الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

في حوار مع نجيب محفوظ.. "أديب نوبل" يقدم روشتة الإصلاح من العالم الآخر

نجيب محفوظ
نجيب محفوظ
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
فى رائعته أمام العرش استحضر نجيب محفوظ حكام مصر منذ بداية التاريخ، وحتى السادات بالعصر الحديث مرورًا بأهم الحكام الفراعنة أكثرهم عدلًا وأكثرهم جنوحًا وظلمًا، نساءهم ورجالهم، أهم وزرائهم ومستشاريهم وحاكمهم على أهم ما فعلت أيديهم بحياة شعوبهم أتى نجيب محفوظ بإيزيس وأوزوريس ونصب محكمته العادلة وقرر مصير الحكام العظماء يجلسون بين العظماء والمخطئين يذهبون لمصيرهم المحتوم وهناك باب للتافهين غير المستحقين للثواب أو للعقاب أرسلهم محفوظ من باب التافهين.. وكل حاكم يتحدد مصيره بعمله ومبرراته ورأى قضاته. هل يمكننا فعل نفس الشئ مع نجيب محفوظ اليوم؟ لا نملك فلم يكن الأستاذ حاكمًا ولا مسئولًا أو صاحب قرار، لكن يمكننا استحضار روح قلمه وفكره ورأيه المختبئ بين سطوره عسى أن يرشدنا مجددًا: لنرى أفضل، وندرك أكثر، ونفهم ما نود فهمه. وفى صورة تخيلية وفى حوار من العالم الآخر مع نجيب مجفوظ بعد رحيله بـ١١ عامًا تصور أنه يحدثنا عن الثورة والحلم وكابوس الربيع العربى وكيف نجت منه مصر.. حياتنا اليوم بعيون الأستاذ حتى لو تركنا ورحل ليحيا حياته الجديدة.

■ كيف حالك أستاذنا العزيز، نفتقدك كثيرًا منذ انتقلت لحياتك الجديدة؟
- فى أحسن حال الحمد لله فرحمة الله واسعة لكن معظم الناس لا يعلمون.
■ ألا تزال مصر تشغل بالك؟
- طبعًا تشغل كل كيانى زى ما بيقول شوقى بيه وطنى لو شُغلت بالخُلد عنه نازعتنى إليه بالخلد نفسي.. مصر عندى هى الحياة والموت، والموت نفسه لا يمكن أن يمنعنى عن متابعة أخبارها، وتحولاتها والعواصف العاتية التى تمر بها.
■ ماذا عن مصر بعد ثورة يناير؟؟
- من وجهة نظرى أن يناير حركة احتجاج نبيلة تكشف روح وجوهر ومعدن الشعب المصرى الحقيقي، فعلى مدار التاريخ يبدو السطح ساكنًا مُستقرًا والأوضاع هادئة وفجأة يحدث زلزال شعبى خارج كل توقعات المثقفين والاستراتيجيين والسياسيين وغيرهم، أنا رأيى الشخصى فيما حدث أن نظام مبارك بأكمله كان يعانى من الشيخوخة، وكان الطبيعى أن يرضخ لقواعد الزمن ويتنحى لكن يظهر أن إدمان السلطة أكبر من كل القواعد عندما خرجت الناس فى يناير طالبوا بالعيش والحرية والعدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان، وهذا كله يعنى افتقاد الحد الأدنى من متطلبات الإنسان ليصبح إنسانًا، ولو كان النظام وقتها أكثر ذكاءًا كان استطاع احتواء الانتفاضة ضده ويعمل توازنًا مقبولًا وينحنى للعاصفة كى تمر، تصدقى حضرتك حتى الفتوات الذين كتبت عنهم فى أولاد حارتنا والحرافيش مثلًا كان لديهم وعى سياسى أكثر بكثير من نظام مبارك، الحرافيش عندما تتحرك تصبح كالطوفان لا يصلح معه العناد.
