الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

كابوس التعليم.. إلى متى؟

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
هل تعرضت يومًا للقَمع على يد مدرس خلال فترة دراستك؟، سؤال ستكون الإجابة عنه «نعم»، بنسبة ٩٩.٩٪ فى حال طرحه على تلاميذ المراحل التعليمية المختلفة فى مصر، لا سيما أبناء جيلى ممن تربوا على مقولة «اكسر وإحنا نجبس»، التى كان يتفاخر أولياء الأمور، وهم يقولونها للمدرسين، خاصة فى المرحلة الابتدائية فى أغلب المناطق الريفية التى لا يتمتع أولياء الأمور بها بالحد الأدنى من التعليم.
بشكل شخصى تعرض كاتب هذه السطور للقمع والقهر على يد أحد المدرسين حديثى التخرج منذ ما يقرب من ٢٥ عامًا خلت، كنت وقتها فى الصف الثانى الابتدائى، وكانت هذه الحصة هى الأولى لهذا المدرس الذى دخل الفصل احتياطيًا بدلًا من مدرس المادة الأساسى الذى كان يعانى وعكة صحية؛ بدأ المدرس الغِر فى الأسئلة بمجرد دخوله الفصل، ولسوء حظى وقدرى أخطأت فى الإجابة، فبماذا عاقبنى هذا المدرس المعتوه؟، أخرجنى أمام زملائى، وقال لي: «شايف الخرم اللى فى البلاط ده؟، حط صابع إيدك فيه ولف حوالين نفسك»، فما كان منّى إلا أن استجبت لأمر المدرس وأنا فى حالة رعب، بعد فترة من الدوران أحسست بفقدان الوعى وعدم القدرة على التركيز فرفعت رأسى، فصفعنى المدرس على وجهى لأسقط على الأرض ناظرًا لسقف الفصل الذى بدأ يرتج بى ويدور فى حركات غير منتظمة.
لك أن تتخيل عزيزى القارئ أن يكون مدرسًا بهذا السلوك وهذه الغلظة وهذا الكم من الجهل والكره والحقد والجفاء؛ وكرد فعل طبيعى ومنطقى لطفل لم يتجاوز الثمانى سنوات من عمره، سجلت أول حالة هروب من المدرسة فى حياتى عندما حان موعد الحصة المقبلة لهذا المدرس، بعد أن كنت أعشق الطريق الذى يقودنى إليها.
على مدار سنوات التعليم المختلفة كنت أكن كل الاحترام والتقدير لجميع المعلمين، من تعامل منهم بلين أو قسوة، إلا هذا المدرس لم أجد مبررًا لما فعله معى، ولم أقدر يومًا على مسامحته أو الغفران له، وأتذكر هذا الموقف المشين والمؤلم كلما جاء الحديث عن التعليم وترديه وتراجعه بسنوات ضوئية عن السابق حينما كانت مصر رائدة فيه، فالبداية دائمًا تكون من المعلم؛ إما أن يكون قدوة حسنة لتلاميذه، وإما أن يكون مثل هذا الشيء الذى كتبت فيه السطور السابقة، فالمدرس لا يقتصر دوره على المادة العلمية التى يُقدمها لتلاميذه وحسب، فهو شريك للمنزل فى عملية التربية، لذلك سُميت وزارتهم بـ«التربية والتعليم»، إضافة إلى أننا كنّا نحب المادة نظرًا لحبنا للمدرس وحسن تعامله والعكس بالعكس، وإحقاقًا للحق كنت من سعداء الحظ فى المرحلة الابتدائية تحديدًا، حيث تلقيت دروسى على نخبة من المعلمين الأكفاء، الذين أثّروا إيجابًا فى مثار حياتى الدراسية فيما بعد، ولو أنه بمقدورى لذكرتهم بالاسم وشكرتهم فردًا فردا، وأقول المرحلة الابتدائى لأنها من أخطر المراحل والتى يتشكل خلالها وجدان التلميذ وتتبلور ملامح شخصيته، فيكون القرار الداخلى، إما حب التعليم والاجتهاد لمواصلة الرحلة الشاقة أو أن يتحول حلم التفوق والاجتهاد إلى كابوس يبدأ عند أبواب المدرسة، وينتهى بإطلاق سراح التلميذ مع دقات جرس نهاية اليوم.
ما تعرض له الطفل «محمد» صاحب جملة «ربع ساعة يا حاجة»، ما هو إلا نموذجًا لما يتعرض له أطفالنا طوال اليوم من «موظفين» بحاجة للتأكد من سلامة قواهم العقلية، لا أنكر أننى رأيت الفيديو، وتفاعلت معه، وشاركته على فيسبوك، وضحكت عليه، نعم ضحكت، لكنه ضحك أشبه بالبكاء، فالطفل عبّر عن حاجته للنوم بشكل تلقائى، ولكن كاميرا إبليس كانت له بالمرصاد.
أعتذر لك يا محمد، ولكل محمد عَانى أو يُعانى قهرًا وظلمًا من مدرس موتور لا يعى قيمة وسمو الرسالة الملقاة على عاتقه كمربٍ لأجيال ستنعكس أفعاله على سلوك الطفل سواء بالإيجاب أو السلب؛ ورسالتى للسادة المعلمين: «علموا تلاميذكم ما شئتم وأخرجوا عليهم كل ما لديكم من عقد ومشكلات نفسية ولكن، لا تشتكوا من سلوكهم فى الشارع متشدقين بتدنّى الأخلاق والذوق العام».