السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

«البوابة نيوز» في «دير سمعان»

دير سمعان
دير سمعان
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
إذا كنت من عشاق الطبيعة والهدوء، أو من محبى الأماكن والمعالم الأثرية والتاريخية، لا تفكر كثيرا، ولا تهدر المزيد من الوقت فى البحث عن المكان المناسب، فقط كل ما عليك هو القيام برحلة إلى دير سمعان الخراز بالمقطم، فهناك يمكنك الاستمتاع بالرسومات الجميلة للعذراء مريم، كما يمكنك قراءة الآيات الإنجيلية، ووصايا نبى الله عيسى لنشر السلام والمحبة فى الأرض، كما يمكنك إدراك عظمة مصر وشعبها المبارك من السطور المنحوتة على جدران الصخور والجبال، والاستمتاع بالألعاب الهوائية التى صممها ويشرف عليها «الخواجة ماريو» بجانب دوره الكبير فى الأعمال الفنية والدينية داخل الدير، بالاشتراك مع «أبونا سمعان»، والتى لها دورها فى جذب الزوار والسائحين لالتقاط الصور التذكارية.
لا تقلق فالأبواب مفتوحة لاستقبال الجميع، ويرحب العاملون فيه بالزائرين من المسلمين والأجانب على حد سواء، فبمجرد الدخول إلى دير سمعان نجد جمال الطبيعة من حولنا فى كل مكان، كما تحيط بك الأشجار والورود، من جانب، والرسومات المنحوتة والمصحوبة بالآيات من جانب آخر؛ حيث ينفرد الدير بتلك الصور والأعمال الفنية المجمعة التى لا مثيل لها، وكأنه عالم خاص لا يعرفه إلا من دخل إليه واستمتع بما فيه.
دقَّاق الصلبان يتألم.. المهندس جرجس: «ابنى بكى وأنا بدق له الصليب» 
يدفعه الفضول فى تعلم الكثير منذ الصغر، ويلح على والده للذهاب معه لاكتشاف سر مهنته، كان يحمل حقيبة أدوات العمل ويردد الترانيم وصولا إلى الكنائس، ليبدأ فى تسليط تركيزه بالكامل عما يفعل والده من «دق الصليب»، ظلت مشاهد الدماء تراوده حتى أصبحت عادة تعود عليها ويفخر بها.
مرت السنين والتحق بالمرحلة الجامعية وأصر على اختيار كلية الهندسة ومن هنا بدأ مجاله الأكاديمى ولكن لم يترك يوما ما دون أن يذهب لكنيسة أو دير ومتابعة طرق دق الصلبان، طفل تحول من البكاء باستمرار؛ لتحمل صراخ الألم والصعوبات، إنه المهندس جرجس البالغ من العمر ٥٤ عاما.
عقب حصوله على شهادة التخرج، بدأ فى البحث عن وظيفة لها علاقة بمجاله، حتى التحق بإحدى الشركات ولكن استكمل المشوار الذى تعلمه منذ الصغر، فى دير سمعان بمنطقة المقطم، خاصة أنها تمثل له رسالة من الله.
لا يعنيه المقابل المادى بقدر تقديم الخدمة بشكل كامل دون تعرض أحد لمخاطر صحية، يترك عمله فى مجال الهندسة ويستقل سيارته مسرعا إلى دير سمعان ويجلس فى «كشك» خاص به وعلى ملامحه الابتسامة لكل زائر، كأنه يناديهم بنظراته لـ«دق الصليب» والحفاظ على الهوية الدينية المسيحية.
«دى رسالة من الله وليست مهنة».. بتلك الكلمات يبدأ المهندس «جرجس» حديثه عن مدى تعلقه بدق الصلبان بـ«دير سمعان»، يحرص دائما فى الحفاظ على صحة زبائنه بتلك الخدمة، معتبرا إياها أمرا صعبا يحتاج إلى تطهير مستمر، قائلا: «بغير الإبرة مع كل مستخدم عشان أتجنب نقل امراض الدم المعدية وتمثل القطنة والمراهم الطبية له مسكن تخفيف الألم بعد الدق».
وعن أصل الفكرة التاريخية، يضيف أنه يرجع إلى عصور اضطهاد المسيحيين فى مصر، خاصة فى عصر الاستشهاد الرومانى الذى شهد مذابح واسعة بحق الأقباط؛ لإجبارهم على ترك المسيحية، والعودة إلى الوثنية ويؤكد أنها عادة مصرية خالصة وفى تلك الأثناء كان الآباء المسيحيون يتركون أطفالهم خلفهم، فيربيهم الوثنيون على الإيمان الوثنى، وهنا ظهرت عادة دق الصليب لتضمن بقاء الطفل مسيحيًا بعد وفاة والديه أو أحدهما.
ويختتم: «أصعب موقف تعرضت له لما ابنى عيط وأنا بدق له الصليب بس هى بقت عادة ولازم نعملها لأنها رسالة من عند الله».