■ إذا كانت يناير حركة نبيلة كما وصفتها حضرتك لماذا لم تحقق أى مطلب لها بل بالعكس يشعر الناس أن ما قبلها كان أكثر استقرارًا وراحة ؟؟ 
- المحصلة النهائية ليناير كانت كتلة من الوجع لأن الثورة (وياريت تضعى كلمة الثورة بين قوسين) اتسرقت واستحوذ عليها تيار ميزته الوحيدة أنه مُنظم، كما يقولون (أعور فى مملكة عميان) هذا التيار لا يعرف الحرية ولا العدالة الاجتماعية ولا حقوق الإنسان، ومنذ هذا التوقيت لم تعد الأحوال كسابقتها، وبدأ هذا القلق الذى دفعنا ومازلنا ندفع وسندفع ثمنه أكثر وأكثر.. شوفى يا أستاذة أنا سبق قلت لحضرتك تضعى كلمة الثورة بين قوسين لأن جيلى تربى على مفهوم محدد للثورة يتجسد فى ثورة ١٩١٩.. فهى حركة شعبية جزء منها عفوى لكن الجزء الأكبر منظم وفيها أيضًا قيادة وبرنامج عمل ومطالب وأهداف ووضوح رؤية وتمييز بين الحليف والعدو، وكل ذلك لم يكن موجود فى يناير ٢٠١١، وما حدث فى يناير سبق وكتبت عنه فى الحرافيش لو رجعتى إليها ستجدين الغضب فى الحارة عمل ثورة طاحت فى الفتوات وأتى بشخص طيب جدًا ومثالى ونبيل ليس له كلمة فسرقت منه أيضًا أحلام الحارة. 
■ وما هو الحل؟
- أعتقد أن آخر ثلاث صفحات كتبتهم فى أمام العرش ستجدين بهم الروشتة لعلاج المرض: أهم بند فيها أن يكون هناك ديمقراطية حقيقية بالطبع ليست ديمقراطية صندوق انتخابات يتم شراء أصواته بزجاجات الزيت والسكر لأن الديمقراطية تعنى مواطنين واعيين لديهم القدرة على الفرز والاختيار هذا معناه تعليم جيد، ثقافة حقيقية، قدرة على تحمل المسئولية بمعنى حقوق وواجبات، كل هذا معناه تغير حقيقى فى المجتمع وليس فى رموز السلطة التى نختصرها دومًا فى رئيس أو زعيم، طبعًا المشوار طويل جدًا خصوصًا أننا من ٩٠ سنة تقريبًا لم يعجبنا عبدالعزيز باشا فهمى عندما قال إن دستور ٢٣ ثوب فضفاض، كان غرضه بتلك العبارة أن القيم الموجودة فى الدستور يصعب على الشعب استيعابها وقتها قلنا إنه متعال ومغرور وحاسب نفسه على الصفوة، وأنه من برادع الإنجليز لكن الحقيقة أن كلامه به حكمة وأن مرارة الدواء يجب ألا تنسينا ضرورته، وبالتالى فإن عملية القفز السريع على سلالم التاريخ ممكن أن تكسر رقابنا ليس كما يفهم الناس أنها ستصل بنا أسرع، نحن نحتاج للتعليم والتعليم والتعليم إلى ما لا نهاية..... تعليم جيد، تعليم عصري، تعليم يلبى احتياجات حياتنا تعليم الهدف منه ليس وظيفة تعليم يلعب دورًا حيويًا فى زيادة الإنتاج وتحسين الاقتصاد لذلك إذا تابعتى الدول التى بدأت نهضتها بعدنا بعقود مثل اليابان وماليزيا وسنغافورة وتركيا والإمارات استطاعت التطور أكثر منا بكثير كل هذا بسبب التعليم الجيد والإرادة السياسية فى الإصلاح والعدل وفى محاربة الفساد (وليس القضاء حتى على الفساد) لكن مجرد النية بالقضاء على الفساد وشعور الناس بخطوات وآليات ذلك، عندما نقوم بكل هذا ونفصل تمامًا بين الدين والسياسة وقتها فقط سنكون على عتبات التغيير، قد يأخذ الإصلاح سنوات أو عقودًا أو أجيالًا لكن سندرك ونعى ونطمئن أننا نسير فى الطريق الصحيح.
■ كل ما سبق نتحدث عن التنمية وبداية الطريق الحقيقى لها، لكن حضرتك مصر ودول عربية عديدة تعانى من سرطان الإرهاب الذى يستحيل معه تنمية حقيقية أو أمان حقيقى لأى مجتمع.
