الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

بوابة العرب

في اليوم العالمي للسلام.. سلام على الشيخ زايد.. سياسي محنك لا يبارى.. رأب صدع الأمة العربية.. ومواقف مشرفة لحقن الدماء في العالم

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يحتفل العالم باليوم العالمي للسلام، والذي يصادف 21 من سبتمبر، حيث يتوجه العالم بالتحية لكل من ساهم في حفظ السلام وكل من أطفأ شرارة حرب لا يدفع ثمنها إلا المستضعفون من الشعوب وكل من بذل جهدا لإعلاء قيم السلام بالعالم وساهم في فض نزاع بالطرق السلمية بعيدا عن الحروب. 
ولعل الراحل الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، هو أبرز من عرف بحبه للسلام ونبذ الفرقة والخلافات وكان نهجه في حل الخلافات قائما دائما على مبدأ تحكيم لغة الحوار والعقل وكانت له مواقف مشرفة لحقن الدماء في الوطن العربي والعالم، حيث ضرب المثل والقدوة في الحاكم الإنسان، فقد أسس مجتمع دولة الإمارات على المساواة والعدالة الاجتماعية ورسخ قيم الانتماء في نفوس أبنائه ومتن أواصر الوحدة بينهم فحصد حبا وترابطا وإخلاصا في البناء. 
وعلى الصعيد الخارجي، دعا لنشر السلام في كل مكان ومد يد الصداقة واعتمد على تقريب وجهات نظر الفرقاء باتباع الحوار الهادئ الإيجابي الذي يحقق مصلحة الشعب أولا: كما مد جسور التعاون مع دول العالم والتي تحقق المصلحة المشتركة، بالإضافة إلى أنه هب أكثر من مرة لنجدة شعب ملهوف بحاجة للمساعدة، ولا تنسى إسهاماته الثقافية والأكاديمية بالمقاعد المنتشرة في جامعات كثيرة حول العالم ولا
جهوده المضنية في مجال صون البيئة، وغير ذلك الكثير، مما أكسبه الاحترام والتقدير وجعله رمزا للسلام والمحبة والحكمة. 
وفي هذه المناسبة التحية تكون مستحقة وواجبة لمؤسس دولة الإمارات الراحل الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان أحد أبرز رجالات السلام بالعالم نتيجة مسيرة عقود تكللت فيها الجهود الإماراتية بالنجاح وجعلت الدولة محط أنظار الجميع وقبلة الباحثين عن الحوار وملاذ المكتوين بنيران الحروب. 
وفي مثل هذا اليوم تتذكر البشرية جمعاء إنجازات الراحل التي لا تعد ولا تحصى، لا سيما في مجال تعزيز أسس السلام في العالم ورؤيته الإنسانية لتوطيد العلاقات الدولية. 
وتحكي لنا هذه المناسبة قصة قائد أدرك أن الأولوية القصوى هي الوطن وأن المواطن هو الغاية، وأن الهدف الأسمى أن يتجاوز ابن الإمارات بإنجازاته وشموخه حدود وطنه. 
وأخذ المؤسس الراحل بأيدي مواطنيه إلى مصاف الأمم فاستطاع أن يجمع بين المواطنة الإماراتية والعربية الشمولية والإنسانية السامية كما استطاع على مدى قرابة نصف قرن أن ينتج ثقافة فريدة رسخها في عقول شعبه ومواطنيه بأن الخلاص في السلم ولا حل أفضل منه في هذا العالم، فأسس بذلك النهج علاقات مع المتناقضين في آن واحد بحيث استطاع أن يقف على مسافة واحدة من كليهما فتواصل مع الكل رافضا أن تتخندق الإمارات خلف تحزبات تولد هنا أو تحالفات أسست هناك.  
وكان السلام دائما قيمة عليا لدى المؤسس الراحل وشكل محور السياسات الإماراتية على المستويات المختلفة خليجيا وإقليميا ودوليا وهو ما ظل يؤكد عليه دائما وبرهنت عليه سياسة الدولة وموقفها الداعم لكافة الحقوق المشروعة للشعوب ودفاعها عن ثوابت السلام الدولي وهو ما يمكن استخلاصه من خطابه وهو يحدد ملامح المستقبل: "إننا نتطلع إلى غد مشرق؛ دعامته القوة، وسنده الحق، ومضمونه التكاتف والتآزر، وأساسه الأخوة والتضامن والعدل، وشعاره فعل الخير وتحقيق السلام".  
