الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

دراسات المركز العربي

الهند تتعامل مع الملف السوري بمبدأ المصالح الاقتصادية

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تشهد الدولة السورية عددًا من التهديدات والتحديات على غرار عمليات التحرير التى تخوضها فى المناطق التى تتمركز فيها الجماعات الإرهابية، والمعارضة المسلحة فى سياق الرغبة فى إعادة توحيد الجهود الداخلية لإعادة الإعمار فى مرحلة ما بعد الحرب لعودة الاستقرار الداخلى بمساعدة بعض الحلفاء الاستراتيجيين من القوى الإقليمية والدولية الفاعلة فى النظام العالمى. وعليه؛ فقد دعت الحكومة السورية الهند للمشاركة فى جهود إعادة الإعمار عبر تقديم تسهيلات خاصة تتمثل فى إعفاءات ضريبية، كما شاركت نيودلهى فى معرض دمشق الدولى الذى أقيم خلال الفترة بين ٦ إلى ١٥ سبتمبر ٢٠١٨؛ ومن خلال ٣٠ شركة هندية وبوفد برئاسة «سوشما سواراج» وزيرة شئون الخارجية الهندية، والتى شاركت فى اجتماع لجنة الأعمال المشتركة بالتوازى مع المعرض. 
لم تكن هذه الدعوة الأولى التى تتلقاها نيودلهى من قبل دمشق فقد تجلت سابقًا فى دعوة السفير السورى لدى الهند يوم الأربعاء ١ أغسطس ٢٠١٨ الشركات الهندية والمستثمرين إلى المساعدة فى إعادة بناء سوريا التى عانت ويلات الحرب، قائلًا: «سوريا قادرة على هزيمة الإرهابيين وجميع المؤامرات التى تُساق ضدها». 
معربًا عن خطة الحكومة السورية فى إعادة بناء سوريا بمساعدة الحلفاء وفى مقدمتهم الهند، وذلك فى سياق تمكن الحكومة السورية من استعادة الكثير من الأراضى السورية التى سيطرت عليها الجماعات المسلحة من خلال الخروج الآمن وتسليم أسلحتهم دون تدخل عسكرى، بالإضافة إلى الدعم الروسى والإيرانى للضربات الجوية السورية على معاقل التنظيمات الإرهابية الرافضة للخروج والتفاوض مع النظام.
العلاقات الهندية السورية
تتمتع الهند وسوريا بعلاقات قوية وتاريخية، تمت بلوراتها بعد حصول الهند على الاستقلال، فقد حافظت نيودلهى دائمًا على استمرار وجود علاقات مستقرة مع دمشق؛ حيث تعود العلاقات بين البلدين إلى عام ١٩٤٨ عندما كانت سوريا العضو العربى فى مجلس الأمن وقامت بدعم باكستان فى قضية كشمير بناءً على طلب من مصر، وفى المقابل قامت الهند بالاعتراف بإسرائيل فى عام ١٩٥٠، الأمر الذى أثار مشاعر الاستياء العرب. بدأت الشراكة الهندية مع العرب بصفة عامة وسوريا بصفة خاصة مع صعود القومية العربية وتبنى «جمال عبدالناصر» الرئيس الراحل «للجمهورية العربية المتحدة حركة عدم الانحياز؛ حيث تمكن عبدالناصر من توثيق العلاقات مع الهند برغم من جهود باكستان لتحقيق التضامن الإسلامى حول قضية كشمير.
ومع ذلك، دفع توطيد السلطة من النظام الحاكم فى عهد الرئيس الراحل «حافظ الأسد» فى عام ١٩٧١ لإقامة شراكات جديدة خارج منطقة الشرق الأوسط كوسيلة لمواجهة العزلة الإقليمية الناتجة عن التنافس السورى مع إسرائيل ودول الخليج. 
