما لم يتحمل النصف الآخر وضع أيديهم لأكثر من ٩٠ ثانية.
أن نضع الشعور بالأمل فقط فى الأشياء الممكن حدوثها هذا يعتبر أمرا جيدا وصحيا، لكن الأمل شعور يتحكم فيه القلب أغلب الوقت لا العقل، فإذا عقل الإنسان الأمور قبل أن يلقى ببدنه من سطح ناطحة سحاب آملا أن يتغير قانون الجاذبية أو أن تنمو له أجنحة ليطير بها، لم يكن ليترك جسده يسقط.
يدخن المرء سجائره على أمل ألا تقتله، وهو لا يعلم أن الأمل فى شيء غير منطقى هو الذى قتله.. تظل الزوجة فى علاقة خانقة يسرق فيها يوميًا جمالها وأجمل أيام العمر مع شخص لا يراها ولا يكترث لوجودها من عدمه على أمل أن يحبها ذات يوم أو أن تنصلح أحواله. لكن المنطق يقول إن الشرور لا تتغير وأن هذا الأمل الكاذب أضر عليها من الانتحار؛ لأنها تموت كل ليلة باكية من الألم الذى يعتصرها، ثم يبتسم لها نهار يوم فتنسى كل شيء وتتعلق بالأمل، لتتحمل الألم مجددًا وإلى الأبد. شخص يضع كل ما يمتلك من مال فى رهان أو فى المقامرة على أمل أن يربحه ومن بعده أضعافه كذلك. كل تلك الحالات هى أمل مدمّر وقاس للغاية.
الأمل بإمكانه أن يكون حالة عقلانية لأنه يحفز، بإمكانه أن يكون نوعا من أسلوب الحياة لهؤلاء الذى يحتاجونه مثل مرضى السرطان والذين تتأثر «فى بعض الأوقات» حالتهم الصحية بصحتهم النفسية، والأمل فى أن يأتى العلاج بنتيجة يكون من أكبر المؤثرات فى شفائهم، أو هكذا يعتقدون. الأمل لا يغيّر وجه العالم، ولا يغيّر الأقدار، لكن على الأقل وجوده فى حالات مثل المرض لن يجعل الشخص يموت على الفراش قبل موعد موته الفعلي، وسيجعله يتحمّل الأوجاع حتى تنتهى إمّا بالعلاج أو الموت. 
لكن التمسك بالأمل فى حدّ ذاته يقتل إذا ما وضع فى مواقف لا يلعب الحظ فيها دورًا كبيرًا لصالح الفرد. الأمل كأى دواء كيميائي، به من السموم ما به، لكنّه قد يعالج فى أوقات محدودة، إذّا ما تم تناوله بتعقّل شديد، بجرعته التى تتناسب مع حجم المرض. وأحيانًا كثيرة، لا يكون لاستخدامه بأى جرعة كانت فائدة، لأن عدم بتر العضو المصاب والاستمرار فى مداواته يؤدى لوفاة الجسد كله!