الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

"الإخوان" على أبواب "قصر قرطاج"

حركة «النهضة» الإخوانية
حركة «النهضة» الإخوانية في تونس
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
«النهضة» تشارك فى ائتلافات للتغلغل سرًا فى مؤسسات الدولة وعرقلة العلمانيين
الهيئة السياسية لـ«نداء تونس» تجمد عضوية الشاهد.. والإخوان يجهزون «الغنوشى» فى الانتخابات الرئاسية

لم تفوت حركة «النهضة»، المحسوبة على «الإخوان»، أى مناسبة للادعاء أنها تخلت عن السلطة طواعية فى 2013 من أجل استقرار تونس، إلا أن الوقائع على الأرض، وتأزم الأوضاع فى البلاد، يكشف عكس ذلك، ويرجح أيضا، أن ما قامت به الحركة حينها لم يكن أكثر من مناورة سياسية، للإفلات من مصير «الجماعة الأم» فى مصر، وبانتظار تحين الفرصة لتصدر المشهد مجددا.
فالأحداث المتلاحقة فى تونس منذ تعليق المشاورات بين القوى السياسية فى ٢٨ مايو الماضى حول «وثيقة قرطاج ٢»، التى ستحدد المسار السياسى والاقتصادى والاجتماعى للبلاد خلال الفترة المقبلة، وما أعقبها من حرب كلامية وتبادل للاتهامات بين «النهضة» وحزب «نداء تونس»، الذى يقود الائتلاف الحاكم فى البلاد، لم تكن سوى حلقة جديدة فى سيناريو رسمه «إخوان تونس»، فيما يبدو، لإضعاف منافسيهم، بما يسمح بعودة «النهضة» بقوة فى الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقررة فى نوفمبر ٢٠١٩، وعدم الاكتفاء هذه المرة برئاسة الحكومة مثلما حدث فى أعقاب ثورة ١٤ يناير، وإنما أيضا الوصول إلى قصر قرطاج الرئاسي، وبالتالى احتكار السلطة بالكامل.
ورغم مزاعم «النهضة» المتكررة حول حرصها على التوصل للتفاهم مع «نداء تونس» حول اختيار رئيس توافقى فى انتخابات ٢٠١٩، بل وتلميحها أيضا إلى دعم ترشح رئيس الحكومة يوسف الشاهد لهذه الانتخابات، إلا أن الأزمة الحادة، التى تفجرت مؤخرا داخل «نداء تونس»، وانتهت فى ١٤ سبتمبر، بتجميد عضوية الشاهد فى الحزب، أظهرت أن النية مبيتة لتأزيم المشهد السياسى فى تونس، وأن الفرص محدودة، إن لم تكن منعدمة أمام العلمانيين لتكرار ما حدث فى ٢٠١٤، عندما فازوا فى الانتخابات الرئاسية. 
فمنذ تخليها عن السلطة، حرصت «النهضة» على شق صف «نداء تونس» بزعامة الرئيس الباجى قائد السبسي، وذلك بموافقتها فى البداية على مشاركة العلمانيين فى تشكيل الحكومة عقب الانتخابات البرلمانية فى ٢٠١٤، والتى أسفرت عن نتائج متقاربة بينهما، ما تسبب حينها فى انشقاقات داخل «نداء تونس»، وأضعف من شعبية الحزب، بالنظر إلى الغضب الشعبى الواسع حينها من ممارسات الإسلاميين.
ولم يتوقف الأمر عند ما سبق، إذ وجهت أيضا اتهامات لـ«النهضة» بأنها شاركت فى ائتلافات حكومية مع «نداء تونس»، للتغلغل سرا فى مؤسسات الدولة، وعرقلة العلمانيين عن تحقيق إنجازات ملموسة، بما يفسح المجال أمامها مجددا للعودة للسلطة.
