رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

عندما عبرت دولة الـ30 من يونيو!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
أحد الإنجازات الكبرى لدولة الـ30 من يونيو نجاحها فى استكمال عملية عبور الجيش المصرى إلى الضفة الشرقية محطمًا خط «بارليف» وأسطورة الجيش الذى لا يهزم فى حرب السادس من أكتوبر عام 1973، وذلك بوصول القوات المسلحة المصرية بكامل عتادها ورجالها إلى آخر نقطة حدودية متجاوزة الموانع التى وضعتها اتفاقية «كامب ديفيد» للسلام أمام وجود الجيش المصرى بكامل قدراته القتالية فى عموم شبه جزيرة سيناء.
فقد نجحت الدولة المصرية، تحت مظلة نظام ثورة الـ30 من يونيو فى إقناع إسرائيل بأن تواطؤها مع حماس والجماعات الإرهابية بتسهيل دخول عناصر التنظيمات الإرهابية المسلحة إلى أرض سيناء سواء عبر الأنفاق أو الشريط الحدودى الفاصل بين مصر وإسرائيل بطول صحراء النقب سيؤدى فى النهاية إلى الإضرار بأمنها، وتعقد الوضع الأمنى فى قطاع غزة على نحو سيشكل تهديدًا حقيقيًا لأمن إسرائيل.
المؤكد أن هناك تفاصيل كثيرة تتعلق بمراحل التفاهم مع الجانب الإسرائيلي، كانت تمثل عقبات أمام الهدف الاستراتيجى للدولة المصرية وهو تجاوز قيود «كامب ديفيد»، لكن النقاب لم يكشف بعد عن كل جوانبها خاصة أن توريط الجيش المصرى فى حرب عصابات مع التنظيمات الإرهابية المسلحة داخل سيناء كان هدفًا استراتيجيًا بالنسبة لإسرائيل والولايات المتحدة، التى سعت فى السابق إلى تحجيم قدرات الجيش المصرى وتحويله إلى مجرد وحدات لمكافحة الإرهاب.
وطبقًا للأكاذيب التى روجتها بعض وسائل الإعلام الدولية، ومن بينها الـ«bbc» بشأن موافقة الرئيس الأسبق حسنى مبارك على تسليم أراضى بمحافظة شمال سيناء لتكون امتدادًا لقطاع غزة مقابل حصول مصر على أراضٍ أخرى فى صحراء النقب تسلمها لها إسرائيل، فإن إنهاك الجيش المصرى فى حرب ممتدة مع عصابات الإرهاب تساعد على تحقيق ذلك الهدف لما ستشكله تلك الحرب من ضغوط عسكرية وسياسية واقتصادية وحتى اجتماعية على الدولة المصرية.
المعروف أن الرئيس السابق مبارك كذب ادعاءات الـ«bbc» فى حينها، وهى الادعاءات التى أعقبت تفجير مسجد الروضة فى مدينة بئر العبد ببضعة أيام.
بدورها اعتبرت الدولة المصرية تفجير مسجد الروضة بداية لسلسة عمليات مشابهة للضغط عليها من أجل القبول بصفقة القرن وفقًا للمفهوم الأمريكى والإسرائيلي، وتخلت عن تحفظاتها فى التعامل مع البؤر الإرهابية المنتشرة داخل الوديان وكهوف الجبال وعلى أطراف القرى والنجوع البدوية، فسارعت إلى إطلاق رسائل تحذيرية شديدة اللهجة لمن يوفرون ملاذات للعناصر الإرهابية داخل نطاق أراضيهم من ضعاف النفوس والمتورطين فى علاقات مشبوهة مع التنظيمات الإرهابية والذين لهم سوابق فى تجارة البشر والسلاح عبر الحدود مع إسرائيل.
الرسالة جاءت قوية على لسان الرئيس عبدالفتاح السيسى بعد سويعات من تفجير مسجد الروضة حين قال «سنستخدم القوة الباطشة»، وعلى الفور فهم شيوخ القبائل والعشائر فحوى تلك الرسالة بما أتتهم به الصحراء من حكمة وفطنة، فكان اجتماعهم فى اليوم التالى بمدينة الإسماعيلية تحت مظلة «اتحاد قبائل شمال سيناء» حيث أعلنوا دعمهم الكامل لعمليات الجيش المصرى واستعدادهم للاشتراك فى تلك الحرب المقدسة من خلال تقفى أثر العناصر الإرهابية والإبلاغ عنها فهم أهل أرض الفيروز والأدرى بشعابها.