- الإرهاب ظاهرة موجودة فى كل زمان ومكان ولا تصدقى مطلقًا من يوهموننا بأنه مرتبط بالإسلام، ولو أعدنا قراءة التاريخ سنكتشف أن الإرهاب موجود منذ الخليقة لأسباب شتى ليس بينها أنه مرتبط بدين معين أو شعب معين، الحقيقة لا عارف إذا كنتى قرأتى مسرحية «الجبل» التى كتبتها منذ زمن طويل أم لا؟ هى تتناول قصة مجموعة من الشباب الذين تمردوا على أحوال الحارة فقرروا الصعود للجبل وبدأوا يخطفوا رموز الفساد والشر فى الحارة ويحاكموهم محاكمات هزلية ثم يعدمونهم.. منهج (عك فى عك) لأن الفساد ليس ابن أفراد فهو ظاهرة اجتماعية والإرهاب لا يمكن أن يكون حلًا مثاليًا لأنه يقطف الثمرة ويبقى على الجذور، بعد فترة يفكر هؤلاء الشباب فى مصالحهم الشخصية وتتحول القضية لديهم لوسيلة لتحقيق أحلامهم فيتصارعون ويقضون على بعضهم البعض ويبقى الفساد فى الحارة، وإيمان بعض الناس أن قوة الإرهاب هى الحل لكن صدقينى الإرهاب ما هو إلا رد فعل مراهق عصبى ممكن أن يرفع راية العقيدة الدينية، أو العدالة الاجتماعية، أو حتى الحرية أى راية والسلام لكن كل هذا لا يقضى على أى خلل فى أى مجتمع ولا يحقق السلام ولا حتى الحد الأدنى من احتياجات الإنسان العادي.
■ لكن رياح الربيع العربى امتدت لتشمل تونس وليبيا وسوريا واليمن مع اختلاف الأسباب والتداعيات والنتائج.
- ما حدث هناك هو ما حدث هنا لكن بدرجات مختلفة لأننا مجتمع متماسك ليس لديه مشاكل أصيلة مثل الأقليات الدينية والعرقية وطبعًا سمعت عن أناس كُثر يتحدثون عن نظرية المؤامرة، وأن هناك أعداءً يحاولون إزعاجنا أو يدمرون حياتنا والحقيقة تعجبت كثيرًا من تلك الحجج لأن الطبيعى أن يحاول الأعداء تدميرى بكل الوسائل فإذا نجحوا فى ذلك لن يكون هذا النجاح عبقرية منهم بقدر ما هو فشلى فى حماية نفسى من مخططهم وكان علينا أن نقاوم المؤامرة بمنتهى الجدية والعلم والحكمة لكن للأسف دائمًا سلاحنا هو الشجب والاستنكار والكلام عديم النتيجة، الحمد لله لم تصل مصر لمصير الدول التى ذكرتيها لأسباب مهمة رغم وجود مشكلات اقتصادية ومعاناة لكن فكرة الحياة نفسها مستمرة وأصيلة لأن النسيج الشعبى واحد ومتماسك حتى لو كانت هناك أطراف تذبل وتجهد، الشى المهم الآخر أن سقوط المؤسسات بعد يناير لم يصل للمؤسسة العسكرية، وهى السبب الرئيسى فى التوازن، تلك المؤسسة هى العمود الأساسى الذى يحمل هذا المنزل وبدونه لابد وأن يسقط لا قدر الله فوق رأس الجميع. 
■ بمناسبة الإنسان العادى يا أستاذ نجيب: حضرتك كنت بتعبر فى قصصك ورواياتك عن مَنْ تحديدًا؟؟
- عن الإنسان العادى البسيط الذى ليس ملاكًا ولا شيطانًا، لا طيبًا ولا شريرًا، لا ظالمًا ولا عادلًا، الإنسان العادى المختلط لديه كل تلك الصفات بمقدار ما، فالإنسان مخلوق عظيم للغاية ومعقد للغاية يحمل عناصر عديدة تشكل شخصيته وحياته على رأى الست (أهو من ده وده). 
■ بمناسبة الست وهى عشقك كما نعلم: كيف يرى نجيب محفوظ الفن المصرى الآن سواء كان غناء أو سينما أو غيره؟؟
- تصعب على الكافر، «ويضحك ضحكته الشهيرة» لأن الفن سواء سينما أو مسرح أو غناء يخرج من هذا المجتمع ويعكس حالته فإذا عاش المجتمع كل هذا التردى والضبابية كيف ننتظر منه فنًا جيدًا أو راقيًا؟ ما يقدم اليوم يعبر عن الحالة العامة، وبالتالى نجد العملة الرديئة تسود والعملة الجيدة تتوارى خجلًا.