السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

متى لا يُشرق الصباح على ضغينة؟!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
«إن ديننا هو دين العشق، وجميع البشر مرتبطون بسلسلة من القلوب، فإذا انفصلت حلقة منها حلت محلها حلقة أخرى فى مكان آخر.
لا قيمة للحياة من دون عشق.. العشق بمعناه الواسع ومفهومه العميق فإذا كان ديننا هو دين العشق، وبما أن البشر جميعهم مرتبطون بسلسلة من القلوب فلا تحكم على الطريقة التى يتواصل بها الناس مع الله، فلكل امرئ طريقته وصلاته الخاصة. إن الله لا يأخذنا بكلمتنا، بل ينظر فى أعماق قلوبنا، وليست المناسك أو الطقوس هى التى تجعلنا مؤمنين، بل إن كانت قلوبنا صافية أم لا».
هكذا كان يرى شمس الدين التبريزى، وهكذا كانت دعوته للعشق الإلهى خاصة، والعشق بمعناه المطلق، هكذا كانت دعوته وستظل باقية إلى أن يفنى أهل الهوى والصفاء الذين يؤمنون بـالعبارة الشفافة كالبللور: «إن صفا قلبك من كل شيء، صفا لك كل شيء»، وهل هناك أجمل من الصفو والسكينة والمحبة التى لا بشرط شيء؟!
الصفاء يجلب السلام، والسلام يكفينا ويلات الحروب، التى تحصد ملايين الأرواح لتحقيق انتصارات كاذبة، الانتصارات التى قالت عنها الروائية الإنجليزية مارى آن إيفانتس المعروفة بـ«جورج إليوت»: «كثير من الانتصارات تكون أسوأ من الهزيمة». 
التبريزى يعلمنا السعى وراء الحب؛ لأنه ضرورة، فهو يغيرنا فما من أحد يسعى وراء الحب إلا وينضج أثناء رحلته، فما أن تبدأ رحلة البحث عن الحب، حتى تتغير من الداخل ومن الخارج.
ويقول التبريزى أيضا لمن يرفعون سلاحهم باسم الله فى وجوه المختلفين معهم: «ما لم نتعلّم كيف نحبّ خلق الله، فلن تستطيع أن نحبّ حقًا، ولن نعرف الله حقًا».
‏أبى التبريزى أن يرحل دون أن يترك مشاعل الحب والوجد لتنير القلوب وتهدى التائهين فى دروب الشر، هكذا فعل أيضا رفيقه جلال الدين الرومي، حينما ترك خارطة طريق يسترشد بها الباحثون عن الحق والخير والجمال: ﻟﻴﻜﻦ بهاء ﺍﻟﻤﺤﺒﻮﺏ ﻭﺟﻤﺎﻟﻪ، ﻣﺘﺠﻠﻴﺎ ﻓى ﻛﻞ ﻣﺎ ﺗﻔﻌﻞ، حتى تكون كل حركاتك وسكناتك.
رحل التبريزى والرومى وهما ربما لا يعلمان أن هناك كثرًا سيسيرون على دربهما، ليعلموا الناس أن الحب أصل الأصول، به خلق الإنسان وعلى مذهبه يفنى الوجود. 
التبريزى المشع بالحب الرافض للكراهية يرى كما جاء على لسانه فى رواية «إليف شافاق»، التى ضمت «قواعد العشق الأربعون» لسيد أهل الوجد: «يوجد نوع واحد من القذارة لا يمكن تطهيرها بالماء النقي، وهو لوثة الكراهية والتعصب التى تلوّث الروح».
هذا التلوث الناتج عن الكراهية كفيل بأن يُفسد روح العالم ويُبدد روائح الليمون واللافندر والورد البلدى لتحل محلها روائح البارود وغرف العمليات وثلاجات الموتى.
هذا التلوث المنبعث من الحقد الدفين فى قلوب دعاة الحرب والفتنة هو ما جعل صانعا آخر للحب يترك خارطته لعلها تجد قبولا لدى الباحثين عن الحب والمبشرين به وهو«إريك إيمانويل شميت»، الذى أراد أن يعلم قراء خارطته «مسيو إبراهيم وزهور القرآن» كيفية إزالة الحواجز النفسية بين أصحاب العقائد المختلفة وتسييد روح التسامح بين البشر لإصلاح ما أفسدته الأرواح المريضة، ويوضح أن العالم لن يكون آمنا دون تنحية الصراعات الدينية والثقافية وغيرهما بين البشر لإرساء قيم التفاهم بعيدا عن أى مرجعيات أو أفكار مسبقة قابلة للانفجار فى أى آن.
رواية «شميت» غاية فى البساطة والرقة ولا تنشد أكثر من قيمتها فى مواجهة العنصرية الدينية والثقافية والاجتماعية عبر سرد قصة علاقة إنسانية بين صبى يهودى ومسلم عجوز لم يعرفا التعصب ولا التطرف لذا ساد بينهما الحب.
وفى ظل الصراعات التى يموج بها العالم الآن فنحن فى أمس الحاجة إلى فهم حقيقى للحب كما فهمه التبريزى وشميت ورفاقهما، لعل الكراهية بين المتصارعين تتحول ذات يوم إلى عناق أبدي.