الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

في ذكرى عبدالناصر.. حضور الروح وغياب الجسد

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
اليوم ذكرى الرجل الذي آمن بمصر وقوميته العربية فأعطاها عمره فأعطته الخلود.
اليوم ذكرى ناصر الذي استطاع أن يوحد العرب جميعًا لآخر مرة.
اليوم ذكرى الذي ما إن مات أحس المصريون جميعًا باليتم على اختلاف أعمارهم وسني عمرهم.
في منتصف التسعينيات من القرن الماضى، كنت قد أصبحت طالبًا بكلية الآداب بجامعة عين شمس وفي أحد أيامي الأولى بالجامعة سمعت من بعض زملائي عن قيام مظاهرة أمام قصر الزعفران وأخذتني حماسة الشباب كي أذهب لأشاهد شيئًا كان بالنسبة لي حدثًا كبيرًا لم أسمع عنه إلا في الأفلام بشكل عارض، فأسرعت الخطى لأشاهد تلك المظاهرة.. وعند وصولي أمام قصر الزعفران سمعت هتافات عظيمة كنت أسمعها لأول مرة.. هتافات جعلتني أشعر بالقشعريرة تهز كياني..."عبدالناصر عود الفل ياما بعدك شوفنا الذل.. عبدالناصر قالها زمان.. الاستعمار في الأمريكان".. المهم أخذتني الحماسة ودخلت في وسط المظاهرة لأشارك لأول مرة في حياتي بمظاهرة حقيقية، وبعيدًا عما حدث بها "والعلقة بتاعتها".. لكني تعرفت من خلالها على أجدع و"أنضف" أصدقاء بحياتي... خالد الخولي الصاحب الجدع... أحمد الصعيدي المعلم... محمد الداخلي العاقل.. شرف الزيني المتعصب.. أحمد صديق المهووس بحب مصر، ومحمد عبدالناصر المتهور، ومجموعة أخرى من الأصدقاء الذين لا تسعفني الذاكرة لذكر أسمائهم... المهم بواسطة تلك المجموعة الرائعة تفتّح وعيي على حب البلاد، كما زاد تعلقي وحبي للزعيم الراحل جمال عبدالناصر، ومنهم عرفت الكثير والكثير عن عبدالناصر؛ ذلك الزعيم الذي صنع لمصر وللأمة العربية وأفريقيا ما لم ولن يصنعه أى زعيم بالمنطقة... قرأت كثيرًا عن ناصر ولم أكتفِ بما كتبه المصريون عنه ما بين مدح وذم ولكن لجأت إلى كتابات الأوروبيين والأمريكان وحتى الصهاينة عنه؛ كي أكون الصورة الصحيحة على الأقل بالنسبة لي عن ذلك البطل الذي كلما قرأت كتابًا عنه أو حتى رأي القادة والزعماء والرؤساء خارجيًّا زاد فخري وتعلقي بسيرته العطرة... وتأكدت تمام اليقين أن ناصر نعم هو بشر ولكنه بشر استثنائي وُلد وعاش في ظرف استثنائي كانت تمر به مصر بل والعالم كله.. فعندما قرر ناصر تكوين تنظيم الضباط الأحرار بعد نكبة فلسطين عام 48 كان العالم خارجًا للتوّ من الحرب العالمية الثانية وظهور الامبراطوريتين الأمريكية والسوفيتية وذبول شمس الامبراطورية البريطانية والفرنسية وتقسيم النفوذ بين القوتين الصاعدتين بسرعة الصاروخ... في تلك الفترة قام الضباط الأحرار بحركتهم المباركة التي تحولت بسبب التأييد الشعبي لها إلى ثورة يوليو 52.. قام عبدالناصر بأشياء عظيمة من أجل ذلك الوطن المنهوب من الملك والحاشية.. اهتم ناصر بالفقراء فأحبّه الشعب كله، أعطى للفلاح الفقير حقه بعد أربعين يومًا فقط من ثورة يوليو، ذلك الفلاح الذي كان مجهوده لغيره، كما اهتم كذلك بالتعليم الذي كان مقصورًا على أولاد الأغنياء القادرين على تحمل مصاريف تعليم أولادهم.. كما اهتم بالتصنيع وأنشأ المصانع الحقيقية التى ساعدت على نهضة مصر، مثل مصانع الحديد والصلب والألومنيوم، والتي وصلت إلى 1200 مصنع في جميع المجالات والصناعات، تلك المصانع التي جرى بيع معظمها في عصر "المصمصة".. وبقدر عظمة ناصر الإنسان تأتي الخطايا، أخطأ ناصر حين وثق بعامر وأولاه مسئولية الجيش.. وتلك كانت المصيبة الكبرى.. التي اعترف بها ناصر نفسه بعد نكسة 67 وكيف أنه أعطى ثقته في أصدقاء لم يراعوا تلك الثقة وأنه يتحمل أسباب هزيمة يونيو كاملة وتنحّى عن الحكم ولكن الشعب المصري رفض ذلك وأعاده للحكم، عاد ليبني الجيش عاد للتجهيز لمعركة العزة والكرامة واستعادة الأرض المسلوبة.. بذل عبدالناصر مجهودات جبارة لنهضة مصر وانتشالها من بين براثن الظلم والجهل والمرض والتخلف.. نعم رحل ناصر بجسده ولكن تبقى ذكراه إلى الآن تحمل رائحة المجد والخلود.. نعم رحل الجسد ولكن تبقى السيرة العطرة ويكفي أنه بعد 48 عامًا من رحيل الجسد يتذكر الناس ذكراه العطرة مع أن معظم الأجيال التي تعيش في مصر الآن لم تر ناصر ولم تعاصره ولكنها الإنجازات التي تتحدث عن نفسها..
رحم الله أبا خالد.. رحل الجسد وتبقى السيرة العطرة.