السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة القبطية

القس سهيل سعود يكتب: ألم الخيانة

القس سهيل
القس سهيل
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
إذا ما كنّا من المتابعين للمسلسلات التليفزيونية اللبنانية، نرى أن الموضوع الذي غالبًا ما يتكرّر فيها، موضوع الخيانة الزوجية. هذه المسلسلات، هي انعكاس لواقع اجتماعي لدى بعض العائلات، فنرى كم أن الخيانة تترك آلاما وجروحًا عميقة، تؤدي الى تفكك العائلات وازدياد نسبة الطلاق، وضياع الأولاد.
نصّت شريعة اللاويين في العهد القديم من الكتاب المقدس، على عقاب قاسٍ للخائنين خيانة زوجية، هي الموت. يقول النص: "وإذا زنى رجل مع إمرأة قريبه، فإنه يُقتَل الزاني والزانية معًا" (لاويين20: 10). إلا أن المسيح، في عظته على الجبل، لم يتحدث عن قصاص الموت، بل حاول معالجة الموضوع في الفكر، قبل الوصول إلى فعل الخيانة قائلا: "قد سمعتم انه قيل للقدماء، لا تزن. وأما أنا فأقول لكم: ان كل من ينظر الى امرأة ليشتهيها، فقد زنى بها في قلبه" (متى 5: 27-28).
استخدم الأنبياء كتّاب العهد القديم، موضوع الخيانة، للتحدث ليس فقط عن الخيانة الزوجية، وإنما لتشبيهه بالخيانة الروحية، خيانة الشعب لإلههم الأمين، وذلك بتركهم إياه، وذهابهم وراء البعل، إله الكنعانيين. خاطب الله شعبه قائلا لهم، "حقًا كما تخون المرأة قرينها، هكذا خنتموني يا بيت إسرائيل، يقول الرب" (إرميا3: 20). نرى بدايات هذه الخيانة الروحية، عندما كان لا يزال الشعب العبري، يجول في صحراء سيناء بعد خروجهم من عبودية المصريين، إذ أن البعض منهم أعلنوا ولاءهم لإله الكنعانيين البعل، من خلال اشتراكهم، في ممارسات وطقوس وثنية، وبناء مذابح له. يقول النص، "وأقام اسرائيل في شطيم، وابتدأ الشعب يزنون مع بنات موآب. فدعون الشعب، الى ذبائح آلهتهن، فأكل الشعب وسجدوا لآلهتهن، وتعلّق الشعب ببعل فغور، فحمي غضب الرب على إسرائيل" (عدد25: 2-3).
صوّر بعض كتّاب العهد القديم، علاقة الله بالشعب، بشكل رمزي ومجازي، من خلال استخدام تشبيه العلاقة الزوجية، وذلك للإشارة، إما إلى الوفاء، والقرب في العلاقة الروحية مع الله. أو للإشارة للخيانة، بالعلاقة الروحية البعيدة عن الله. من القصص الملفتة للنظر في أسفار العهد القديم، قصّة طلب الله من النبي هوشع، أن يذهب ويتزوّج من امرأة زانية هي جومر. لكن نسأل، كيف يمكن أن يطلب الله هذا الطلب الغريب من نبي؟ يجيب مفسّرون، ليس الهدف من هذا الطلب، تشجيع الأنبياء والأتقياء، على عدم الالتزام بالمعيار الأخلاقي العائلي، والأمانة في الحياة الزوجية، وإنما الهدف، هو تسليط الضوء بشكل درامي على الألم الكبير الذي شعر فيه الله، عند خيانة شعبه له، من خلال شعور النبي هوشع، بألم الخيانة االذي سبّبته له زوجته جومر، بتركها له، وذهابها مع رجل آخر. أو قد يكون في هذه القصة، نوعا من الأسلوب الدرامي المرئي، الذي كان يستخدم في العهد القديم، لتوضيح واقع أليم، وتسليط الضوء عليه. (وتجدر الاشارة هنا، الى أنه على زمن النبي هوشع، كانت تسمّى بعض المدن، بأسماء نساء). أذكر على سبيل المثال لا الحصر، أنه عندما تنبأ النبي إرميا، للملك يهوياقيم بن يوشيا، بان مملكته يهوذا، سوف تكون تحت عبودية الملك البابلي نبوخذناصر، فقد طلب الله منه أن يضع، على عنقه نيرا. قال الله "اجعل لنفسك ربطا وأنيارا، واجعلهما على عنقك" (ارميا 27)، وذلك كيما يوصل للملك رسالة العبودية، بطريقة درامية واضحة.