خلال هذه المرحلة، وجدت نيودلهى أنه من الأسهل العمل مع دمشق، مما أدى إلى التعاون والتوافق الهندى السورى فى كثير من القضايا السياسية التى لا تزال مثارة حتى الآن. هذا بجانب دعم سوريا للهند فى قضية كشمير، وعلى الرغم من كون دمشق قوة غير رئيسية فى المنطقة، فإن دعمها لموقف الهند بشأن كشمير كان موضع ترحيب. 
الموقف الهندى من الأزمة السورية
انتهجت نيودلهى موقفًا موحدًا من الحراك الثورى فى المنطقة العربية نابعًا من سياسة واقعية خاصة مع سوريا تتوافق مع مصالحها الوطنية الرامية إلى تحقيق الاستقرار الداخلى بالتوازى مع تنفيذ أهداف التنمية المستدامة، لذا جاء موقفها من سوريا غير مبرر بل جسد واقعية سياساتها الخارجية رغم تغير الأنظمة الحاكمة. 
فمع اندلاع الثورة السورية وتحولها إلى صراع مسلح بين الفاعلين من غير الدول والفاعلين الدوليين، تعاملت الهند مع هذه الأزمة بحكمة واعتدال من خلال استمرار العلاقات الدبلوماسية بين البلدين واستمرار بقاء السفارة مفتوحة من خلال وجود القائم بالأعمال، ومع ذلك، لا تخطط الهند فى الوقت الحالى لتعيين سفير جديد فى سوريا، معتبرة الوضع خطيرًا للغاية. سعت الهند إلى تقديم نفسها كحليف وشريك مهم لدمشق فى مرحلة ما بعد الحرب من خلال المشاركة فى عمليات إعادة الإعمار تجسدت فى مايو ٢٠١٤ فى زيارة وفد من رجال أعمال من قبل الغرفة التجارية الهندية التى تتخذ من دلهى مقرًا لها ASSOCHAM وتحت قيادة مجموعة Cosmos، لمناقشة الفرص التجارية المتحملة بين الجانبين. كما سلطت الحكومة السورية الضوء على الدور المحتمل للهند فى عملية إعادة البناء بعد انتهاء الحرب الأهلية.
كما حافظت الهند على صمتها فى ٤ أبريل ٢٠١٧، إبان الهجوم الكيماوى على بلدة خان شيخون الواقعة فى إدلب -(محافظة فى شمال سوريا يسيطر عليها تحالف الجماعات المتمردة)- حيث شهد العالم أطفالًا وكبارًا اختنقوا حتى الموت، أسفر عنها قتل ما يقرب من ٨٥ شخصًا (من بينهم ٢٠ طفلًا) ما يدل على موقفها «المتوازن» فى مسألة الحرب الأهلية المستمرة. وفى هذا الصدد دعمت الحكومة الهندية برئاسة رئيس الوزراء «ناريندرا مودي» النظام السورى بشكل مباشر وغير مباشر من خلال انتهاج مبدأ عدم التدخل فى الشأن الداخلى السورى مع دعم استمرار النظام الحاكم لعدم إثارة الفوضى وعدم الاستقرار على غرار الأوضاع فى ليبيا، وعليه فقد دعمت دمشق حضور نيودلهى مؤتمر «جنيف-٢»، كما تعتبر الحكومة السورية الهند صديقًا هادئًا. 
وفيما يتعلق بموقفها من الضربات العسكرية الغربية فى سوريا والانضمام للتحالف الدولى ضد الإرهاب فقد نأت الهند بنفسها عن الضربات العسكرية فى سوريا، ودعت إلى الحوار والمفاوضات، وعلى أساس مبادئ ميثاق الأمم المتحدة وبما يتفق مع القانون الدولى، وذلك تجنبًا للتصعيد.