والأهم أن كل من على المعمورة من أقصاها إلى أدناها يستذكر في هذا اليوم أن الشيخ زايد أوجد توازنا سياسيا محسوبا بميزان حساس عكس حنكة سياسية فريدة خلال مسيرة مباركة امتدت لما يزيد على نصف قرن أثبتت أيامها وتجاربها حرصا حثيثا على السلام في أحلك المواقف التي مرت بها المنطقة طوال فترة هي الأصعب. 
أحداث جسام مرت على المنطقة أثبتت مواقف الإمارات إزائها الواحدة تلو الأخرى الإيمان السامي بالسلام واعتبار الحوار اللغة الرسمية والبديل الأوحد لإدارة الأزمات وإطفاء الحرائق وتبريد بؤرها الساخنة. 
وبنظرة عامة واقعية يتأكد أن شخصية الشيخ زايد فرضت نفسها بقوة على الساحتين العربية والدولية لتأثيره وحرصه الشديد على السلام العالمي ودوره في إقراره في المنطقة، وهو القائل: إننا نسعى إلى السلام ونحترم حق الجوار، ونرعى الصديق، لكن حاجتنا إلى جيش قوي قادر على حماية الوطن تبقى قائمة ومستمرة، ونحن نبني الجيش لا عن رغبة في غزو، وإنما للدفاع عن أنفسنا. 
لقد كان الشيخ زايد، قائدا بارزا يحترمه جميع قادة العالم ويقدرون خدماته الجليلة وعمله الدؤوب من أجل دعم الاستقرار والرخاء في الإمارات ودول المنطقة وأن جميع دول العالم تنظر إلى تجربة الإمارات الوحدوية كنموذج مشرف للوحدة في المنطقة والعالم. 
وعبر عن ذلك ممثلو المجموعات الجغرافية الخمس في الأمم المتحدة في حفل التأبين الذي أقيم لفقيد الوطن الشيخ زايد في الرابع من نوفمبر عام 2004، حيث قال ممثل مجموعة دول أوروبا الشرقية: الشيخ زايد رجل دولة بارز وسياسي يتجه دوما نحو المستقبل ولذلك استحق احترام وتقدير شعبه والعالم أجمع. 
وأضاف: لا نستطيع أيضا أن نقلل من قيمة الإنجازات التي حققها سموه على صعيد تحقيق السلام والأمن في المنطقة والعالم أجمع، حيث ارتبط بعلاقات مبنية على الثقة والاحترام مع دول الجوار الأمر الذي انعكس بدوره على تقريب وجهات نظر دول المنطقة وجعل جامعة الدول العربية إحدى المنظمات الدولية المؤثرة في تعزيز الأمن والاستقرار الدولي. 
وأشاد قادة العالم بحكمة الشيخ زايد وعمله الدؤوب من أجل السلام ففي مأدبة إفطار أقامها لأبناء الجالية المسلمة في الولايات المتحدة في 11 نوفمبر 2004، قال الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش: "إننا نتذكر في هذه الليلة المغفور له الشيخ زايد مؤسس دولة الإمارات الذي كان قائدا وحكيما وستشارك الولايات المتحدة شعب الإمارات في تخليد ذكراه". 
وقال الرئيس الفرنسي الأسبق جاك شيراك: لقد فقد العالم رجل سلام لم يكف يوما عن نشر التوافق والمنطق والحوار في منطقة مزقتها الأزمات والنزاعات وسيبقى اسمه ملاذا لقضية السلام والتنمية في الشرق الأوسط التي كرس لها حياته. 
وكان الشيخ زايد السياسي المحنك الذي لا يبارى، رأب صدع الأمة العربية وعضد أشقاءه فصار حكيم العرب والرجل الاستثنائي لكل المواقف. 
وشكلت دائما القضايا العربية محورا رئيسا في مبادئ الشيخ زايد "رحمه الله"، ولا تزال الإمارات بقيادة صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة "حفظه الله" تسير على نفس النهج ويرتبط ذلك المحور بالمشروع الوطني لبناء الدولة الذي يرتكز على أسس ومنطلقات قومية في بناء الدولة الوطنية التي تأخذ في الاعتبار ثوابت وحدة المنطلقات السياسية والاقتصادية والفكرية التي تفضي إلى وحدة المنظومة المجتمعية ضمن المشروع القومي العربي الشامل. 
وانطلاقا من هذا الإيمان بوحدة المصير والهدف عمل الشيخ زايد بتفان وإخلاص مع إخوانه قادة دول الخليج العربية حتى أعلن في 25 مايو عام 1981 من مدينة أبوظبي عاصمة دولة الإمارات عن قيام مجلس التعاون لدول الخليج العربية. 
