الخميس 09 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

الخريف فصل الثقافة والمثقفين بامتياز

مهرجان الجونة السينمائي
مهرجان الجونة السينمائي
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
بقدر ما يرتبط كثير من المثقفين بعلاقة خاصة مع فصل الخريف الذي يحل بعد أيام قليلة فإن هذا الفصل أيضا يشهد ازدهارا في الأنشطة الثقافية والفنية حتى حق القول بأن "الخريف فصل الثقافة والمثقفين بامتياز".
وانتهزت الصحافة الثقافية الغربية حلول الخريف الذي يبدأ اعتبارا من يوم الأحد المقبل الموافق الثالث والعشرين من شهر سبتمبر الجاري وحتى الثاني والعشرين من شهر ديسمبر القادم لتعرض "قوائم أفضل كتب الخريف".
ومن الطبيعي أن تركز الصحافة الثقافية في كل دولة على مبدعيها في المقام الأول مثلما فعلت صحيفة الجارديان التي كانت قائمتها لأفضل كتب الخريف حافلة بأسماء مبدعين في بريطانيا مثل الكاتبة الروائية البريطانية بات باركر صاحبة رواية "صمت البنات" ومواطنتها كاتي اتكينسون صاحبة رواية "النسخ" فضلا عن مجموعة شعرية بعنوان "إخلاص" لشاعرة البلاط البريطاني كارول ان دوفي. 
وسواء في مصر أو الخارج تزدهر الأنشطة والمهرجانات السينمائية في فصل الخريف وها هي الاستعدادات تجري على قدم وساق للدورة الأربعين لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي التي تبدأ في العشرين من شهر نوفمبر القادم وتستمر حتى التاسع والعشرين من الشهر ذاته.
وإذا كان مهرجان الجونة السينمائي في دورته الثانية التي تبدأ اعتبارا من غد "الخميس" وحتى الثامن والعشرين من شهر سبتمبر الجاري قد قرر إهداء "جائزة الإنجاز الإبداعي" للممثل والمخرج الأمريكي الشهير سيلفستر ستالوني بجانب المخرج المصري داود عبد السيد والمنتجة التونسية درة بوشوشة فإن صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية انتهزت فرصة اقتراب الخريف وأجرت استطلاعا للرأي بين نجوم هوليوود حول "الأفلام الرائدة في تاريخ السينما وأهم البطلات في أفلام الخريف".
ولئن كان فصل الصيف هو فصل التوقف عن الكتابة للنوبلي المصري الراحل نجيب محفوظ فإن صاحب رواية "السمان والخريف" كان يستأنف نشاطه الإبداعي مع حلول فصل الخريف وهو الفصل المحبب أيضا للكاتب والشاعر الكبير فاروق جويدة الذي يصف الخريف "بالفصل البديع" لافتا إلى أن هناك "علاقة خاصة جدا تربطه بشهر سبتمبر" لأنه الشهر الذي يحل فيه هذا الفصل.
ويقول فاروق جويدة:"إذا كان الصيف يطارد المشاعر ويشعر الإنسان بقسوة الظروف والربيع فصل مزيف يسرق الأيام من فصول أخرى والشتاء فصل موحش إذا لم تجد فيه الحب والدفء يبقى الخريف أجمل فصول العام حين يستقبل شهر سبتمبر بكل ما فيه من الأحلام والانتظار والدهشة".
ولعل كلمات الشاعر المصري الكبير فاروق جويدة تحمل في ثناياها نوعا من الإجابة عن سؤال قد يبدو محيرا:"فى الضباب المحير للخريف ما الذى يغوى بالكتابة عن الحب؟!..أيكون شجن الخريف، أم أن الحب لا يعرف توقيتا للكتابة عنه ولا يتطلب مناسبة"؟!.
وفي تأملات خريفية بالغة العمق والعذوبة تناول الشاعر الأمريكى هنرى كول فى قضايا الحب وشجونه وهو ينظر فى قصائد الشاعر الفرنسى الكبير شارل بودلير موضحا أن كثيرا من قصائد صاحب ديوان "أزهار الشر" كانت "تستكشف الطابع المتغير للجمال فى خضم تحولات باريس إلى مدينة صناعية".
وينظر كول لديوان "أزهار الشر" الصادر عام 1857 باعتباره "اللحن الأخير للرومانسية قبل ان توارى الثرى" فيما يتناول نظرة بودلير للحب إلى جانب فنانين وكتاب عظام قدر لهم أن يعيشوا فى باريس مثل الفنان الأسبانى بابلو بيكاسو والكاتب الروائى الأمريكى ارنست هيمنجواى والأديبة والناقدة الأمريكية جيرترود شتاين. 