مرتكزات التعاطي الهندي مع سوريا
انتهجت نيودلهى مبدأ عدم الانحياز فى سياساتها الخارجية؛ حيث عدم الانخراط فى الصراعات الداخلية، كما استمرت على هذا النهج مع قدوم الحكومة الجديدة فى عهد الرئيس «مودي» بالرغم من اتباعها سياسات أكثر انفتاحًا فإنها ما زالت رافضة فى الإشراك فى سياسات دول المنطقة واتخذت نهجًا مماثلًا فى التعاطى معها باعتبارها شأنًا داخليًا، ويرجع ذلك إلى عدد من المرتكزات التى استندت عليها العلاقة بين الجانبين على النحو التالى: 
١- الحفاظ على الأمن القومي؛ يرجع ذلك إلى تخوف الهند من دعم الحراك الشعبى فى المنطقة أن ينعكس عليها بشكل سلبى خاصة فيما يتعلق بنقل حالة الصراع وعدم الاستقرار إلى أراضيها، وفى نفس السياق تشعر الهند بقلق من تنامى الفاعلين العنفين من غير الدول داخل المنطقة واحتمال تسربهم إليها خاصة إذا حاولت التدخل فى سياق التحالف الدولى ودعم بعض الأنظمة فى مواجهتهم خاصة أنها تعانى من تهديدات إرهابية من دول الجوار مثل باكستان. 
٢- حماية أمن الطاقة؛ تسعى الهند إلى حماية أمنها فى مجال الطاقة بعيدًا عن الصراعات الدولية تخوفًا من تعرض أسعار الطاقة العالمية إلى اهتزازات تكاد تأثر على الاقتصاد والتنمية فى الهند بشكل كبير؛ حيث يمثل ملف الطاقة من أهم محددات العلاقة بين الهند ودول المنطقة العربية. 
٣- مراعاة المصلحة الوطنية؛ تتبنى الهند سياسات خارجية تتوافق مع المصلحة الوطنية للدولة وعليه تسعى إلى الحفاظ على الأوضاع الراهنة فى المنطقة بعيدة عن حالة الفوضى وعدم الاستقرار لضمان استمرار تدفق التحويلات المالية من العمالة الهندية الوافدة إلى دول المنطقة. 
٤- بناء علاقات متوازنة؛ تحاول الهند حماية مصالحها مع دول الخليج العربى التى اتخذت مواقفًا متباينة من حالة الحراك الثورى الذى شهدته بعض الدول العربية، لذا فقد سعت إلى تبنى موقف موحدًا غير متعارض معهم للحفاظ على استقرار العلاقات القائمة والمستندة إلى العاملين مهمين وهم تدفق تحويلات العاملة الهندية واستمرار استقرار أسعار الطاقة وتدفقها. 
٥- التقارب مع العالم الإسلامي؛ تحاول نيودلهى استغلال الصراع فى المنطقة العربية للتقرب بشكل حذر مع سوريا وذلك نتيجة حالة العزلة غير المباشرة التى تواجهها من قبل العالم الإسلامى المتضامن مع باكستان. ومن المؤكد أن مخاوف نيودلهى ستزداد، بعد أن فقدت اثنين من أهم حلفائها الأساسيين -صدام حسين ومعمر القذافى- المؤيدين لصالحها فيما يخص كشمير لذلك، سيظل الحفاظ على علاقاتها مع دمشق أداة للدبلوماسية الهندية.
وعليه من المتوقع أن تستمر العلاقات بين البلدين على هذا النحو من خلال التعاطى الحذر الذى يدعم الاستراتيجية الوطنية للهند فى المنطقة العربية، خاصة فى ظل اقتراب موعد الانتخابات التشريعية فى ٢٠١٩ التى تلقى بتحديات جديدة على الحكومة الحالية.
لذا تعد العلاقات الهندية السورية ذات طبيعة برجماتية تتحكم فيها أبعاد ذات طبيعة جيواستراتيجية، وتستند إلى توازنات القوى فيما بينهم فكلا الجانبين يتخذ من الآخر حليفًا ليوازن علاقاته مع القوى الدولية الأخرى.