الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة القبطية

"البوابة نيوز" في زيارة لدير الأنبا شنودة رئيس المتوحدين بسوهاج

دير الأنبا شنودة
دير الأنبا شنودة
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
مركز إشعاع روحى فى قلب الصحراء يضم أكبر كنيسة أثرية بمصر
مغارة الجبل المقطوعة تتحول إلى كنيسة باهرة الجمال.. والأهالى يأتون لتعميد الأطفال
وليم عدلي: «السياحة» أعلى درجات الرهبنة.. والأنبا شنودة دافع عن الهوية القبطية فى مواجهة اليونانية
«النهضات الروحية» تشمل الصلوات والعظات المسائية.. و«الموالد» لا تليق بالمناسبات الدينية
يمثل دير الأنبا شنودة رئيس المتوحدين، واحدا من أهم ركائز الحضارة القبطية بالجبل الغربى بمحافظة سوهاج بصعيد مصر، حيث يضم أكبر وأجمل كنيسة أثرية هناك.
واصطحبنا الخادم الكنسى وليم عدلى، الخادم بكنيسة نجع الشيخ علام، فى جولة بين جنبات الدير الأثرى ومنشآته الحديثة.
مزار القديس بولس
قبل وصولنا إلى الدير، مررنا على مزار القديس بولس العابد المقارى، وهناك وجدنا عددا من الزوار ذهبوا للحصول على بركة القديس، وآخرين ذهبوا يقدمون نذورهم بحب. 
وسألنا مرافقنا وليم عدلي، عن القديس بولس، ولماذا دفن بالقرب من دير الأنبا شنودة، فقال إن هذا القديس غير مشهور بالنسبة للكثيرين، وقد كتب سيرة حياته تلميذه الأنبا تيموثاوس، الأسقف العام، وهو مدفون بنفس المزار، وحسب هذه السيرة فقد ولد بولس عام 1865، وترهب بدير القديس أنبا مقار بوادى النطرون، ورسم قسًا فقمصا، وأحب حياة الوحدة فتوحد بدير العزب بالفيوم، ثم سكن مغارة بقرب القصر والصياد بجوار نجع حمادى.
وأضاف: على باب مغارته، ربى القديس بولس ضبعا لا يبارحه، فإذا شعر القديس بقدوم أحد إليه كان يخرج ويأمر الضبع بالابتعاد حتى يأتى القادم وبعد أن يمضى يرجع لمكانه ثانية، وعاش بولس فى حياة صلاة مستمرة بلا فتور مرتلًا بالمزامير ليلًا مع نهار.
ولنسكه وزهده وصلاته اشتهر باسم «أبونا بولس العابد»، وقامت عليه حروب شيطانية ولكنه بنعمة الله انتصر عليها بقوة الصليب المجيد، وطلب منه أبونا مينا المتوحد (البابا كيرلس السادس فيما بعد) أن يرافقه فى وحدته، ولكن القمص بولس اعتذر لأنه آلف أن يعيش منفردًا.
وتابع، أثناء زيارته كعادته لدير السريان، ضل القديس بولس الطريق وتاه بالصحراء، فصلى طالبا معونة الرب، فتراءى له شيخ وأعلمه أن الله أتاهه فى الطريق ليضمه للآباء السواح، وقاده الشيخ لجماعة السواح، والسياحة هى أعلى درجة فى الرهبنة، حيث لا يتقيد الراهب السائح بقواعد الزمان والمكان، وأصبح أبونا بولس واحدا منهم، وفى شركة معهم فى صلواتهم وقوانينهم، وقد عرفوه ببعض أسماء الذين عاشوا حياة السياحة، ومنهم الأنبا إبرام أسقف الفيوم وتلميذه القمص ميخائيل البحيرى، وأثناء هذا اللقاء طلب منه السواح أن يترك رائحة العالم (كان يحمل معه بعض النقود)، فتركها عند باب المغارة وعقب أول مقابلة اختطفه ملاك إلى دير السريان، وقد منحه الله القدرة على صنع الآيات وشفاء المرضى ووهب له معرفة خفايا القلوب وبالأخص للمتقدمين للتناول. 
ويقول «عدلي» إن سيرة القديس بولس تذكر أن العذراء مريم ظهرت له، وأمرته أن يهتم بكنيستها بالعسيرات بعد أن أوشكت على السقوط، فاهتم بالأمر وأعاد بناءها رغم مرضه وشيخوخته.
ويذكر مرافقنا أن هناك ثلاثة أمور كانت مكروهة لأبينا بولس العابد، أولها الخطية، وثانيها الشيطان، وثالثا حب الرئاسة، حيث رفض أن يكون رئيسا لدير أبومقار، كما رفض أن يكون أسقفًا للبلينا، قائلا: «ابعدوا عنى الرئاسة واتركونى أكمل طريقى الذى أراده لى المسيح».
وكان محبًا للعطاء بما يجود به الرب عليه، احتمل آلام المرض بصبر وشكر ولم يتهاون فى عبادته، وبعد أن أكمل جهاده توفى فى 16/6/1965، وفى وصيته طلب أن يدفن بدير الأنبا شنودة رئيس المتوحدين بسوهاج، حيث أصبح المزار هدفا لمن يزور الدير.
