السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

الصومال.. 27 سنة حروبا أهلية وإرهابا

حركة الشباب الصومالية
حركة الشباب الصومالية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
«المتطرفون» اخترقوا جهاز الاستخبارات وأحد قادتهم مرشح للرئاسة
مخاوف من احتمال سيطرة المتشددين على السلطة مجددًا.. والأمل فى تدخل عربي وإسلامي عاجل

تدهورت الأوضاع الأمنية فى الصومال منذ بداية سبتمبر الماضى، بشكل غير مسبوق، لدرجة أن «حركة الشباب» المتشددة، المرتبطة بتنظيم القاعدة، أصبحت تتحرك وتضرب ليل نهار، سواء فى العاصمة مقديشيو، أو فى جنوب البلاد، ولم يعد مستبعدًا أن يتكرر ما حدث فى النصف الثانى من 2006 عندما سيطر «اتحاد المحاكم الإسلامية»، الذى كان يهدف إلى فرض الشريعة فى عموم البلاد، على مقاليد الأمور، قبل تدخل قوات أفريقية بدعم أمريكى لإزاحته من السلطة، وتأسيس إدارة انتقالية بإشراف أممي، انتهت فى 2012، بانتخاب برلمان فيدرالى ورئيس للبلاد.
ولعل ما يضاعف المخاوف من احتمال سيطرة المتشددين على السلطة مجددًا، أنه تتوفر فى الصومال، كل العوامل، التى تساعد على انتشار الإرهاب، وهى ثالوث «الفقر والجهل والمرض»، والصراعات الداخلية، وانعدام الاستقرار، بالإضافة إلى ظهور مستجدات على الساحة، من أبرزها تفاقم الأزمة بين الحكومة المركزية وإدارات الولايات الإقليمية، التى تتهم حكومة الرئيس محمد عبدالله فرماجو، الذى وصل إلى السلطة فى فبراير ٢٠١٧، بتحجيم دور الولايات وعدم التشاور معها عند اتخاذ القرارات، التى تتعلق بشئونها الداخلية، والانفراد بالقرارات المصيرية، التى تخص سير العملية السياسية فى البلاد، بالإضافة إلى الفشل فى محاربة حركة الشباب، التى تسيطر على أجزاء فى جنوب البلاد، فيما تنفى حكومة فرماجو صحة ما سبق، وتتهم الولايات بابتزازها للحصول على مكاسب سياسية أو اقتصادية.
وسرعان ما تصاعدت حدة الأزمة، إذ قرر رئيس ولاية «بونت لاند» فى شمال شرقى البلاد عبدالولى محمد على غاس، ورئيس ولاية «جنوب غرب الصومال» شريف حسن شيخ آدم فى ١١ سبتمبر الماضى تعليق التنسيق مع الحكومة الاتحادية، بينما اتهم النائب فى البرلمان الصومالى محمد عبدى غاندى، الحكومة المركزية، بعدم الجدية فى تطبيق النظام الفيدرالي، ومحاولة الإطاحة بإدارات الولايات الإقليمية، محملًا إياها مسئولية الأزمة السياسية المتفاقمة فى البلاد.
ولم يقتصر الأمر على ما سبق، إذ كشف موقع «الصومال الجديد» فى ٩ سبتمبر الماضى، أن الرئيس محمد عبدالله فرماجو قام بتسريح نائب مدير وكالة الاستخبارات والأمن القومى الجنرال عبدالله عبدالله، وتجريده من جميع الرتب العسكرية، استجابة لتوصية من مدير الوكالة حسين عثمان حسين.
ونقل الموقع عن فرماجو القول فى مرسوم رئاسي، إن الجنرال عبدالله تم تسريحه من الوكالة وتجريده من الرتب العسكرية لأسباب تتعلق بخرق قانون القوات المسلحة والقوانين الفرعية لوكالة الاستخبارات والأمن القومي، إلا أن هناك من ربط بين القرار ومقابلة أجراها عبدالله مع إذاعة «صوت أمريكا»، أشار فيها إلى أن إرهابيين اخترقوا وكالة الاستخبارات وأجهزة الأمن الوطنية بشكل عام، كما تداولت صفحات صومالية على مواقع التواصل الاجتماعى وثيقة مؤرخة بـ ٢ سبتمبر الماضى تتضمن قضية رفعها عبدالله إلى الادعاء العسكرى والمحكمة العسكرية ضد مدير وكالة الاستخبارات حسين عثمان حسين ونائبه فهد ياسين.
واتهم عبدالله فى الوثيقة، التى تم تداولها فى ٩ سبتمبر الماضى، مدير الوكالة حسين عثمان حسين ونائبه فهد ياسين بالتنسيق التام مع حركة «الشباب» المتشددة، فى الفترة بين ٢٠١٤ و٢٠١٧، وأكد أن لديه أدلة تثبت ذلك، مبديا استعداده إلى تقديمها إلى القضاء.
