الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

«فضاء أزرق لحلم غامض».. رواية تكشف خفايا رحلة حياة ابن عربى

العمل يستلهم تراث الشيخ الأكبر فى شكل فنى جديد

«فضاء أزرق لحلم غامض»
«فضاء أزرق لحلم غامض»
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
فقط كل ما تحتاجه، «خَفِف من أحمالك لِتُحَلِق» فى عوالم رواية «فضاء أزرق لحلم غامض» لمحمود عبدالله تهامي، الصادرة عن دار كشيدة للنشر والتوزيع،هذه رِحلة مجانية، تعتزل فيها الناس، تسير معها الروح مُثقلَة لتهبط بسلام فى فضاء أزرق بعد أن تكون قد فَتشتَ هنا وهناك عن تفسير الحلم الغامض! هل حقًا له تفسير؟
تبدأ الرحلة بحوار مع النفس، وأفكار مُتداخلة مُتصارعة بين البقاء فى القرية الخالية وبين الرحيل لقرى أخرى لم تكُن فى الحُسبان. وتَغلُب فكرة الرحيل مع أول صوت يُنادي، لتكون أول الرِفاق فى الرحلة فاطمة بنت أبى المثنى المربية الروحية لمولانا محيى الدين بن عربي، دائما الأحباب يَطلون علينا من النوافذ المُزهرة فى الأيام الحَالكة، رُبما هو تعويض رَبانى للترويح عن النَفس، ويظل صدى وطيف فاطمة لنهاية الرحلة. من الطبيعى أن لكل شيء بداية ولكن هُنا فى رحلتنا نَمر بالنهاية مع أول زائر نمر عليه، وأول مشهد نعيشه كأنك ماثلً فيه، كأنك بطل من أبطاله، مشهد موت «الصنهاجي» ولى من أولياء الله الصالحين، مشهد يجب استحضاره لنصحو جميعا من غفلتنا، «إن النفس لتتجلى بصورة واضحة موسوسة: لا أعرف من الذى أغرى بنا نحن البشر لقبول حياة مليئة بالقسوة والعناد، ثم ينتظرنا شقاء أبدى فى نهاية هذه الكذبة الكبيرة!!». 
إنها الحقيقة التى نُغمض أعيننا عنها قاصدين، إنه الموت الذى يلتهم حياتنا فجأة، المَشهد الذى استوقفنى كثيرًا وحَلق بروحى فى الفضاء الأزرق، لأرى مشهد رحيلى عن الحياة، مع الصنهاجي، مُبتسمة أشعر بخفة مثالية، مُلقية بكل حواسي، وحدى فى الفضاء أصعد ببطء، متخطية أكوانا وعوالم أخرى. 
«رحمك الله يا صنهاجي.. أن السائرين إلى الله دائما يعيشون فى أُنس.. نحن المُبعَدِين فقط نعيش فى وحدة وتشرد سرمدي.. هنيئًا لك يا صنهاجي، هنيئًا لك». ويمر المشهد بسلام إلى أن دَسوه فى الرمال الملتهبة بحرارة الشمس، وانتهى به المطاف فى قبر صغير هو كل وجوده فى الدنيا، ويعلوه صخرة كبيرة، نُقش عليها اسمه، ويُختم المشهد بصعود ابن عربى لِيُذكر الناس بجلال الموت.. «يالها من نفس عجيبة، لديها القدرة على توجيه النصائح إلى الآخرين، وتفشل فى النصح لنفسها!! حقا هذا حالنا. 
وتتوالى المشاهد فى الرحلة لتستحضر لنا عبدالله القفطان، والحلاج الذى طاش بجنونه لما باح، والشيخ السكندرى والجلسة معه فى جبل الرهبان، والطواف مع الرندي، أكبر طواف فى المسالك الجبلية الوعرة، والبحث عن أبى جعفر العرني، ومرورا بمقابلة الخضر غير المتوقعة، وحضور درس الحمقاء يوم الثلاثاء بعد صلاة العصر فى الجامع الكبير مع فاطمة بنت المثنى، والتعرف على الضاحكة بغير صوت، المُشيرة بقبضة يدها اليُمنى مريم بنت القاصد، وتلبية نداء أبى الوليد بن رشد القاضى باللقاء، والتفتيش فى الصندوق الخشبى المُحَمَل بِعَبق الذكريات.. من مِنا بلا صندوق خشبي!! كلنا معنا هذا الصندوق، نُفتش فيه بين الحين والآخر، يؤلمنا البُعد عنه، والصورة الحية المرسومة بحب الوطن والالتصاق به كالأوتاد المدقوقة فى عُمق الأرض، كالفأر الذى عشق الضفدعة، واعتاد لقاءها كل ليلة، لقضاء أجمل الأوقات وسط النباتات المتشابكة.. وفى حين اختفائها احترق قلبه، وبعد أن وجدها وفكروا فى حيلة للبقاء معا طوال العمر، وعدم ضياع أحدهما عن الآخر، وذلك بربط أطراف أقدامهما فى بعضها، ليعرف الثانى بحضور الأول فيحضر، وفى لحظة جنونية هجم الغراب فالتقط الفأر فى منقاره وطار فى الفضاء، وضَيع الضفدعة المسكينة المُعلقة فى الهواء بخيط العِشق، فى حين انبهار باقى الغربان بمهارة صديقهم الغراب الذى صاد فأرا وضفدعة فى آن واحد، ومرورا بأبى على الشكاز المُحب للنساء الذى يمتهن حرفة دِباغة الجلود، الذى لم يستمع لنصائح أولياء الله بالبُعد عن النساء، حتى يتحلى بلؤلؤات التصوف، ومرورا بأبى يوسف الشبريلي، وصالح العدوي، وابن جعدون الحناوي، ونزولا بقرية الخراز عليه السلام، ومرورا بأبى مدين الغوث، وابن الفارض، وعبدالقادر الجيلاني. لِقاءات مُتعددة مع السائرين إلى الله، مع الصوفية وأهل التجلي، تبعث فى النفس الطُمأنينة والهدوء، وتدفعك لممارسة التصوف كما يعيشونه ويجدون فيه ملاذًا آمنا. 
«يا لها من حواس تصنع من الخيال خيالا!! يكفى أنها تُيَسّر للعين رؤية الماء فى الصحراء الجافة وقت العطش».
ختاما للرحلة: الجبل.. الصحراء.. الفضاء الواسع.. السواحل.. الخُلوة الفِضفاضة، كل الأماكن البعيدة عن البشر وحماقتهم.. تجد نفسك قد تخليت عن كل العلائق المربوطة بينك وبين الدنيا.. فتكون كثوب أبيض خال من العيوب.. فالجمال موجود والبشر يعيقون الاستمتاع به، كُن وحدك، واعتزل بحثًا عن النقاء.. «التصوف حُب فى القلب لكل خلق الله».