الدير الأبيض
وتركنا مزار أبونا بولس العابد، واتجهنا نحو دير رئيس المتوحدين، والمعروف باسم الدير الأبيض، ليحدثنا خادم كنيسة نجع الشيخ علام، عن الأنبا شنودة رئيس المتوحدين، والذى قال إنه واحد من أهم مؤسسى الرهبنة فى القرنين الرابع والخامس الميلادى، وقد ترهب منذ أن كان صبيا صغيرا، لأن خاله الأنبا بيجول كان رئيسا للدير، ولقبه «أرشمندريت» أى رئيس المتوحدين، لأنه كان يمارس حياة الوحدة فى مغارة بالجبل تسمى «القطعية» من حين إلى آخر، وبذلك جمع بين نظامين للرهبنة، وهما الحياة المشتركة فى الأديرة والعزلة، وفى فترة رئاسته للدير قاد حوالى 2200 راهب و1800 راهبة.
واهتم الأنبا شنودة بالقومية القبطية ضد القومية اليونانية، وتحمس جدا لذلك ورفض أن يقبل رهبانا من غير المصريين، وكتب عظات بليغة عديدة باللغة القبطية، وبعض الكتب تذكر عنه أنه كان صارما جدا فى تنفيذ القوانين ومعاقبة المخطئين. 
أما عن سبب تسمية ديره بالدير الأبيض، فيقول «عدلي» إن هذا اللقب انتشر لأن الدير مبنى بالحجارة البيضاء، على خلاف الدير القريب منه، وهو دير الأنبا بيشاى والمعروف بالدير الأحمر لأنه مبنى بالطوب.
وأضاف أن الدير يبعد عن سوهاج نحو 12 كيلو، وهو يشبه لحد كبير المعابد الفرعونية الكبيرة، ويبلغ ارتفاعه نحو 12 مترا، لم يبق منه غير الكنيسة الرئيسية، وهى أكبر كنيسة أثرية بمصر حاليا، وتأخذ الكنيسة شكل مستطيل، يمتد محوره الطولى من الشرق إلى الغرب ويبلغ طول الحائط الشرقى 36 مترًا و75 سم والحائط الغربى 36 مترًا و90 سم، والشمالى 74 مترًا و60 سم والجنوبى 74 مترًا و82 سم.
وللكنيسة 6 مداخل، ثلاثة منها كبيرة وأخرى أقل حجمًا، اثنان لكل من الواجهات الشمالية والجنوبية والغربية، وقد سُدت جميعها ولم يتبق منها سوى المدخل الرئيسى من الناحية الجنوبية، وصحن الكنيسة به بقايا عدد من الأعمدة كما أن الهياكل تعلوها أيقونات جميلة جدا.
منشآت حديثة وكنيسة فخمة
وسألنا مرافقنا عن المنشآت الحديثة بالدير، ومنها كنيسة فخمة، فقال إن الرهبنة عادت للدير حديثا، واعترف المجمع المقدس للكنيسة القبطية الأرثوذكسية برئاسة البابا شنودة الثالث بالدير فى عام 1997، وتولى الأنبا يؤانس أسقف أسيوط حاليا وقتها الإشراف على الدير، حيث بدأت نهضته على مرحلتين، الأولى تشمل ترميم المبانى الأثرية، والثانية نهضة معمارية حديثة تم فيها تشييد عدد من القلالى وهى مساكن الرهبان، وكذلك كنيسة حديثة وجميلة باسم القديس الأنبا كاراس السائح، وصارت هذه الكنيسة قبلة الزوار لجمالها وحسن تنسيقها، حيث توجد الكنيسة نفسها فى الدور الثالث من المبنى، وهناك أسانسير ينقل المصلين والزوار إليها.
وهناك أيضا النافورة التى صممت بشكل جذاب، حيث توزع الإضاءة والمياه بين تمثال للسيد المسيح راعى الخراف الصالح، كما تم إنشاء عدد من مبانى الخدمات التي يعمل فيها الدير فى مجالات تنموية مهمة وخاصة فى فترة الزيارات السنوية.
وأكد «عدلي» أن الدير قبلة الزوار طوال العام، وخاصة خلال شهرى يوليو وأغسطس، وهى فترة النهضة الروحية السنوية.
وتحرص الأديرة حاليا على إقامة النهضة الروحية بديلا عن فكرة الموالد، لأن كلمة الموالد، والحديث لـ«عدلى»، لا تليق بالمناسبات الروحية، وأيضا أفعالها ولذلك فمن الرائع أن يتم إقامة نهضات روحية، تشمل صلوات القداسات والعظات المسائية، وأيضا فرق الترانيم وممارسة سر المعمودية للأطفال، فهذا هو الوضع الصحيح، ولا بد من معاونة الأديرة على إتمامه بالحفظ على قدسية الأماكن، والحرص على النظام وتحقيق الفائدة من الرحلة أو الزيارة.
مغارة الجبل
ثم استقلينا سيارة صغيرة، صعدنا بها إلى الجبل، حيث مغارة الأنبا شنودة والتى تم تمهيد الطريق إليها بحيث تصعدها السيارة فى وقت قصير، وقال «عدلي» إن من ثمار النهضة المعمارية الحديثة للدير هو تمهيد الطريق الجبلى للمغارة، حيث أصبحت السيارات تصعده فى سهولة ويسر.
ومنذ سنوات قليلة مضت كان الصعود للمغارة أمرا شاقا ومرهقا على الزوار لتسلق الجبل والتعثر فى السير بين الصخور والرمال، وفور وصولنا للمغارة انبهرنا من تحويلها من مغارة مقطوعة فى بطن الجبل وكهف مظلم، إلى كنيسة غاية فى الجمال والروعة، تم نحت مجسمات للقديسين على جدرانها، ما جعلها تشبه متحفا للفن الروحى والراقى الجميل، كما تم إنشاء عدد من المعموديات التى يتم تعميد الأطفال فى داخلها، الأمر الذى يعطى تميزا للأطفال والعائلات التى تحرص على إتمام سر المعمودية فى هذا المكان المبارك، والذى تحول إلى مركز إشعاع روحى منير فى قلب الصحراء.