الثلاثاء 07 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

«كعكة» النفط.. صراع الفصائل الإرهابية على الثروة الليبية.. وهجوم إرهابي يستهدف تدمير الوثائق والمستندات .. والأموال المسروقة تقدر بـ 112 مليار دولار

النفط الليبي
النفط الليبي
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يخطط كثير من الأطراف الفاعلة فى الملف الليبي، لاغتنام نصيب من «كعكة النفط» التى تُمثل ٣.٧٦ ٪ من الاحتياطى العالمى للنفط الخام، حسب تقرير لمنظمة البلدان العربية المصدرة للبترول «أوبك»، بنحو ٤٨ مليارًا و٥٠٠ مليون برميل، وأكثر من تريليون متر مكعب ونصف من الغاز الطبيعي.

ثروة هائلة، أثارت طمع الشركات النفطية العالمية، وأسالت لعاب الميليشيات والفصائل والأطراف المختلفة، فكانت فى مرمى النهب المنظم، وفق تقرير لجنة الخبراء التابعة للأمم المتحدة، المقدم إلى مجلس الأمن فى الخامس من سبتمبر الجاري، حيث أشار التقرير إلى التلاعب بأموال الليبيين وثرواتهم.
وبطبيعة الحال فإن المتورطين فى قضايا الفساد، يريدون تدمير الوثائق التى تدينهم، خاصة مع المطالب الدولية والمحلية للتحقيق فى نهب الثروات والتلاعب بها، وهو ما طلبه الجيش الوطنى الليبي، بقيادة المشير خليفة حفتر، الذى اشترط لإعادة تسليم الموانئ النفطية والحقول والشركات، إلى المؤسسة الوطنية للنفط، التابعة لـ«حكومة الوفاق»، بعد أن سيطر عليها ضمن عملية «الاجتياح المقدس» لتطهير الموانئ النفطية من ميليشيات إبراهيم الجضران والمعارضة التشادية، فى ٢١ يونيو من العام الحالي، وأن تخضع المؤسسة والبنك المركزى بطرابلس لتحقيق دولي.

فى ١٠ سبتمبر الجاري، تعرضت المؤسسة الوطنية للنفط لهجوم إرهابي، وسرعان ما أشارت أصابع الاتهام إلى «تنظيم داعش» من اللحظة الأولى بتنفيذ العملية، إلا أن تدمير المؤسسة وبعض وثائقها، أثار التساؤلات حول حقيقة من يقف وراء الهجوم والمستفيد منه.
لم يكد يمر أسبوع كامل، حتى خرجت قناتا «ليبيا ٢١٨»، و«ليبيا ٢٤»، بتقرير مسرب نقلته عن مصدر لم تُسمه، فى مكتب الأمن الاقتصادى الليبي، يؤكد أن ما حدث فى الهجوم لم يكن مجرد عمل إرهابى إجرامي، بل مسرحية هزلية لتدمير وثائق المؤسسة.
وأشار التقرير إلى اجتماعى يومى الإثنين ٢٠ أغسطس و٦ سبتمبر، فى المؤسسة، هدفا إلى تجميع ملفات الفساد لطمسها ومحو كل معلومة قد تدينهم، خاصة بعد تزايد وتيرة الأوضاع، إثر أنباء عن تغيير مدير المصرف الخارجى محمد بن يوسف، واجتماع محافظ مصرف ليبيا المركزى المنبثق عن مجلس النواب بـ«البيضاء» والصديق الكبير، محافظ الكيان المشابه فى طرابلس لمراجعة الحسابات، بتونس.
وأشار التقرير إلى أن المسئولين فى المؤسسة النفطية جمعوا الفواتير والمراسلات الرسمية وعقود البيع والشراء ومعدلات الإنتاج المحقق والمصدر، ووضعوها على أسطح طاولات المكاتب لتسهيل عملية حرقها، إذ تقدر القيمة الفعلية من الأموال المسروقة بحوالى ١١٢ مليار دولار، فى العديد من القضايا أبرزها الغاز المصدر إلى السوق الإيطالية عبر الأنبوب البحري، وعقود البيع والشراء المبرمة مع شركة «جلنكور وفيتوال وحلمى ندا، ابن أخ يوسف ندا، وزير مالية التنظيم الدولى لجماعة الإخوان»، بحسب التقرير.
وذكر التقرير عددًا من الشخصيات الاعتبارية المهمة، التى تورطت فى قضايا الفساد، أبرزهم إبراهيم الجضران آمر الموانئ النفطية السابق، والذى يقود ميليشيات تنفذ عدة هجمات على الهلال النفطى (بمحيط مدينتى السدرة ورأس لانوف من وقت لآخر) وأخوه سالم الجضران، الذى تولى مهمة شحن حاملات النفط إلى الخارج، دون إجراءات قانونية أو أذون شحن رسمية، وذلك بعلم مصطفى صنع الله بليبلو، رئيس مجلس إدارة مؤسسة النفط الليبية، وأحمد المعتيق نائب رئيس المجلس الرئاسى الليبى التابع لحكومة الوفاق، وبلعيد أحمد سالم مدير الإدارة المالية بمؤسسة النفط، العقل المدبر للإعداد والتوقيع، مع مصطفى صنع الله، على مستندات وفواتير المشتريات لمنتجات وهمية بكميات ضخمة، من خلال صلته مع «أ. م. ص» صاحب الأرصدة المحولة من جلنكور وفيتول إلى نورى الهمالى الورشفاني، رغم أن الأخير تاجر فى السلع الاستهلاكية.