وفيما لم تعلق الحكومة أو وكالة الاستخبارات على مزاعم عبدالله، كشف النائب فى البرلمان الصومالى «معلم علي» فى ٢٠ سبتمبر مفاجأة مفادها أن لديهم معلومات بتسريح ٢٠٠ من جنود وكالة الاستخبارات من العمل. ونقلت وسائل الإعلام الصومالية عن النائب قوله: «إنه يجب على وزارة الأمن فى الحكومة الفيدرالية ومسئولى وكالة الاستخبارات والأمن القومى توضيح الأسباب وراء تسريح هؤلاء الجنود».
ومن جانبه، كشف موقع «هيران أون لاينس» الصومالى فى ١٥ سبتمبر عن مفاجأة أخرى مفادها، أن «أبومنصور مختار روبو» القيادى السابق وأحد مؤسسى حركة «الشباب» المتشددة، يعتزم خوض الانتخابات الرئاسية فى ولاية جنوب غرب الصومال المزمع إجراؤها فى شهر نوفمبر المقبل.
وأضاف الموقع، أن روبو انشق عن حركة «الشباب» بعد خلافات طويلة مع قادة الحركة ومواجهات دارت بينهما فى إقليم «بكول» فى جنوب غربى الصومال، وأجرى مفاوضات حول استسلامه للقوات الحكومية، وتم نقله جوًا إلى مقديشيو، وقال فى بيان العام الماضي: «أود أن أقول للشعب الصومالى والمجتمع الدولي، إننى تركت حركة الشباب قبل خمس سنوات وسبعة أشهر، وإننى لست عضوًا فى الحركة».
وأدرجت الولايات المتحدة فى السابق اسم روبو فى قائمة المطلوبين لديها كإرهابى عالمي، إلا أنها شطبت اسمه من تلك القائمة بعد التشاور مع الحكومة الصومالية.
ورغم أن روبو لم يعلن ترشحه رسميًا، إلا أنه يتردد أنه حضر اجتماعًا مع عدد من المرشحين الآخرين الذين سيخوضون الانتخابات الرئاسية فى ولاية جنوب غرب الصومال المقررة فى ١٧ نوفمبر المقبل، والتى يسعى المتنافسون فيها إلى إقصاء شريف حسن شيخ آدم رئيس الولاية الحالي، الذى انتخب فى عام ٢٠١٤.
وبالتزامن مع التطورات السابقة، التى ترجح تغلغل المتشددين فى مفاصل الدولة، توالت التحذيرات الداخلية والدولية من أن الأمور تخرج عن السيطرة، ففى ١٨ سبتمبر الماضى، عقد البرلمان الصومالى جلسة لمناقشة الأوضاع الأمنية المتدهورة فى البلاد، ووجه نواب خلال الجلسة، انتقادات حادة إلى الحكومة، واتهموها بالفشل فى مواجهة حركة الشباب.
ونقلت وسائل الإعلام الصومالية، حينها، عن النائب محمد غنى قوله فى الجلسة، إن دور رئيس الوزراء حسن على خيرى انحصر فى تهديد الولايات الإقليمية، فى الوقت الذى خرج فيه الوضع الأمنى فى البلاد عن السيطرة.
وأضاف النائب أن خيرى فشل فى أداء المهام الموكلة إليه ودعاه إلى الاستقالة، كما ذكر النائب محمد عبدالله نوح أن الحكومة الفيدرالية فشلت فى إدارة شئون البلاد ما جعل الناس يتحاكمون إلى «حركة الشباب»، حسب تعبيره.
وفى ٤ سبتمبر، كشفت مجلة Long War Journal الأمريكية المعنية بالحروب، أن حركة الشباب شنت ٤١٨ هجومًا خلال ستة أشهر فى الفترة بين أكتوبر ٢٠١٧ وأبريل ٢٠١٨.
وأضافت المجلة فى تقرير لها أن ١٢٥ هجومًا وقع فى مقديشيو وضواحيها، بينما وقع الباقى فى مناطق أخرى من أقاليم الصومال، فيما تعرضت كينيا لـ ١٦ هجومًا من مسلحى حركة الشباب خلال تلك الفترة، معظمها فى مقاطعة منديرا الحدودية.
وفى ٢٤ سبتمبر، كشف تقرير لمجموعة الأزمات الدولية، المختصة بمنع حدوث وتسوية النزاعات الدموية حول العالم من خلال تحليلات ميدانية، والتى يوجد مقرات لها ببروكسل وواشنطن ولندن، عن تزايد أنشطة حركة «الشباب»، فى منطقة شرق أفريقيا.
وأضاف تقرير المنظمة الذى صدر بمناسبة مرور خمسة أعوام على الهجوم الدامى الذى شنه مسلحون من الحركة على مركز «ويست جيت» التجارى فى العاصمة الكينية نيروبي، أن الخطر الذى يشكله مسلحو الحركة على المنطقة يتصاعد، وأضاف أن جهودًا بذلتها الحكومة الكينية فى محاربة الحركة أدت إلى بدء مسلحيها الانتقال إلى تنزانيا المجاورة.
