السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الإنسانية أيضًا صلاة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
ماتت الإنسانية ودفنت مع الضمير، لما نراه الآن من ازدواجية فى المعايير، وظلم واقتتال العالم بعضه البعض، ولم نعد نفهم أو نعى معنى المحبة فى هذه الأزمنة، فالإنسانية رحمة وعطف، والشعور بأوجاع واحتياج الآخرين، فهى جوهر النفس البشرية، وهى السلوكيات التى تميز الإنسان عن غيره من الكائنات الحية، والإنسانية تكون بالتعلم منذ الصغر، بمقت الكذب والسرقة، وإهانة وتحقير الآخر، وأن تكون النفس هادئه قنوعة، تقمع الشر وتنشر الخير، أما لو نشأ الشخص فى أسرة أو مجتمع عنصرى همجى، لصار مثله بالتأكيد، كما نرى ما يحدث من أبناء الجماعات الإرهابية، فالعنف يأتى من التربية.
قال تعالى: «وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا*فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا*قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا*وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا».. حتى الأديان تؤصل لمبدأ المساواة، وتضع نهاية سحيقة لكل أشكال التمييز، والعنصرية والقهر والظلم، فمثلًا حرية الدين واختيار المعتقد، من حقوق الإنسان، ولا يجبر أحد على اعتناق ديانة بعينها، ومن يقتل ويعذب ويروع الناس باسم الدين، أو اعتقادًا منه أنه يخدم الدين، فقد ظلم نفسه ظلمًا كبيرًا.. (‏مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِى الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا..) وأيضًا القوانين الوضعية فى المجتمعات، حددت نقاط لحرية الإنسان وإنسانيته، وحقه فى الحياة، ومصر أول من علمت الدنيا، فالمفاهيم والأخلاقيات التى تربى عليها المصريون القدماء، كان أولها الكرامة، فالإنسان كائن مكرم من الله ميزه بالعقل، جعل له نصيب من المشاعر والأحاسيس فى قلبه، فبصلاح الإنسان تعمر الأرض، وبهدمه يسود الشر، كما نرى من حروب، ونزاعات هى نتيجة إهدار كرامة الإنسان وإنسانيته، فعندما تكون مرفوضًا ومكروهًا ومهملًا ومنسيًا من الجميع، فإن هذا من انعدام الإنسانية.
الناس متساوون بطبعهم حتى لو اختلفوا فى ألوانهم أو دياناتهم أو جنسياتهم، فحقوق الإنسان هى الضمانة الوحيدة لحفظ إنسانيته، وكرامته، 
كانت مصر ضمير العالم القديم فى تلك الأزمنة السحيقة، والتى كان مقبول فيها كل الأفعال المتوحشة، من قتل وتعذيب وترويع، فمصر سبقت الدنيا وتنبهت مبكرًا لأهمية إقرار قانون ونظام يحكم العلاقة بين الحاكم والشعب، وكذلك العلاقة بين أبناء الشعب وبعضهم البعض، ذلك النظام والقانون كان (ماعت) أى العدالة، والذى أسست مصر عليه نظامها السياسى، والإدارى والدينى والاجتماعى، وكان مبدأ حق الإنسان فى الحياة هو الأساس، فالمصريون القدماء كانوا أول من اعترف للإنسان بإنسانيته، وبالحق فى الحياة، فلم يقتلوا أبناءهم مثلما فعلت الأمم المتوحشة، فلم يسمح بظلم وقهر الأطفال، كما كان فى روما كان للأب الحق فى أن يوافق على انتساب ابن له أو يرفض حتى لو كان ناتجًا عن زواج شرعى، أما البنات فلم يكن الآباء ملزمين إلا بتربية البنت الكبرى فقط‏، ولم تؤدِ مصر البنات كما كان يفعل العرب، فكانت لديهم عادة وأد البنات، والتى كانت بالنسبة لهم عار، فلا حق لها فى الحياة، بينما المصريون القدماء كانوا يقدسون حياة الإنسان، وحق المرأة والطفل سواء كان ذكرًا أو أنثى، فى أن يتربى فى جو أسرى سليم ومجتمعى سليم، كان المصريون جميعًا أمام (ماعت) سواء، فلا فرق بين غنى وفقير، ولا رجل ولا امرأة، لذلك فالجينات المصرية مشبعة بالأخلاق والحب والحقوق والإنسانية، التى علمها أجدادنا للعالم، وما نراه الآن من عنف وغلظة وتطرف وتخلف فى سلوكيات البعض، فهذا ناتج عن سوء تربية، بسبب انتشار أفكار وعادات رجعية جاهلية متخلفة لثقافات صحراوية لا تمت لمصريتنا وحضارتنا بأى صلة.
وتملص هؤلاء الجهلاء من جذورهم المصرية الأصيلة، التى علمت العالم الحب والسلام والجمال، لا تفقدوا الأمل فى وجود انتشار الإنسانية، فإنها كالمحيط، وإذا كانت بضع قطرات قذرة ألقيت فيه، فيمكن ألا تؤثر على المحيط بأكمله، بل ستذوب وتتجانس معه، فالمصريون أول شعب وأول أمة علمت الدنيا، وإلى الآن الأمثلة كثيرة، وليس لها حصر فى المواقف الإنسانية، والعدل والحب لدى المصريين، ففى وقتنا الحالى، بدأت الأم ماجى جبران نشاطها فى خدمة الفقراء، خاصة الأطفال، وشجعت كثيرين على الانضمام إليها فى تلبية احتياجات الأسر الفقيرة، حتى تمكنت من مساعدة نحو 30 ألف أسرة مصرية، تقول ماجى إن الله أعطانا أكثر مما كنا نأمل أو نتخيل، أعطانا فرصة رائعة للوصول إلى الأطفال الفقراء، وإذا أردنا أن نتقرب إليه أكثر علينا أن نستمر فى دعم ومساندة آلاف الأطفال، الذين يحتاجون إلى الحب، ولم تفرق ماجى بين مسلم أو مسيحى فهى تساعد الجميع تحت مسمى مصريين، وتحت شعار الإنسانية فقط، مارسوا المحبة فى بيوتكم، لأنه يجب أن تبدأ محبتنا للآخرين من البيت، ومن الصغر، فاحترام الإنسان وتكريمه من ثوابت الأديان، والإنسانية صلاة أيضًا لها حسناتها، وهى أفضل بكثير من ركعات بعض المنافقين، وهذا القول من أجمل ما قرأت لنجيب محفوظ، المصرى الإنسان.