وجاءت مواقف النهضة خلال نقاشات «وثيقة قرطاج ٢»، لتكشف أكثر أبعاد مخططها، إذ طالب «نداء تونس» بتغيير شامل للحكومة الحالية برئاسة يوسف الشاهد، لتجاوز الأزمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية الحادة، التى تعيشها البلاد، وساندها فى ذلك الاتحاد العام التونسى للشغل، وعدد من الموقعين على وثيقة «قرطاج١»، وهى وثيقة سياسية وقعتها تسعة أحزاب وثلاث منظمات تونسية فى ٢٠١٦، وتضمنت خطوطا عامة للسياسات الاقتصادية والاجتماعية فى البلاد، بينما تمسكت «النهضة» باستمرار الشاهد، بزعم الحرص على الاستقرار الحكومي، واستمالته أيضا إلى جانبها، وبعيدا عن حزبه «نداء تونس»، بالتلميح أنها ستدعمه فى حال قرر الترشح فى الانتخابات الرئاسية المقبلة، ولذا، استجاب لطلب الحركة فى يونيو الماضي، بإقالة وزير الداخلية القوى لطفى براهم، والتى كانت تخشى أن يعرقل مخططاتها، ويشكل بديلا علمانيا قويا، خاصة أنه ساهم فى عودة الاستقرار، وتحجيم العمليات الإرهابية. 
وبالنظر إلى إعلان الناطق الرسمى باسم حركة النهضة، عماد الخميرى فى ٢٨ يونيو الماضي، أن زعيم الحركة راشد الغنوشى يمتلك كل الإمكانيات ليكون رئيسا للجمهورية، فقد فسر البعض رفض النهضة إسقاط حكومة الشاهد، برغبتها فى شق ما تبقى من صف حزب «نداء تونس»، وإضعافه حتى لا يكون منافسا لها فى انتخابات ٢٠١٩، بالإضافة إلى استغلال الشاهد فى تحقيق المزيد من التغلغل داخل مؤسسات الدولة، والتراجع بعد ذلك عن دعمه، بل وتحميله أيضا مسئولية الأزمات المستفحلة فى البلاد، بما يقضى على فرصه فى الترشح للرئاسة، ويسهل وصول الغنوشى لــ«قصر قرطاج»، ما يؤكد أن من يتحالف ويراهن على الإسلاميين يخسر دائما، إذ دفع «نداء تونس» فى البداية فاتورة باهظة، بانشقاق أبرز قياداته وتشكيلهم حوالى أربعة أحزاب جديدة، بالإضافة إلى تراجع شعبيته، والتى ظهرت فى الانتخابات البلدية، التى أجريت فى ٦ مايو الماضي، إذ حل فى المرتبة الثالثة، وانتهاء بصراع داخلى غير مسبوق فى صفوفه، أسفر عن تجميد عضوية الشاهد، واتجاهه إلى تشكيل كيان سياسى جديد. 
ففى ١٤ سبتمبر، قررت الهيئة السياسية لـ«نداء تونس» تجميد عضوية الشاهد فى الحزب، متهمة إياه بـ«الانشغال بالمناورات السياسية وشق وحدة الأحزاب والكتل البرلمانية، بدلا من التركيز على مشاكل البلاد».
وجاء هذا القرار بعد أن عقد الشاهد اجتماعا بنواب من «نداء تونس»، أعقبه استقالة ٨ منهم، أعلنوا فيما بعد التحاقهم بكتلة الائتلاف الوطني، التى أُعلن عن تكوينها بداية سبتمبر، وتضم ٣٤ نائبا ويتردد أنها قريبة من رئيس الحكومة.
ويبلغ عدد نواب «نداء تونس» حاليا ٥٥ نائبا، وباستقالة النواب الثمانية تقلصت كتلة الحزب إلى ٤٧ نائبا، فى حين ارتفعت كتلة الائتلاف الوطنى إلى ٤٢ نائبا، بينما «النهضة» هى صاحبة أكبر كتلة نيابية «٦٨ من أصل ٢١٧ نائبا فى البرلمان التونسي»، ما يعنى أنها سترتب مع الشاهد، قبل التضحية به، الأوضاع فى البلاد، بما يهيئ الأرضية أمامها لحسم انتخابات ٢٠١٩ الرئاسية والبرلمانية لصالحها.
ولعل تراجع الغنوشى عن تصريحاته فى ٢٠١١ بعدم الترشح لأي مناصب فى الدولة، يكشف أيضا عن أن هناك إصرارا داخل الحركة على احتكار السلطة فى المرحلة المقبلة.
ففى ٤ مايو الماضي، قال الغنوشى صحيفة «الشروق» التونسية، إن النظام الداخلى للنهضة يقر بأن رئيس الحركة هو مرشحها الطبيعى لانتخابات الرئاسة، ولكن تنزيله فى الواقع ليس آليا، والترشح للرئاسة أمر تتداخل فيه معطيات عديدة منها ما هو داخلي، وهناك أيضا ما هو إقليمى ودولي، أى أن تطبيق هذا النظام الداخلى له حسابات الزمان والمكان»، حسب تعبيره.
