السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

الحرية أو الموت.. 3 ثورات شكلت مسيرة عبدالناصر.. "البوابة نيوز" تفتش في دفاتر ثورة يوليو ونكسة 67.. كيف نشأ تنظيم الضباط الأحرار ولماذا كانت حرب فلسطين محورا للأحداث؟

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تزامنا مع الاحتفال بذكرى رحيل الزعيم جمال عبدالناصر، يقف التاريخ على أعتاب مراحل تاريخية خالدة منها ثورة 23 يوليو 1952، التي جاءت لاستعادة حرية شعب ذاق مرارة الاستعمار وكان أحد أبطالها بل ومهندسها، وفي يوم 9 يونيو 1967، وقف "عبد الناصر" ليعلن تنحيه عن الرئاسة، ولكن رد فعل الشعب جاء بمثابة ثورة تطالب باستمراره في السلطة لتصبح ثورة فريدة من نوعها، وجديدة علي شعوب العالم أجمع، وهناك حدث أيضا بارز فجر ثورة عارمة هي ثورة جنازة الزعيم التي شيعها ما يقرب من 7 ملايين مصري في 1 أكتوبر 1970.
وفي السطور التالية نرصد أهم كواليس الثورات الشعبية الثلاث:


الثورة الأولي
وقف عبدالناصر، بعد نكسة 67، يخطب في الشعب ويصف لهم أسباب النكسة وما بذله الجيش في تلك الحرب اللعينة، وينعي نفسه وشعبه قائلًا، لقد تعودنا معًا فى أوقات النصر وفى أوقات المحنة.. فى الساعات الحلوة وفى الساعات المرة؛ أن نجلس معًا، وأن نتحدث بقلوب مفتوحة، وأن نتصارح بالحقائق، مؤمنين أنه من هذا الطريق وحده نستطيع دائمًا أن نجد اتجاهنا السليم، مهما كانت الظروف عصيبة، ومهما كان الضوء خافتًا. 
ولا نستطيع أن نخفى على أنفسنا أننا واجهنا نكسة خطيرة خلال الأيام الأخيرة، لكنى واثق أننا جميعًا نستطيع - وفى مدة قصيرة - أن نجتاز موقفنا الصعب، وإن كنا نحتاج فى ذلك إلى كثير من الصبر والحكمة والشجاعة الأدبية، ومقدرة العمل المتفانية. لكننا - أيها الإخوة - نحتاج قبل ذلك إلى نظرة على ما وقع؛ لكى نتتبع التطورات وخط سيرها فى وصولها إلى ما وصلت إليه. 
نصل الآن إلى نقطة هامة فى هذه المكاشفة بسؤال أنفسنا: هل معنى ذلك أننا لا نتحمل مسئولية فى تبعات هذه النكسة؟ وأقول لكم بصدق - وبرغم أية عوامل قد أكون بنيت عليها موقفى فى الأزمة - فإننى على استعداد لتحمل المسئولية كلها، ولقد اتخذت قرارًا أريدكم جميعًا أن تساعدونى عليه: لقد قررت أن أتنحى تمامًا ونهائيًا عن أى منصب رسمى وأى دور سياسى، وأن أعود إلى صفوف الجماهير، أؤدى واجبى معها كأى مواطن آخر. 
إن قوى الاستعمار تتصور أن جمال عبد الناصر هو عدوها، وأريد أن يكون واضحًا أمامهم أنها الأمة العربية كلها وليس جمال عبد الناصر. 
والقوى المعادية لحركة القومية العربية تحاول تصويرها دائمًا بأنها إمبراطورية لعبد الناصر، وليس ذلك صحيحًا؛ لأن أمل الوحدة العربية بدأ قبل جمال عبد الناصر، وسوف يبقى بعد جمال عبد الناصر. 
ولقد كنت أقول لكم دائمًا: إن الأمة هى الباقية، وأن أى فرد مهما كان دوره، ومهما بلغ إسهامه فى قضايا وطنه، هو أداة لإرادة شعبية، وليس هو صانع هذه الإرادة الشعبية. 
إننى بذلك لا أصفى الثورة، ولكن الثورة ليست حكرًا على جيل واحد من الثوار، وإنى لأعتز بإسهام هذا الجيل من الثوار. لقد حقق جلاء الاستعمار البريطانى، وحقق استقلال مصر، وحدد شخصيتها العربية، وحارب سياسة مناطق النفوذ فى العالم العربى، وقاد الثورة الاجتماعية، وأحدث تحولًا عميقًا فى الواقع المصرى أكد تحقيق سيطرة الشعب على موارد ثروته وعلى ناتج العمل الوطنى، واسترد قناة السويس، ووضع أسس الانطلاق الصناعى فى مصر، وبنى السد العالى ليفرش الخضرة الخصبة على الصحراء المجدبة، ومد شبكات الكهرباء المحركة فوق وادى النيل الشمالى كله، وفجر موارد البترول بعد انتظار طويل. وأهم من ذلك وضع على قيادة العمل السياسى تحالف قوى الشعب العاملة؛ الذى هو المصدر الدائم لقيادات متجددة تحمل أعلام النضال الوطنى والقومى مرحلة بعد مرحلة، وتبنى الاشتراكية، وتحقق وتنتصر. 
إن هذه ساعة للعمل وليست ساعة للحزن، إنه موقف للمثل العليا وليس لأية أنانيات أو مشاعر فردية. إن قلبى كله معكم، وأريد أن تكون قلوبكم كلها معى، وليكن الله معنا جميعًا؛ أملًا فى قلوبنا وضياءً وهدى.. والسلام عليكم ورحمة الله.