وبالعودة الى قصة النبي هوشع. يقول النص: "أوّل ما كلّم الرب هوشع، قال الرب لهوشع، إذهب خذ لنفسك: إمرأة زنى، وأولاد زنى، لأن الأرض قد زنت زنى، تاركة الرب" (هوشع1: 2). وفي الإصحاح الثالث، كرر الله، نفس الطلب من النبي، قائلا: "وقال الرب لي، إذهب أيضًا، أحبب إمرأة حبيبة صاحب، وزانية كمحبة الرب لبني إسرائيل، وهم ملتفتون الى آلهة أخرى" (هوشع3: 1). وهكذا، ذهب هوشع وتزوّج جومر الزانية. وولد منها ثلاثة أولاد.
وبينما كان هوشع يتنبأ، حدث معه كما كان يحدث مع الله. تركته زوجته جومر، وخانته وأحبّت رجلاً آخر، فشعر بألم ومرارة الخيانة، كما شعر قلب الله بألم ومرارة خيانة شعبه له، فالخيانة تسبّب ألما كبيرا على كل الأصعدة، لا سيما الخيانة الزوجية، التي تكسر قلوب الأزواج أو الزوجات الأوفياء. الخيانة بين الأصحاب أليمة جدا، للآثار النفسية التي تتركها في قلب المخان. كم تألم المسيح، عندما خانه يهوذا، وسلمه من أجل ثلاثين من الفضة، وللأسف كانت إشارة الخيانة قبلة، حتى لم يعد يثق الكثيرين بنقاء قبلات أصدقائهم لهم، لكن بالرغم من خيانة الزوجة جومر لزوجها النبي هوشع، فإن الله عاد وطلب منه أن يفتش عنها، للاشارة المجازية، الى أن باب التوبة هو دائمًا مفتوح للخطاة الذين خانوا الله بحياتهم وتصرفاتهم، "لأن الله يريد أن جميع الناس يخلصون، والى معرفة الحق يقبلون" (1 تيموثاوس 3: 4).
لكن إذا ما كان تشبيه العلاقة الروحية، بين الله وإسرائيل في سفر هوشع، تركّز على الخيانة. فإن تشبيه العلاقة االروحية، بين المسيح وكنيسته في العهد الجديد، ( أفسس 5: 22-33)، تركّزعلى علاقة الطهارة والوفاء والأمانة.
قال الرسول بولس لكنيسة أفسس: "أيها الرجال أحبّوا نساءكم، كما أحبّ المسيح أيضًا الكنيسة وأسلم نفسه لأجلها، لكي يقدّسها مُطّهرًا إياها بغسل الماء بالكلمة، لكي يحضرها كنيسة مجيدة لا دنس فيها، ولا غضن أو شيء مثل ذلك، بل تكون مقدّسة وبلا عيب" (أفسس5: 25-27). فالمسيح الذي أحب العالم، وضحى بنفسه من أجله على الصليب، ليحضرها كنيسة مجيدة، ويؤمن لها حياة أفضل، بغفرانها العجيب، يطلب من كنيسته، أن تبادله المحبة بالمحبة المتبادلة، والتضحية، بالوفاء الكامل، التي تظهر من خلال السلوك والتصرفات. هذا هو نموذج العلاقة، التي يريد العريس يسوع، أن يقيمه مع عروسه الكنيسة، (والذي، يجب أن تتوفر في العلاقات الزوجية بين العائلات، لتجنب الخيانة الزوجية، والمحافظة على أسرنا). انها علاقة مجيدة، مقدسة، لا دنس فيها، لا غضن فيها، وبلا عيب.