وفى ٢٨ يونيو الماضي، قال الناطق الرسمى باسم حركة النهضة، عماد الخميري، إن الغنوشى يمتلك كل الإمكانيات ليكون رئيسا للجمهورية، وفى رده على إعلان الغنوشى فى ٢٠١١، أنه لن يترشح إطلاقا لأى منصب فى الدولة، أجاب الخميري، قائلا: «راشد الغنوشى، عندما صرح فى ٢٠١١ بأنه لن يترشح لأى منصب فى الدولة، كان موقفه مبنيا على ظروف البلاد فى تلك الفترة»، لافتا إلى أن «تغير الموقف جاء نتيجة لتغير ظروف البلاد»، على حد قوله.
وللتأكيد أن مخطط النهضة للعودة للسلطة والوصول إلى قصر قرطاج، لم يكن وليد اللحظة، أقر المؤتمر العاشر للحركة فى ٢٠١٦ تعديلات على مستوى نظام الحركة الداخلى منح بموجبها صلاحيات واسعة لرئيس الحركة منها أولوية الترشح للمناصب العليا: رئاسة البلاد والحكومة ومجلس نواب الشعب وإن تعذر عليه الترشح، اختيار من يراه مناسبا لهذه المناصب وتمرير الترشح لمجلس الشورى بالحركة للمصادقة عليه.
وفى الانتخابات البلدية فى مايو الماضي، طاف الغنوشى البلاد وشارك فى اجتماعات عامة شملت ٣٦ دائرة بلدية بمختلف المحافظات، لتلميع صورته قبل انتخابات الرئاسة المقبلة. 
وفيما استغلت «النهضة» الصراع داخل «نداء تونس» بين المدير التنفيذى للحزب حافظ قايد السبسي، نجل الرئيس التونسي، ورئيس الحكومة يوسف الشاهد، وتشتت القوى العلمانية، للتغلغل فى مفاصل الدولة، والفوز بالمرتبة الثانية فى الانتخابات البلدية بعد المستقلين، ظهرت دعوات لبناء جبهة سياسية مدنية ديمقراطية عريضة لمواجهة تغول الحركة.
وفى ٤ يوليو الماضي، قال القيادى فى «نداء تونس» رضا بلحاج فى أعقاب لقائه بالرئيس الباجى قايد السبسي، إنه يجب تدخل الرئيس لإعادة تشكيل المشهد السياسى لمواجهة التطورات، وفى مقدمتها تغول النهضة.
وأضاف بلحاج لوسائل الإعلام التونسية «أن الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية تقتضى تدخل رئيس الدولة باعتباره ضامنا للدستور، كما تقتضى إعادة رسم خارطة سياسية جديدة تجمع مختلف القوى الديمقراطية ويكون النداء نواتها الأولى لمواجهة نزعة هيمنة النهضة على الشأن العام».
وشدد بلحاج على أن «هيمنة النهضة على المشهد السياسى وعلى مراكز القرار وقطعها للتوافق بطريقة أحادية الجانب بعدما رأت أنها أصبحت قوية، وعندما رأت أن يوسف الشاهد رئيس الحكومة بات بين يديها تسوقه كما تشاء، كل ذلك يفرض بناء جبهة ديمقراطية»، وأضاف «كل المؤشرات تؤكد أن النهضة التفت على المسار الديمقراطي».
ويبدو أنه لا بديل سوى إسراع «نداء تونس» فى لملمة ما تبقى من صفوفه، ومعالجة الأسباب، التى مكنت «النهضة» من اختراقه ودق الأسافين بداخله، وهى صراع المصالح الشخصية والنفوذ وغياب هيئات منتخبة، بالإضافة إلى أن الحزب الذى تأسس فى ٢٠١٢ بهدف مواجهة التيار الإسلامى المتصاعد فى البلاد والمتمثل بتيار النهضة، ضم تيارات متناقضة من الأطياف اليسارية والنقابية أو من شخصيات تنتمى للحزب الحاكم فى فترة ما قبل ثورة ١٤ يناير، ولذا، غاب الانسجام داخل الحزب، ما تسبب فى انشقاقات وصراعات متكررة بداخله.