الثورة الثانية
فلا يوجد اختلاف أن ثورة 23 يوليو عام 1952 بقيادة ابن مصر البار جمال عبد الناصر صنعت نموذجا للتغيير السلمى ليس فى مصر وحدها وإنما فى إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية.. وبصرف النظر عن أن هذا الاستهلال لن يرضى البعض فإن القراءة التاريخية المجردة لهذه الثورة تقودنا إلى صحة اليقين بأنه رغم تحديات ومصاعب الحقبة الاستعمارية أن الثورة فتحت الباب لطريق آمن نحو التغيير الذى كانت تنشده معظم الشعوب المغلوبة على أمرها وظلت لسنوات طويلة تبحث وتتكشف معالم هذا الطريق إلى أن جاءت ثورة يوليو لتؤكد أهميته، وكيف أنه كانت ضرورة حتمية لتخليص هذه الشعوب من استعمار بغيض استباح لنفسه حق نهب الثروات واستعباد الشعوب.
وليست هذه شهادة أحد من العرب وإنما ذلك ما تقوله البحوث والدراسات والتحليلات فى العواصم العالمية وأغلبها كان من أشد المعادين لثورة يوليو ولجمال عبد الناصر، ومع ذلك يعترفون لهذه الثورة وزعيمها بأنها هى التى أرست اللبنات الأولى لصنع تقدم اجتماعى واقتصادى وثقافى لم يكن ينقصه سوى تقدم مماثل على طريق الممارسة الديمقراطية، لكن من الظلم للتاريخ وللحقيقة أن يقول البعض، أن غياب الديمقراطية كان عنوانا لعصر مخيف ومرعب، وإنما يمكن القول بحدوث تجاوزات اقتضتها ضرورات التحول الاجتماعى ولكن لم يترتب على هذه التجاوزات أى مساس بالقيم الدينية والإنسانية والمعنوية للشعب المصرى.
ولعله لا يغيب عن كثيرين أن طبيعة العصر الذى تفجرت فيه ثورة يوليو كانت مليئة بتحديات ومخاطر دبرتها القوى الاستعمارية من أجل فرض حصار على الثورة المصرية لمنع امتداد تأثيراتها خارج الحدود، فكانت الكلفة باهظة وكانت الضرورات الاحترازية فى الداخل ليست فقط ضرورات واجبة وإنما ضرورات حتمية كأحد أثمان التغيير الذى ظللنا نحلم به لسنوات طويلة.
فبعد حرب 1948 وضياع فلسطين ظهر تنظيم الضباط الأحرار في الجيش المصري بزعامة اللواء محمد نجيب وقيادة البكباشي جمال عبد الناصر وفي 23 يوليو 1952 قام التنظيم بانقلاب مسلح أبيض لم ترق به دماء، ونجح في السيطرة على الأمور والسيطرة على المرافق الحيوية في البلاد وأذاع البيان الأول للثورة بصوت أنور السادات وأجبرت الحركة الملك على التنازل عن العرش لولي عهده الأمير أحمد فؤاد ومغادرة البلاد في 26 يوليو 1952.
وشكل مجلس وصاية على العرش ولكن إدارة الامور كانت في يد مجلس قيادة الثورة المشكل من 13 ضابط برئاسة محمد نجيب كانوا هم قيادة تنظيم الضباط الأحرار ثم الغيت الملكية وأعلنت يوم 18 يونيو سنة 1953، هو أول يوم للنظام الملكي وأعلن قيام الجمهورية في مصر.