شكوك حول العملية
بغض النظر عن صحة تبنى «داعش» الهجوم على المؤسسة الوطنية للنفط بطرابلس، من عدمه، فهناك مؤشرات قوية تؤكد استفادة المتورطين من عملية تدمير الوثائق، وهى العملية التى ترجح الدلائل أنها إجرامية لا إرهابية وحسب، حتى وإن لم يظهر فاعلها فى الصورة حتى الآن.
ولعل ما يُثير التعجب والتساؤل، ما صرح به رئيس المؤسسة الليبية للنفط، مصطفى صنع الله، (والقائم بأعمال وزير النفط فى حكومة الوفاق الإخوانية) بعد نحو ساعتين من الهجوم، قائلا: «لا خوف على وثائق المؤسسة الوطنية للنفط، فجميع وثائق المؤسسة الوطنية للنفط يجرى أرشفتها، لكنى لم أطلع على حجم الضرر الذى أصاب وثائق المؤسسة بعد الهجوم»، رغم تعرض المؤسسة لأضرار جسيمة وخسائر فادحة.
كما أن تفاصيل أحداث الهجوم تزيد من احتمالية هذه الشكوك، خاصة أن طبيعة العملية الانغماسية (الانتحارية) لا تستلزم خطف رهائن لساعات داخل المؤسسة، قتل المهاجمين على إثرها بالرصاص، فى حين فجر أحدهم نفسه، ولم يقتل أثناء التفجير من العاملين سوى الموظفين الذين سقطوا لحظة الهجوم، كما أن الجهة الأمنية التى تصدت للمهاجمين هم من كتيبة الردع ذات التوجه المدخلي، التى تؤمن بالطاعة المطلقة لولى الأمر، الحاكم، والتى أعلنت أثناء احتجاز التنظيم للرهائن أنهم من إرهابيى «داعش» دون انتظار نتائج التحقيقات.
كما رصدت كاميرات المراقبة، داخل المؤسسة حركة المهاجمين وهم يحاولون تدمير ما تطاله أياديهم من أجهزة ووثائق، أكثر من مطاردة الموظفين المحتجزين الذين لجأ بعضهم إلى الطوابق العليا فى محاولة للهروب.
وتزداد الشكوك بالنظر إلى الاستنفار الأمنى الذى تشهده مدينة طرابلس، خاصة مع المعركة الدائرة بين اللواء السابع وكتائب وزارة الداخلية بحكومة الوفاق الليبية، فى حين استطاع ٦ إرهابيين «أفارقة» يحملون أسلحة متوسطة وخفيفة ومتفجرات، الوصول إلى المؤسسة الوطنية للنفط بمنطقة «الظهرة» وسط العاصمة طرابلس لتنفيذ العملية الأولى، وتفجير آخر بمحيط مقر رئاسة الوزراء التابع لحكومة الوفاق.
كما لا يعول كثيرًا على تبنى «تنظيم داعش» للهجوم الإرهابي، نظرًا لطبيعة المرحلة التى يمر بها التنظيم التى قد تدفعه لتبنى عمليات لم ينفذها لبث الروح الحماسية فى عناصره، كما أن أول مؤسسة إعلامية نقلت تبنى تنظيم داعش الإرهابى للهجوم، هى «قناة النبأ» المملوكة لعبدالحكيم بلحاج، أمير الجماعة الليبية المقاتلة السابق، والمقربة من الإسلاميين، إضافة إلى أن بيان التبنى ذكر تنفيذ ٣ إرهابيين للعملية على المؤسسة النفطية، فى حين أغفلت الـ٣ الآخرين الذين نفذوا الهجوم قرب مقر رئاسة الوزراء.
ويكاد يكون من الثابت فى الشأن الليبى تبادل الاتهامات بالفساد، إلا أن فساد «المؤسسة الوطنية للنفط» أصبح شبه مؤكد، بالنسبة لعامة الليبيين، خاصة مع انفضاح دعمها والبنك المركزى لـ«ميليشيات الجضران الإرهابية» فى هجومها الأخير على الموانئ النفطية، وهو ما سبق أن نشره «المرجع» بعنوان «وثائق.. المجلس الرئاسى الليبى يمول ميليشيا «الجضران» الإرهابية»، والتى تثبت تورط المجلس الرئاسى لحكومة الوفاق الوطني، فى دعم الميليشيات المسلحة التى هاجمت منطقة الهلال النفطي.
وتوضح الوثائق أن آمر جهاز حرس المنشآت النفطية السابق «إبراهيم جضران»، الذى ورد اسمه فى تقرير مكتب الأمن الاقتصادى كأحد المتورطين فى قضايا فساد، دمرت وثائقهم فى الهجوم الإرهابى ١٠ سبتمبر، وأثبتت الوثائق، تسلم الجضران نحو ٤٠ مليون دينار ليبى من المجلس الرئاسى لحكومة الوفاق، لتمويل حملته الإرهابية على الموانئ النفطية بمحيط مدينتى رأس لانوف والسدرة.
كما أن تقرير الخبراء التابعين للأمم المتحدة المقدم إلى مجلس الأمن يوم ١٣ سبتمبر الحالى، أشار إلى فساد مالى فى المؤسسة الوطنية للنفط، إذ أظهرت محطات التقرير أنه يتعرض لـ«تلاعب ونهب مُنظم»، فضلًا عن عمليات التهريب التى توزعت بين البر والبحر، محملًا المسئولية عن ذلك عددًا من الميليشيات المسلحة، لافتًا إلى أن جزءًا كبيرًا من التحايل والالتفاف له صلة بمؤسسات رسمية، منحت تراخيص لتوزيع الوقود لأشخاص لا يملكون أساسًا محطات وقود على الأرض، بواقع ٤٨٠ محطة.