الرب يختار «مجدى» للخدمة..«الجناينى»: أبونا والخواجة ماريو كلمة السر فى التطوير
على بعد خطوات من باب الدير، وبمجرد الدخول والسير فى الطريق، تجد على جانبيك المساحات الخضراء والورود فى أبهى صورها، وكأنها تدعو لمن يهتم بها ويرويها كلما أوشكت على العطش، فهو ليس مجرد عامل فى دير سمعان الخراز، ولكنه يعتبر نفسه ابنا من أبنائه؛ حيث قضى ما يقرب من نصف عمره فى خدمته، وشهد جميع عمليات التجديد والبناء، والنقش على الجدران، والنحت على الصخور، ليبقى حب «عم مجدي» للدير، كشريان الدم يجرى فى عروقه ليبث الحياة فى جسده وروحه.
جاب جدى نجيب البالغ من العمر ٥٣ عاما، العديد من الدول العربية، فغادر محافظة المنيا مسافرا إلى الأردن ومنها إلى العراق، ولكنه لم يقدر على الابتعاد عن مصر لوقت طويل، فسرعان ما عاد إلى أرض الوطن، ليوفر له عديله فرصة عمل بدير سمعان الخراز فى المقطم، ورغم كونه من سكان المنيا، فإنه لم يمانع ولم يتكاسل عن استلام تلك الوظيفة البسيطة؛ حيث رأى ذلك جاء ترتيبا من الله ليقضى ما تبقى من عمره فى خدمة الدير.
وعن حياته داخل دير سمعان بالمقطم، يقول عم مجدى الجنايني: «جوز أخت مراتى شغال هنا معلم فى أحد كنائس الدير، وأول ما رجعت من السفر، قالى تعالى قابل أبونا «بولا» واشتغل معانا، فعلًا جيت وأبونا رحب بيا جدا، واشتغلت فى البداية مع عمال البناء شيلت معاهم رمل وأسمنت وساهمنا فى بناء أكتر من كنيسة طوبة طوبة، بعد كده استلمت عملى فى الدير كجناينى واستقريت هنا، جبت مراتى وعيالى وقعدنا فى شقة صغيرة جمب الدير».
ويختتم مجدى «قضيت ٢٣ سنة من عمرى فى الدير ولسه مكمل، باجى كل يوم ٨ الصبح وبمشى الساعة ٥ لو مفيش شغل، وبيجيلنا هنا زوار كتير مصريين وأجانب، منهم اللى بييجوا من نفسهم عشان ياخدوا بركة المكان ويشوفوا جماله بعنيهم، ومنهم زوار بييجوا للخواجة، هنا الدير ميزته أن مساحته كبيرة، وفيه كل حاجة، متوافر فيه كتب دينية وألعاب ترفيهية، وكنايس، وطبيعة، وجمال وآثار، وكل ده بيفرق، ممكن يبقى عندك مكتبة جمب بيتك، لكن بتضطر تسافر محافظات وبلاد لو فى كتاب معين عاوز تقراه مش موجود فيها، وده مثال بسيط لطبيعة الدير هنا، أن أبونا سمعان بيحاول يوفر كل حاجة ممكن يحتاجها الزوار فى الدير».
الخواجة البولندى أيقونة الدير
أجنبى نشيط وموهوب جاء من «بولندا» مخصوص ليقيم فى دير سمعان، نحت على الجبال والصخور رسومات جميلة، وكتب آيات بإشراف مباشر من أبونا «سمعان»، الذى كان بيقف ويجهز له الصور والآيات، ٢٥ عاما و«الخواجة ماريو» يُجمل فى الدير وما زال حتى الآن، وأحيانا يسافر بينهى بعض الأمور ثم يعود للدير ولرسوماته.
50 سنة خدمة وحكايات فى دير القديس.. جرجس عماد: «وهم بيحفروا لقوا صورة السيدة العذراء منحوتة فى السقف»
اتخذ دير سمعان مسكنا له طوال حياته، عاش به قرابة ٥٠ عامًا، تاركًا بلدته الأم الشرقية، مر عليه الكثير من المواقف التى اكتسب منها سلوكيات جديدة، تحمل فراق أبنائه من أجل رسالة الله، يحرص دائمًا على الاستيقاظ مبكرًا وتجهيز أدوات عمله «المقشة والجاروف» بجانب عربة يدوية يضع فيها المخلفات؛ لنظافة أرجاء الدير وإضفاء المظهر الحضارى به؛ لجذب السائحين إليه وانتعاش حركة السياحة، إنه جرجس عماد البالغ من العمر ٦٠ عامًا، ابن محافظة الشرقية.
يقول: إنه تخلى عن متعة ولذة حياته من أجل دير سمعان، خاصة أنه يزور أبناءه مرة واحدة من كل عام، ويشيد بمعاملة الزائرين له والإقبال الكبير من قبل السائحين، معلقًا: «الأجانب دايمًا بيبتسموله وييجوا يتصوروا معايا».
وعن أبرز اللقطات التاريخية فى الدير، يضيف: «الجبل بقاله ٣٥٠ سنة، وهما بيحفروا لقوا صورة السيدة العذراء منحوتة عليه ومحفورة فى السقف»، ويشير إلى أن الدير يستقبل المسيحيين من كافة محافظات مصر كل يوم خميس؛ لانعقاد الاجتماعات الخاصة مما يسبب زحاما شديدا، ويتكرر ذلك فى أحد السعف.
ويختتم: «فى قربان لسمعان الخراز، بيكتبوا الزوار ورق عليه طلباتهم وأمنياتهم، وبيقدموا للقربان عشان ياخدوا البركة وأمنياتهم تتحقق.. مش عاوز حاجة من الدنيا غير تأدية رسالة الله».