الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الارتقاء لعقل الإنسان البدائي (2)

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يطلق على نفسه صفة مفكّر، وما هو إلا تابع لقول البعض، ممن تتعارض نظرتهم للأمور عن مجتمعه وتربيته، فيغذى احتياجه للتمرد بتصديقهم تصديقًا أعمى، لكنه فى حقيقة الأمر لم يفكر بنفسه لحظة..
يتشدق بأنه مؤمن، وما هو إلا تابع لقول البعض الآخر، الذى تغذى عليه منذ ولادته وأصبح غير قابل للنقد أو التفنيد.. احتياجه للأمان يغنيه عن الشك فى أى حقائق مطلقة، لكنه لم يؤمن بنفسه أبدًا.
الملحدون يعتقدون أنهم أذكياء لأنهم يتبعون علماء الغرب المتقدم، لكن الحقيقة تقول إن أى اتباع سذاجة وجهل، وأن العلماء منهم الملحد ومنهم المؤمن، بل إن أعظمهم مكانة مؤمنين، بعد بحث صارم فى ثنايا علومهم، عن وجود إله..
المؤمنون يعتقدون إنهم المنتصرون، لأنهم يتبعون كلام السماء الذى لا يمكن لأى شخص مجرد التفكير فيه، وبأنه سيوصلهم للجنة فى النهاية، والتى هى الغاية الأساسية من وجودهم على الأرض. لكنهم يتبعون ما قيل لهم من أى دين ولدوا عليه، فصدقوه دون تردد، ولو فعل إبراهيم نفس فعلتهم، وارتاحت نفسه لأى شيء كبر عليه وتعلمه منذ طفولته، لما بحث عن الله فى الطبيعة من حوله حتى وجده، بنفسه!
الإلحاد والإيمان هما ليسا إلا حالات عقلية، لا يشعر صاحبها باحتياج الدفاع عنها أو نشرها بين الناس وكسب التابعين. هما حالات شخصية وفردية جدًا، إذا ما علم الناس أن من الصعب جدًا الوصول لأحدهما، بعد التجرد من الأفكار المكتسبة مسبقًا، والأفكار التى يحاول البعض تصديرها لاحقًا.. الإلحاد ليس دينًا تبشيريًا كى يبذل متبعوه كل هذا الجهد فى نشره بين الناس، والشعور باللذة عندما يقتنع أحدهم ويتبعه. الإيمان لا يمكن غرزه فى أحدهم أيضًا، بل إنها فطرة إنسانية يولد بها كل الناس، ودور الفرد هو اجتياز رحلة البحث بنفسه حتى يجد الله، الذى هو بطبيعة الحال أقرب اليه من نفسه، ولا يحتاج دعاة كى يصل إلى قلوب خلقه.
إن الحرب التى بدأت فى الظهور مع بداية الألفية الجديدة خطيرة، (الأصولية الإسلامية، ومناهضة الأصولية الإسلامية)، لأن نهايتها ستكون أتعس من كل الحروب السابقة. إنها حرب كل من يشارك بها يجهلون كيفية تشغيل عقولهم، ويحركهم هؤلاء الذين يعطونهم قدرًا عظيمًا من وجهات نظرهم، كالعرائس تمامًا.. ليس علينا أن نفرض معتقداتنا المتطرفة على الناس، وننعت من يرفضها بالكافر تارة وبالإرهابى تارة أخرى. لنضع الأمور فى نصابها، ونأخذ منها أوساطها. إعمال العقل، قبل إصدار الأحكام، ومعرفة أن الإنسان لا يعرف حقًا ما يظن أنه يعرفه، ولذلك ليس عليه أن يتعصب من أجله، عاملان كافيان، كى يتوقف الملحد عن كراهية المؤمنين والتجريح فيهم وفى معتقداتهم والاحتفاظ بأفكاره التى اكتسبها من بعض مشاهير الغرب، ويتوقف المؤمن عن كراهية وتحقير الملحد والتوعد له بالعذاب، والاحتفاظ بإيمانه الذى اكتسبه من ولادته فى أسرة تابعة لدين بعينه وآراء رجال هذا الدين كذلك.
كنت دائمًا، وأعتقد أننى سأظل، واقفة خارج كل الدوائر المغلقة التى غلف بها أهل الشرق بكل أطيافها أنفسهم، كى أستطيع المشاهدة بوضوح لكل الجوانب، لذلك لم أستطع أن أكون جزءًا مشاركًا أبدًا فى أى تجاه محدود بقوانينه البشرية البحتة. اكتفى عقلى بمرحلة تطوره مع ذلك البدائى، حيث تعلم أن يتساءل ومنذ ذلك الحين لم تعرف البشرية سبيلًا للراحة أبدًا.