وطوال 22 عاما ظل الشيخ زايد يدعم ويبارك مجلس التعاون الذي كان يؤمن بأنه خطوة مهمة لدعم التآزر والتعاون المشترك بين دول الخليج العربي من أجل تحقيق طموحات شعبها فضلا عن كونه رافدا للأمة العربية بأسرها. 
ولم يتردد يوما عن دعوة العرب إلى التصالح والتآزر وإصلاح ذات البين وصيانة العمل العربي المشترك بقوله "صاحب البيت أو السفينة يحتاج إلى الصيانة ولا بد من صيانة الجسد العربي في مواجهة التحديات". 
وكم كانت سعادة الراحل غامرة حين تقرر في عام 2000 عقد القمة العربية بصفة دورية قائلا: "إن لقاء القادة العرب خير من تباعدهم وتفرقهم". 
وللشيخ زايد "رحمه الله" العديد من المواقف التاريخية المشرفة ومنها دعم مصر وسورية في حرب أكتوبر 1973 وبادر باستخدام سلاح البترول في المعركة بمقولته الشهيرة: "إن البترول العربي ليس بأغلى من الدم العربي". 
ودعمه للبنان في محنته إبان الحرب الأهلية اللبنانية، وقوله: "ارفعوا أيديكم عن لبنان" واستمراره في تقديم الدعم للاقتصاد اللبناني
بعد الحرب.  
كما كانت دولة الإمارات في مقدمة الدول التي دعمت الكويت وشاركت القوات المسلحة في حرب تحرير الكويت عام 1991 وفي قوات حفظ السلام في الصومال والبوسنة والهرسك وكوسوفا، فضلا عن الدعم المتواصل للقضية الفلسطينية والبنية التحتية للشعب الفلسطيني والمبادرة إلى دعم الشعب العراقي بعد سقوط النظام السابق لمساعدته على استرداد عافيته وإعادة بناء بلده. 
واستندت السياسة الخارجية للدولة التي وضع مرتكزاتها الشيخ زايد إلى مبادئ حسن الجوار والتفاهم، وعن ذلك يقول رحمه الله: "الحقيقة أننا نسعى دائما أن تكون علاقاتنا مع جيراننا قائمة على أساس من التفاهم التام والروابط الأخوية القوية المتينة ولا يمكن أن نسعى في يوم من الأيام إلى ما يسيء إلى أصدقائنا أو جيراننا.. وإذا كان هناك أي نزاع أو سوء تفاهم بيننا وبين جار لنا أو صديق أو شقيق فأننا نتجه دائما إلى الله ونطلب منه أن يلهمنا الصبر والقدرة على أن نصل مع الصديق أو الشقيق والجار إلى تفاهم يفيد الطرفين دون اللجوء إلى ما يضر بمصالح البلدين أو يقودهما إلى النزاع المسلح". 
ونبذ المؤسس الراحل أشكال التعصب والكراهية والإرهاب ورفض بشدة ربط الإرهاب بالإسلام، وقال في كلمته في الأول من ديسمبر 2003 بمناسبة اليوم الوطني الـ32: "نؤكد أن لا الشرائع السماوية ولا القانون الدولي ولا شرعية حقوق الإنسان تعطي أي مبرر لممارسة الإرهاب وأن أية محاولة لاستخدام الدِّين لتبرير هذه الأعمال محاولة خاطئة من أساسها لأنها تنافي كل الأسس والمبادئ والقيم والتعاليم الدينية والإنسانية، ونرفض بكل شدة الدعوة إلى الكراهية والعنف ونشر الفرقة بين شعوب العالم وسنواصل طريقنا في دولة الإمارات للمحافظة على مجتمعنا المتجانس والموّحد المتمسك بقيمه وتراثه والمنفتح على العالم والمتفاعل مع ثقافاته وإبداعاته". 
وكان الشيخ زايد يؤكد دائما أن دين الإسلام هو دِين المحبة والغفران والتسامح والرأفة وأن المسلم لا يجوز أن يقتل أخاه مسلما كان أو غير مسلم. 
ووفق منهجه الثابت والعادل دعت دولة الإمارات في كل المحافل الدولية إلى ضرورة نزع أسلحة الدمار الشامل من أجل ضمان سلامة واستقرار البشرية. 
وها هي قوافل الإماراتيين تجوب المعمورة للتعريف بهذه المدرسة  الفريدة في هذا الزمن، فعززت هذه الانطلاقات الوجود الإماراتي في مختلف الدول بفضل مؤسس ومعلم فذ هو الشيخ زايد.