السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

عندما قالها عبدالناصر.. من الضروري أن تبقى سوريا!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يوم 28 سبتمبر عام 1961م وقع الانقلاب المأجور للإطاحة بالحلم العربى فى الوحدة والانفصال بين مصر وسوريا.
ويوم 28 سبتمبر عام 1970م وبعد 9 سنوات لبى الزعيم جمال عبدالناصر نداء الرحيل تاركًا للأجيال ميراثه من المبادئ، وتراثه من الرصيد الهائل المتدفق من مسيرة النضال، قالها فى أوج مرارة الانفصال وأكدها لكى نتذكرها وتتداولها الأجيال.
قالها يوم 5 أكتوبر 1961م إننى أشعر فى هذه اللحظات بأنه ليس من الضرورى أن تبقى سوريا جزءًا من الجمهورية العربية المتحدة، وبكل شجاعة قال: «لكن من الضرورى أن تبقى سوريا» وسقطت دولة الانفصال السورية وقتها فكررها بعد أن صاحب الانقلاب ظروف اقتربت بسوريا من حافة الحرب الأهلية فقال «أننى على استعداد أبذل كل جهد فى طاقتى للمشاركة الإيجابية تجنب سوريا كل سوء يتهددها ولا أبغى ولا أريد من هذه المحاولة إلا أن أؤدى واجبى كمواطن عربى يؤمن بعزة سوريا، وبضرورة سلامتها لمستقبل النضال العربى، كانت هذه سوريا، هل أصبحت هذه المبادئ التى طرحت منذ عقود تتحقق فيها المجد والازدهار السياسى أم دخلت تحول الصراع السورى سواء فى مساره العسكرى والكارثى والمسار التفاوضى المعقد لتكون هذه القلعة القومية إلى واقع خجول، تحول وقت الانفصال إلى الشركة الاقتصادية الخماسية أيام عبدالناصر وقضت وقتها على آمال الأمة العربية... لتأتى الشركة الخماسية السياسية من خارج الحدود لتدعو سوريا بالإكراه وشعبها على المائدة، فالعملية صفقة لأمة غالية تكالب عليها الجميع يريدون شراءها بسعر رخيص، رغم أنها غالية وطنيًا وعرقيًا وروحيًا وشرف عروبيًا وتاريخًا ونضاليًا، يحاولون اغتيال ونسف هذا المجد والانتصار الدموى وصراعًا يقاوم فيه أبناء الشعب السورى هذه الشبكة من المصالح.. مصالح على السواء روسية.. أو أمريكية أو عثمانية، فالكل يحاولون أن يكونوا أطرافًا على الأرض السورية، هل هناك شىء اسمه (الرعاية الأممية للجلوس على هذه المائدة التى يطلق عليها التفاوض) وفجأة يتحول هذا السيناريو الرؤى المسىء إلى عملية تقاطع المصالح أو بمعنى أدق «تقطيع» بعيدًا عن المصلحة الوطنية بسوريا، هذا الشعب يتعرض لكيان تخيلى افتراضى تحت أكذوبة (خارطة طريق) هذا المصطلح اللعين، هل تتحول هذه الراية العملاقة إلى مهجرين.. نازحين يدفعون ثمنًا لانحسار مفهوم السيادة الوطنية.
الجميع أصبح الآن مستفيدًا بالوضع سوريا.. أمريكية بريطانية فرنسية.. تركية.. إسرائيلية، وهو أسوأ من الوضع الذى رتبته أوضاع «سايكس بيكو» أوضاع لا إخلاقية تتعرض لها المأساة لهذا الشعب الأبى، وهذه الموازين المتحركة للقوى الفاعلة والإملاءات من كل جانب بالأشكال المتعددة والمحطات التفاوضية هى مجرد تفاصيل هامشية ضعيفة القدرة منعدمة الرؤية الواضحة، وهذه الخريطة المعقدة التى لا توجد لها «أجندة» لها قدرتها على الإدراك ما جعل قضية إسقاط النظام تتأرجح مثل البندول سواء بالنسبة من خلال التغيير السياسى أو إيجاد البديل المقنع فى السياسة والإرادة.
وبعيدًا عن الائتلاف تحت مختلف المسميات أو جهود صديقنا المبعوث الأخضر الإبراهيمى وسواء كانت روية خضراء أو حمراء فقد تخصص هذا المبعوث دائمًا تفسيرات متباينة وكان أمام فشله جاء المبعوث ستيفان دى مسيتورا واختيار السقف السياسى غير المناسب للمفاوضات وصنيع الحكومات المشتركة أو هيئات حكم تفتقر إلى المصداقية وقضية دستور بدون ديباجة وهذا وصلت الأوضاع إلى أصعب فترات فى الأطروحات من العنف والترهل، وإنعدام إستراتيجية تفاوضية، وتراوحت الأفكار بين دولة مدنية ما تطرح معها أسئلة هل ستصبح دولة طائفية أو دينية أو عسكرية؟
يقوم البناء السياسى على أساس عرفى أو مذهبى أم يتم إنتاج نموذج جديد لسوريا ويلوح فى الأفق ورقة جديدة لكى يجد ترامب مخارج الذى يتعرض به، هى ورقة الخيانة الأمريكية لحلفائها فى سوريا، فقد باعت الإدارة الأمريكية حلفاءها الأكراد والفصائل السورية، وهو على غرار ما حدث من الإدارة الأمريكية ماحدث عام 1975م مع الأكراد العراقيين، ويبدو أن أمريكا أصابها اليأس من سقوط الأسد ما جعلها تعيد أوراق اللعبة مرة أخرى واختيارات جديدة للمناطق العازلة ووضع جدول زمنى يصل إلى أربع سنوات.
لقد تاهت أمام العبارات الكريهة «استراتيجية الأحلاف التكتيكية» والنظم والمناهج كل هذه لم ينتج منها سوى إعصار بشرى دمر على أكثر من نصف مليون إنسان، ويبدو أن عملية التحالفات والتباديل سترشح المزيد من تصعيد الموقف فى سوريا، وإذا كانت (أدلب) تنتظرها ساحة للصراع فإن هذه هى الأقليم الذى صدر قرار الرئيس عبدالناصر عام 1958م بتحويلها إلى محافظة وكل شبر فى أرض سوريا ينبض بعشق عبدالناصر، كان رومانسيًا امتلأت حبه، وأصبحت كلمة السر السياسة فى حياته شيئًا أساسيًا، قال عن بلادها الجنة، وحفرت فى ذاكرته لهفة الجماهير التى رفعت سيارته وهتفت من أعماقها باسمه لكن النهاية كانت مأساوية، فتحولت سوريا منارة العروبة الواحة التى كانت أمنه إلى دمعة بكائية تنتظرها حاليًا قوى الظلام والإظلام لأرض الفروسية.. أرض الشام.. تراحموا على عبدالناصر، الذين رفعوا فى وجهه راية العصيان على الوحدة، رغم إنه قال إن ما تريده القاهرة قبل وحدة دمشق معها هو وحدة دمشق مع نفسها، وحدة جميع العناصر الوطنية التقدمية فى سوريا ذاتها، أن ما تريده القاهرة أن تراه ليس هو تقدم دمشق فى اتجاهها وإنما تريد تقدم دمشق ذاتها، وفى ذكراك وذكرى الانفصال كلمة وحيدة «قتلناك يا آخر الأنبياء».