الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

نظرية (من واحد إلى عشرة)

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
التفكير قبل الكلام والتروى قبل اتخاذ القرار.. قاعدة تعلمناها من السابقين، الذين لم ينل جهلهم بالقراءة والكتابة من حكمة تزينت بها عقولهم، فصاروا قضاة يفصلون بين من امتلأت عقولهم بالمعلومات..وتورمت أناملهم من كثرة ما خطت أقلامهم، لم يكن السابقون كتّابًا ولا فلاسفة، ومع ذلك تناثر تراث حكمتهم على شواطئ الترع والمصارف، ونما مع بذور القمح التى نثروها بأياديهم فى أرض سوداء لتتحول إلى سنابل بلون الذهب.
الحكمة كانت تنساب بين شفاههم مع عفوية أحاديثهم، فلم يضبطوا متلبسين بخطأ، ويتحلى بثقافة الاعتذار من يسهو ويصدر قرارا يشك فى صحته، وإمعانًا فى تبسيط قاعدة التفكير والتروى قبل الكلام واتخاذ القرار.. كانت نظرية (العد من واحد إلى عشرة) فإذا تصديت لقضية أو طلب منك الكلام فى أمر ما.. عليك أن تعد الأرقام من واحد إلى عشرة حتى تهدأ وتعطى لنفسك فرصة التفكير، حتى لا يصدر منك خطأ يصنع أزمة.
هذه النظرية التى رسخها من جهلوا القراءة والكتابة لو عمل بها المثقفون أو المحسوبون على النخبة لتفادينا حالة الجدل التى يفرزها التسرع والنفاق واللعب على كل الأحبال.
كان السابقون يعتمدون على ذاكرتهم، فلا يغيرون آراءهم، ولا يبدلون مواقفهم، فالرجولة بالنسبة لهم موقف، حتى لو جاروا على أنفسهم.
واليوم يفقد البعض ذاكرته إما ناسيًا أو متناسيًا، تحركه نزواته ومصالحه الشخصية، فيقول الشىء ونقيضه، غير معتذر على ما فات، ولا مبالٍ بما هو آت.
ومع دوران عجلة الزمن أصبح هناك ذاكرة لمن نسى أو تناسى، ذاكرة تسجل المواقف، وتعرى من يحاول الالتحاف بالمناورة واللف والدوران للفوز بامتيازات. الذاكرة هى اليوتيوب والفيسبوك وتويتر، التى فضحت من تبدلت مواقفهم، وجعلتهم عبرة لمن يريد أن يعتبر.
منذ أحداث يناير وحتى الآن.. تعرى الكثيرون بفضل ذاكرة (مواقع التواصل الاجتماعى) والذين صنعوا من أنفسهم أبطالا فى لحظات بعينها..تهاوت صناعتهم لأنها كانت من ورق، بعد أن أحرجتهم مواقفهم المتناقضة أمام القاصى والداني.
مقالات كتبها أبطال هذا الزمان تحمل ثناء لمبارك وأسرته لم تحمله قصائد القدماء فى نفاق الحكام، ثم نسوا أو تناسوا وكالوا له الاتهامات عقب سقوط نظامه، وتبدلت مواقفهم معه من الانبطاح إلى التطاول، ومن المدح إلى الذم، ومن الغزل إلى الهجاء.
فاز هولاء بما لم يفز به غيرهم فى عصر مبارك، وجنوا ثمار نفاقهم، وتحت مخدر المصالح الشخصية.. عادوا لينافقوا جماعة الإخوان، ناسين أو متناسين ما قالوه فى السابق، ثم انقلبوا عليهم بفعل نفس المخدر ليتحولوا إلى نفاق الرئيس السيسي، لكن نزواتهم أنستهم أن الزمن تغير، وأن الواعى لن يسقط فى فخ سقط سابقوه فيه مرتين.
ليس دفاعًا عن مبارك، فهم أولى بالدفاع عنه لأنهم من استفادوا منه، ولا دفاعًا عن أبنائه.. فهم من تغزلوا فيهم وانكسرت عيونهم أمامهم، لكنه ناقوس الخطر، ندقه حتى لا ينخدع أحد بسحر كلامهم، فمن باع مرة يستطيع أن يبيع ألف مرة.
استمرار هؤلاء فى صدارة المشهد أصبح عبئًا على الرئيس، ينتقص من مصداقية إنجازاته، ولا يشعر المواطن بالتغيير، ولو فطن أصحاب القرار لخطورة هؤلاء لصرفوهم من المشهد كما يصرف الشيخ شيطانا تلبس جسد مريض، أما إذا كان هناك من يعتقد بأهمية وجودهم فهو متآمر مثلهم على الرئيس والمواطن، وإذا فرضت الشللية والمحسوبية أحدهم فهى جريمة يرتكبها من تركهم يبنون حاجزًا بين الرئيس والمواطن، واستفتاء واحد مع عينة عشوائية كفيل بعدم جدوى هؤلاء فى المشهد السياسي.
أيها المنافقون المتبدلة مواقفهم..إما أن تعتذروا عن قصائد مدح خطتها أياديكم المرتعشة فى مبارك وجماعة الإخوان وتتطهروا من النفاق.. أو تنصرفوا عن الوجوه التى تتقزز من النظر إليكم، أما من يتحدثون باسم الرئيس فالتغاضى عن محاسبتهم جريمة أخرى ستكون عواقبها وخيمة على الجميع.
عودوا إلى نظرية (العد من واحد إلى عشرة) قبل أن تدلوا بدلوكم أو تتخذوا قرارًا حتى لا تعريكم ذاكرة التواصل الاجتماعي، فهى لكم بالمرصاد.