الثورة الثالثة
أن أعظم ثورة لعبد الناصر كانت جنازته. إن العالم لن يرى مرة أخرى أكثر من خمسة ملايين من الناس يبكون معًا، بعد انتهاء القمة يوم 28 سبتمبر 1970، عانى ناصر من نوبة قلبية، ونقل على الفور إلى منزله، حيث فحصه الأطباء، توفي ناصر بعد عدة ساعات، حوالي الساعة السادسة مساءً.
وفقا لطبيبه، الصاوي حبيبي، كان السبب المرجح لوفاة عبد الناصر هو تصلب الشرايين، والدوالي، والمضاعفات من مرض السكري منذ فترة طويلة، وكان ناصر يدخن بكثرة، هذا بالإضافة إلى تاريخ عائلته في أمراض القلب التي تسببت في وفاة اثنين من أشقائه في الخمسينات من نفس الحالة، بالرغم من كل ذلك فإن الحالة الصحية لناصر لم تكن معروفة للجمهور قبل وفاته.
بعد الإعلان عن وفاة عبد الناصر، عمت حالة من الصدمة في مصر والوطن العربي، حضر جنازة عبد الناصر في القاهرة في 1 تشرين الأول من خمسة إلى سبعة ملايين مشيع، وحضر جميع رؤساء الدول العربية، باستثناء العاهل السعودي الملك فيصل، بكى الملك حسين ورئيس منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات علنا، وأغمي على معمر القذافي جراء الاضطراب العاطفي مرتين، وحضر عدد قليل من الشخصيات غير العربية الكبرى، منها رئيس الوزراء السوفيتي أليكسي كوسيغين ورئيس الوزراء الفرنسيجاك شابان دلماس.
وبعد أن بدأ الموكب بالتحرك، أخذ المشيعون يهتفون: "لا إله إلا الله، ناصر هو حبيب الله... كلنا ناصر"، حاولت الشرطة دون جدوى تهدئة الحشود، ونتيجة لذلك، تم إجلاء معظم الشخصيات الأجنبية، وكان المقصد النهائي للموكب هو مسجد النصر، الذي تم تغيير اسمه فيما بعد ليصبح مسجد عبد الناصر، حيث دفن هذا الأخير.
بسبب قدرته على تحفيز المشاعر القومية، "بكى الرجال والنساء، والأطفال، وصرخوا في الشوارع" بعد سماع وفاته، وكان رد الفعل العربي عامةً هو الحداد، وتدفق الآلاف من الناس في شوارع المدن الرئيسية في جميع أنحاء الوطن العربي، ونظم سعيد السبع مسوؤل التنظيم الشعبي الفلسطيني مسيرة مسلحة للفدائيين الفلسطينيين في طرابلس، لبنان، كما انطلقت مسيرة ضخمة في بيروت وقتل فيها أكثر من عشرة أشخاص في نتيجة للفوضى، وفي القدس سار ما يقرب من 75 ألف عربي خلال البلدة القديمة وهم يهتفون "ناصر لن يموت أبدا". 
هذا هو جمال عبد الناصر قائد الثورات، والزعيم الذي رحل بجسده ولكن بقيت شخصيته وصورته في قلوب العرب عامة والمصريين خاصة، والذي تولى المسؤولية في زمن ثورات التحرر من الاستعمار، التي كان هو أحد أبطالها بقيادته لثورة يوليو المجيدة، التي أنهت عصورًا من السيطرة الأجنبية على مقدرات هذا البلد، وأعادت حكم مصر لأبنائها ووضعتها على طريق المستقبل والحرية والتنمية.