وانتقد التقرير بعض الأساليب التى اتبعتها الحكومتان الكينية والأوغندية فى مواجهة هجمات حركة الشباب، العابرة للحدود، والتى شملت الاعتقالات العشوائية فى صفوف المسلمين فى أراضيهما، وأوصت بوقف القتل خارج القانون، كما دعت إلى إعطاء دور سياسى للمسلمين فى البلدين.
وكانت حركة الشباب شنت هجومًا على مركز «ويست جيت» التجارى فى نيروبي، واحتجزت رهائن فى المركز التجارى فى الفترة بين ٢١ سبتمبر و٢٤ سبتمبر ٢٠١٣، ما أسفر حينها عن مقتل أكثر من ٦٨ شخصا وجرح أكثر من ١٧٥ آخرين.
وجاء أقوى التحذيرات على لسان الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة للصومال مايكل كيتينغ، الذى قال فى ١٥ سبتمبر فى كلمة أمام مجلس الأمن الدولي، إن تهديد حركة الشباب، يظل خطرًا كبيرًا على الصومال، موضحًا أن الحركة تستخدم بشكل منتظم الاغتيالات والعبوات الناسفة بدائية الصنع.
ولعل إلقاء نظرة على هجمات حركة الشباب فى شهر سبتمبر فقط، يرجح أن الصومال يتجه إلى المجهول، ففى ١٥ سبتمبر، استهدف انفجار سيارة محمد مرسل محمود، النائب فى البرلمان الصومالي، قرب المسرح الوطنى القريب من مجمع الرئاسة فى مقديشيو، ما أسفر عن إصابته بجروح. 
وفى ١١ سبتمبر، اغتال مسلحون مجهولون، بالمسدسات، عمر حسن غني، أحد موظفى وزارة التخطيط فى الحكومة المركزية، قرب منزله فى مديرية «مدينة» هدن بمقديشيو.
وفى ٢٥ سبتمبر، اغتال مسلحون بالمسدسات، محمود عبدى طاهر، أحد موظفى شركة «صومتيل» للاتصالات قرب مسجد «حريد» فى سوق بكارو الرئيسة فى مقديشيو.
وبالتزامن مع تزايد عمليات الاغتيال، التى تستهدف النواب والموظفين الحكوميين وقوات الأمن فى مقديشيو، تصاعدت أيضًا الهجمات ضد المقرات الحكومية، إذ تم استهداف مقر مديرية هدن، وهو مبنى حكومى فى ١٠ سبتمبر بواسطة سيارة مفخخة يقودها انتحارى ما أدى إلى مقتل ١١ شخصًا، وإصابة ٢٢ آخرين، وتدمير المقر والمبانى المجاورة.
وجاء الهجوم بعد اعتداء إرهابى مماثل، إذ لقى ٦ أشخاص من بينهم جنود ومدنيون مصرعهم، وأصيب ١٥ آخرون بجروح فى ٢ سبتمبر، إثر هجوم انتحارى بواسطة سيارة مفخخة استهدف مقر مديرية هولوداغ فى مقديشيو، ما أسفر أيضا عن تدمير المقر ومدرسة قرآنية بقربه، وأثر كذلك على المنازل القريبة، فيما أثارت الهجمات المتتالية على مقرات مديريات العاصمة مخاوف سكانها، لأن تلك المقرات تقع فى المناطق المزدحمة.
وبالنسبة لمعقل «حركة الشباب» الرئيس فى جنوب الصومال، فقد شهد أيضًا تصعيدًا خطيرًا فى الهجمات والاغتيالات، وسيطرت الحركة منذ بداية سبتمبر على عدة مناطق فى إقليم شبيلى السفلى فى جنوب البلاد، هى «تسحيلي، وغرس بنديرو، وورمحن»، كما شنت فى ٢٤ سبتمبر، هجومًا واسعًا على مدينة قريولى فى شبيلى السفلى.
وفى ٢٤ سبتمبر، قام مسلحون أيضًا يستقلون دراجة نارية باغتيال اثنين من شيوخ العشائر فى.
ولعل ما يزيد الأمور تعقيدًا، أن الصومال، منذ سقوط نظام سياد برى عام ١٩٩١، يواجه أمرين كارثيين فى الوقت ذاته هما خطر التفكك وانتشار الإرهاب، ففى ١٩٩٢، أعلن أحد أقاليم الشمالية انفصاله باسم «دولة أرض الصومال»، غير المعترف بها، فى حين وقع الجنوب فى براثن عدد من أمراء الحرب ومجموعة من القوى القبلية والإسلامية، التى يصنف بعضها تحت خانة الإرهاب، كحركة «الشباب»، التى تأسست فى ٢٠٠٤، وشاركت فى القتال فى صفوف اتحاد المحاكم الإسلامية، وأعلنت عن نفسها رسميًا فى ديسمبر ٢٠٠٧، وانضمت لتنظيم القاعدة فى فبراير ٢٠١٢، فيما وضعتها الولايات المتحدة فى قائمة الحركات الإرهابية فى فبراير ٢٠٠٨.