العملية «سيناء 2018» كانت بمثابة العبور العسكرى الثانى الذى أعلن بوضوح رفض مصر لما تسمى بصفقة القرن فسيناء لن تكون جزءًا من حل القضية الفلسطينية، والدولة المصرية لن تسمح بالإرهاب أن يكون خنجرًا فى خاصرتها يرغمها على القبول بتلك الصفقة.
ومع ذلك استمر البعض فى التشكيك بنوايا الدولة إيزاء صفقة القرن بالمفهوم الإسرائيلي.
دولة الـ30 من يونيو لم تقف طويلًا عند ذلك اللغط، فأمامها مهمة بناء اقتصاد قوي، وهى مشغولة بإجراء إصلاحات اقتصادية غير مسبوقة لها آثارها الاجتماعية السلبية التى ينبغى تداركها، إضافة إلى حربها على فلول الإرهاب فى سيناء، وما تبذله لإفشال مخططات التشكيلات الإرهابية المنتشرة فى المحافظات.
لكن ذلك كله لا يكفى لنجاح جهودها نحو بناء دولة قوية، فاشتعال أى أزمة اقليمية أو حتى شبه حرب سيؤدى إلى تهديد استقرار المنطقة بأسرها ومن ثم هروب المستثمر الأجنبي، فرأيناها تتدخل بقوة لإبطال مفعول فتيل حرب إقليمية بالوكالة كادت تشتعل بين إسرائيل وحزب الله وأطراف أخرى مدعومة من دول الجوار وذلك على خلفية الأزمة اللبنانية التى تفجرت بهروب رئيس الوزراء اللبنانى سعد الحريرى إلى السعودية خوفًا على حياته، وانتهت بعودته إلى بيروت بفضل الوساطة المصرية.
كذلك ينبغى أن تعبر الدولة المصرية بسياستها الخارجية إلى مناطق الإقليم المشتعلة فسعت إلى التوصل لتوافق عربى بشأن الأزمات فى كل من سوريا واليمن وليبيا قوامه الحفاظ على وحدة الدولة الوطنية، واعتماد المسار السياسى التفاوضى سبيلًا أساسيًا لحل جميع الأزمات.
وجاءت صفقة شراء مصر لـ64 مليار متر مكعب من الغاز الإسرائيلى على مدار عشر سنوات بقيمة إجمالية 15 مليار دولار لتجسد عبورًا استراتيجيًا لعناصر القوة المصرية فهى من ناحية تساعد على أن تكون مصر مركزًا إقليميًا للطاقة فى حوض البحر المتوسط بإسالتها ذلك الغاز وإعادة تصديره إلى جنوب أوروبا، وهو ما يكسبها ثقلًا سياسيًا يسمح لها بمساحة أكبر من التأثير فى الرؤية الأوروبية لقضايا الشرق الأوسط، كما أنها تجعل من إسرائيل مرسى مهمًا للغاز الطبيعى فى المنطقة، وهو سيعمل على تحجيم مغامرات إسرائيل العسكرية فى المنطقة، ويجعلها أكثر تحفظًا فى استفزاز بعض الأطراف التى قد ترد بضرب منصات حقول الغاز الإسرائيلية.
الأنبوب الذى سينقل الغاز الإسرائيلى إلى مصر قد يكون المتغير الذى سيفرض على إسرائيل تقديم بعض التنازلات فى شأن القضية الفلسطينية خاصة بعد أن فاجأ الرئيس الأمريكى دونالد ترامب الإسرائيليين والفلسطينيين بإعلانه أنه يجب حل الدولتين وإشارته الضمنية إلى أن إسرائيل يجب أن تقدم بعض التنازلات الكبيرة خلال نشاطه فى اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة الأسبوع الماضي.
ما جرى فى السنوات الأربع الماضية وحتى الآن كثير ويكمل الأهداف الاستراتيجية لعبور أكتوبر 73.