وتحت عنوان:"شارع الشاعر " يتحدث الشاعر الأمريكى هنرى كول عن أيامه فى" الحى اللاتينى" بباريس وعن شوارع تفوح بعبق ذكريات الحب ونهر السين والمكتبات ودور السينما وبرج إيفل وحدائق لكسمبورج وتمثال بودلير والزهور التى وضعها عند نصبه التذكارى دون أن ينسى إلقاء نظرة على الفنادق الرخيصة التى قضى فيها المبدع الانجلو-ايرلندى اوسكار وايلد أيامه الأخيرة فى بداية القرن العشرين.
هذا شاعر فى حالة حب ومهموم بسؤال حول ديمومة الشعر الأمريكى كجزء من همومه كشاعر والطريف انه خلافا لما يردده البعض من أن "أجمل الشعر أكذبه"- يرى هنرى كول أن الشعر لا يجوز له أن يكذب حتى لو كان النثر فى القصة أو الرواية يكذب فى قضايا الحب.
وفى ديوانه الأخير الصادر فى نيويورك بعنوان: "لمسة" والذى حصل على جائزة "جاكسون" للشعر نزعات نوستالجية حادة الحنين وموسيقى الشجن وإرث المكان ورائحة الأيام لشاعر مؤمن بأن القصيدة ينبغى أن تتوهج بالصدق وأنه يريد أن يصنع بالشعر عالما من الخيال لكنه حقيقته هو وحده.
وهنرى كول شاعر من طراز غريب بالفعل حتى من حيث التركيبة العائلية فوالده أمريكي ووالدته أرمنية فرنسية وقد ولد عام 1956 فى منطقة "فوكوكا" باليابان وشب عن الطوق فى فيرجينيا بالولايات المتحدة ليسير فى طريق الشعر ويصدر حتى الآن ثمانى مجموعات شعرية بالانجليزية.
وبين عامى 1982 و1988 شغل هنرى كول منصب مدير أكاديمية الشعر الأمريكي ونهض بتدريس فنيات الشعر وجماليات القصيدة في العديد من الجامعات حتى استقر به المقام في جامعة أوهايو وبات من أعلام القصيدة الأمريكية المعاصرة.
واذا كان فاروق جويدة ينزع نحو علاقة خاصة بين "الخريف والحب" فهو يسلم بأن الحب مثل كل الأشياء "يرحل ويخرج بلا عودة" فإنه يفضل دائما "أن ينتهى كل شيء بلا جراح" فيما يرى أن المحب لابد وأن يشعر بالأمان وأنه لا يبحر بلا شراع أو أن يجد نفسه بين أمواج متلاطمة.
وأضاف فاروق جويدة في تأملات حول الخريف:"أعرف صديقا وكان كاتبا كبيرا أفسدت الغيرة حياته أمام امرأة أحبته بجنون وتحول الحب إلى نكد دائم وكان الفراق ولم يتزوج صديقي بعدها" فيما رأى أن قليلا من الغيرة فى الحب مثل ملح الطعام يعطى مذاقا أحلى وكثيرا من الملح فى الطعام يفسده وهذا ما يحدث في الحب أيضا".
طبيعى ألا يذكر الكاتب والشاعر فاروق جويدة اسم صديقه أما فى أمريكا فكتب السيرة الذاتية للمشاهير من الكتاب والفنانين تنقب فى قضايا الحب لهذا أو ذاك كما يتجلى فى هذا الكتاب الذى صدر بعنوان:"ثورنتون وايلدر:حياة" بقلم بنيلوب نيفين.
وفى هذه السيرة الذاتية الجديدة عن حياة الروائى والكاتب المسرحى الأمريكى الراحل ثورنتون وايلدر الذى فاز بجائزة بوليتزر ثلاث مرات لم تأل المؤلفة بنيلوب نيفين جهدا للعثور على قصة حب كبيرة فإذا بها تكتشف أن حبه الكبير كان للكتابة والفن وحدهما وإذا بالقارىء يكاد يشعر عبر صفحات الكتاب التى تتجاوز الـ800 صفحة بزفرات الضيق والغيظ للمؤلفة التى أخفقت فى الوصول لمأربها!.
ولعل القارئ يلتمس العذر لبنيلوب نيفين لأن ثورتون وايلدر الذى قضى فى أواخر عام 1975 كان من كبار الكتاب الأمريكيين فى الحب وشجونه فكيف لا تكون له قصة حب كبيرة بالمعنى الذى تبحث عنه المؤلفة دون جدوى؟!..وعلى أي حال فهناك شعراء كبار مثل محمد الماغوط بدوا فى حالة بحث عن شىء اسمه الحب!. 
و إذا كان الشاعر السورى الراحل محمد الماغوط قال يوما ما: لقد أعطونا العطر والخواتم وأخذوا الحب فإن الشاعر الأمريكى هنرى كول يرى أن اللغة تتحول بالحب إلى فن..فهل يمكن للكلمة أن تكون معادل الحب وأن تتحول لأوراق تنبض بالحياة مقابل أوراق تتساقط فى الخريف؟!..هل تكون الكلمة علاج الروح من خريفها وتعود بها لأول النبع؟!.